فأصابه في الحال و الناس إلى اليوم يرجمون المنارة التي كان يؤذن عليها .
أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية : إن عليا (عليه السلام) دعا على ولد العباس بالشتات
[281]
فلم يروا بني أم أبعد قبورا , منهم فعبد الله بالمشرق , و معبد بالمغرب , و قثم بمنفعة الرواح , و ثمامة بالأرجوان , و متمم بالخازر , و في ذلك يقول كثير :
دعا دعوة ربه مخلصا *** فيا لك من قسم ما أبرا
دعا بالنوى فساءت بهم *** معارفة الدار برا و بحرا
فمن مشرق ظل ثاو به *** و من مغرب منهم ما أضرا
فضائل العشرة و خصائص العلوية قال ابن مسكين : مررت أنا و خالي أبو أمية على دار في دور حي من مراد , فقال : أ ترى هذه الدار ?
قلت : نعم .
قال : فإن عليا مر بها و هم يبنونها , فسقطت عليه قطعة فشجته .
فدعا أن لا يتم بناؤها , فما وضعت عليها لبنة .
قال : فكنت تمر عليها لا تشبه الدور .
و في حديث الطرماح بن عدي و صعصعة بن صوحان : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه خصمان , فحكم لأحدهما على الآخر .
فقال المحكوم عليه : ما حكمت بالسوية و لا عدلت في الرعية و لا قضيتك عند الله بالمرضية .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : اخسأ يا كلب , و كان في الحال يعوي .
ابن حماد :
و صاح في المرتاب في حكمه *** إذ قال ذا حكم امرئ جائر
اخسأ فألفاه على أربع *** كلبا فيا للهالك الدامر
و لما قال :
ألا و إني أخو رسول الله , و ابن عمه , و وارث علمه , و معدن سره , و عيبة ذخره , ما يفوتني ما عمله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , و لا ما طلب , و لا يعزب علي ما دب و درج , و ما هبط و ما عرج و ما غسق و انفرج , كل ذلك مشروح لمن سأل , مكشوف لمن وعي .
قال هلال بن نوفل الكندي في ذلك , و تعمق , إلى أن قال : فكن يا ابن أبي طالب بحيث الحقائق و احذر حلول البوائق .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هب إلى سفر , فو الله ما تم كلامه حتى صار في صورة الغراب الأبقع , يعني الأبرص .
و أصاب دعائه جماعة , منهم : زيد بن أرقم فإنه قد عمي .
و يلعاء بن قيس فإنه برص .
عبد الله بن أبي رافع سمعته يقول : اللهم أرحني منهم فرق الله بيني و بينكم
[282]
أبدلني الله بهم خيرا منهم , و أبدلهم شرا مني .
فما كان إلا يومه حتى قتل .
و في رواية : اللهم إني قد كرهتهم و كرهوني , و مللتهم و ملوني , فأرحني و أرحهم .
فمات تلك الليلة .
و روى حديث الطير جماعة منهم الترمذي في جامعه و أبو نعيم في حلية الأولياء و البلاذري في تاريخه و الخركوشي في شرف المصطفى و السمعاني في فضائل الصحابة و الطبري في الولاية و ابن البيع في الصحيح و أبو يعلى في المسند و أحمد في الفضائل و النطنزي في الاختصاص و قد رواه محمد بن إسحاق و محمد بن يحيى الأزدي و سعيد و المازني و ابن شاهين و السدي و أبو بكر البيهقي و مالك و إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة و عبد الملك بن عمير و مسعر بن كدام و داود بن علي بن عبد الله بن عباس و أبو حاتم الرازي بأسانيدهم عن أنس و ابن عباس و أم أيمن و رواه ابن بطة في الإبانة من طريقين و الخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق و قد صنف أحمد بن محمد بن سعيد كتاب الطير و قال القاضي أحمد قد صح عندي حديث الطير و ما لي لفظه و قال أبو عبد الله البصري إن طريقة أبي عبد الله الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحة هذا الخبر لإيراده (عليه السلام) يوم شورى فلم ينكر قال الشيخ : قد استدل به أمير المؤمنين (عليه السلام) على فضله في قصة الشورى بمحضر من أهلها , فما كان فيهم إلا من عرفه و أقر به و العلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها فصار متواترا و ليس في الأمة على اختلافها من دفع هذا الخبر .
و حدثني أبو العزيز كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين الواعظ في كتابه ما قرب سنده قال حدثنا نضر بن أبي القاسم الفرائضي قال قال محمد بن عيسى الجوهري قال قال نعيم بن سالم بن قنبر قال قال أنس بن مالك الخبر و قد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد و قد رواه خمسة و ثلاثون رجلا من الصحابة عن أنس و عشرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد صح : أن الله تعالى و النبي يحبانه و ما صح ذلك لغيره , فيجب الاقتداء به .
و من عزا خبر الطائر إليه قصر الإمامة عليه .
و مجمع الحديث : إن أنسا تعصب بعصابة فسئل عنها .
فقال : هذه دعوة علي .
قيل : و كيف ذلك ?
قال : أهدي إلى رسول الله طائر مشوي , فقال اللهم ائتني بأحب
[283]
خلقك إليك يأكل معي هذا الطير .
فجاء علي .
فقلت له : رسول الله عنك مشغول , و أحببت أن يكون رجلا من قومي .
فدعا رسول الله ثانيا .
فجاء علي .
فقلت : رسول الله عنك مشغول .
فدعا رسول الله ثالثا .
فجاء علي .
فقلت رسول الله عنك مشغول .
فرفع علي صوته , و قال : و ما يشغل عني رسول الله ?
و سمعه رسول الله .
فقال : يا أنس من هذا ?
قلت : علي بن أبي طالب .
قال : ائذن له .
فلما دخل له , قال له يا علي : إني قد دعوت الله ثلاث مرات أن يأتيني بأحب خلقه إليه و إلي أن يأكل معي هذا الطير , و لو لم تجئني في الثالثة لدعوت الله باسمك أن يأتيني بك .
فقال , يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إني قد جئت ثلاث مرات كل ذلك يردني أنس و يقول رسول الله عنك مشغول .
فقال لي رسول الله : ما حملك على هذا ?
قلت : أحببت أن يكون رجلا من قومي .
فرفع علي يده إلى السماء , فقال : اللهم أرم أنسا بوضح لا يستره من الناس .
و في رواية : لا تواريه العمامة , ثم كشف العمامة عن رأسه , فقال : هذه دعوة علي .
الحميري :
أ ما أتى في خبر الأنبل *** في طائر أهدي إلى المرسل
سفينة مكن في رشده *** و أنس خان و لم يحصل
في رده سيد كل الورى *** مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده *** ثم غري بالبرص الأنكل
و له :
نبئت أن أبانا كان عن أنس *** يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا
في طائر جاء مشويا به بشر *** يوما و كان رسول الله محتجبا
أدناه منه فلما أن رآه دعا *** ربا قريبا لأهل الخير منتجبا
أدخل إلي أحب الخلق كلهم *** طرا إليك فأعطاه الذي طلبا
فاغتر بالباب مغترا فقال لهم *** من ذا و كان وراء الباب مرتقبا
من ذا , فقال علي . قال إن له *** شأنا له اهتم منه اليوم فاحتجبا
فقال لا تحجبن مني أبا حسن *** يوما و أبصر في أسراره الغضبا
[284]
من رده المرة الأولى و قال له لج و احمد الله و اقبل كل ما وهبا
أهلا و سهلا بخلصائي و ذي ثقتي *** و من له الحب من رب السما وجبا
و قال ثم رسول الله يا أنس ما ذا *** أ صار بك التخليط مكتسبا
ما ذا دعاك إلى أن صار خالصتي *** و خير قومي لديك اليوم محتجبا
فقال يا خير خلق الله كلهم *** أردت حين دعوت الله مطلبا
بأن يكون من الأنصار ذاك لكي *** يكون ذاك لنا في قومنا حسبا
فقد دعا ربه المحجوب في أنس *** بأن يحل به سقم حوى كربا
فناله السوء حتى كان يرفعه *** في وجهه الدهر حتى مات منتقبا
و له أيضا :
و في طائر جاءت به أم أيمن *** بيانا لمن بالحق يرضى و يقنع
فقال إلهي آت عبدك بالذي *** تحب و حب الله أعلى و أرفع
ليأكل من هذا معي و يناله *** فجاء علي من يصد و يمنع
فقال له إن النبي ورده *** على حاجة فارجع و كل ليرجع
فعاد ثلاثا كل ذلك يرده *** فأهوي بتأييد إلى الباب يقرع
فأسمعه القرع الوصي لبابه *** فقال له ادخل بعد ما كاد يرجع
و قال له يشكو لقد جئت مرة *** و أخرى و أخرى كل ذلك أدفع
فسر رسول الله أكل وصيه *** و أنف الذي لا يشتهي ذاك يجدع
و قال له ما إن يحبك صادق *** من الناس إلا مؤمن متورع
و يقلاك إلا كافر و منافق *** يفارق في الحق الأنام و يخلع
و له :
في قصة الطائر المشوي حين دعا *** محمد ربه دعوات مبتهل
أدخل إلي أحب الخلق كلهم *** طرا إليك فمنه و اجعلنه ولي
فجاء من بعده خير الورى رجل *** عليه يقرع باب البيت في مهل
فقال مختبرا من ذا له أنس *** فقال جاء علي جد بفتحك لي
[285]
فقال ترجع و لا تصغر أبا حسن *** فإن عنك رسول الله في شغل
فانحاز غير بعيد ثم أعطفه *** دعا النبي فدق الباب في رسل
فقال أحمد من هذا تحاوره *** بالباب , ادخله , لا بوركت من رجل
فقال مبتدرا للباب يفتحه *** و حيدر قائم بالباب لم يزل
حتى إذا ما رأته عين أحمده *** حيي و قربه تقريب محتفل
فقال ما بك قل لي يا أبا حسن *** اجلس فداك أبي يا مونسي فكل
و له :
أدخل إلي أحب الخلق كلهم *** حبا إليك و كان ذاك عليا
لما بدت لأخيه سحنة وجهه *** و دنا فسلم راضيا مرضيا
حيي و رحب مرحبا بأحبهم *** حبا إلى ملك العلى واليا
الصاحب :
علي له في الطير ما طار ذكره *** و قامت به أعداؤه و هي تشهد
الأصفهاني :
أمن له في الطير قال نبيه *** قولا ينير بشرحه الأفقان
يا رب جيء بأحب خلقك كلهم *** شخصا إليك و خير من يغشاني
كيما يؤاكلني و يونس وحشتي *** و الشاهدان بقوله عدلان
فبدا علي كالهزبر و وجهه *** كالبدر يلمع أيما لمعان
فتواكلا و استأنسا و تحدثا *** بأبي و أمي ذلك الحدثان
ابن حماد :
و في قصة الطير لما دعا *** النبي الإله و أبدى الضرع
أ يا رب ابعث إلي أحب *** خلقك يا من إليه الفزع
فلم يستتم النبي الدعاء *** إذا بإمام الهدى قد رجع
ثلاث مرار فلما انتهى *** إلى الباب دافعه و اقترع
فقال النبي له ادخل فقد *** أطلت احتباسك يا ذا الصلع
[286]
فخبره أنه جاءه ثلاثا *** و دافعه من دفع
فقطب في وجه من رده *** و أنكر ما بأخيه صنع
فأورثه برصا فاحشا *** فظل , و في الوجه منه بقع
المفجع :
كان النبي لما تمنى *** حين أتوه طائرا مشويا
إذ دعا الله أن يسوق أحب *** الخلق طرا إليه سوقا و حيا
الصوري :
و أيكم صار في فرشه *** إذ القوم مهجته طالبونا
و من شارك الطهر في طائر *** و أنتم بذاك له شاهدونا
الجبري :
و الطائر المشوي نص ظاهر *** فتيقظي يا ويك عن عمياك
ابن رزيك :
و في الطائر المشوي أوفى دلالة *** لو استيقظوا من غفلة و سبات
ابن العطار الواسطي الهاشمي :
و لقد أرانا الله أفضل خلقه *** في الطائر المشوي لما أن دعا
و ممن دعا له (عليه السلام) أم عبد الله بن جعفر , قالت : مررت بعلي و أنا حبلى فدعاني فمسح على بطني , و قال : اللهم اجعله ذكرا ميمونا مباركا فولدت غلاما .
انتباه الخركوشي : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سمع في ليلة الإحرام مناديا باكيا فأمر الحسين (عليه السلام) يطلبه .
فلما أتاه وجد شابا يبس نصف بدنه , فأحضره .
فسأله علي (عليه السلام) : عن حاله .
فقال : كنت رجلا ذا بطر , و كان أبي ينصحني فكان يوما في نصحه إذ ضربته .
فدعا علي بهذا الموضع , و أنشأ شعرا , فلما تم كلامه , يبس نصفي .
فندمت و تبت و طيبت قلبه , فركب على بعير ليأتي بي إلى هاهنا و يدعو لي .
فلما انتصف البادية نفر البعير من طيران طائر , و مات والدي .
فصلى علي (عليه السلام) أربعا , ثم قال : قم سليما .
فقام صحيحا .
فقال : صدقت لو لم يرض عنك لما سمعت .
[287]
و سمع ضرير دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) اللهم إني أسألك يا رب الأرواح الفانية و رب الأجساد البالية أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها و بطاعة الأجساد الملتئمة إلى أعضائها و بانشقاق القبور عن أهلها و بدعوتك الصادقة فيهم و أخذك بالحق بينهم إذا برز الخلائق ينتظرون قضائك و يرون سلطانك و يخافون بطشك و يرجون رحمتك يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو البر الرحيم .
أسألك يا رحمان أن تجعل النور في بصري و اليقين في قلبي و ذكرك بالليل و النهار على لساني أبدا ما أبقيتني إنك على كل شيء قدير .
قال فسمعها الأعمى و حفظها و رجع إلى بيته الذي يأويه فتطهر للصلاة و صلى ثم دعا بها .
فلما بلغ إلى قوله أن تجعل النور في بصري , ارتد الأعمى بصيرا بإذن الله .
عقد المغربي : إن عمر أراد قتل الهرمزان فاستسقى فأتي بقدح فجعل ترعد يده .
فقال له في ذلك .
فقال إني خائف أن تقتلني قبل أن أشربه .
فقال اشرب و لا بأس عليك , فرمى القدح من يده فكسره فقال ما كنت لأشربه أبدا , و قد آمنتني .
فقال : قاتلك الله لقد أخذت أمانا و لم أشعر به .
و في رواياتنا : أنه شكا ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعا الله تعالى فصار القدح صحيحا مملوا من الماء فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم .
و استجابة الدعوات المتواترات من الآيات الباهرات في خلق الله المستمر العادات التي لا يغيرها إلا لخطب عظيم و إقامة حق يقين و ذلك خصوصية للأنبياء و الأئمة (عليه السلام) .
فصل في نواقض العادات منه :
و أما نقض العادة فعلى سبعة أنواع منها ما كان من قوته و شوكته .
شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب و الحسن بن محبوب عن عبد الله بن غالب عن الصادق (عليه السلام) , في خبر : قالت فاطمة بنت أسد فشددته و قمطته بقماط فنتر القماط .
ثم جعلته قماطين فنترهما .
ثم جعلته ثلاثة , و أربعة , و خمسة , و ستة , منها أديم و حرير فجعل ينترها .
ثم قال : يا أماه , لا تشدي يدي , فإني أحتاج أن أبصبص لربي بإصبعي .
أنس عن عمر بن الخطاب : إن عليا رأى حية تقصده و هو في المهد و شدت يداه في
[288]
حال صغره , فحول نفسه , فأخرج يده , و أخذ بيمينه عنقها , و غمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها , و أمسكها حتى ماتت .
فلما رأت ذلك أمه , نادت و استغاثت : فاجتمع الحشم , ثم قالت : كأنك حيدرة :
حيدرة اللبوة إذا غضب *** ت من قبل أذى أولادها
الحميري :
و يا من اسمه في الكتب *** معروف به حيدر
و سمته به أم له *** صادقة المخبر
دعبل :
أبو تراب حيدرة *** ذاك الإمام القسورة
مبيد كل الكفرة *** ليس له مناضل
مبارز ما يهب *** و ضيغم ما يغلب
و صادق لا يكذب *** و فارس محاول
سيف النبي الصادق *** مبيد كل فاسق
بمرهف ذي بارق *** أخلصه الصياقل
جابر الجعفي قال : كان ظئرة علي (عليه السلام) التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة , و كان أكبر منه سنا بسنة , و كان عند الخباء قليب , فمر الصبي نحو القليب و نكس رأسه فيه , فتعلق بفرد قدميه و فرد يديه , أما اليد ففي فمه , و أما الرجل ففي يديه .
فجاءت أمه فأدركته , فنادت في الحي يا للحي من غلام ميمون , أمسك على ولدي فمسكوا الطفل من رأس القليب و هم يعجبون من قوته و فطنته . فسمته أمه مباركا و كان الغلام في بني هلال يعرف بمعلق الميمون و ولده إلى اليوم .
العوني :
و اسم أخيه في بني هلال *** فاسأل به إن كنت ذا سؤال
معلق الميمون ذا المعالي *** بذكره القوم على الليالي
موهبة خص بها صبيا
و كان أبو طالب يجمع ولده و ولد إخوته ثم يأمرهم بالصراع و ذلك خلق في
[289]
العرب فكان (عليه السلام) يحسر عن ذراعيه و هو طفل , و يصارع كبار إخوته و صغارهم و كبار بني عمه و صغارهم فيصرعهم , فيقول أبوه : ظهر علي فسماه ظهيرا .
العوني :
هذا و قد لقبه ظهيرا *** أبوه إذ عاينه صغيرا
يصرع من إخوته الكبيرا *** مشمرا عن ساعد تشميرا
تراه عبلا فتلا قويا
فلما ترعرع (عليه السلام) , كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه , و يعلق بالجبار بيده و يجذبه فيقتله , و ربما قبض على مراق بطنه و رفعه إلى الهواء , و ربما يلحق للحصان الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه .
و كان (عليه السلام) يأخذ من رأس الجبل حجرا و يحمله بفرد يديه ثم يضعه بين يدي الناس فلا يقدر الرجل و الرجلان و ثلاثة على تحريكه , حتى قال أبو جهل فيه :
يا أهل مكة إن الذبح عندكم *** هذا علي الذي قد جل في النظر
ما إن له مشبه في الناس قاطبة *** كأنه النار ترمي الخلق بالشرر
كونوا على حذر منه فإن له *** يوما سيظهره في البدو الحضر
و إنه (عليه السلام) لم يمسك بذراع رجل قط إلا مسك بنفسه فلم يستطع يتنفس .
و منه ما ظهر بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطع الأميال و حملها إلى الطريق سبعة عشر ميلا تحتاج إلى أقوياء حتى تحرك ميلا منها قطعها وحده و نقلها و نصبها و كتب عليها هذا ميل علي .
و يقال إنه كان يتأبط باثنين و يدير واحدا برجله و كان منه في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر و هو باق في الكوفة .
و كذلك مشهد الكف في تكريت و الموصل و قطيعة الدقيق و غير ذلك .
و منه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي .
و أثر رمحه في جبل من جبال البادية , و في صخرة عند قلعة خيبر .
و منه ختم الحصى .
قال ابن عباس : صاحب الحصاة ثلاثة : أم سليم وارثة الكتب طبع
[290]
في حصاتها النبي و الوصي (عليه السلام) .
ثم أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية .
ثم أم غانم الأعرابية اليمانية , و ختم في حصاتهما أمير المؤمنين .
و ذلك مثل ما رويتم أن سليمان كان يختم على النحاس للشياطين و على الحديد للجن فكان كل من رأى برقه أطاعه .
أبو سعيد الخدري و جابر الأنصاري و عبد الله بن عباس , في خبر طويل : إنه قال خالد بن الوليد أتى الأصلع يعني عليا عند منصرفي من قتال أهل الردة في عسكري و هو في أرض له و قد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد و قعقعة الرعد .
فقال لي : ويلك أ كنت فاعلا ?
فقلت : أجل .
فاحمرت عيناه , و قال : يا ابن اللخناء أ مثلك يقدم على مثلي أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته ... في كلام له .
ثم قال : فنكسني و الله عن فرسي و لا يمكنني الامتناع منه فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة .
ثم عمد إلى قطب الرحى الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى , فمده بكلتا يديه و لواه في عنقي يتفتل الأديم , و أصحابي كأنهم نظروا إلى ملك الموت .
فأقسمت عليه , بحق الله و رسوله , فاستحيا , و خلى سبيلي .
قالوا : فدعا أبو بكر جماعة من الحدادين .
فقالوا : إن فتح هذا القطب لا يمكننا إلا أن نحميه بالنار .
فبقي في ذلك أياما , و الناس يضحكون منه .
فقيل إن عليا جاء من سفره , فأتى به أبو بكر إلى علي يشفع إليه في فكه .
فقال علي : إنه لما رأى تكاثف جنوده و كثرة جموعه أراد أن يضع مني في موضعي ; فوضعت منه عند ما خطر بباله و همت به نفسه .
ثم قال : و أما الحديد الذي في عنقه فلعله لا يمكنني في هذا الوقت فكه .
فنهضوا بأجمعهم , فأقسموا عليه , فقبض على رأس الحديد من القطب فجعل يفتل منه يمينه شبرا شبرا فيرمي به .
و هذا كقوله تعالى وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ .
ابن عباس و سفيان بن عيينة و الحسن بن صالح و وكيع بن الجراح و عبيدة بن يعقوب الأسدي .
و في حديث غيرهم : لا يفعل خالد ما أمرته .
و في حديث أبي ذر : أن أمير المؤمنين أخذ بإصبعه السبابة و الوسطى فعصره عصرة فصاح خالد صيحة منكرة و أحدث في ثيابه و جعل يضرب برجليه .
و في رواية عمار : فجعل يقمص قماص البكر فإذا له رغاء و أساغ ببوله في
[291]
المسجد .
و روي في كتاب البلاذري : أن أمير المؤمنين أخذه بإصبعيه السبابة و الوسطى في حلقه و شاله بهما و هو كالبعير عظما و ضرب به الأرض فدق عصعصه و أحدث مكانه .
أهل السير عن حبيب بن الجهم و أبي سعيد التميمي و النطنزي في الخصائص و الأعثم في الفتوح و الطبري في كتاب الولاية بإسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني و أبو عبد الله البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب على إنه : نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية صندودياء .
فقال مالك الأشتر : ينزل الناس على غير ماء .
فقال يا مالك : إن الله سيسقينا في هذا المكان .
احتفر أنت و أصحابك , فاحتفروا ; فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين فعجزوا عن قلعها و هم مائة رجل .
فرفع أمير المؤمنين يده إلى السماء و هو يقول : طاب طاب يا عالم باطيبوثا بوثة شميا كرباجا نوثا توديثا برجوثا آمين آمين يا رب العالمين , يا رب موسى و هارون .
ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا فظهر ماء أعذب من الشهد و أبرد من الثلج و أصفى من الياقوت فشربنا و سقينا .
ثم رد الصخرة , و أمرنا أن نحثو عليها التراب .
فلما سرنا غير بعيد , قال من منكم يعرف موضع العين ?
قلنا : كلنا , فرجعنا , فخفي مكانها علينا .
فإذا راهب مستقبل من صومعة , فلما بصر به أمير المؤمنين .
قال : شمعون .
قال : نعم , هذا اسمي سمتني به أمي ما اطلع عليه إلا الله ثم أنت .
قال : و ما تشاء يا شمعون ?
قال : هذا العين ,و اسمه .
قال : هذا عين زاحوما , و في نسخة , راجوه و هو من الجنة , شرب منها ثلاثمائة نبيا و ثلاثة عشر وصيا , و أنا آخر الوصيين شربت منه .
قال : هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل , و هذا الدير بني على قالع هذه الصخرة و مخرج الماء من تحتها , و لم يدركه عالم قبلي غيري لقد رزقنيه الله , و أسلم .
و في رواية : أنه جب شعيب , ثم رحل أمير المؤمنين و الراهب يقدمه حتى نزل صفين .
فلما التقى الصفان كان أول من أصابته الشهادة , فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) و عيناه تهملان و هو يقول المرء مع من أحب , الراهب معنا يوم القيامة .
و في رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل , حدثنا أبو محمد الشيباني حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي سعيد التميمي قال : فسرنا فعطشنا فقال بعض القوم لو رجعنا فشربنا .