فجهدوا أن تنهض , فلم تنهض , فدفنوه فيه .
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال : أوصى علي (عليه السلام) عند موته للحسن و الحسين , و قال لهما : إن أنا مت فإنكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة و ثلاثة أكفان من إستبرق الجنة , فغسلوني و حنطوني بالحنوط و كفنوني .
قال الحسن (عليه السلام) : فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات من كافور الجنة , و سدرا من سدر الجنة .
فلما فرغوا من غسله و تكفينه , أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه , و كان قال : فسيأتي البعير إلى قبري فيقف عنده , فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر .
فو الله ما علم أحد من حفرة ?
فألحد فيه بعد ما صلى عليه , و أظلت الناس غمامة بيضاء , و طيور بيض , فلما دفن ذهبت الغمامة و الطيور .
و من طريق أهل البيت (عليهم السلام) ما جاء في تهذيب الأحكام عن سعد الإسكاف قال حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال : لما أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن و الحسين (عليه السلام) غسلاني و كفناني و حنطاني , و احملاني على سريري , و احملا مؤخره , تكفيان مقدمه , فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور و لحد ملحود و لبن موضوع فألحداني , و أشرجا اللبن علي , و ارفعا لبنة مما يلي رأسي فانظرا ما تسمعان .
و عن منصور بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي (عليه السلام) ... في خبر طويل يذكر فيه : أوصيكما وصية , فلا تظهرا على أمري أحدا .
فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا , و أن يكفناه فيما يجدان , فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح , و إذا وجد السرير يشال مقدمه يشيلان مؤخره , و أن يصلي الحسن مرة و الحسين مرة صلاة إمام , ففعلا كما رسم , فوجدا
[349]
اللوح و عليه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم , هذا ما ذخره نوح النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) , و أصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط , قد أضاء نوره على نور النهار .
و روي : أنه قال الحسين وقت الغسل أ ما ترى إلى خفة أمير المؤمنين ?
فقال الحسن : يا أبا عبد الله إن معنا قوما يعينوننا .
فلما قضينا صلاة العشاء الآخرة , إذا قد شيل مقدم السرير , و لم يزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري ; فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين , و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة و ضجة و جلبة , فوضعنا السرير و صلينا على أمير المؤمنين كما وصف لنا .
و نزلنا قبره فأضجعناه في لحده , و نضدنا عليه اللبن .
و في الخبر عن الصادق (عليه السلام) : فأخذ اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شيء و إذا هاتف يهتف أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه و كذلك يفعل الأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات بالمشرق و مات وصيه بالمغرب لألحق النبي بالوصي .
و في خبر عن أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) : فأنشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم , هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل الطوفان بسبعمائة سنة . فأشق القبر فلا ندري .
بيت :
سلام على قبر تضمن حيدرا *** و نوحا و عنهم آدم غير غائب
و عنها رضي الله عنها أنه لما دفن (عليه السلام) سمع ناطق يقول أحسن الله لكم العزاء في سيدكم و حجة الله على خلقه .
التهذيب و في خبر أنه : نفذ إسماعيل بن عيسى غلاما له أسود شديد البأس يعرف بالجمل في الحجة سنة ثلاث و تسعين و مائتين في جماعة , و قال امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس , و يقولون إنه قبر علي حتى تنبشون إلى قعره .
فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع , فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه , فنزل الحبشي فضرب ضربة سمع طنينها في البر , ثم ضرب ثانية , و ثالثة , ثم صاح صيحة , و جعل يستغيث , فأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته دم , فحملوه على البغل و لم يزل ينتشر من عضده و سائر شقه الأيمن .
[350]
فرجعوا إلى العباسي فلما رآه التفت إلى القبلة و تاب من فعله , و تبرأ و مات الغلام من وقته .
و ركب في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر , فسأله : أن يعمل على القبر صندوقا .
قال أبو جعفر الطوسي حدثني أبو الحسن محمد بن تمام الكوفي قال حدثني أبو الحسن بن الحجاج قال : رأينا هذا الصندوق و ذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد .
و في الأمالي أنه : خرج بعض الخلفاء يتصيد في ناحية الغريين و الثوية و أرسل الكلاب فلجأت الظباء إلى أكمة , و رجعت الكلاب .
ثم إن الظباء هبطت منها , وضعت الكلاب مثل الأول .
فسئل شيخا من بني أسد , فقال : إن فيها قبر علي بن أبي طالب جعله الله حرما لا يأوي إليه شيء إلا أمن .
و من ذلك تسخير الجماعة اضطرارا لنقل فضائله مع ما فيها من الحجة عليهم حتى إن أنكره واحد رد عليه صاحبه و قال هذا في التواريخ و الصحاح و السنن و الجوامع و السير و التفاسير مما أجمعوا على صحته فإن لم يكن في واحد يكن في آخر .
و من جملة ذلك ما أجمعوا عليه أو روى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا كما صنف ابن جرير الطبري كتاب الغدير : و ابن شاهين كتاب المناقب و كتاب فضائل فاطمة (عليها السلام) : و يعقوب بن شيبة تفضيل الحسن و الحسين (عليهما السلام) و مسند أمير المؤمنين و أخباره و فضائله (عليه السلام) : و الجاحظ كتاب العلوي و كتاب فضل بني هاشم على بني أمية : و أبو نعيم الأصفهاني منقبة المطهرين في فضائل أمير المؤمنين و ما نزل في القرآن في أمير المؤمنين (عليه السلام) : و أبو المحاسن الرؤياني الجعفريات : و الموفق المكي كتاب قضايا أمير المؤمنين و كتاب رد الشمس لأمير المؤمنين : و أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين : و أبو صالح عبد الملك المؤذن كتاب الأربعين في فضائل الزهراء (عليها السلام) : و أحمد بن حنبل مسند أهل البيت و فضائل الصحابة : و أبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية على سائر البرية : و ابن المغازلي كتاب المناقب : و أبو القاسم البستي كتاب المراتب : و أبو عبد الله البصري كتاب الدرجات : و الخطيب أبو تراب كتاب الحدائق مع الكتمان و الميل : و ذلك : خرق العادة , شهد بفضائله معادوه , و أقر بمناقبه جاحدوه .
[351]
شاعر :
شهد الأنام بفضله حتى العدا *** و الفضل ما شهدت به الأعداء
آخر :
يروي مناقبهم لنا أعداؤهم *** لا فضل إلا ما رواه حسود
و من جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها و يتوعدون على روايتها روى مسلم و البخاري و ابن بطة و النطنزي عن عائشة في حديثها بمرض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالت في جملة ذلك : فخرج النبي بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل و رجل آخر يخط قدماه عاصبا رأسه تعني عليا (عليه السلام) .
و قال معاوية لابن عباس : إنا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي فكف لسانك .
قال : أ فتنهانا عن قراءة القرآن ?
قال : لا .
قال : أ فتنهانا عن تأويله ?
قال : نعم .
قال : أ فنقرأه و لا نسأل ?
قال : سل عن غير أهل بيتك .
قال : إنه منزل علينا , أ فنسأل غيرنا ? أ تنهانا أن نعبد الله ? فإذا تهلك الأمة .
قال : اقرءوا و لا ترووا ما أنزل الله فيكم . يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ .
ثم نادى معاوية : إن برئت الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي .
حتى قال : قال عبد الله بن شداد الليثي : وددت أني أترك أن أحدث بفضائل علي بن أبي طالب يوما إلى الليل و إن عنقي ضربت .
فكان المحدث يحدث بحديث في الفقه أو يأتي بحديث المبارزة فيقول قال رجل من قريش و كان عبد الرحمن بن أبي ليلى , يقول حدثني رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و كان الحسن البصري يقول قال أبو زينب و سئل ابن جبير عن حامل اللواء
فقال : كأنك رخي البال .
و قال الشعبي : لقد كنت أسمع خطباء بني أمية يسبون عليا على منابرهم فكأنما يشال بضبعه إلى السماء و كنت أسمعهم يمدحون أسلافهم يكشفون عن جيفة .
و رأي أعرابية في مسجد الكوفة تقول : يا مشهورا في السماوات و يا مشهورا في الأرضين و يا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة و الملوك على إطفاء نورك و إخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا و لنورك إلا ضياء و نماء و لو كره المشركون .
قيل : لمن تصفين ?
قالت : ذاك أمير المؤمنين .
فالتفت فلم ير أحدا .
ابن نباتة :
نشرت حيلة قريش فزادته *** إلى صيحة القيامة فتلا
[352]
و من ذلك ما طبقت الأرض بالمشاهد لأولاده و فشت المنامات من مناقبه فيبرئ الزمنى و يفرج المبتلى و ما سمع هذا لغيره (عليه السلام) .
باب قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) :
اعلم أن أحكامه على خمسة أوجه في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و زمن أبي بكر و زمن عمر و زمن عثمان و في زمانه (عليه السلام) .
فصل في قضاياه حال حياة النبي (عليه السلام) :
تفسير يوسف القطان عن وكيع الثوري عن السدي قال : كنت عند عمر بن الخطاب إذ أقبل كعب بن الأشرف و مالك بن الصيفي و حي بن أخطب فقالوا إن في كتابكم وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إذا كان سعة جنة واحدة كسبع سماوات و سبع أرضين فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون ?
فقال عمر : لا أعلم .
فبينما هم في ذلك إذ دخل علي (عليه السلام) , فقال : في أي شيء أنتم ?
فالتفت اليهودي و ذكر المسألة .
فقال (عليه السلام) لهم : خبروني أن النهار إذا أقبل الليل أين يكون و الليل إذا أقبل النهار أين يكون ?
فقال له : في علم الله يكون .
قال علي : كذلك الجنان تكون في علم الله .
فجاء علي (عليه السلام) إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و أخبره بذلك فنزل فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .
الواقدي و إسحاق الطبري : أن عمير بن وابل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدعي على علي (عليه السلام) ثمانين مثقال من الذهب وديعة عند محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و أنه هرب من مكة و أنت وكيله فإن طلب بينة الشهود فنحن معشر قريش نشهد عليه , و أعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب , منها قلادة عشر مثاقيل لهند .
فجاء و ادعى على علي (عليه السلام) فاعتبر الودائع كلها وراي عليها أسامي أصحابها و لم يكن لما ذكره عمير خبرا , فنصح له نصحا كثيرا .
فقال : إن لي من يشهد بذلك , و هو أبو جهل و عكرمة و عقبه بن أبي معيط و أبو سفيان و حنظلة .
فقال (عليه السلام) : مكيدة تعود إلى من دبرها .
ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة .
ثم قال لعمير : يا أخا ثقيف أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه إلى رسول الله أي الأوقات كان ?
قال : ضحوة نهار , فأخذها بيده و دفعها إلى عبده .
ثم استدعى بأبي جهل , و سأله عن ذلك ?
قال : ما يلزمني ذلك .
ثم استدعى
[353]
بأبي سفيان , و سأله ?
فقال : دفعها عند غروب الشمس , و أخذها من يده و تركها في كمه .
ثم استدعى حنظلة , و سأله عن ذلك ?
فقال : كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء , و تركها بين يديه إلى وقت انصرافه .
ثم استدعى بعقبه , و سأله عن ذلك ?
فقال : تسلمها بيده , و أنفذها في الحال إلى داره , و كان وقت العصر .
ثم استدعى بعكرمة , و سأله عن ذلك ?
فقال : كان بزوغ الشمس أخذها فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة .
ثم أقبل على عمير , و قال له : أراك قد اصفر لونك , و تغيرت أحوالك .
قال : أقول الحق , و لا يفلح غادر ; و بيت الله ما كان لي عند محمد وديعة , و إنهما حملاني على ذلك و هذه دنانيرهم , و عقد هند عليها اسمها مكتوب .
ثم قال : علي ايتوني بالسيف الذي في زاوية الدار فأخذ .
و قال : أ تعرفون هذا السيف ?
فقالوا : هذا لحنظلة .
فقال أبو سفيان : هذا مسروق .
فقال (عليه السلام) : إن كنت صادقا في قولك , فما فعل عبدك مهلع الأسود ?
قال مضى إلى الطائف , في حاجة لنا .
فقال : هيهات أن يعود , تراه ابعث إليه أحضره إن كنت صادقا .
فسكت أبو سفيان .
ثم قام (عليه السلام) في عشرة عبيد لسادات قريش فنبشوا بقعة عرفها فإذا فيها العبد مهلع قتيل .
فأمرهم بإخراجه .
فأخرجوه , و حملوه إلى الكعبة .
فسأله الناس عن سبب قتله .
فقال : إن أبا سفيان و ولده ضمنوا له رشوة عتقه , و حثاه على قتلي , فكمن لي في الطريق و وثب علي ليقتلني , فضربت رأسه و أخذت سيفه .
فلما بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثانية بعمير .
فقال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله .
أبو داود و ابن ماجة في سننهما و ابن بطة في الإبانة و أحمد في فضائل الصحابة و أبو بكر مردويه في كتابه بطرق كثيرة عن زيد بن أرقم أنه : قيل للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتي إلى علي باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدهم كلهم يزعم أنه وقع على أمة في طهر واحد ذلك في الجاهلية .
فقال علي (عليه السلام) : إنهم شركاء متشاكسون , فقرع على الغلام باسمهم فخرجت لأحدهم .
فالحق الغلام به و ألزمه ثلثي الدية لصاحبيه , و زجرهما عن مثل ذلك .
فقال النبي الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود .
أحمد بن حنبل في المسند و أحمد بن منيع في أماليه بإسنادهما إلى حماد بن سلمة عن سماك عن حبيش بن المعتمر و قد رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) و اللفظ له :
[354]
أنه : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أربعة نفر أطلعوا على زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك الثاني بالثالث و استمسك الثالث بالرابع فقضى (عليه السلام) بالأول فريسة الأسد و غرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني و غرم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية و غرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة و انتهى الخبر إلى النبي (عليه السلام) بذلك فقال لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء الله فوق عرشه .
أبو عبيد في غريب الحديث و ابن مهدي في نزهة الأبصار عن الأصبغ بن نباته أنه : قضى (عليه السلام) في القارصة و القامصة و الواقصة و هن ثلاث جوار كن يلعبن فركبت إحداهن صاحبتها فقرصتها الثالثة فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فوقصت عنقها فقضى بالدية أثلاثا و أسقط حصة الراكبة لما أعانت على نفسها فبلغ ذلك النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاستصوبه .
و قضى (عليه السلام) في قوم وقع عليهم حائط فقتلهم و كان في جماعتهم امرأة مملوكة و أخرى حرة و كان للحرة ولد طفل من حر و للجارية المملوكة طفل من مملوك فلم يعرف الحر من الطفلين من المملوك فقرع بينهما و حكم بالحرية لمن خرج سهم الحرية عليه و حكم في ميراثهما بالحكم في الحر و مولاه فأمضى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك .
مصعب بن سلام عن الصادق (عليه السلام) : أن رجلين اختصما إلى النبي في بقرة قتلت حمارا .
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اذهبا إلى أبي بكر و اسألاه عن ذلك .
فلما سألاه : قال بهيمة قتلت بهيمة لا شيء على ربها .
فأخبر رسول الله , فأشار بهما إلى عمر .
فقال : كما قال أبو بكر .
فأخبر رسول الله بذلك .
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اذهبا إلى علي .
فكان قوله (عليه السلام) : إن كانت البقرة دخلت على الحمار في مأمنه فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه , و إن كان الحمار دخل على البقرة في مأمنها فقتلته فلا غرم على صاحبها .
فقال رسول الله لقد قضى بينكما بقضاء الله .
في أحاديث البصريين عن أحمد عن جابر قال معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار : إن رجلا أوطأ بعيره أدحى نعام فكسر بيضها فانطلق إلى علي فسأله عن ذلك .
فقال له علي (عليه السلام) : عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فانطلق إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
[355]
فذكر ذلك له .
فقال رسول الله : قد قال علي بما سمعت و لكن هلم إلى الرخصة عليك بكل بيضة صوم يوم أو طعام مسكين .
جابر و ابن عباس أن أبي بن كعب قرأ عند النبي : وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً .
فقال النبي لقوم عنده و فيهم أبو بكر و عبيدة و عمر و عثمان و عبد الرحمن قولوا الآن ما أول نعمة غرسكم الله بها و بلاكم بها ?
فخاضوا من المعاش و الرياش و الذرية و الأزواج فلما أمسكوا .
قال , يا أبا الحسن :قل .
فقال (عليه السلام) : إن الله خلقني و لم أك شيئا مذكورا , و إن أحسن بي فجعلني حيا لا مواتا , و إن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة و أعدل تركيب , و إن جعلني متفكرا واعيا لا أبله ساهيا , و إن جعل لي شواعرا أدرك بها ما ابتغيت , و جعل في سراجا منيرا , و إن هداني لدينه و لن يضلني عن سبيله , و إن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها , و إن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا , و إن سخر لي سمائه و أرضه و ما فيها و ما بينهما من خلقه , و إن جعلنا ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا . و كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول في كل كلمة صدقت . ثم قال فما بعد هذا ?
فقال علي : و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها .
فتبسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , و قال ليهنئك الحكمة , ليهنئك العلم يا أبا الحسن , أنت وارث علمي , و المبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي , الخبر .
الحلية أبو صالح الحنفي عن علي (عليه السلام) قال : قلت يا رسول الله أوصني .
قال : قل ربي الله ثم استقم .
قال قلت ربي الله و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .
فقال ليهنئك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا .
فضائل أحمد إسماعيل بن عياش بإسناده عن علي (عليه السلام) : قضى في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعجب رسول الله فقال الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت .
و لنا العلم قالوا لعلي *** و لا ملك له و استكبروا تيها
ما سلموا الله في نصبه *** قل لمن الأرض و من فيها
الحميري :
و إن عليا قال في الصيد قبل أن *** ينزل في التنزيل ما كان أوجبا
قضى فيه قبل الوحي خير قضية *** فأنزلها الرحمن حقا مرتبا
[356]
على قاتل الصيد الحرام كمثله *** من النعم المفروض كان معقبا
إلى البيت بيت الله معتمدا إذا *** تعمده كيلا يعود فيعطبا
فصل في قضاياه في عهد أبي بكر :
الخاصة و العامة : أن أبا بكر أراد أن يقيم الحد على رجل شرب الخمر .
فقال الرجل إني شربتها و لا علم لي بتحريمها .
فارتج عليه , فأرسل إلى علي (عليه السلام) يسأله عن ذلك .
فقال : مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين و الأنصار و ينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه و إن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه و خل سبيله .
و كان الرجل صادقا في مقاله فخلى سبيله .
و سأله آخر : عن رجل تزوج بامرأة بكر فولدت عشية فحاز ميراثه الابن و الأم فلم يعرف .
فقال علي (عليه السلام) هذا رجل له جارية حبلى منه فلما تمخضت مات الرجل .
و جاء آخر برجل فقال : إن هذا ذكر أنه احتلم بأمي فدهش فقال (عليه السلام) اذهب به فأقمه في الشمس و حد ظله فإن الحلم مثل الظل و لكنا سنضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين .
أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أراد قوم على عهد أبي بكر أن يبنوا مسجدا بساحل عدن فكان كلما فرغوا من بنائه سقط فعادوا إليه فسألوه فخطب و سأل الناس و ناشدهم إن كان عند أحد منكم علم هذا فليقل .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) احتفروا في ميمنته و ميسرته في القبلة فإنه يظهر لكم قبران مكتوب عليهما أنا رضوى و أختي حباء متنا لا نشرك بالله العزيز الجبار و هما مجردتان فاغسلوهما و كفنوهما و صلوا عليهما و ادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم فإنه يقوم بناؤه .
ففعلوا ذلك , فكان كما قال (عليه السلام) .
ابن حماد :
و قال للقوم امضوا الآن فاحتفروا *** أساس قبلتكم تفضوا إلى خزن
عليه لوح من العقيان محتفر *** فيه بخط من الياقوت مندفن
نحن ابنتا تبع ذي الملك من يمن *** حبا و رضوى بغير الحق لم ندن
[257]
متنا على ملة التوحيد لم نك *** من صلى إلى صنم كلا و لا وثن
و سأله نصرانيان ما الفرق بين الحب و البغض و معدنهما واحد ? و ما الفرق بين الرؤيا الصادقة و الرؤيا الكاذبة و معدنهما واحد ?
فأشار إلى عمر , فلما سألاه : أشار إلى علي , فلما سألاه عن الحب و البغض .
قال : إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأسكنها الهواء فمهما تعارف هناك اعترف هاهنا و مهما تناكر هناك اختلف هاهنا .
ثم سألاه عن الحفظ و النسيان .
فقال : إن الله تعالى خلق ابن آدم و جعل لقلبه غاشية فمهما مر بالقلب و الغاشية منفتحة حفظ و حصا , و مهما مر بالقلب و الغاشية منطبقة لم يحفظ و لم يحص .
ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة و الرؤيا الكاذبة .
فقال (عليه السلام) : إن الله تعالى خلق الروح و جعل لها سلطانا فسلطانها النفس فإذا نام العبد خرج الروح و بقي سلطانه فيمر به جيل من الملائكة و جيل من الجن فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة و مهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن .
فأسلما على يديه و قتلا معه يوم صفين .
ابن جريح عن الضحاك عن ابن عباس : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اشترى من أعرابي ناقة بأربعمائة درهم فلما قبض الأعرابي المال صاح الدراهم و الناقة لي .
فأقبل علي أبو بكر , فقال اقض فيما بيني و بين الأعرابي .