هذا ابن عبد الله هذا صنوه *** هذا علي العالم الرباني
قد صاح هذا النخل بنشر فضلهم *** فلأجل ذلك سمي الصيحاني
الحارث الأعور قال : خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى انتهينا إلى العاقول , فإذا هو بأصل شجرة و قد وقع عنها لحاها و بقي عودها , ثم ضربها بيده .
ثم قال : ارجعي لي بإذن الله خضراء نضرة مثمرة .
فإذا هي تهتز بأغصانها , حملها الكمثرى , فقطعنا منه و أكلنا , و حملنا معنا .
فلما كان من الغد غدونا إليها فإذا نحن بها خضراء و إذا فيها الكمثرى .
و وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليا إلى اليمن للمصالحة : فلما أشرف على اليمن فإذا
[328]
هم بأسرهم مقبلون مشرعون رماحهم مسنون أسنتهم منتكبون قسيهم شاهرون سلاحهم .
فنادى بأعلى صوته : يا شجر , يا مدر , يا ثرى , محمد رسول الله يقرئك السلام .
فلم تبق شجرة , و لا مدرة , و لا ثرى , إلا ارتج بصوت واحد : و على محمد رسول الله و عليك السلام .
فاضطربت قوائم القوم , و ارتعدت ركبهم , و وقع السلاح من أيديهم , و أقبلوا إليه مسرعين , فأصلح بينهم .
الزاهي :
مكلم الشمس و من ردت له ببابل *** و الغرب منها قد قبط
و راكض الأرض و من انبع للعسكر *** ماء العين في الوادي القحط
بحر لديه كل بحر جدول يغرف *** من تياره إذا اغتمط
و ليث غاب كل ليث عنده ينظره *** العقل صغيرا إذ فلط
باسط علم الله في الأرض و من *** بحبه الرحمن للرزق بسط
سيف لو أن الطفل يلقى سيفه *** بكفه في يوم حرب لشمط
يخطو إلى الحرب به مدرعا فكم *** به قد قد من رجس و قط
و رأى (عليه السلام) أنصاريا : أكل قشور الفاكهة و قد أخذها من المزبلة فأعرض عنه لئلا يخجل منه فأتى منزله و أتى إليه بقرصي شعير من فطوره و قال أصب من هذا كلما جعت فإن الله يجعل فيه البركة .
فامتحن ذلك فوجد فيه لحما و شحما و حلوا و رطبا و بطيخا و فواكه الشتاء و فواكه الصيف فارتعدت فرائص الرجل و سقط لوجهه .
فأقامه علي (عليه السلام) , و قال : ما شأنك ?
قال : كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد و فيما تقوله أنت فكشف الله لي عن السماوات و الأرض و الحجب فأبصرت كلما تعدان به و تواعدان به فزال عني الشك .
و أخذ العدوي من بيت المال ألف دينار : فجاء سلمان على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) , فقال له : رد المال إلى بيت المال فقد قال الله تعالى وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ .
فقال العدوي : و ما أكثر سحر أولاد عبد المطلب ما عرف
[329]
هذا قط أحد و أعجب من هذا إني رأيته يوما و في يده قوس محمد فسخرت منه فرماها من يده و قال خذ عدو الله فإذا هي ثعبان مبين يقصد إلي فحلفته حتى أخذها و صارت قوسا .
مهيار :
و لم أرد أن الله أخر آية *** له بك في إظهار معجزها سر
فكنت عصى موسى هوت فتلقفت *** بأيتها البيضاء ما أفك السحر
و قعد علي (عليه السلام) للحاجة فتريه المنافقون .
فقال يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة و التي تقابلها و كان بينهما أكثر من فرسخ فناداهما أن وصي محمد يأمركما أن تتلاصقا .
فانضما بأمره فدارت المنافقون خلفه فأمرهما بالعود فانطلقتا و عادت كل واحدة تفارق الأخرى بالهزيمة ثم قعد فلما رفع ثوبه أعمى الله أبصارهم .
و أنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) ميثم التمار في أمر : فوقف على باب دكانه فأتى رجل يشتري التمر فأمره بوضع الدرهم و رفع التمر فلما انصرف ميثم وجد الدرهم بهرجا .
فقال في ذلك .
فقال (عليه السلام) : فإذا يكون التمر مرا .
فإذا هو بالمشتري رجع , و قال : هذا التمر مر .
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) : كتب رجل من الشام إلى أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل , و عليهم إن خرجت خائف , و بأموالي التي أخلفها ضنين , و أحب اللحاق بك , فجد لي يا أمير المؤمنين .
فبعث إليه ; اجمع أهلك و عيالك و حصل عندهم مالك , و صل على ذلك كله على محمد و آله الطيبين , ثم قل : اللهم إن هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك و وليك علي بن أبي طالب . ثم قم و انهض إلي .
ففعل الرجل ذلك .
و أخبر معاوية بهزيمته , و أمر أن تسبي عياله و ينهب ماله .
فذهبوا فألقى الله عليهم شبه عيال معاوية و أخص حاشيته ليزيد , يقولون نحن أخذنا هذا المال و هو لنا و أما عياله فقد استرقيناهم و بعثناهم إلى السوق , و مسخ الله المال عقارب و حيات فكلما قصد لصوص ليأخذوا منه لدغوا فمات منهم قوم و مضى آخرون .
فقال علي (عليه السلام) يوما للرجل : أ تحب أن تأتيك مالك و عيالك ?
فقال : بلى .
فقال : اللهم ائت بهم .
فإذا هم بحضرة الرجل , فأخبروه بالقصة .
فقال (عليه السلام) : إن الله تعالى ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في
[330]
بصيرته , و لبعض الكافرين ليبالغ في الإعذار إليه .
و استفاض بين الخاص و العام : أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين من الغرق لما زاد الفرات .
فأسبغ الوضوء و صلى منفردا , ثم دعا الله , ثم تقدم إلى الفرات متوكئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء , و قال : انقص بإذن الله و مشيته .
فغاض الماء حتى بدت الحيتان , فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين و لم ينطق منها أصناف من السمك , و هي الجري و المارماهي و الزمار فتعجب الناس لذلك ; و سألوه عن علة ما نطق و صموت ما صمت .
فقال : أنطق الله ما طهر من السموك , و أصمت عني ما حرمه و نجسه و أبعده .
و في رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي و أحمد بن الحسن القطيفي عن الحسن بن ذكردان الفارسي الكندي : أنه ضرب بالقضيب , فقال : اسكن يا أبا خالد .
فنقص ذراعا .
فقال : أحسبكم .
قالوا : زدنا .
فبسط وطأه و صلى ركعتين و ضرب الماء ضربة ثانية فنقص الماء ذراعا .
فقالوا : حسبنا يا أمير المؤمنين .
فقال : و الله لو شئت لأظهرت لكم الحصى .
و ذلك كحنين الجذع و كلام الذئب للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
العوني :
علي علا فوق الفرات قضيبه *** و جنباه بالتيار يلتطمان
ففي الضربة الأولى تقوض شطره *** و في أختها ما فوض الثلثان
و له :
من خاطب الحيتان لما برزت *** مذعنة يوم العراق بالولا
من زجر الماء فغاض طائعا *** لأمره من بعد ما كان طغا
و له :
إمامي فلاق الفرات بعوده *** و قالع باب الحصن بالساعد العبل
إمامي ضراب الجماجم في الوغى *** مدير رحى الهيجاء بالأسر و القتل
السروجي :
و اذكر له يوم الفرات أنها *** أعجوبة معجزة ذات خطر
لما علاه بقضيبه ثم قال *** اسكن بمن سبع سماوات فطر
[331]
فالتطمت أمواجه في قعره *** و غاض ثلثاه و قد كان زخر
و لو ذكرت بالفرات ما جرى *** و وقعة البصرة أظهرت العبر
و النهروان ما نزلت ماشيا *** و يوم صفين عن القلب خطر
أبو الفتح :
فلما طغى الماء ماء الفرات *** زجرت به زجر مستعلم
فعاد إلى الغرب خوف العقاب *** و رحت إلى كرم مفعم
الجبري :
و الماء حين طغى الفرات فاقبلوا *** ما بين باكية إليه و باك
قالوا أغثنا يا وصي المصطفى *** فالماء يؤذينا بوشك هلاك
فأتى الفرات و قال يا أرض ابلعي *** طوعا بإذن الله طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤه *** من تحت راسخة من الأسماك
ابن رزيك :
و في الفرات حديث إذ طغى فأتى *** كل إليه لخوف الهلك يقصده
فقال للماء غض طوعا فبان لهم *** حصباؤه حين وافاه يهدده
خطيب منيح :
و حين طغى الفرات و جاش ملا *** و بات له الورى متخوفينا
أتاه فرده وعدا يسيرا *** و ظل الناس منه آمنينا
و لغيره :
و أتى الفرات و قد طمت أمواجه *** فعلاه ضربا بالعصا غضبانا
فهناك غار لوقته متذللا *** و أساخ من أمواجه و ألانا
و إليه أقبل كل ذاك مكلما *** حيتانه فاستنطق الحيتانا
و زعم أهل العراق في حديث النجف : أنه كانت بحيرة تسمى أن جف من كثرة خريرها .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن جف فسمي النجف .
[332]
سهل بن حنيف في حديثه أنه : لما أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات يقول لكم علي اعدلوا عن الماء .
فلما قال ذلك , عدلوا عنه .
فورد قوم أمير المؤمنين الماء و أخذوا منه .
فبلغ ذلك معاوية , فأحضرهم , و قال لهم في ذلك .
فقالوا : إن عمرو بن العاص جاء , و قال : إن معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء .
فقال معاوية لعمرو : إنك لتأتي أمرا ثم تقول ما فعلته .
فلما كان من غد , وكل معاوية حجل بن عتاب النخعي في خمسة آلاف .
فأنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) مالكا , فنادى مثل الأول .
فمال حجل عن الشريعة .
فأورد أصحاب علي و أخذوا منه .
فبلغ ذلك معاوية , فأحضر حجلا , و قال له في ذلك .
فقال له : إن ابنك يزيد أتاني فقال إنك أمرت بالتنحي عنه .
فقال ليزيد في ذلك , فأنكر .
فقال معاوية : فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد و لو أتيتك حتى تأخذ خاتمي .
فلما كان يوم الثالث , أمر أمير المؤمنين لمالك مثل ذلك .
فرأى حجل معاوية و أخذ منه خاتمه , و انصرف عن الماء .
و بلغ معاوية فدعاه و قال له في ذلك .
فأراه خاتمه .
فضرب معاوية يده على يده , فقال : نعم و إن هذا من دواهي علي .
و حدثني محمد الشوهاني بإسناده أنه : قدم أبو الضمضام العبسي إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , قال : متى يجيء المطر ? و أي شيء في بطن ناقتي هذه ? و أي شيء يكون غدا ? و متى أموت ?
فنزل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... الآيات .
فأسلم الرجل , و وعد النبي أن يأتي بأهله .
فقال , اكتب يا أبا الحسن : بسم الله الرحمن الرحيم ; أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف و أشهد على نفسه في صحة عقله و بدنه و جواز أمره أن لأبي ضمضام العبسي عليه و عنده و في ذمته ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز .
و خرج أبو الضمضام , ثم جاء في قومه بني عبس كلهم مسلمين .
و سأل عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ; فقالوا : قبض .
قال : فمن الخليفة من بعده ?
فقالوا : أبو بكر .
فدخل أبو الضمضام المسجد , و قال : يا خليفة رسول الله ; إن لي على رسول الله ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز .
فقال : يا أخا العرب , سألت ما فوق العقل . و الله ما خلف رسول الله إلا بغلته الدلدل و حماره اليعفور و سيفه ذا الفقار و درعه الفاضل أخذها كلها علي بن أبي طالب .
و خلف فينا فدك , فأخذناها بحق ; و نبينا لا يورث .
فصاح سلمان " كردى و نكردى و حق از
[333]
أمير المؤمنين (عليه السلام) ببردى " ردوا العمل إلى أهله .
ثم ضرب بيده إلى أبي الضمضام فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
فقرع الباب , فنادى علي : ادخل يا سلمان , ادخل أنت و أبو الضمضام .
فقال أبو الضمضام : هذه أعجوبة من هذا الذي سماني باسمي و لم يعرفني .
فعد سلمان فضائل علي , فلما دخل و سلم عليه , قال : يا أبا الحسن ; إن لي على رسول الله ثمانين ناقة و وصفها .
فقال علي (عليه السلام) : أ معك حجة فدفع إليه الوثيقة .
فقال علي : يا سلمان , ناد في الناس ; ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول الله فليخرج غدا إلى خارج المدينة .
فلما كان الغد خرج الناس , و خرج علي (عليه السلام) , و أسر إلى ابنه الحسن (عليه السلام) سرا ; و قال امض يا أبا الضمضام مع ابني الحسن إلى الكثيب من الرمل .
فمضى (عليه السلام) و معه أبو الضمضام , فصلى الحسن ركعتين عند الكثيب , و كلم الأرض بكلمات لا ندري ما هي , و ضرب الكثيب بقضيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة مكتوب عليها سطران من نور :
السطر الأول : بسم الله الرحمن الرحيم .
و الثاني : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
فضرب الحسن الصخرة بالقضيب , فانفجرت عن خطام ناقة .
فقال الحسن : اقتد يا أبا الضمضام .
فاقتاد أبو الضمضام ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز ; و رجع إلى علي بن أبي طالب .
فقال : استوفيت يا أبا الضمضام ?
قال : نعم .
قال : فسلم الوثيقة .
فسلمها إلى علي بن أبي طالب , فأخذها و خرقها .
فقال : هكذا أخبرني أخي و ابن عمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن الله عز و جل خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام .
فقال المنافقون : هذا من سحر علي قليل .
السيد :
نفسي فدا لمن قضى لا غيره *** دين النبي و أنجز الموعودا
فقضى المتاع على الجمال بفضله *** من صخرة فاذكر له التمجيدا
من ذا يقاس بفضله و بقدره *** أ يقس بعبد من يكن معبودا
العبدي :
حملت عمن بغى قدما عليك إلى *** أن ظن أنك منه غير منتصف
[334]
لو شئت تمسخهم في دارهم مسخوا *** أو شئت قلت بهم يا أرض فانخسف
لكن لهم مدة ما زلت تعلمها *** تقضي إلى أجل إذ ذاك لم تدف
و أين منك مقر الهاربين إذا *** قادتهم نحوك الأملاك بالعنف
فصل في أموره (عليه السلام) مع المرضى و الموتى :
الباقر (عليه السلام) : مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضه , فدخل علي (عليه السلام) المسجد , فإذا جماعة من الأنصار , فقال لهم : أ يسركم أن تدخلوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
قالوا : نعم .
فاستأذن لهم , فدخلوا .
فجاء علي و جلس عند رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخرج يده من اللحاف و بين صدر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا الحمى تنفضه نفضا شديدا .
فقال , أم ملدم , اخرجي عن رسول الله , و انتهرها .
فجلس رسول الله و ليس به بأس .
فقال : يا ابن أبي طالب لقد أعطيت من خصال الخير , حتى أن الحمى لتفزع منك .
مقصورة العبدي :
و يوم عاد المرتضى الهادي و قد *** كان رسول الله حم و اشتكى
فمس صدر المصطفى بكفه فكاد *** أن يحرقها فرط الحمى
فقال يا أخي كذا فعلك بالطهر *** فزالت خيفة من الندا
قال النبي الحمد لله لقد أعطاك *** ربي يا أخي أهنأ العطا
أ كل شيء خائف بأسك حتى *** هذه الحمى و عوفي و برا
و له :
من زالت الحمى عن الطهر به *** من ردت الشمس له بعد العشا
من عبر الجيش على الماء و لم *** يخش عليه بلل و لا ندا
عبد الواحد بن زيد : كنت في الطواف إذ رأيت جارية تقول لأختها لا و حق المنتجب بالوصية , الحاكم بالسوية , العادل في القضية , العالي البنية , زوج فاطمة المرضية , ما كان كذا .
فقلت : أ تعرفين عليا ?
قالت : و كيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين , و أنه دخل على أمي ذات يوم , فقال لها : كيف أنت يا أم الأيتام ?
فقالت : بخير .
ثم أخرجتني أنا و أختي هذه إليه , و كان قد ركبني من الجدري ما ذهب له بصري .
[335]
فلما رآني , تأوه , ثم قال :
ما إن تأوهت من شيء رزيت به *** كما تأوهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم *** في النائبات و في الأسفار و الحضر
ثم أمر يده على وجهي فانفتحت عيني لوقتي و إني لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء ... الخبر .
ابن مكي :
أ ما رد كف العبد بعد انقطاعها *** أ ما رد عينا بعد ما طمست طمسا
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى : قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا الآية .
إن اليهود قالوا : يا محمد إن كان دعاؤكم مستجابا فادعوا لابن رئيسنا هذا ليعافيه الله من البرص .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : يا أبا الحسن , ادع الله له بالعافية .
فدعا , فعوفي , فصار أجمل الناس , فشهد الشاهدتين .
فقال أبوه : كان هذا وفاق صحته , فادع عليّ .
فقال : اللهم أبله ببلاء ابنه .
فصار في الحال أبرص أجذم أربعين سنة ; آية للعالمين .
الحاتمي بإسناده عن ابن عباس أنه : دخل أسود إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و أقر أنه سرق .
فسأله ثلاث مرات .
قال : يا أمير المؤمنين طهرني , فإني سرقت .
فأمر (عليه السلام) بقطع يده .
فاستقبله ابن الكواء , فقال : من قطع يدك ?
فقال : ليث الحجاز , و كبش العراق , و مصادم الأبطال , المنتقم من الجهال , كريم الأصل , شريف الفضل , محل الحرمين , وارث المشعرين , أبو السبطين , أول السابقين , و آخر الوصيين من آل يس , المؤيد بجبرائيل , المنصور بميكائيل , الحبل المتين , المحفوظ بجند السماء أجمعين , ذاك و الله أمير المؤمنين , على رغم الراغمين ... في كلام له .
قال ابن الكواء : قطع يدك و تثني عليه ?
قال : لو قطعني إربا إربا , ما ازددت له إلا حبا .
فدخل على أمير المؤمنين و أخبره بقصة الأسود .
فقال : يا ابن الكواء إن محبينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلا حبا و إن في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن و العسل ما ازدادوا لنا إلا بغضا .
و قال للحسن (عليه السلام) : عليك بعمك الأسود .
فأحضر الحسن الأسود إلى أمير المؤمنين , و أخذ يده و نصبها في موضعها , و تغطى بردائه , و تكلم بكلمات يخفيها ; فاستوت يده , و صار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين إلى أن استشهد بالنهروان .
و يقال : كان اسم هذا الأسود أفلح .
[336]
المشتاق :
فقال له إني جنيت فحدني و من *** بعد حد الله مولاي فاقتلني
فجز يمين العبد من حد قطعها *** و مر بها راض على المرتضى يثني
فقال له تمدح لمن لك قاطع و *** ذا عجب يسري به الناس في المدن
فقال لهم ما كان مولاي جائرا *** أقام حدود الله بالعدل و أنصفني
فمروا بنحو المرتضى يخبرونه *** فقال نعم استبشروا شيعتي مني
و لو إنني قطعتهم في محبتي *** لما زال منهم بالولاء أحد عني
فالزق كف العبد مع عظم زنده *** و عاد كأيام الرفاهة يستثني
و مر ينادي إنني عبد حيدر *** على ذاك يحييني الإله و يقبرني
و أبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفين , فأخذ علي (عليه السلام) يده و قرأ شيئا و ألصقها .
فقال : يا أمير المؤمنين ما قرأت ?
قال : فاتحة الكتاب , كأنه استقلها , فانفصلت يده بنصفين , فتركه علي و مضى .
ابن مكي :
رددت الكف جهرا بعد قطع *** كرد العين من بعد الذهاب
و جمجمة الجلندى و هو عظم *** رميم جاوبتك عن الخطاب
و روى ابن بابويه في كتابه معرفة الفضائل و كتاب علل الشرائع أيضا عن حنان بن سدير عن الصادق (عليه السلام) و قد سئل لم أخر أمير المؤمنين العصر في بابل قال : إنه لما صلى الظهر التفت إلى جمجمة ملقاة فكلمها أمير المؤمنين (عليه السلام) , فقال : يا أيتها الجمجمة من أين أنت ?
فقالت : أنا فلان بن فلان ملك بلد آل فلان .
قال لها أمير المؤمنين : فقصي علي الخبر , و ما كنت ? و ما كان في عصرك ?
فأقبلت الجمجمة تقص خبرها , و ما كان في عصرها من خير و من شر فاشتغل بها حتى غابت الشمس ; فكلمها بثلاثة أحرف من الإنجيل لئلا يفقه العرب كلامه ... القصة .
و قالت الغلاة : نادى علي (عليه السلام) الجمجمة ثم قال يا جلندى بن كركر أين الشريعة ?
فقال : هاهنا .
فبني هناك مسجدا و سمي مسجد الجمجمة .
و جلندى هذا ملك الحبشة صاحب الفيل الهادم للبيت أبرهة ; و قال شاعرهم :
[337]
من كلم الأموات في *** يوم الفرات من القبور
إذ قال هل في مائكم *** عبر لملتمس العبور
قالوا له أنت العليم *** بكنه تصريف الأمور
فعلام تسأل أعظما رمما *** على مر الدهور
أنت الذي أنوار قدسك *** قد تمكن في الصدور
أنت الذي نصب النبي *** لقومه يوم الغدير
أنت الصراط المستقيم *** و أنت نور فوق نور
و قالت أيضا : إنه نادى لسمكة , يا ميمونة أين الشريعة ?
فأطلعت رأسها من الفرات , و قالت : من عرف اسمي في الماء لا تخفى عليه الشريعة .
أمالي الشيباني قال رشيد الهجري : كنت في بعض الطريق مع علي بن أبي طالب إذ التفت إلي , فقال : يا رشيد أ ترى ما أرى ?
قلت : لا , يا أمير المؤمنين ; و إنه ليكشف لك الغطاء ما لا يكشف لغيرك .
قال : إني أرى رجلا في ثبج من النار , يقول : يا علي استغفر لي , لا غفر الله له .
كتاب ابن بابويه و أبي القاسم البستي و القاضي أبو عمرو بن أحمد عن جابر و أنس : أن جماعة تنقصوا عليا عند عمر .
فقال سلمان : أ و ما تذكر يا عمر اليوم الذي كنت فيه , و أبو بكر , و أنا , و أبو ذر , عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و بسط لنا شمله و أجلس كل واحد منا على طرف , و أخذ بيد علي و أجلسه في وسطها .
ثم قال : قم يا أبا بكر و سلم على علي بالإمامة و خلافة المسلمين , و هكذا كل واحد منا .
ثم قال : يا علي , سلم على هذا النور يعني الشمس .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أيتها الآية المشرقة السلام عليك .
فأجابت القرصة و ارتعدت , و قالت : و عليك السلام .
فقال رسول الله : اللهم إنك أعطيت لأخي سليمان صفيك ملكا و ريحا غدوها شهر و رواحها شهر ; اللهم أرسل تلك لتحملهم إلى أصحاب الكهف .
و أمرنا أن نسلم على أصحاب الكهف .
فقال علي : يا ريح احملينا .
فإذا نحن في الهواء .
فسرنا ما شاء الله .
ثم قال : يا ريح ضعينا .
فوضعتنا عند الكهف .
فقام كل واحد منا , و سلم .
فلم يردوا الجواب .
[338]
فقام علي , فقال : السلام عليكم أهل الكهف .
فسمعنا : و عليك السلام يا وصي محمد , إنا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس .
فقال لهم : لم لا تردوا سلام القوم ?
فقالوا : نحن فتية لا نرد إلا على نبي أو وصي نبي , و أنت وصي خاتم النبيين و خليفة رسول رب العالمين .
ثم قال : خذوا مجالسكم .