نصر بن المنتصر الأنصاري :
و من ينادي جبرئيل معلنا و الحرب *** قد قامت على ساق الورى
لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا *** و لا فتى إلا علي في الوغى
و لغيره :
و سل بأحد يوم أردى طلحة *** بصارم مثل الشهاب المشتعل
و خلف العبد صوابا جاثما *** يبكيه ذو الود بدمع مقتبل
فصل في مقامه (عليه السلام) في غزاة خيبر :
أبو كريب و محمد بن يحيى الأزدي في أماليهما و محمد بن إسحاق و العمادي في مغازيهما و النطنزي و البلاذري في تاريخيهما و الثعلبي و الواحدي في تفسيريهما و أحمد بن حنبل و أبو يعلى الموصلي في مسنديهما و أحمد و السمعاني و أبو السعادات في فضائلهم و أبو نعيم في حليته و الأشنهي في اعتقاده و أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة و الترمذي في جامعه و ابن ماجة في سننه و ابن بطة في إبانته من سبع عشرة طريقا عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و سهل بن سعد و سلمة بن الأكوع و بريدة الأسلمي و عمران بن الحصين و عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه و أبو سعيد الخدري و جابر الأنصاري و سعد بن أبي وقاص و أبي هريرة أنه : لما خرج مرحب برجله بعث النبي أبا بكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء فعاد يؤنب قومه و يؤنبونه .
ثم بعث عمر من بعده .
فرجع يجبن أصحابه و يجبنونه , حتى ساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك .
[128]
فقال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار يأخذها عنوة و في رواية يأخذها بحقها و في رواية لا يرجع حتى يفتح الله على يده .
شعر :
فمن أحق بهذا الأمر من رجل *** يحبه الله بل من ثم يشرفه
أحب ذا الخلق عند الله أكرمه *** و أكرم الخلق أتقاه و أرأفه
البخاري و مسلم : أنه قال لما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حديث الراية , بات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها .
فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها .
فقال : أين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?
فقال : هو يشتكي عينيه .
فقال : فأرسلوا إليه .
فأتي به , فتفل النبي في عينيه و دعا له , فبرأ فأعطاه الراية .
و في رواية ابن جرير و محمد بن إسحاق : فغدت قريش يقول بعضهم لبعض أما علي فقد كفيتموه , فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه .
فلما أصبح ; قال ادعوا لي عليا .
فقالوا : به رمد .
فقال : أرسلوا إليه و ادعوه .
فجاء على بغلته , و عينه معصوبة بخرقة برد قطري ; فأخذ سلمة بن الأكوع بيده و أتى به إلى النبي ... القصة .
و في رواية الخدري : أنه بعث إليه سلمان و أبا ذر فجاءا به يقاد .
فوضع النبي رأسه على فخذه و تفل في عينيه , فقام و كأنهما جزعان .
فقال له : خذ الراية و امض بها , فجبرئيل معك و النصر أمامك , و الرعب مثبوت في صدور القوم , و اعلم يا علي : أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إليا , فإذا لقيتهم , فقل : أنا علي . فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى .
فضائل السمعاني إنه : قال سلمة فخرج أمير المؤمنين بها يهرول هرولة حتى ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن .
فاطلع إليه يهودي , فقال : من أنت ?
فقال : أنا علي بن أبي طالب .
فقال اليهودي : غلبتم , و ما أنزل على موسى .
كتاب ابن بطة عن سعد و جابر و سلمة : فخرج يهرول هرولة , و سعد يقول : يا أبا الحسن اربع يلحق بك الناس .
فخرج إليه مرحب في عامة اليهود و عليه مغفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة على أم رأسه و هو يرتجز و يقول :
[129]
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاك سلاحي بطل مجرب
أطعن أحيانا و حينا أضرب *** إذا الليوث أقبلت تلتهب
فقال علي (عليه السلام) :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة *** ضرغام آجام و ليث قسورة
على الأعادي مثل ريح صرصرة *** أكيلكم بالسيف كيل السندرة
أضرب بالسيف رقاب الكفرة
قال مكحول : فأحجم عنه مرحب لقول ظئر له : غالب كل غالب الحيدر بن أبي طالب .
فأتاه إبليس في صوره شيخ , فحلف أنه ليس بذلك الحيدر , و الحيدر في العالم كثير ; فرجع .
و قال الطبري و ابن بطة روى بريدة : أنه ضربه على مقدمه فقد الحجر و المغفر و نزل في رأسه حتى وقع في الأضراس , و أخذ المدينة .
و الطبري في التأريخ و المناقب و أحمد في الفضائل و مسند الأنصار : أنه سمع أهل العسكر صوت ضربته .
و في مسلم : لما فلق علي رأس مرحب كان الفتح .
ابن ماجة في السنن : أن عليا (عليه السلام) لما قتل مرحب أتى برأسه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
السمعاني في حديث ابن عمر : أن رجلا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا رسول الله اليهود قتلوا أخي .
فقال : لأعطين الراية ... الخبر .
قال ابن عمر : فما تتأم آخرنا حتى فتح لأولنا فأخذ علي قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله .
الواقدي : فو الله ما بلغ عسكر النبي أخيراه حتى دخل علي (عليه السلام) حصون اليهود كلها و هي قموص و ناعم و سلالم و وطيخ و حصن المصعب بن معاد و غنم و كانت الغنيمة نصفها لعلي و نصفها لسائر الصحابة .
شعبة و قتادة و الحسن و ابن عباس : أنه نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال له إن الله تبارك و تعالى يأمرك يا محمد و يقول لك إني بعثت جبرئيل إلى علي لينصره و عزتي و جلالي ما رمى علي حجرا إلى أهل خيبر إلا رمى جبرئيل حجرا فادفع يا محمد إلى علي سهمين من غنائم خيبر سهما له و سهم جبرئيل معه .
فأنشأ خزيمة بن ثابت هذه الأبيات :
[130]
و كان علي أرمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفله *** فبورك مرقيا و بورك راقيا
و قال سأعطي الراية اليوم صارما *** كميا محبا للرسول مواليا
يحب الإله و الإله يحبه *** به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلها *** عليا و سماه الوزير المواخيا
المرتضى :
لله در فوارس في خيبر *** حملوا على الإسلام يوما منكرا
عصفوا بسلطان اليهود و أولجوا *** تلك الجوانح لوعة و تحسرا
و استلحموا أبطالهم و استخرجوا *** الأزلام من أيديهم و الميسرا
و بمرحب ألوى فتى ذو جمرة *** لا تصطلى و بسالة لا تعترى
إن خر خر مطبقا أو قال قال *** مصدقا أو رام رام مظفرا
فثناه مصفر البنان كأنما *** لطخ الحمام عليه صفا مصفرا
تهفو العقاب بشلوه و لقد هفت *** زمنا به شم الذوائب و الذرى
الأسود :
أم من يقول له سأعطي رايتي *** من لم يفر و لم يكن بجبان
رجلا يحب الله و هو يحبه *** فيما ينال السبق يوم رهان
و على يديه يفتح الله بعد ما *** وافى النبي بردها الرجلان
فدعا عليا و هو أرمد لا يرى *** أن تستمر بمشيه الرجلان
فهوى إلى عينيه يتفل فيهما *** و عليهما قد أطبق الجفنان
[131]
فمضى بها مستبشرا و كأنما *** من ريقه عيناه مرآتان
فأتاه بالفتح النجيح و لم يكن *** يأتي بمثل فتوحه العمران
ابن حماد :
و يوم خيبر إذ عادوا برايته *** كما علمت لخوف الموت هرابا
فقال إني سأعطيها غدا رجلا *** ما كان في الحرب فرارا و هيابا
يحبه الله فانظر هل دعا أحدا *** غير الوصي فقل إن كنت مرتابا
و له :
و يوم خيبر قد أخبرت من نكست *** بالذل رايته و الجبن و الضرع
هناك قال رسول الله سوف غدا *** يمضي بها رجل لم يؤت من جزع
فحين أوردها مولاي أصدرها *** بالعز و النصر و الإجلال و المنع
من بعد ما قلعت كفاه بابهم *** و لم يكن قط لولاه بمقتلع
و خلف العنكبوت الفحل مطرحا *** قرا و مرحب للعقبان و الخمع
و منها :
سيف علي بن أبي طالب *** دانت و ما دانت له عنوة
ذاك الذي دانت له خيبر *** حتى تدهدى عرسها الأكبر
و له أيضا :
و صاحب يوم الفتح و الراية التي *** برجعتها أخزى الإله دلامها
و قال سأعطيها غدا رجلا بها *** ملبا يوفي حقها و زمامها
و قال له خذ رايتي و امض راشدا *** فما كنت أخشى من لديك انهزامها
فمر أمير المؤمنين مشمرا برايته *** و النصر يسري أمامها
فرج بباب الحصن عن أهل خيبر *** و سقى الأعادي حتفها و حمامها
و جدل فيها مرحبا و هو كبشها *** و أوسع آناف اليهود ارتغامها
[132]
و منها :
و في خيبر في يوم لاقاه مرحب *** و قد فر منه معشر فتصدعوا
فقال رسول الله أحبو برايتي *** فتى غير فرار و لا يتزعزع
تقيا يحب الله و الله ربه *** أشد له حبا و بالشكر يوزع
و كان علي أرمدا فدعا له *** فاذهب عنه الحر و البرد أجمع
فناداه بالسيف الحسام و لم يزل *** يقاتل أهل الشرك قدما و يقلع
و آب بنصر الله و الفتح غانما *** و قد حاز ما قد كان في الحصن يجمع
و منها :
من ذا الذي قال الرسول بخيبر *** و الحرب مضرمة تريد صلاء
أين الذي أحببته و يحبه *** الرحمن أمتحن الغداة لواء
حتى يكون و لم يفر و لم *** يزل يفري الرقاب بسيفه إفراء
و تحصنوا منه بباب حديدهم *** فدحا به قلعا فكان هباء
و اجتث دابرهم و فل جموعهم *** و سبى من النسوان و الأبناء
و منها :
و يوم الحصن إذ فجأت رجال *** فوارس خيبر مستسلمينا
فولى المسلمون و تبّعتهم *** خيول المشركين و قد ضرينا
فقال لهم رسول الله إني *** ساحبو باللواء فتى أمينا
يحب الله و هو له محب *** و ليس يدين دين الهاربينا
يكر فلا يهلل حين يلقى *** إذا رعبت قلوب الخائفينا
فناولها أبا حسن عليا *** يفل بها جموع الخيبرينا
و أيده الإله بجند صدق *** من الملأ الكرام الكاتبينا
فغادر مرحبا و بني بنيه *** عراة بالدماء مرملينا
[133]
و منها :
محمد النبي و قال إني *** سأدفعها إلى يقظان سهم
سأعطيها غدا رجلا أمينا *** بريء الصدر من كذب و إثم
يحب الله ليس بذي ارتياب *** جميع القلب يأخذها و يرمي
بها جيش الكتيبة لا يولي *** و لا يلقى بهم من غير قدم
فلما كان من غده دعاني *** و في العينين من رمد و غم
فداوى أحمد بالتفل عيني *** و أكرمني برايته ابن عمي
و شيعني و أوصاني بتقوى *** إلهي في الذي أبدي و أكمي
فلم أزجر بحمد الله حتى *** صممت يهود خيبر أي صم
دخلت قموصها و قتلت ممن *** بها من ساكنيها كل قرم
و منها :
من ذا الذي فجع اليهود بمرحب *** إذ هابه عمر و فر فرارا
و أتى يجبن صحبه و جميعهم *** قد صادفوه هوائلا غوارا
قال النبي لأحبون برايتي *** من عاش لا نكسا و لا خوارا
رجلا أحب إلهه و أحبه *** لا ينثني حتى يبيح ديارا
فدعا أبا حسن فجاء و عينه *** رمداء أشهره به إشهارا
فشفاه مما قد دهاه بتفله *** و أجاره منها فعاش مجارا
فسما بخيبر و استباح حريمهم *** و اجتثهم من أصلهم و أبارا
و منها :
سأعطي امرأ إن شاء ذو العرش رايتي *** قويا أمينا مستقلا بها غدا
يحب إلهي و الإله يحبه *** لدى الحرب ميمون النقيبة أصيدا
ففاز بها منه علي و لم يزل *** علي معانا في الأمور مؤيدا
على عادة منه جرت في عدوه *** و كل امرئ جار على ما تعودا
[134]
شاعر :
و أعطاه دون الناس راية خيبر *** و لم ينصرف إلا بفتح و نصره
آخر :
خذ الراية الصفراء أنت أميرها *** و أنت لكشف الكرب في الحرب تدخر
و أنت غدا في الحشر لا شك حامل *** لوائي و كل الخلق نحوك تنظر
فصادفه شر البرية مرحب على *** فرس عال من الخيل أشقر
فجدله في ضربة مع جواده *** و أهوى ذباب السيف في الأرض يحفر
و مر أمين الله في الجو قائلا *** و قد أظهر التسبيح و هو مكبر
و لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى *** لمعركة إلا علي الغضنفر
آخر :
فسل عنه في خيبر مرحبا *** غداة الصهاكي منه ذعر
فمر أبو حسن حيدر *** كليث العرين إذا ما انحدر
فرج ببابهم عنوة *** فكم قد أباد و كم قد أسر
فصل في قتاله (عليه السلام) في يوم الأحزاب :
ابن مسعود و الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بعلي بن أبي طالب و قتله عمرو بن عبد ود و قد رواه أبو نعيم الأصفهاني في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين بالإسناد عن سفيان الثوري عن رجل عن مرة عن عبد الله .
و قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى : اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ أنها نزلت في علي يوم الأحزاب .
و لما عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اجتماعهم , حفر الخندق بمشورة سلمان و أمر بنزول الذراري و النساء في الآكام .
و كانت الأحزاب على الخمر و الغناء و المسلمون كان على رءوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود العامري الملقب بعماد العرب و كان في مائة ناصية من الملوك و ألف مقرعة من الصعاليك و هو يعد بألف فارس .
[135]
فقيل في ذلك : عمرو بن ود كان أول فارس جزع من المداد و كان فارس يليل , سمي فارس يليل : لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كان بيليل و هو واد عرضت لهم بنو بكر .
فقال لأصحابه : امضوا , فمضوا .
و قام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه .
و كان الخندق المداد .
و قال و لما انتدب عمرو للبراز جعل يقول هل من مبارز , و المسلمون يتجاوزون عنه فركز رمحه على خيمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) , و قال ابرز يا محمد .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي .
فنكل الناس عنه .
قال حذيفة , قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ادن مني يا علي , فنزع عمامته السحاب من رأسه و عممه بها تسعة أكوار , و أعطاه سيفه , و قال امض لشأنك ; ثم قال اللهم أعنه .
و روي أنه : لما قتل عمرو , أنشد :
ضربته بالسيف فوق الهامة *** بضربة صارمة هدامة
أنا علي صاحب الصمصامة *** و صاحب الحوض لدى القيامة
أخو رسول الله ذي العلامة *** قد قال إذ عممني عمامة
أنت الذي بعدي له الإمامة
محمد بن إسحاق : أنه لما ركز عمرو رمحه على خيمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا محمد ابرز , ثم أنشأ يقول :
و لقد بححت من النداء *** بجمعكم هل من مبارز
و وقفت إذ جبن الشجاع *** بموقف البطل المناجز
إني كذلك لم أزل *** متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة و السماحة *** في الفتى خير الغرائز
في كل ذلك يقوم علي ليبارزه فيأمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالجلوس لمكان بكاء فاطمة (عليها السلام) عليه من جراحاته في يوم أحد و قولها ما أسرع أن يأتم الحسن و الحسين باقتحامه الهلكات .
فنزل جبرئيل عن الله تعالى أن يأمر عليا بمبارزته .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : يا علي ادن مني ,
[136]
و عممه بعمامته , و أعطاه سيفه , و قال امض لشأنك ,
ثم قال : اللهم أعنه .
فلما توجه إليه , قال النبي : خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره .
السروجي :
و يوم عمرو العامري إذ أتى *** في عسكر ملأ الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك *** محمد لخندق قد احتفر
نادى بصوت قد علا من جهله *** يدعو عليا للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته *** سفك دم الأقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلنا *** و الدمع في خد كأمثال الدرر
هذا هو الإسلام كل بارز *** إلى جميع الشرك يا من قد حضر
قال محمد بن إسحاق فلما لاقاه علي أنشأ يقول :
لا تعجلن فقد أتاك *** مجيب صوتك غير عاجزذ
و نية و بصيرة و ال *** صبر منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم *** عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى *** ذكرها عند الهزاهز
و يروى له (عليه السلام) في أمالي النيسابوري :
يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة *** عند اللقاء معاود الأقدام
يدعو إلى دين الإله و نصره *** و إلى الهدى و شرائع الإسلام
إلى قوله (عليه السلام) :
شهدت قريش و البراجم كلها *** أن ليس فيها من يقوم مقامي
و روي : أن عمرا قال ما أكرمك قرنا .
الطبري و الثعلبي : قال علي : يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلا قبلتها أو واحدة منها .
قال : أجل .
قال : فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن تسلم لرب
[137]
العالمين ; قال أخر : عني هذه : قال أما إنها خير لك لو أخذتها .
ثم قال : ترجع من حيث جئت .
قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا .
قال : تنزل تقاتلني .
فضحك عمرو , و قال : ما كنت أظن أحدا من العرب يرومني عليها , و إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك و كان أبوك لي نديما .
قال : لكني أحب أن أقتلك .
قال : فتناوشا , فضربه عمرو في الدرقة , فقدها , و أثبت فيه السيف و أصاب رأسه فشجه , و ضربه على عاتقه فسقط .
و في رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه .
قال جابر : فثار بينهما قترة فما رأيتهما , و سمعت التكبير تحتها , و انكشف أصحابه حتى ظفرت خيولهم الخندق ; و تبادر المسلمون يكبرون .
فوجدوه على فرسه برجل واحدة يحارب عليا (عليه السلام) .
و رمى رجله نحو علي , فخاف من هيبتها رجلان و وقعا في الخندق .
و قال الطبري : و وجدوا نوفلا في الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة .
فقال لهم : قتلة أجمل من هذه , ينزل بعضكم لقتالي .
فنزل إليه علي فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من مراقه .
ثم جرح منية بن عثمان العبدري فانصرف و مات بمكة و روي : و لحق هبيرة فأعجزه فضرب علي قربوس سرجه و سقط درعه و فر عكرمة و ضرار .
فأنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول :
و كانوا على الإسلام ألبا ثلاثة *** و قد فر من تحت الثلاثة واحد
و فر أبو عمر و هبيرة لم يعد إلينا *** و ذو الحرب المجرب عائد
نهمتم سيوف الهند أن يقفوا لنا *** غداة التقينا و الرماح القواصد
قال جابر : شبهت قصته بقصة داود (عليه السلام) قوله تعالى فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ... الآية .
قالوا : فلما جز رأسه من قفاه بسؤال منه .
قال علي (عليه السلام) :
أ علي تقتحم الفوارس هكذا *** عني و عنهم خبروا أصحابي
عبد الحجارة من سفاهة رأيه *** و عبدت رب محمد بصوابي
[138]
اليوم تمنعني الفرار حفيظتي *** و مصمم في الهام ليس بناب
أرديت عمرا إذ طغى بمهند *** صافي الحديد مجرب قصاب
لا تحسبن الله خاذل دينه *** و نبيه يا معشر الأحزاب
عمرو بن عبيد : لما قدم علي برأس عمرو استقبله الصحابة , فقبل أبو بكر رأسه , و قال : المهاجرون و الأنصار رهين شكرك ما بقوا .
الواقدي و الخطيب الخوارزمي عن عبد الرحمن السعدي بإسناده عن بهرم بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة .
أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها و ضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها .
و يقال إن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو .
و من كلمات السيد :
و في يوم جاء المشركون بجمعهم *** و عمرو بن عبد في الحديد مقنع
فجدله شلوا صريعا لوجهه *** رهينا بقاع حوله الضبع يجمع
و أهلكهم ربي و ردوا بغيضهم *** كما أهلكت عاد الطغاة و تبع
و منها :
و عمرو قد سقي كأسا بسلع *** أقب كأنه أسد مغير
فنادى هل يرى حسب براز *** و هل عند امرئ حر نكير
و منها :
و يوم سلع إذ أتى عاديا *** عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلا كما *** يخطر فحل الصرمة الدوسر
إذ جلل السيف على رأسه *** أبيض عضبا حده مبتر
[139]
فخر كالجذع و أوداجه *** يثغب منها حلب أحمر
ينفث من فيه دما معجلا *** كأنما ناظره العصفر
و منها :
و عمرو بن عبد قدمته شئانه *** بأبيض مصقول الغرارين فصال
كان على أثوابه من نجيعه *** عصير البرايا أو نضيحة جريال
غداة مشى الأكفال من آل هاشم *** إلى عبد شمس في سرابيل أهوال
كأنهم و السابغات عليهم *** مصاحب أجمال مشت تحت أحمال
ابن حماد :
من دعاه المصطفى عند انقطاع الجبل *** يوم سلع و الوغى يرمى بمثل الشعل
حين كان القوم من عمرو الكمي البطل *** أين صنوي أين صهري أين من هو بدلي
أين من يكشف عني كل خطب جلل *** عندها أيقن عمرو باقتراب الأجل
بحسام من كمي فالق للقلل *** ثم ألقاه لقي الجسم تريب الحلل
و انثنى نحو أخيه غير ما محتفل *** و غدا في الجو جبريل مليا يسأل
رافع الصوت ينادي لا فتى إلا علي
و له :
و سل عنه في سلع و عن عظم فعله *** بعمرو و نار الحرب تذكى اضطرامها