قال : فرجع أناس و كنت فيمن رجع , قال : فالتمسنا ; فلم نقدر على شيء .
فأتينا الراهب , قال , فقلنا : أين العين
[292]
التي هاهنا ?
قال : أية عين ?
قلنا : التي شربنا منها , و استقينا و سقينا فالتمسناها فلما قدرنا .
قال الراهب : لا يستخرجها إلا نبي أو وصي .
الحميري :
و لقد سرى فيما يسير بليلة *** بعد العشاء بكربلاء في موكب
حتى أتى متبتلا في قائم *** ألقى قواعده بقاع مجدب
يأتوه ليس بحيث يلقى عامرا *** إلا الوحوش و غير أصلع أشيب
فدنا فصاح به فأشرف ماثلا *** كالنسر فوق شظية من مرتب
هل قرب قائمك الذي يؤتيه *** ماء يصاب , فقال : ما من مشرب
إلا بغاية فرسخين و من لنا *** بالماء بين تفاوت في سبسب
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى *** ملساء تبرق كاللجين المذهب
قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا *** ترووا و لا تروون إن لم تقلب
فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت *** منهم , تمنع صعبة لم تركب
حتى إذا أعيتهم أهوى لها كفا *** متى ترم المغالب تغلب
فكأنها كرة بكف حزور عبل *** الذراع دحا بها في ملعب
قال اشربوا من تحتها متسلسلا *** عذبا يزيد على الألذ الأعذب
حتى إذا شربوا جميعا ردها *** و مضى , فخلت مكانها لم يقرب
أعني ابن فاطمة الوصي و من *** يقل من فضله و فعاله لم يكذب
و له :
من قال للماء افجري فتفجرت *** ما كلفت كفا له محفارا
[293]
حتى تروى جنده من مائها *** لما جرى فوق الحضيض و فارا
و بكربلاء آثار أخرى قبلها *** أحيا بها الأنعام و الأشجارا
و أتاه راهبها فأسلم طائعا *** معه و أثنى الفارس المغوارا
ابن حماد :
من صاحب الجب إذ أوفى بعسكره *** فلم يزل قاصدا للجب مجتابا
حتى إذا ما أروه رج صخرته *** فخاله القوم بالمدحاة لعابا
السروجي :
و صخرة الراهب عن قليبه *** أقلبها كمثل شيء يحتقر
حتى إذا ما شربوا أوردها *** إلى المكان عاجلا بلا ضجر
فأبصر الراهب أمرا قد علا *** عن بشر يفعل أفعال القدر
آمن بالله تعالى و أتى *** إلى الإمام تارك الدين ستر
تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : إن أبي بن أبي سلول و جد بن قيس اتخذا له دعوة عند حائط بستان ثلاثون ذراعا طوله في خمسة و عشرين ذراعا سمكه في ذراعين غلظة و فتشا عن أصلها و أوقفا رجالا خلف الحائط فتلقاه (عليه السلام) بيسراه حتى أكل و أكلوا.
و قالوا في تعبه .
فقال (عليه السلام) : لست أجد له من التعب بيساري إلا أقل ما أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني .
و منه قلع باب خيبر روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دفع الراية إلى علي (عليه السلام) في يوم خيبر بعد أن دعا له فجعل يسرع السير و أصحابه يقولون له ارفق حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ثم اجتمع منا سبعون رجلا و كان جهدهم أن أعاد الباب .
أبو عبد الله الحافظ بإسناده إلى أبي رافع : لما دنا علي من القموص أقبلوا يرمونه بالنبل و الحجارة فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا
[294]
و لقد تكلف حمله أربعون رجلا فما أطاقوه .
الحميري :
و ألقى باب حصنهم بعيدا *** و لم يك يستقل بأربعينا
أبو القاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات : إنه حمل بعد قتل مرحب عليهم فانهزموا إلى الحصن فتقدم إلى باب الحصن و ضبط حلقته و كان وزنها أربعين منا , و هز الباب فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنوا زلزلة , ثم هزه أخرى فقلعه , و دحا به في الهواء أربعين ذراعا .
أبو سعيد الخدري : و هز حصن خيبر حتى قالت صفية قد كنت جلست على طاق كما تجلس العروس , فوقعت على وجهي فظننت الزلزلة .
فقيل : هذا علي هز الحصن , يريد أن يقلع الباب .
و في حديث أبان عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) : فاجتذبه اجتذابا و تترس به ثم حمله على ظهره و اقتحم الحصن اقتحاما و اقتحم المسلمون و الباب على ظهره .
و في الإرشاد قال جابر : إن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها .
و إنهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا رواه أبو الحسن الوراق المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي و في رواية جماعة خمسون رجلا و في رواية أحمد سبعون رجلا .
ابن جرير الطبري صاحب المسترشد : إنه حمله بشماله و هو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا أصلد دون يمينه , فأثرت فيه أصابعه , و حمله بغير مقبض ; ثم تترس به , فضارب الإقران حتى هجم عليهم , ثم زجه من ورائه أربعين ذراعا .
ديك الجن :
سطا يوم بدر بأبطاله *** و في أحد لم يزل يحمل
و عن بأسه فتحت خيبر *** و لم ينجها بابها المقفل
دحا أربعين ذراعا به *** هزبر به دانت الأشبل
و في رامش أفزاي : كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا و عرض الخندق عشرون
[295]
فوضع جانبا على طرف الخندق و ضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر , و كانوا ثمانية آلالف و سبعمائة رجل و فيهم من كان يتردد و يخف عليه .
و قد زج باب الحصن عنه بكفه *** و ظل لأجساد اليهود يهبر
و عبر جيش العز من فوق زنده *** و ما مسه منه هناك تضجر
أبو عبد الله الجذلي قال له عمر لقد حملت منه ثقلا فقال ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي .
و في رواية أبان : فو الله ما لقي علي من البأس تحت الباب أشد ما لقي من قلع الباب .
الإرشاد : لما انصرفوا من الحصون أخذه علي بيمناه فدحا به أذرعا من الأرض و كان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم .
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن ابن عباس في خبر طويل : و كان لا يقدر على فتحه إلا أربعون رجلا .
تاريخ الطبري قال أبو رافع : سقط من شماله ترسه فقلع بعض أبوابه و تترس بها فلما فرغ عجز خلق كثير عن تحريكها .
روض الجنان قال بعض الصحابة : ما عجبنا يا رسول الله من قوته في حمله و رميه و إتراسه و إنما عجبنا من إجساره و أحد طرفيه على يده .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلاما معناه يا هذا أ نظرت إلى يده فانظر إلى رجليه .
قال : فنظرت إلى رجليه فوجدتهما معلقتين .
فقلت : هذا أعجب رجلاه على الهواء .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليستا على الهواء و إنهما على جناحي جبرئيل .
فأنشأ بعض الأنصار يقول :
إن امرأ حمل الرتاج بخيبر *** يوم اليهود بقدرة لمؤيد
حمل الرتاج رتاج باب قموصها *** و المسلمون , و أهل خيبر شهد
فرمى به و لقد تكلف رده *** سبعون كلهم له متسدد
ردوه بعد تكلف و مشقة *** و مقال بعضهم لبعض ازدد
الناشئ :
و الباب حين دحا به عن حصنهم *** عشرين باعا في الفضا دكداك
[296]
الوراق :
علي رمى باب المدينة خيبر *** ثمانين شبرا وافيا لم يثلم
ابن حماد :
أم من دحا باب القموص و من علا *** في الحرب مرحب بالحسام القاضب
ابن مكي :
فهزها فاهتز من حولهم *** حصنا بنوه حجرا جلمدا
ثم دحا الباب على نبذه *** تمسح خمسين ذراعا عددا
و عبر الجيش على راحته *** حيدرة الطاهر لما وردا
العوني :
و دنا إلى الباب المشيد و هزه *** هزا رأيت الأرض منه ترجف
و رواية أخرى بأن دحى به *** سبعين باعا و القتام مسجف
الحميري :
و اذكر تحمله الديار و لا تكن *** ليهود خيبر لا تكون نسيا
حمل الرتاج رتاج باب قموصها *** فحسبته يمشي بها بختيا
ما رده سبعون حتى ألهثوا *** سبعون مؤتنف الشباب قويا
ابن علوية :
أمن أقل لخيبر الباب الذي *** أعيا به نفرا من الأعوان
هل مد حلقته فصير متنه ترسا *** يقل به شبا القضبان
[297]
ترسا يصك به الوجوه بملتقى *** حرب بها حمي الوطيس عوان
ابن رزيك :
و الباب لما دحاه و هو في سغب *** من الصيام و ما يخفى تعبده
و قلقل الحصن فارتاع اليهود له *** و كان أكثرهم عمدا يفنده
نادى بأعلى العلى جبرئيل ممتدحا *** هذا الوصي و هذا الطهر أحمده
الزاهي :
و اقتلع الباب اقتلاعا معجزا *** يسمع في دوية ارتجاسه
كأنه شرارة لموقد *** أخرجها من ناره مقباسه
تاج الدولة :
و اقتلع الباب غداة خيبر *** فكبر الناس به و قد دحا
و قالت الأملاك لا سيف سوى *** سيف علي و سواه لا فتى
و عبر الجيش على راحته *** و الباب جسرا فوق يمناه بدا
شاعر :
و دحا الباب بكف صافحت *** كف جبرائيل من غير اختلال
فتباهت فيه أملاك العلى *** و هي في أفلاكها عن ذي الجلال
و هذا كله خرق العادة و لا يتيسر إلا لنبي أو وصي نبي و إذا لم يجز أن يكون نبيا لا بد أن يكون وصيا .
فصل في معجزاته في نفسه (عليه السلام) :
و من عجائبه طول ما لقي من الحروب لم ينهزم قط و لم ينله فيها شين و لا جراح سوء و لم يبارز أحدا إلا ظفر به و لا نجا من ضربته أحد فصلح منها و لم يفلت منه قرن و لم يخرج في حروبه إلا و هو ماش يهرول طوال الدهر بغير جند إلى العدو و ما قدمت راية قوتل تحتها علي إلا انقلبوا صاغرين .
[298]
الحميري :
ما أم يوم الوغى زحفا برايته *** إلا تضعضع ثم انصاع منهزما
أو بل مفرق من لم ينجه هرب *** بأبيض منه من دم الفلاة دما
أو نال مهجته طعنا بنافذة *** نجلا تفرغ من تحت الحجاب فما
و يروى : وثبته أربعون ذراعا إلى عمرو و رجوعه إلى خلف عشرون ذراعا و ذلك خارج عن العادة .
و روي : ضربته على رجليه و قطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب و السلاح .
و روي : أنه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه فقطع العمامة و الخوذة و الرأس و الحلق و ما عليه من الجوشن من قدام و خلف إلى أن قده بنصفين .
ثم حمل على سبعين ألف فارس فبددهم .
و تحير الفريقان من فعله , فانهزموا إلى الحصن .
و أصل مشهد البوق عند رحبة الشام , أنه (عليه السلام) أخبر أن الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق و ضرب البوق و سمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما و هو خرق العادة .
أبو العباس :
و حيال رحبة ما لك أصغى إلى *** نعرات بوق في دمشق يقعقع
فاهتز من طرب و قال لصحبة *** هذا ابن هند للرحيل لمزمع
و منه الدكة المشهورة في الكوفة التي يقال إنه رأى منها مكة و سلم عليها و ذلك مثل قولكم يا سارية الجبل .
و مسجد المجذاف في الرقة : و هو أنه لما طلب الزواريق لحمل الشهداء قالوا الزواريق ترعى .
فقال (عليه السلام) : كلامكم غث و قمصانكم رث
[299]
لا شد الله بكم صنعا و لا أشبعكم إلا على قتب .
و عمل جائزة عظيمة بمنزلة المجذاف , و حمل الشهداء عليها . فخربت الرقة و عمرت الرافقة و لا يزالون في ضنك العيش .
و روت الغلاة : أنه (عليه السلام) صعد إلى السماء على فرس و ينظر إليه أصحابه و قال لو أردت لحملت إليكم ابن أبي سفيان .
و ذلك نحو قوله تعالى وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا و خرج عن أبي زهرة و قطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة و أصبح عند الكفار و فتح عليه فنزل وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً .
و روي : أنه رمى إلى حصن ذات السلال في المنجنيق و نزل على حائط الحصن و كان الحصن قد شد على حيطانه سلاسل فيها غرائر من تبن أو قطن حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمى الحجر .
فقالت الغلاة فمر في الهواء و الترس تحت قدميه و نزل على الحائط و ضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها و سقطت الغرائر و فتح الحصن .
و روت الغلاة أنه نزلت فيه وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا و ذلك إن صح مثل صعود الملائكة و نزولهم و أسراء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
العوني :
من الذي إلى الذين حسبوا *** حصونهم مانعة من الردى
من حيث لم يحتسبوا فأيقنوا *** لما أتى أن الحمام قد أتى
السروجي :
و سار عنها بعد ذا مرتحلا *** في يومه عن المسير ما فتر
حتى أتى الحصن على شاهقة *** يظنه الناظر نجما قد زهر
و ما له باب سوى سلسلة *** ترخى مع الصبح و في الليل تحر
فلم يجد منه النبي حيلة *** و ضلت الأفكار فيه قد تحر
رمى إلى ذاك عليا في الهوى *** بالمنجنيق في أمان المقتدر
و كانت الرمية غير واصل *** فمر يمشي في الهواء حتى انحدر
[300]
فجدل الأبطال فيه بعد ما *** صار إلى الدين الحنيفي نفر
هذا و في حصن الغراب قد جرى *** معركة مرامها صعب الخطر
فحاز أموالا و خيلا و أما *** غير أسير في الجبال قد قطر
و يوم تكريت إلى قلعتها *** من جانب الماء لنقب قد حفر
و مر في الجرف إليها طالعا *** و كان عند القوم من ذاك خبر
فبادروه عاجلا بصخرة لها *** دوي الصوت عند المنحدر
فردها بكفه ثم ارتقى في *** مطلع ما بين ضيق و وعر
فاستسلموا لما رأوا فعاله *** تجل قدرا عن أفاعيل البشر
تفسير أبي محمد الحسن العسكري : إنه رأى عليا (عليه السلام) ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري في بئر عادية و رجال يرمونه بالأحجار .
فوقع فيها .
فقالوا : أردنا واحدا , فصارا اثنين .
فأرسلوا صخرة مقدار مائتي مَن , فاحتضنه علي , و جعل رأس ثابت إلى صدره و انحنى عليه فوقعت الصخرة على مؤخر رأس علي فما كانت إلا كترويحة بمروحة .
ثم أرسلوا ثانية و ثالثة .
ثم قالوا : لو كان لهما مائة ألف روح ما نجت واحدة منها .
فأذن الله لشفير البئر فانحط و لقرار البئر فارتفع فخرجا سالمين .
خطيب منيح :
و من كانت له بالشعب مما *** أتاه الجن فيه راجمينا
فظلله المطرق جبرئيل و ميكا *** ئيل خير مظللينا
و فيه أنه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و من بقي في المدينة قتل علي فلما تبعه و قص عليه بغضاءهم .
فقال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... الخبر .
فحفروا له حفيرة طويلة و غطوها فلما انصرف و بلغها أنطق الله فرسه فقال سر بإذن الله فظفرت ثم أمر بكشفه فرأى عجبا .
مسند أحمد و فضائله و سنن ابن ماجة قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق و في الحر الشديد القباء و الثوب
[301]
الثقيل و كان لا يجد الحر و البرد فكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا له يوم خيبر فقال كفاك الله الحر و البرد و في رواية اللهم قه الحر و البرد و في رواية اللهم اكفه الحر و البرد .
الأصفهاني :
أمن له الحر و البرد استوت *** منه بنعمة ربه الإلحان
فتراه يلبس في الشتاء غلالة *** و تراه طول الصيف في خفتان
هل كان ذاك لأمة من قبله *** أو بعده فأبانه العصران
الصاحب :
و كم دعوة للمصطفى فيه حققت *** و آمال من عادى الوصي خوائب
فمن رمد آذاه جلاه داعيا *** لساعته و الريح في الحرب عاصب
و من سطوة للحر و البرد دوفعت *** بدعوته عنه و فيها عجائب
و قاله له (عليه السلام) يوناني أعالج صفارك , و لا علاج في دقة ساقيك .
فسأله (عليه السلام) : عما يزيد في الصفار ?
فقال : شعرتان من هذا , و قدر حبة منه تقتل .
قال : كم هذا ?
قال : قدر مثقالين .
فتناوله , و قمحه , فعرق , و جعل الرجل يرتعد .
فتبسم (عليه السلام) , و قال : يا عبد الله أصح ما كنت بدنا الآن .
لم يضرني ما زعمت أنه سم , فغمض عينيك .
فغمض , ثم قال : افتح عينيك .
ففتح , و نظر إلى وجه علي , فإذا هو أبيض أحمر .
فقال : زال الصفار بسمك .
ثم ضرب بيده على أسطوانة عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه و فوقه حجرتان فاحتملها مع الحيطان .
فغشي على اليوناني .
فلما أفاق , قال (عليه السلام) : هذه قوة الساقين الدقيقين .
و روى حبيب بن حسن العتكي عن جابر الأنصاري قال : صلى بنا أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الصبح , ثم أقبل علينا , فقال , معاشر الناس : أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان .
فقالوا : في ذلك .
فلبس عمامة رسول الله و دراعته و أخذ قضيبه و سيفه و ركب على العضباء , و قال لقنبر : عد عشرا .
قال :ففعلت , فإذا نحن على باب سلمان .
قال زاذان : فلما أدرك سلمان الوفاة , فقلت له : من المغسل لك ?
قال : من غسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
فقلت : إنك في المدائن , و هو بالمدينة .
فقال : يا زاذان إذا شددت لحيتي تسمع
[302]
الوجبة .
فلما شددت لحيته , سمعت الوجبة .
و أدركت الباب , فإذا بأمير المؤمنين (عليه السلام) .
فقال يا زاذان : قضى أبو عبد الله سلمان ?
قلت : نعم يا سيدي .
فدخل و كشف الرداء عن وجهه , فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) .
فقال له : مرحبا يا أبا عبد الله , إذا لقيت رسول الله فقل له : ما مر على أخيك من قومك .
ثم أخذ في تجهيزه , فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين تكبيرا شديدا , و كنت رأيت معه رجلين .
فقال : أحدهما , جعفر أخي ; و الآخر الخضر (عليه السلام) : و مع كل واحد منها سبعون صفا من الملائكة في كل صف ألف ألف ملك .
أبو الفضل التميمي :
سمعت مني يسيرا من عجائبه *** و كل أمر علي لم يزل عجبا
أ دريت في ليلة سار الوصي إلى *** أرض المدائن لما أن لها طلبا
فألحد الطهر سلمانا و عاد إلى *** عراص يثرب و الإصباح ما قربا
كآصف قبل رد الطرف من سبأ *** بعرش بلقيس وافى تخرقي الحجبا
في آصف لم تقل أ أنت بلى *** أنا بحيدر غال أورد الكذبا
إن كان أحمد خير المرسلين فذا *** خير الوصيين أو كل الحديث هبا
و قلت ما قلت من قول الغلاة فما *** ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا
و قد ذكرنا مصارعته مع إبليس و أخذه عند الحرم و محاربته الجن عند وادي بني المصطلق و في بئر ذات العلم و غير ذلك .
الأديب العادي :
من كان صنو النبي غير علي *** من غسل الطهر ثم واراها
من كان جبريل معه بل يقدمه *** و كان ميكال وسط بيداها
من قاتل الجن في القليب ترى *** من قلع الباب ثم أراداها
من شيل في المنجنيق ثم دحا *** غير علي و قد تولاها
[303]
و قد خطا في السماء مبتسما *** ثم ملا حصنهم بقتلاها
حتى أدانوا و اثبتوا جزعا *** أن إله السماء مولاها
ابن حماد :
حدث بلا حرج عن الليث الذي *** تفنى لهيبه الليوث و تخشع
حدث و لا حرج عن البحر الذي *** فيه عجائب كلها مستبدع
كم كربة قد فرجتها كفه عن *** وجه أحمد و القوارع تقرع
بذكره عرج الأمين مناديا *** في الأفق يجهر بالنداء و يصدع
لا سيف إلا ذو الفقار و لا*** فتى إلا علي المستعد الأصلع
لو رام يذبل كاد يذبل رهبة *** أو رام رضوى لانثنى يتضعضع
ما قام قائم سيفه في كفه *** إلا رأيت له الفوارس تركع
سيف مضاربه الغوارب ما له *** إلا يد العالي علي مطلع
أسد فرائسه الفوارس في الوغى *** و كذا حماه هو الحمى المتشرع
و من كثرة فضائله و فرط معجزاته ما غلوا فيه و لو لا مباينته لجميع الأمة بالبينونة التي لا تلحق و الفضيلة التي لا تدرك و الأعجوبة التي لا تنال ما كان مخصوصا من الغلو و الإفراط في القول .
شاعر :
يا ويل نصابة الأنام لقد *** تتابعوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنت *** عيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شك في هدايته *** و بين من قيل إنه الله
فصل في انقياد الحيوانات له :
ابن وهبان و الفتاك : مضينا بغابة فإذا بأسد بارك في الطريق و أشباله خلفه فلويت بدابتي لأرجع .
فقال (عليه السلام) : إلى أين أقدم يا جويرية بن مسهر , إنما هو كلب الله .
ثم قال ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها الآية , فإذا بالأسد قد أقبل نحوه فتبصبص بذنبه ,
[304]
و هو يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته يا ابن عم رسول الله .
فقال : و عليك السلام يا أبا الحارث , ما تسبيحك ?
فقال : أقول سبحان من ألبسني المهابة و قذف في قلوب عباده مني المخافة .
الباقر (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لجويرية بن مسهر و قد عزم على الخروج : أما إنه سيعرض لك في طريقك الأسد .
قال : فما الحيلة ?
فقال : تقرؤه السلام , و تخبره أني أعطيتك منه الأمان .
فبينما هو يسير إذ أقبل نحوه أسد .
فقال : يا أبا الحارث إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرؤك السلام و إنه قد آمنني منك .
قال : فولى و همهم خمسا .
فلما رجع حكى ذلك لأمير المؤمنين .
فقال (عليه السلام) : فإنه قال لك , فاقرأ وصي محمد مني السلام و عقد بيده خمسا .
و ذكر ذلك المفضل الشيباني نحو ذلك عن جويرية : و رأى أسدا أقبل نحوه يهمهم و يمسح برأسه الأرض فتكلم معه بشيء فسئل عنه (عليه السلام) .
فقال : أنه يشكو الحبل , و دعا لي , و قال : لا سلط الله أحدا منا على أوليائك .
ابن عضد الدولة :
من كلم الثعبان إذ كلمه *** و الليث قد كلمه ليث الشرى
آخر :
و جاءه الجان على منبر *** الكوفة يسعى سعي مستأثر
ابن علوية :
أ و يعلمون و ما البصير كذا العمى *** تأويل آية قصة الثعبان
إذ جاء و هو على مراتب منبر *** يعطي العباد مبارك العيدان
فأسر نجواه إليه و لم يروا *** من قبل ذاك مناجيا للجان