و أفئدة الأبطال ترجف خيفة *** و قد أحقب الرعب الشديد كلامها
فقام إليه من أقام بسيفه *** حلائله ثكلى تطيل التزامها
[140]
ابن الحجاج :
فديت فتى دعاه جبرئيل *** و هم بين الخنادق في انحصار
و عمرا قد سقاه الموت صرفا *** ذباب السيف مشحوذ الغرار
دعا أن لا فتى إلا علي *** و أن لا سيف إلا ذو الفقار
المرزكي :
و في الأحزاب جاءتهم جيوش *** تكاد الشامخات لها تميد
فنادى المصطفى فيه عليا *** و قد كادوا بيثرب أن يكيدوا
فأنت لهذه و لكل يوم *** تذل لك الجبابرة الأسود
فسقي العامري كئوس حتف *** فهزمت الجحافل و الجنود
غيره :
و وقعة الأحزاب إذ طار لها *** من خيفة الأبطال عقل البطل
و الناس مما نالهم في حيرة *** حول رسول الله عند الدلدل
و قد بدا عمرو و عمرو بطل *** تخافه نفس الكمي البطل
فذاق من سيف علي ضربة *** أنسأه طعم الرحيق السلسل
فصل فيما ظهر منه (عليه السلام) في غزاة السلاسل :
السلاسل : اسم ماء .
أبو القاسم بن شبل الوكيل و أبو الفتح الحفار بإسنادهما عن الصادق (عليه السلام) و مقاتل و الزجاج و وكيع و الثوري و السدي و أبو صالح و ابن عباس أنه : أنفذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبا بكر في سبعمائة رجل .
فلما صار إلى الوادي و أراد الانحدار , فخرجوا إليه , فهزموه , و قتلوا من المسلمين جمعا كثيرا .
فلما قدموا على النبي , بعث عمر .
فرجع منهزما .
فقال عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله , فإن الحرب خدعة , و لعلي أخدعهم .
فبعثه .
فرجع منهزما .
و في رواية : أنه أنفذ خالدا فعاد كذلك .
فساء النبي ذلك .
فدعا عليا , و قال : أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد الأحزاب .
فسار بالقوم متنكبا عن الطريق , يسير بالليل و يكمن بالنهار , ثم أخذ على محجة غامضة
[141]
فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه .
ثم أمرهم أن يعكموا الخيل و أوقفهم في مكان , و قال لا تبرحوا , و انتبذ أمامهم , و أقام ناحية منهم .
فقال خالد , و في رواية : قال عمر : أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحيات و الهوام و السباع , إما سبع يأكلنا أو يأكل دوابنا , و إما حيات تعقرنا و تعقر دوابنا , و إما يعلم بنا عدونا فيأتينا و يقتلنا ;
فكلموه نعلو الوادي .
فكلمه , أبو بكر .
فلم يجبه .
فكلمه عمر .
فلم يجبه .
فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا , انطلقوا بنا نعلو الوادي .
فأبى ذلك المسلمون .
و من روايات أهل البيت (عليهم السلام) : أنه أبت الأرض أن تحملهم .
قالوا : فلما أحس (عليه السلام) الفجر .
قال : اركبوا بارك الله فيكم , و طلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم و أشرف عليهم , قال لهم : اتركوا عكمة دوابكم .
قال : فشمت الخيل ريح الإناث , فصهلت .
فسمع القوم صهيل خيلهم , فولوا هاربين .
و في رواية مقاتل و الزجاج : أنه كبس القوم و هم غادون .
فقال : يا هؤلاء , أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ; و إلا ضربتكم بالسيف .
فقالوا : انصرف عنا كما انصرف ثلاثة , فإنك لا تقاومنا .
فقال (عليه السلام) : إنني لا أنصرف , أنا علي بن أبي طالب .
فاضطربوا , و خرج إليه الأشداء السبعة , و ناصحوه و طلبوا الصلح .
فقال (عليه السلام) : إما الإسلام و إما المقاومة .
فبرز إليه واحد بعد واحد , و كان أشدهم آخرهم , و هو سعد بن مالك العجلي , و هو صاحب الحصن ; فقتلهم , فانهزموا , و دخل بعضهم في الحصن , و بعضهم استأمنوا , و بعضهم أسلموا .
و أتوه بمفاتيح الخزائن .
قالت أم سلمة : انتبه النبي من القيلولة , فقلت : الله جارك , ما لك ?
فقال : أخبرني جبرئيل بالفتح , و نزلت : وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً .
أبو منصور كاتب :
أقسم بالعاديات ضبحا *** حقا و بالموريات قدحا
المدني :
و قوله وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً يعني *** عليا إذ أغار صبحا
[142]
على سليم فشناها كفحا *** فأكثر القتل بها و الجرحا
و أنتم في الفرش نائمونا
فبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه بذلك و أمرهم باستقباله و النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تقدمهم .
فلما رأى علي (عليه السلام) النبي , ترجل عن فرسه .
فقال النبي : اركب فإن الله و رسوله عنك راضيان .
فبكى علي (عليه السلام) , فرحا .
فقال النبي : يا علي , لو لا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ... الخبر .
العوني :
من ذا سواه إذا تشاجرت القنا *** و أبى الكماة الكر و الإقداما
و تصلصلت حلق الحديد و أظهرت *** فرسانها التصجاج و الإجحاما
و رأيت من تحت العجاج لنقعها *** فوق المغافر و الوجوه قتاما
كشف الإله بسيفه و برأيه *** يظمي الجواد و يروي الصمصاما
و وزيره جبريل يقحمه الوغى *** طوعا و ميكال الوغى إقحاما
الحميري :
و في ذات السلاسل من سليم *** غداة أتاهم الموت المبير
و قد هزموا أبا حفص و عمرا *** و صاحبه مرارا فاستطيروا
و قد قتلوا من الأنصار رهطا *** فحل النذر أو وجبت نذور
أزاد الموت مشيخة ضخاما *** جحاجحة يسد بها الثغور
[143]
فصل في غزوات شتى :
قوله تعالى وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعني عليا و ثمانية من بني هاشم .
ابن قتيبة في المعارف و الثعلبي في الكشف : الذين ثبتوا مع النبي يوم حنين بعد هزيمة الناس علي و العباس و الفضل ابنه و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و نوفل و ربيعة أخواه و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب و عتبة و معتب ابنا أبي لهب و أيمن مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كان العباس عن يمينه و الفضل عن يساره و أبو سفيان ممسك بسرجه عند نفر بغلته و سائرهم حوله و علي يضرب بالسيف بين يديه و فيه يقول العباس :
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة *** و قد فر من قد فر عنه فأقشعوا
مالك بن عباد الغافقي :
لم يواس النبي غير بني هاشم *** عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط *** فهم يهتفون للناس أين
ثم قاموا مع النبي على الموت *** فأبوا زينا لنا غير شين
خطيب منيح :
و قد ضاقت فجاج الأرض جمعا *** عليهم ثم ولوا مدبرينا
و ليس مع النبي سوى علي *** يقارع دونه المتحاربينا
و عباس يصيح بهم أثيبوا *** ليثبتهم و هم لا يثبتونا
فأومى جبرئيل إلى علي و *** قد صار الثرى بالنقع طينا
فقال هو الوفي فهل رأيتم *** وفيا مثله في العالمينا
المرزكي :
و يوم حنين إذ ولوا هزيما *** و قد نشرت من الشرك البنود
فغادرهم لدى الفلوات صرعى *** و لم تغن المغافر و الحديد
[144]
فكم من غادر ألقاه شلوا *** عفير الترب يلثمه العبيد
هم بخلوا بأنفسهم و ولوا *** و حيدرة بمهجته يجود
فكانت الأنصار خاصة تنصرف إذ كمن أبو جرول على المسلمين و كان على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن إذا أدرك أحدا طعنه برمحه و إذا فاته الناس دفع لمن وراه و جعل يقتلهم و هو يرتجز :
أنا أبو جرول لا براح *** حتى يبيح القوم أو يباح
فضهد له أمير المؤمنين (عليه السلام) فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه ففطره ثم قال :
قد علم القوم لدى الصباح *** أني لدى الهيجاء ذو نصاح
فانهزموا و عد قتلى علي فكانوا أربعين .
و قال (عليه السلام) :
أ لم تر أن الله أبلى رسوله *** بلاء عزيزا ذا اقتدار و ذا فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة *** فذاقوا هوانا من إسار و من قتل
فأمسى رسول الله قد عز نصره *** و كان رسول الله أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل *** مبينة آياته لذوي العقل
فأنكر أقوام فزاغت قلوبهم *** فزادهم الرحمن خبلا إلى خبل
سلامة :
أين كانوا في حنين ويلهم *** و ضرام الحرب تخبو و تهب
ضاقت الأرض على القوم بما *** رحبت فاستحسن القوم الهرب
و في غزاة الطائف : كان النبي حاصرهم أياما , و أنفذ عليا في خيل و أمره أن يطأ ما وجد و يكسر كل صنم وجده .
فلقيه خيل خثعم وقت الصبوح في جموع , فبرز فارسهم و قال : هل من مبارز ?
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : من له ?
فلم يقم أحد .
فقام إليه علي , و هو يقول :
إن على كل رئيس حقا *** أن يروي الصعدة أو يدقا
[145]
ثم ضربه فقتله , و مضى حتى كسر الأصنام .
فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كبر للفتح و أخذ بيده و ناجاه طويلا .
ثم خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث فلقيه علي ببطن وج فقتله , و انهزموا .
و في يوم الفتح : برز أسد بن غويلم قاتل العرب .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة و له الإمامة بعدي .
فاحرنجم الناس فبرز علي (عليه السلام) فقال :
ضربته بالسيف وسط الهامة *** بضربة صارمة هدامه
فبتكت من جسمه عظامه *** و بينت من رأسه عظامه
و قتل (عليه السلام) من بني النظير خلقا منهم : غرور , الرامي إلى خيمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال حسان :
لله أي كريهة أبليتها *** ببني قريظة و النفوس تطلع
أردى رئيسهم و آب بتسعة *** طورا يشلهم و طورا يدفع
السوسي :
فلما أتاهم حيدر قال ذا لذا *** أتاكم مليك الأمر فالحذر الحذر
أتاكم فتى ما فر قط خلاف من *** كمن زاركم يوما برايته و فر
فلاقاهم مولاي بالسيف ضاربا *** كجمر الغضا لم يبق منه و لم يذر
و أنفذ النبي عليا إلى بني قريظة , و قال سر على بركة الله فلما أشرفوا و رأوا عليا قالوا أقبل إليكم قاتل عمرو و قال آخر :
قتل علي عمرا صاد علي صقرا *** قصم علي ظهرا هتك علي سترا
فقال علي (عليه السلام) : الحمد لله الذي أظهر الإسلام و قمع الشرك .
فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ فقتل علي منهم عشرة و قتل (عليه السلام) في بني المصطلق مالكا و ابنه .
[146]
شاعر :
إمامي الذي حسر الكرب عن *** وجه أحمد حتى انحسر
و من في حنين حنا سيفه *** ظهورا من الشرك لما ظهر
و من جرع الموت عمر بن ود *** كذلك عمرو بن معدي أسر
و يوم قريظة أخت النظير *** لتقريظه فيه يوما أمر
تاريخ الطبري محمد بن إسحاق : لما انهزمت هوازن كانت رايتهم مع ذي الخمار , فلما قتله علي , أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة , فقاتل بها حتى قتل .
المرزكي :
هذا الذي أردى الوليد و عتبة *** و العامري و ذا الخمار و مرحبا
و من حديث عمرو بن معديكرب : أنه رأى أباه منهزما من خثعم على فرس له , قال انزل عنه , فاليوم ظلم .
فقال له : إليك يا مائق .
فقالوا : أعطه . فركب ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم .
ثم كر عليهم , و فعل ذلك مرارا , فحمل عليهم بنو زبيد فانهزمت خثعم .
فقيل له فارس اليمن و مائق بني زبيد .
شاعر :
إذا أنت ضاقت عليك الأمور *** فناد بعمرو بن معديكرب
الزمخشري في ربيع الأبرار : و كان إذا رأى عمر بن الخطاب عمرو بن معديكرب قال الحمد لله الذي خلقنا و خلق عمرا و كان كثيرا ما يسئل عن غاراته فيقول قد محا سيف علي الصنائع .
العباس بن مرداس :
إذا مات عمرو قيل للخيل أوطئي *** زبيدا فقد أودى بنجدتها عمرو
العوني :
و من منهم قد ابن ود بسيفه *** و قاد ابن معدي بالعمامة خاضعا
و كان ابن معدي حين يلقاه واحد *** يعد بألف منهم أن يدافعا
[147]
و كان أبو حفص يلذ حديثه بما *** كان من غاراته قبل شائعا
فنباه عنه إذ أتى بحديثه علي *** فأضحى ساكنا متراجعا
فإن قيل حدث قال قد جاء من محت *** صنائعه بالسيف تلك الصنائعا
و مع مبارزته جذبه أمير المؤمنين (عليه السلام) و المنديل في عنقه حتى أسلم و كان أكثر فتوح العجم على يديه .
ابن حماد :
و في يوم سلع سقى العامري *** عمرو بن ود كئوس السلع
و جاء بعمرو بن معديكرب *** و هو للعتاة قديما قمع
و له :
و العنكبوت غداة جاء بجحفل *** لحب الحوائب بالفوارس مزيد
فسقاه كأسا ظل بعد وروده *** شرب المنية و هو عطشان صد
فصل في حرب الجمل :
السدي نزل قوله تعالى : وَ اتَّقُوا فِتْنَةً في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا .
الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ قال ما قوتل أهل هذه يعني البصرة و قرأ أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم البصرة وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ .
ثم قال ; لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال : يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة ; و الفئة الباغية ; و الفرقة المارقة ; إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون .
الأعمش عن شقيق و زر بن حبيش عن حذيفة و ذكر السمعاني في الفضائل و الديلمي في الفردوس عن جابر الأنصاري و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و اللفظ لهما في قوله تعالى : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ يا محمد من مكة إلى المدينة فإنا رادوك
[148]
منها و منتقمون منهم تفسير الكلبي : يعني حرب الجمل .
عمار و حذيفة و ابن عباس و الباقر و الصادق (عليهما السلام) أنه نزلت في علي : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... الآية .
و روي عن علي (عليه السلام) يوم البصرة : و الله ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم ; و تلا هذه الآية .
ابن عباس : لما علم الله أنه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبي وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى و قال تعالى يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ في حربها مع علي (عليه السلام) .
شعبة و الشعبي و الأعثم و ابن مردويه و خطيب خوارزم في كتبهم بالأسانيد عن ابن عباس و مسعود و حذيفة و قتادة و قيس بن أبي حازم و أم سلمة و ميمونة و سالم بن أبي الجعد و اللفظ له : أنه ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خروج بعض نسائه , فضحكت عائشة .
فقال : انظري يا حميراء , لا تكونين هي .
ثم التفت إلى علي , فقال : يا أبا الحسن , إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها .
الزاهي :
كم نهيت عن تبرج فعصت *** و أصبحت للخلاف متبعة
قال لها في البيوت قري *** فخالفته العفيفة الورعة
السوسي :
و ما للنساء و حرب الرجال *** فهل غلبت قط أنثى ذكر
و لو أنها لزمت بيتها *** و مغزلها لم ينلها ضرر
الحميري :
جاءت مع الأشقين في هودج *** تزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها هرة *** تريد أن تأكل أولادها
الأحنف بن قيس :
حجابك أخفى للذي تسترينه *** و صدرك أوعى للذي لا أقولها
فلا تسلكن الوعر صعبا محالة *** فتغبر من سحب الملاء ذيولها
[149]
بلغ عائشة قتل عثمان و بيعة علي بسرف فانصرفت إلى مكة تنتظر الأمر .
فتوجه طلحة و الزبير و عبد الله بن عامر بن كزبر فعزموا على قتال علي (عليه السلام) و اختاروا عبد الله بن عمر للإمامة .
فقال : أ تلقونني بين مخالب علي و أنيابه .
ثم أدركهم يعلى بن منبه من اليمن و أقرضهم ستين ألف دينار .
و التمست عائشة من أم سلمة الخروج , فأبت .
و سألت حفصة , فأجابت .
ثم خرجت عائشة في أول نفر .
فكتب الوليد بن عتبة :
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم *** و لا تهبوه لا تحل مواهبه
و أنشأ لما ظفر أمير المؤمنين (عليه السلام) :
ألا يا أيها الناس عندي الخبر *** بأن الزبير أخاكم غدر
و طلحة أيضا حذا فعله *** و يعلى بن منبه فيمن نفر
فأنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) أبياتا منها :
فتن تحل بهم و هن شوارع *** يسقى أواخرها بكأس الأول
فتن إذا نزلت بساحة أمة *** أذنت بعدل بينهم متنفل
فتقدمت عائشة إلى الحوأب ; و هو ماء نسب إلى الحوأب بنت كليب بن وبرة , فصاحت كلابها .
فقالت : إنا لله و إنا إليه راجعون . ردوني .
ذكر الأعثم في الفتوح و الماوردي في أعلام النبوة و شيرويه في الفردوس و أبو يعلى في المسند و ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين و الموفق في الأربعين و شعبة و الشعبي و سالم بن أبي الجعد في أحاديثهم و البلاذري و الطبري في تاريخهما : أن عائشة لما سمعت نباح الكلاب , قالت أي ماء هذا ?
فقالوا : الحوأب .
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون , إني لهيته , قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عنده نساؤه يقول ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب .
و في رواية الماوردي : أيتكن صاحبة الجمل الأريب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها و يسارها قتلى كثير و تنجو بعد ما كاد تقتل .
الحميري :
تهوي من البلد الحرام فنبهت *** بعد الهدوء كلاب أهل الحوأب
[150]
يحدو الزبير بها و طلحة عسكر *** يا للرجال لرأي أم مشجب
ذئبان قادهما الشقاء و قادها *** للخير فاقتحما بها في منشب
يا للرجال لرأي أم قادها *** ذئبان يكتنفانها في أذؤب
أم تدب إلى ابنها و وليها *** بالمؤذيات له دبيب العقرب
و له :
أ عائش ما دعاك إلى قتال *** الوصي و ما عليه تنقمينا
أ لم يعهد إليك الله ألا *** ترى أبدا من المتبرجينا
و أن ترخي الحجاب و أن تقري *** و لا تتبرجي للناظرينا
و قال لك النبي أيا حميرا *** سيبدى منك فعل الحاسدينا
و قال ستنبحين كلاب قوم *** من الأعراب و المتعربينا
و قال ستركبين على خدب *** يسمى عسكرا فتقاتلينا
فخنت محمدا في أقربيه و لم *** ترع له القول الوضينا
غيره :
و أقبلت في بقايا السيف يقدمها *** إلى الخريبة شيخاها المضلان
يقودها عسكر حتى إذا قربت *** و حللت رحلها في قيس غيلان
و نبحت أكلبا بالحوأب ادكرت *** فنادت الويل لي و العول رداني
يا طلح إن رسول الله خبرني *** بأن سيري هذا سير عدواني
و إنني لعلي فيه ظالمة *** و يا زبير أقيلاني أقيلاني
فأقسما قسما بالله إنهما *** قد خلف الماء خلف المنزل الثاني
و طأطأت رأسها عمدا و قد علمت *** بأن أحمد لم يخبر ببهتان
فلما نزلت الخريبة قصدهم عثمان بن حنيف و حاربهم فتداعوا إلى الصلح فكتبوا
[151]
بينهم كتابا : أن لعثمان دار الإمارة و بيت المال و المسجد إلى أن يصل إليهم علي .
فقال طلحة لأصحابه في السر , و الله لئن قدم علي البصرة لنؤخذن بأعناقنا .
فأتوا على عثمان بياتا في ليلة ظلماء و هو يصلي بالناس العشاء الآخرة و قتلوا منهم خمسين رجلا , و استأسروه , و نتفوا شعره , و حلقوا رأسه , و حبسوه .
فبلغ ذلك سهل بن حنيف , فكتب إليهما : أعطى الله عهدا لئن لم تخلوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس إليكما .
فأطلقوه , ثم بعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال , فقتل أبا سالمة الزطي في خمسين رجلا .
و بعثت عائشة إلى الأحنف تدعوه , فأبى ; و اعتزل بالجلحاء من البصرة في فرسخين و هو في ستة آلاف .
فأمر علي (عليه السلام) سهل بن حنيف على المدينة و قثم بن العباس على مكة و خرج في ستة آلاف إلى الربذة و منها إلى ذي قار و أرسل الحسن و عمار إلى الكوفة و كتب :
من عبد الله و وليه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب .
ثم ذكر فيه : قتل عثمان و فعل طلحة و الزبير و عائشة .
ثم قال إن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم و بادروا عدوكم .
فلما بلغا الكوفة , قال أبو موسى الأشعري : يا أهل الكوفة اتقوا الله و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ... الآية .
فسكته عمار .
فقال أبو موسى : هذا كتاب عائشة تأمرني أن تكف أهل الكوفة فلا تكونن لنا و لا علينا ليصل إليهم صلاحهم .
فقال عمار : إن الله تعالى أمرها بالجلوس , فقامت ; و أمرنا بالقيام لندفع الفتنة , فنجلس ?
فقام زيد بن صوحان و مالك الأشتر في أصحابهما , و تهددوه .
فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان و قرأ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ... الآية ثم قال أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين و انفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق راشدين .