back page fehrest page next page

فقال القضية واضحة تطلب البينة .

فأقبل عمر , فقال : كالأول .

فأقبل علي , فقال : أ تقبل الشاب المقبل ?

قال : نعم .

فقال الأعرابي : الناقة ناقتي و الدراهم دراهمي , فإن كان بمحمد شيئا فليقم البينة على ذلك .

فقال (عليه السلام) : خل عن الناقة و عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاث مرات , فاندفع فضربه ضربة , فاجتمع أهل الحجاز أنه رمى برأسه .

و قال بعض أهل العراق بل قطع منه عضوا .

فقال : يا رسول الله نصدقك على الوحي و لا نصدقك على أربعمائة درهم .

و في خبر عن غيره : فالتفت النبي إليهما فقال هذا حكم الله لا ما حكمتما به ذكره ابن بابويه في الأمالي و من لا يحضره الفقيه .

و رواية أخرى : في حكومة أعرابي آخر تسعين درهما عن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , يا علي : أ قتلت الأعرابي ?

قال : لأنه كذبك يا رسول الله , و من كذبك فقد حل دمه .

فتيا الجاحظ و تفسير الثعلبي أنه سئل أبو بكر عن قوله تعالى : وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا .

فقال : أي سماء تظلني أو أية أرض تقلني أم أين اذهب أم كيف أصنع إذا قلت في كتاب

[358]

الله بما لم أعلم , أما الفاكهة فأعرفها , و أما الأب فالله أعلم .

و في روايات أهل البيت (عليهم السلام) : أنه بلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) , فقال : إن الأب هو الكلاء و المرعى و إن قوله وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا اعتداد من الله على خلقه فما غذاهم به و خلقه لهم و لأنعامهم مما يحيا به أنفسهم .

و سأل رسول ملك الروم أبا بكر : عن رجل لا يرجو الجنة و لا يخاف النار و لا يخاف الله و لا يركع و لا يسجد و يأكل الميتة و الدم و يشهد بما لا يرى و يحب الفتنة و يبغض الحق .

فلم يجبه .

فقال عمر : ازددت كفرا إلى كفرك .

فأخبر بذلك علي (عليه السلام) , فقال : هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة و لا يخاف النار و لكن يخاف الله و لا يخاف الله من ظلمه و إنما يخاف من عدله و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة و يأكل الجراد و السمك و يأكل الكبد و يحب المال و الولد إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ و يشهد بالجنة و النار و هو لم يرها و يكره الموت و هو حق و في مقال لي ما ليس لله فلي صاحبة و ولد و معي ما ليس مع الله معي ظلم و جور و معي ما لم يخلق الله فأنا حامل القرآن و هو غير مفتري و أعلم ما لم يعلم الله و هو قول النصارى إن عيسى ابن الله و صدق النصارى و اليهود في قولهم وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ‏ءٍ , الآية .

و كذب الأنبياء و المرسلين كذب إخوة يوسف حيث قالوا أَكَلَهُ الذِّئْبُ و هم أنبياء الله و مرسلون إلى الصحراء و أنا أحمد النبي أحمده و أنا علي علي في قومي و أنا ربكم أرفع و أضع رب كمي أرفعه و أضعه .

و سأله (عليه السلام) رأس الجالوت بعد ما سأل أبا بكر فلم يعرف , ما أصل الأشياء ?

فقال (عليه السلام) : هو الماء , لقوله تعالى وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ .

و ما جمادان تكلما ?

فقال هما السماء و الأرض .

و ما شيئان يزيدان و ينقصان و لا يرى الخلق ذلك ?

فقال : هما الليل و النهار .

و ما الماء الذي ليس من أرض و لا سماء ?

فقال : الماء الذي بعث سليمان إلى بلقيس و هو عرق الخيل إذا هي أجريت في الميدان .

و ما الذي يتنفس بلا روح ?

فقال : وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ .

و ما القبر الذي سار بصاحبه ?

فقال : ذاك يونس لما سار به الحوت في البحر .

[359]

ابن حماد :

علم الذي قد كان أو هو كائن *** و العلم فيه مقسم و مجمع

‏كم مشكل أعيا على حساده حتى *** إذا بلغوا به و تسكعوا

لجئوا إليه أذلة فأناره حتى *** غدت ظلماؤه تتقشع

‏و هو الغني بعلمه عن غيره *** و الخلق مفتقر إليه أجمع

و لغيره :

و كيف يعدله قوم و إن علموا *** علما و ما بلغوا معشار ما علما

أو كيف يعدله في الحرب معتدل *** قوم إذا نكلوا عنها مضى قدما

فصل في ذكر قضاياه (عليه السلام) في عهد عمر :

إثبات النص : أن غلاما طلب مال أبيه من عمر و ذكر أن والده توفي بالكوفة و الولد طفل بالمدينة فصاح عليه عمر و طرده .

فخرج يتظلم منه , فلقيه علي (عليه السلام) , و قال : ائتوني به إلى الجامع حتى أكشف أمره .

فجي‏ء به فسأله عن حاله فأخبره بخبره .

فقال علي لأحكمن فيكم بحكومة حكم الله بها من فوق سبع سماء و إنه لا يحكم بها إلا من ارتضاه لعلمه .

ثم استدعى بعض أصحابه , و قال هات مجرفة .

ثم قال سيروا بنا إلى قبر والد الصبي .

فساروا , فقال : احفروا هذا القبر و انبشوه و استخرجوا لي ضلعا من أضلاعه .

فدفعه إلى الغلام , فقال له : شمه .

فلما شمه انبعث الدم من منخريه .

فقال (عليه السلام) : إنه ولده .

فقال عمر : بانبعاث الدم تسلم إليه المال ?

فقال : إنه أحق بالمال منك و من سائر الخلق أجمعين .

ثم أمر الحاضرين , بشم الضلع .

فشموه , فلم ينبعث الدم من واحد منهم .

فأمر أن أعيد إليه ثانية .

و قال : شمه .

فلما شمه , انبعث الدم انبعاثا كثيرا .

فقال (عليه السلام) : إنه أبوه فسلم إليه المال .

ثم قال : و الله ما كذبت و لا كذبت .

و أتي إليه برجل و امرأة فقال الرجل لها يا زانية فقالت أنت أزنى مني فأمر بأن يجلدا .

فقال علي (عليه السلام) : لا تعجلوا , على المرأة حدان , و ليس على الرجل شي‏ء منها , حد لفريتها

[360]

و حد لإقرارها على نفسها , لأنها قذفته إلا أنها تضرب و لا تضرب بها الغاية .

عمرو بن داود عن الصادق (عليه السلام) : أن عقبة بن أبي عقبه مات فحضر جنازته علي و جماعة من أصحابه و فيهم عمر .

فقال علي لرجل كان حاضرا : إن عقبة لما توفي حرمت امرأتك , فاحذر أن تقربها .

فقال عمر : كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب , و هذه من أعجبها , يموت الإنسان فتحرم على آخر امرأته ?

فقال : نعم . إن هذا عبد كان لعقبة , تزوج امرأة حرة , و هي اليوم ترث بعض ميراث عقبة , فقد صار بعض زوجها رقا لها , و بعض المرأة حرام على عبدها , حتى تعتقه و يتزوجها .

فقال عمر : لمثل هذا نسألك عما اختلفنا فيه .

روض الجنان عن أبي الفتوح الرازي : أنه حضر عنده أربعون نسوة و سألته عن شهوة الآدمي .

فقال : للرجل واحد و للمرأة تسعة .

فقلن : ما بال الرجال لهم دوام و متعة و سراري بجزء من تسعة و لا يجوز لهن الأزواج واحد مع تسعة أجزاء .

فأفحم .

فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : فأمر أن تأتي كل واحدة منهن بقارورة من ماء و أمرهن بصبها في إجانة .

ثم أمر كل واحدة منهن تغرف ماءها .

فقلن : لا يتميز ماؤنا .

فأشار (عليه السلام) : أن لا يفرقن بين الأولاد و إلا لبطل النسب و الميراث .

و في رواية يحيى بن عقيل : أن عمر قال لا أبقاني الله بعدك يا علي .

و جاءت امرأة إليه فقالت :

ما ترى أصلحك الله *** و أثرى لك أهلا

في فتاة ذات بعل *** أصبحت تطلب بعلا

بعد إذن من أبيها *** أ ترى ذلك حلا

فأنكر ذلك السامعون .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أحضريني بعلك

فأحضرته .

فأمره بطلاقها .

ففعل , و لم يحتج لنفسه بشي‏ء .

فقال (عليه السلام) : إنه عنين .

فأقر الرجل بذلك .

فأنكحها رجلا من غير أن تقضي عدة .

أبو بكر الخوارزمي : إذا عجز الرجال عن الإمتاع فتطليق الرجال إلى النساء .

الرضا (عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة محصنة فجر بها غلام صغير فأمر عمر أن ترجم .

فقال (عليه السلام) : لا يجب الرجم إنما يجب الحد , لأن الذي فجر بها ليس بمدرك .

و أمر عمر برجل يمني محصن فجر بالمدينة أن يرجم .

فقال أمير المؤمنين : لا يجب

[361]

عليه الرجم , لأنه غائب عن أهله ; و أهله في بلد آخر إنما يجب عليه الحد .

فقال عمر : لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن .

عمرو بن شعيب و الأعمش و أبو الضحى و القاضي و أبو يوسف عن مسروق : أتي عمر بامرأة أنكحت في عدتها , ففرق بينهما و جعل صداقها في بيت المال .

و قال : لا أجيز مهرا رد نكاحه , و قال : لا تجتمعان أبدا .

فبلغ ذلك عليا (عليه السلام) , فقال : و إن كانوا جهلوا السنة , لها المهر بما استحل من فرجها , و يفرق بينهما , فإذا انقضت عدتها , فهو خاطب من الخطاب .

فخطب عمر الناس فقال : ردوا الجهالات إلى السنة , و رجع عمر إلى قول علي .

و من ذلك ذكر الجاحظ عن النظام في كتاب الفتيا ما ذكر عمرو بن داود عن الصادق (عليه السلام) قال : كان لفاطمة (عليها السلام) جارية يقال لها فضة فصارت من بعدها لعلي (عليه السلام) .

فزوجها من أبي ثعلبة الحبشي فأولدها ابنا , ثم مات عنها أبو ثعلبة .

و تزوجها من بعده أبو مليك الغطفاني .

ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة .

فامتنعت من أبي مليك أن يقربها .

فاشتكاها إلى عمر و ذلك في أيامه .

فقال لها عمر ما يشتكي منك أبو مليك يا فضة ?

فقالت : أنت تحكم في ذلك , و ما يخفى عليك .

قال عمر : ما أجد لك رخصة .

قالت ,يا أبا حفص : ذهب بك المذاهب إن ابني من غيره مات فأردت أن أستبرئ نفسي بحيضة فإذا أنا حضت علمت أن ابني مات و لا أخ له , و إن كنت حاملا كان الولد في بطني أخوه .

فقال عمر : شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي .

الأصبغ بن نباتة : أن عمر حكم على خمسة نفر في زنا بالرجم .

فخطأه أمير المؤمنين في ذلك , و قدم واحدا فضرب عنقه , و قدم الثاني فرجمه , و قدم الثالث فضربه الحد , و قدم الرابع فضربه نصف الحد خمسين جلدة , و قدم الخامس فعزره .

فقال عمر : كيف ذلك ?

فقال (عليه السلام) : أما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة فخرج عن ذمته .

و أما الثاني : فرجل محصن , زنى فرجمناه .

و أما الثالث فغير محصن فضربناه الحد .

و أما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد .

و أما الخامس فمغلوب على عقله مجنون فعزرناه .

فقال عمر : لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن .

حدائق أبي تراب الخطيب و كافي الكليني و تهذيب أبي جعفر عن عاصم بن ضمرة :

[362]

أن غلاما و امرأة أتيا عمر .

فقال الغلام : هذه و الله أمي حملتني في بطنها تسعا و أرضعتني حولين كاملين فانتفت مني و طردتني و زعمت أنها لا تعرفني .

فأتوا بها , مع أربعة إخوة لها , و أربعين قسامة يشهدون لها أن هذا الغلام مدع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها , و أنها بخاتم ربها لم يتزوج بها أحد .

فأمر عمر بإقامة الحد عليه .

فرأى عليا (عليه السلام) ,فقال :يا أمير المؤمنين , احكم بيني و بين أمي .

فجلس (عليه السلام) موضع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , فقال :لك ولي ?

قالت : نعم , هؤلاء الأربعة إخوتي .

فقال : حكمي عليكم جائز و على أختكم ?

قالوا : نعم .

قال : أشهد الله و أشهد من حضر إني زوجت هذه الامرأة من هذا الغلام بأربعمائة درهم , و النقد من مالي . يا قنبر علي بالدراهم .

فأتاه بها , فقال خذها فصبها في حجر امرأتك , و خذ بيدها إلى المنزل .

فصاحت المرأة : الأمان يا ابن عم رسول الله . هذا و الله ولدي زوجني إخوتي هجينا فولدت منه هذا , فلما بلغ و ترعرع أنفوا و أمروني أن أنتفي منه , و خفت منهم .

فأخذت بيد الغلام فانطلقت به .

فنادى عمر : لو لا علي لهلك عمر .

ابن حماد :

قال الإمام فوليني ولاك لكي *** أقرر الحكم قالت أنت تملكني

‏فقال قومي لقد زوجته بك *** قم فادخل بزوجك يا هذا و لا تشن

‏فحين شد عليها كفه هتفت *** أ تستحل ترى بابني تزوجني

‏إني من أشرف قومي نسبة و أبو ***هذا الغلام مهين في العشير دني

‏فكنت زوجته سرا فأولدني هذا ***و مات و أمري فيه لم يبن

‏فظلت أكتمه أهلي و لو علموا *** لكان كل امرئ منهم يعيرني

ضمرة و رووا : أنه أتي بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) هب لك سبيل عليها فهل لك سبيل على ما في بطنها و الله تعالى يقول وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى قال فما أصنع بها قال احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحد عليها فلما ولدت ماتت فقال عمر لو لا علي لهلك عمر .

الأصفهاني :

و برجم أخرى مثقل في بطنها *** طفل سوى الخلق أو طفلان

[363]

نودوا ألا انتظروا فإن كانت زنت *** فجنينها في البطن ليس بزاني

المنهال عن عبد الرحمن بن عائد الأزدي قال : أتي عمر بن الخطاب بسارق فقطعه ثم أتي به الثانية فقطعه ثم أتي به الثالثة فأراد قطعه .

فقال علي : لا تفعل قد قطعت يده و رجله , و لكن احبسه .

إحياء علوم الدين عن الغزالي : أن عمر قبل الحجر ثم قال إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع , و لو لا إني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك .

فقال علي (عليه السلام) : بل هو يضر و ينفع .

فقال : و كيف ?

قال : إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب الله عليهم كتابا ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء و يشهد على الكافر بالجحود .

قيل : فذلك قول الناس عند الاستلام اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك و وفاء بعهدك . هذا ما رواه أبو سعيد الخدري , و في رواية شعبة عن قتادة عن أنس : فقال له علي لا تقل ذلك فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما فعل فعلا و لا سن سنة إلا عن أمر الله نزل على حكمه و ذكر باقي الحديث .

فضائل العشرة أنه : أتي عمر بابن أسود انتفى منه أبوه فأراد عمر أن يعزره .

فقال علي (عليه السلام) : للرجل هل جامعت أمه في حيضها ?

قال : نعم .

قال : فلذلك سوده الله .

فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر و في رواية الكلبي : قال أمير المؤمنين فانطلقا فإنه ابنكما و إنما غلب الدم النطفة الخبر .

القاضي النعمان في شرح الأخبار عن عمر بن حماد القتاد بإسناده عن أنس قال : كنت مع عمر بمنى إذ أقبل أعرابي و معه ظهر .

فقال لي عمر : سله هل يبيع الظهر ?

فقمت إليه فسألته .

قال : نعم .

فقام إليه فاشترى منه أربعة عشر بعيرا .

ثم قال يا أنس الحق هذا الظهر .

فقال الأعرابي : جردها من أحلاسها و أقتابها .

فقال عمر : إنما اشتريتها بأحلاسها و أقتابها .

فاستحكما عليا .

فقال (عليه السلام) : كنت اشترطت عليه أقتابها و أحلاسها ?

فقال عمر : لا .

قال : فجردها له , فإنما لك الإبل .

فقال عمر : يا أنس جردها و ادفع أقتابها و أحلاسها إلى الأعرابي و ألحقها بالظهر .

ففعلت .

و فيه عن يزيد بن أبي خالد بإسناده إلى طلحة بن عبد الله قال : أتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين ففضلت منه فضلة فاستشار فيها من حضره من الصحابة .

فقالوا خذها لنفسك

[364]

فإنك إن قسمتها لم يصب كل رجل منها إلا ما يلتفت إليه .

فقال علي (عليه السلام) : اقسمها أصابهم من ذلك ما أصابهم فالقليل في ذلك و الكثير سواء .

ثم التفت إلى علي , فقال : و يد لك مع أياد لم أجزك بها .

و فيه و قال أبو عثمان النهدي : جاء رجل إلى عمر فقال إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين , فما ترى ?

فسكت عمر .

فقال له الرجل : ما تقول ?

قال : كما أنت حتى يجي‏ء علي بن أبي طالب .

فجاء علي , فقال : قص عليه قصتك .

فقص عليه القصة .

فقال علي (عليه السلام) : هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة .

أبو القاسم الكوفي و القاضي النعمان في كتابيهما قالا : رفع إلى عمر أن عبدا قتل مولاه , فأمر بقتله .

فدعاه علي (عليه السلام) , فقال له : أ قتلت مولاك ?

قال : نعم .

قال : فلم قتلته ?

قال : غلبني على نفسي , و أتاني في ذاتي .

فقال لأولياء المقتول : أ دفنتم وليكم ?

قالوا : نعم .

قال : و متى دفنتموه ?

قالوا : الساعة .

قال لعمر : احبس هذا الغلام فلا تحدث فيه حدثا حتى تمر ثلاثة أيام .

ثم قال لأولياء المقتول إذا مضت ثلاثة أيام فاحضرونا .

فلما مضت ثلاثة أيام حضروا , فأخذ علي (عليه السلام) بيد عمر و خرجوا .

ثم وقف على قبر الرجل المقتول .

فقال علي لأوليائه : هذا قبر صاحبكم ?

قالوا : نعم .

قال : احفروا .

فحفروا , حتى انتهوا إلى اللحد .

فقال : أخرجوا ميتكم .

فنظروا إلى أكفانه في اللحد و لم يجدوه .

فأخبروه بذلك .

فقال علي : الله أكبر , الله أكبر , و الله ما كذبت و لا كذبت ; سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : من يعمل من أمتي عمل قوم لوط ثم يموت على ذلك فهو مؤجل إلى أن يوضع في لحده , فإذا وضع فيه , لم يمكث أكثر من ثلاث , حتى تقذفه الأرض إلى جملة قوم لوط المهلكين , فيحشر معهم .

و ذكر فيهما عمر بن حماد بإسناده عن عبادة بن الصامت قال : قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا أدحى نعامة فيه خمس بيضات و هم محرمون فشووهن و أكلوهن .

ثم قالوا ما أرانا إلا و قد أخطأنا و أصبنا الصيد و نحن محرمون .

فأتوا المدينة و قصوا على عمر القصة .

فقال : انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه .

فسألوا جماعة من الصحابة فاختلفوا في الحكم في ذلك .

فقال عمر : إذا اختلفتم

[365]

فها هنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شي‏ء فيحكم فيه .

فأرسل إلى امرأة يقال لها عطية فاستعار منها أتانا فركبها و انطلق بالقوم معه حتى أتى عليا و هو بينبع .

فخرج إليه علي , فتلقاه .

ثم قال له : هلا أرسلت إلينا فنأتيك ?

فقال عمر : الحكم يؤتى في بيته .

فقص عليه القوم .

فقال علي لعمر : مرهم فليعمدوا إلى خمس قلائص من الإبل , فليطرقوها للفحل فإذا نتجت أهدوا ما نتج منها جزاء عما أصابوا .

فقال عمر : يا أبا الحسن إن الناقة قد تجهض .

فقال علي : و كذلك البيضة قد تمرق .

فقال عمر : فلهذا أمرنا أن نسألك .

و روي من اختلافهم في امرأة المفقود : فذكروا :

أن عليا حكم : بأنها لا تتزوج حتى يجي‏ء نعي موته و قال هي امرأة ابتليت فلتصبر .

و قال عمر : تتربص أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص أربعة أشهر و عشرا . ثم رجع إلى قول علي (عليه السلام) .

و كان الهيثم في جيش فلما جاءت امرأته بعد قدومه بستة أشهر بولد فأنكر ذلك منها و جاء به عمر و قص عليه فأمر برجمها .

فأدركها علي من قبل أن ترجم .

ثم قال لعمر اربع على نفسك , إنها صدقت إن الله تعالى يقول وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و قال وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فالحمل و الرضاع ثلاثون شهرا .

فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر , و خلى سبيلها , و ألحق الولد بالرجل .

شرح ذلك : أقل الحمل أربعون يوما و هو زمن انعقاد النطفة و أقله لخروج الولد حيا ستة أشهر و ذلك أن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تتصور في أربعين يوما و تلجها الروح في عشرين يوما فذلك ستة أشهر فيكون الفصال في أربعة و عشرين شهرا فيكون الحمل في ستة أشهر .

و روى شريك و غيره : أن عمر أراد بيع أهل السواد فقال له علي (عليه السلام) إن هذا مال أصبتم و لن تصيبوا مثله و إن بعتهم فبقي من يدخل في الإسلام لا شي‏ء له .

قال : فما أصنع ?

قال : دعهم شوكة للمسلمين فتركهم على أنهم عبيد .

ثم قال علي (عليه السلام) فمن أسلم منهم فنصيبي منه حر .

أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن الرضا (عليه السلام) , في خبر : أنه أقر رجل بقتل ابن رجل

[366]

من الأنصار .

فدفعه عمر إليه ليقتله به .

فضربه ضربتان بالسيف حتى ظن أنه هلك , فحمل إلى منزله و به رمق , فبرأ الجرح بعد ستة أشهر , فلقيه الأب و جره إلى عمر فدفعه إليه عمر .

فاستغاث الرجل إلى أمير المؤمنين , فقال لعمر : ما هذا الذي حكمت به على هذا الرجل ?

فقال : النفس بالنفس .

قال : أ لم يقتله مرة ?

قال : قد قتلته , ثم عاش .

قال : فيقتل مرتين ?

فبهت .

ثم قال : فاقض ما أنت قاض فخرج (عليه السلام) .

فقال للأب : أ لم تقتله مرة ?

قال : بلى . فيبطل دم ابني ?

قال : لا , و لكن الحكم أن تدفع إليه فيقتص منك مثل ما صنعت به .

ثم تقتله بدم ابنك .

قال : هو و الله الموت , و لا بد منه .

قال : لا بد أن يأخذ بحقه .

قال : فإني قد صفحت عن دم ابني , و يصفح لي عن القصاص .

فكتب بينهما كتابا بالبراءة فرفع عمر يده إلى السماء , و قال : الحمد لله أنتم أهل بيت الرحمة يا أبا الحسن ثم قال :لو لا علي لهلك عمر .

العامة و الخاصة : أن قدامة بن مظعون شرب خمرا فأراد عمر أن يحده .

فقال : إنه لا يجب علي الحد لقوله تعالى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية , فدرأ عنه الحد .

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية , و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله ; إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلون حراما .

فاردد قدامة و استتبه مما قال فإن تاب , فأقم الحد عليه . و إن لم يتب فاقتله .

فقد خرج من الملة فاستيقظ عمر لذلك , فعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة , فحده عمر ثمانين .

الحسن و عطا و قتادة و شعبة و أحمد : أن مجنونة فجر بها رجل و قامت البينة عليها بذلك .

فأمر عمر بجلدها .

back page fehrest page next page