ثم قال عمار : هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه ... في كلام له .
و قال الحسن بن علي (عليه السلام) : أجيبوا دعوتنا و أعينونا على ما بلينا به ... في كلام له .
فخرج قعقاع بن عمر و هند بن عمر و هيثم بن شهاب و زيد بن صوحان و المسيب بن نجية و يزيد بن قيس و حجر بن عدي و ابن مخدوج و الأشتر يوم الثالث في تسعة آلاف .
فاستقبلهم علي على فرسخ , و قال : مرحبا بكم أهل الكوفة و فئة الإسلام و مركز الدين ... في كلام له .
و خرج إلى علي (عليه السلام) من شيعته
[152]
من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة آلاف رجل .
و بعث الأحنف إليه : إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك و إن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف ; فاختار علي اعتزاله .
الأعثم في الفتوح أنه : كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إليهما : أما بعد فإني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى أكرهوني , و أنتما ممن أراد بيعتي .
ثم قال (عليه السلام) بعد كلام ... و رفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما .
البلاذري : لما بلغ عليا قولهما : ما بايعناه إلا مكرهين , تحت السيف .
قال : أبعدهما الله أقصى دارا , و أحر نارا .
الأعثم و كتب (عليه السلام) إلى عائشة : أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى و لرسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين ; فخبريني ما للنساء و قود العساكر و الإصلاح بين الناس .
و طلبت كما زعمت بدم عثمان , و عثمان رجل من بني أمية , و أنت امرأة من بني تيم بن مرة , و لعمري إن الذي عرضك للبلاء و حملك على العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان , و ما غضبت حتى أغضبت , و لا هجت حتى هيجت ; فاتقي الله يا عائشة و ارجعي إلى منزلك و أسبلي عليك سترك .
و قالت عائشة قد جل الأمر عن الخطاب , احكم كما تريد فلن يدخل في طاعتك .
فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري :
أبا حسن أيقظت من كان نائما *** و ما كان من يدعى إلى الحق يتبع
و إن رجالا بايعوك و خالفوا *** هواك و أجروا في الضلال و ضيعوا
و طلحة فيها و الزبير قرينه *** و ليس لما لا يدفع الله مدفع
و ذكرهم قتل ابن عفان خدعه *** هم قتلوه و المخادع يخدع
و سأل ابن الكواء و قيس بن عباد أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قتال طلحة و الزبير : فقال : إنهما بايعاني بالحجاز و خلعاني بالعراق فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي .
تاريخ الطبري و البلاذري : أنه ذكر مجيء طلحة و الزبير إلى البصرة قبل الحسن فقال يا سبحان الله ما كان للقوم عقول أن يقولوا و الله ما قتله غيركم .
تاريخ الطبري قال يونس النحوي : فكرت في أمر علي و طلحة و الزبير إن
[153]
كانا صادقين أن عليا (عليه السلام) قتل عثمان فعثمان هالك و إن كذبا عليه فهما هالكان .
تاريخ الطبري : قال رجل من بني سعد :
صنتم حلائلكم و قدتم أمكم *** هذا لعمرك قلة الإنصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها *** فهوت تشق البيد بالإيجاف
عرضا يقاتل دونها أبناؤها *** بالنبل و الخطي و الأسياف
الحميري :
و بيعة ظاهر بايعتموها *** على الإسلام ثم نقضتموها
و قد قال الإله لهن قرنا *** فما قرت و لا أقررتموها
يسوق لها البعير أبو حبيب *** لحين أبيه إذ سيرتموها
الناشي :
ألا يا خليفة خير الورى لقد كفر القوم إذ خالفوكا
أدل الدليل على أنهم أتوك *** و قد سمعوا النص فيكا
خلافهم بعد دعوتهم *** و نكثهم بعد ما بايعوكا
طغوا بالخريبة و استنجدوا *** بصفين و النهر إذ صالتوكا
أناس هم حاصروا نعثلا *** و نالوه بالقتل ما استأذنوكا
فيا عجبا منهم إذ جنوا *** دما و بثاراته طالبوكا
ابن حماد :
يبغون ثارا ما استحلوا قتله *** و رووا عليه الفسق و الكفرانا
و أنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) زيد بن صوحان و عبد الله بن عباس فوعظاها و خوفاها .
و في رامش أفزاي : أنها قالت : لا طاقة لي بحجج علي .
فقال ابن عباس : لا طاقة لك بحجج المخلوق , فكيف طاقتك بحجج الخالق ?
جمل أنساب الأشراف : أنه زحف علي بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين , و على ميمنته الأشتر و سعيد بن قيس , و على ميسرته
[154]
عمار و شريح بن هاني , و على القلب محمد بن أبي بكر و عدي بن حاتم , و على الجناح زياد بن كعب و حجر بن عدي , و على الكمين عمرو بن الحمق و جندب بن زهير , و على الرجالة أبو قتادة الأنصاري .
و أعطى رايته : محمد بن الحنفية , ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر , يدعوهم و يناشدهم , و يقول لعائشة : إن الله أمرك أن تقري في بيتك فاتقي الله و ارجعي .
و يقول لطلحة و الزبير : خبأتما نساءكما و أبرزتما زوجة رسول الله و استفززتماها .
فيقولان : إنما جئنا للطلب بدم عثمان , و أن يرد الأمر شورى .
و ألبست عائشة درعا , و ضربت على هودجها صفائح الحديد , و ألبس الهودج درعا .
و كان الهودج لواء أهل البصرة , و هو على جمل يدعى عسكرا .
ابن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) , قال للزبير : أ ما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدثني إذ خرج رسول الله فرآك معي و أنت تبسم إلي , فقال لك , يا زبير : أ تحب عليا ?
فقلت : و كيف لا أحبه و بيني و بينه من النسب و المودة في الله ما ليس لغيره .
فقال : إنك ستقاتله و أنت ظالم عليه .
فقلت : أعوذ بالله من ذلك .
و قد تظاهرت الروايات : أنه قال (عليه السلام) إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) , قال لك : يا زبير , تقاتله ظلما , و ضرب كتفك .
قال : اللهم نعم .
قال : أ فجئت تقاتلني ?
فقال : أعوذ بالله من ذلك .
الصاحب :
أ في القول نصا للزبير محذرا *** تحاربه بالظلم حين تحارب
ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : دع هذا بايعتني طائعا , ثم جئت محاربا ; فما عدا مما بدا ?
فقال : لا جرم , و الله لا قاتلتك .
حلية الأولياء قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : فلقيه عبد الله , ابنه , فقال : جبنا جبنا .
فقال : يا بني قد علم الناس أني لست بجبان , و لكني ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله ; فحلفت أن لا أقاتله .
فقال : دونك غلامك فلان , أعتقه كفارة ليمينك .
نزهة الأبصار عن ابن مهدي : أنه قال همام الثقفي
[155]
أ يعتق مكحولا و يعصي نبيه *** لقد تاه عن قصد الهدى ثمة عوق
لشتان ما بين الضلالة و الهدى *** و شتان من يعصي الإله و يعتق
و في رواية قالت عائشة : لا و الله بل خفت سيوف ابن أبي طالب , أما إنها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد , و لئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك .
فرجع إلى القتال .
فقيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : إنه قد رجع فقال دعوه , فإن الشيخ محمول عليه .
ثم قال أيها الناس غضوا أبصاركم و عضوا على نواجذكم و أكثروا من ذكر ربكم و إياكم و كثرة الكلام فإنه فشل .
و نظرت عائشة إليه و هو يجول بين الصفين .
فقالت : انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله يوم بدر , أما و الله ما ينتظر بك إلا زوال الشمس .
فقال علي (عليه السلام) : يا عائشة , عما قليل لتصبحن نادمين .
فجد الناس في القتال , فنهاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) , و قال : اللهم إني أعذرت و أنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين .
ثم أخذ المصحف و طلب من يقرأ عليهم وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما الآية .
فقال مسلم المجاشعي : ها أنا ذا فخوفه بقطع يمينه و شماله و قتله .
فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين , فهذا قليل في ذات الله .
فأخذه و دعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى , فأخذه بيده اليسرى فقطعت , فأخذه بأسنانه , فقتل .
فقالت أمه :
يا رب إن مسلما أتاهم *** بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم *** فزملوه زملت لحاهم
فقال (عليه السلام) : الآن طاب الضراب .
و قال لمحمد بن الحنفية , و الراية في يده : يا بني , تزول الجبال و لا تزل , عض ناجذك أعر الله جمجمتك , تد في الأرض قدميك , ارم ببصرك أقصى القوم , و غض بصرك , و اعلم أن النصر من الله .
ثم صبر سويعة , فصاح الناس من كل جانب من وقع النبال .
فقال (عليه السلام) : تقدم يا بني , فتقدم , و طعن طعنا منكرا .
و قال (عليه السلام) :
اطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا المسدد *** و الضرب بالخطي و المهند
فأمر الأشتر أن يحمل , فحمل , و قتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل .
و كان زيد يرتجز و يقول ديني ديني و بيعي بيعي
[156]
و جعل مخنف بن مسلم يقول :
قد عشت يا نفس و قد غنيت *** دهرا و قبل اليوم ما عييت
و بعد ذا لا شك قد فنيت *** أ ما مللت طول ما حييت
فخرج عبد الله بن اليثربي قائلا :
يا رب إني طالب أبا الحسن *** ذاك الذي يعرف حقا بالفتن
فبرز إليه علي (عليه السلام) قائلا :
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن *** فاليوم تلقاه ملبا فاعلمن
و ضربه ضربة مجرفة فخرج بنو ضبة و جعل يقول بعضهم :
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل *** و الموت أحلى عندنا من العسل
ردوا علينا شيخنا بمرتحل *** إن عليا بعد من شر النذل
و قال آخر :
نحن بنو ضبة أعداء علي *** ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي
و كان عمرو بن اليثربي يقول :
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي *** قاتل عليا يوم هند الجمل
ثم ابن صوحان على دين علي
فبرز إليه عمار قائلا :
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي *** اثبت أقاتلك على دين علي
و أرداه عن فرسه و جر برجله إلى علي (عليه السلام) فقتله بيده فخرج أخوه قائلا :
أضربكم و لو أرى عليا *** عممته أبيض مشرفيا
و أسمر عنطنطا خطيا *** أبكي عليه الولد و الوليا
فخرج علي متنكرا و هو يقول :
يا طالبا في حربه عليا *** يمنعه أبيض مشرفيا
[157]
اثبت ستلقاه بها مليا *** مهذبا سميدعا كميا
فضربه فرمى نصف رأسه .
فناداه عبد الله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة , أ تبارزني ?
فقال (عليه السلام) : ما أكره ذلك , و لكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك في القتل و قد علمت من أنا .
فقال : ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب .
ثم قال :
إن تدن مني يا علي فترا *** فإنني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرا *** ها إن في صدري عليك وترا
فبرز إليه علي (عليه السلام) قائلا :
يا ذا الذي يطلب مني الوترا *** إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقا و تصلى بعد ذاك جمرا *** فادن تجدني أسدا هزبرا
أصعطك اليوم ذعافا صبرا
فضربه فطير جمجمته .
فخرج مازن الضبي قائلا :
لا تطمعوا في جمعنا المكلل *** الموت دون الجمل المجلل
فبرز إليه عبد الله بن نهشل قائلا :
إن تنكروني فأنا ابن نهشل *** فارس هيجاء و خطب فيصل
فقتله .
و كان طلحة يحث الناس و يقول عباد الله الصبر الصبر ... في كلام له .
البلاذري : أن مروان بن الحكم , قال : و الله ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا .
فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته , و التفت إلى أبان بن عثمان , و قال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك .
معارف القتيبي : أن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم فأصاب ساقه .
الحميري :
و اختل من طلحة المزهو حبته *** سهم بكف قديم الكفر غدار
[158]
في كف مروان مروان اللعين أرى *** رهط الملوك ملوكا غير أخيار
و له :
و اغتر طلحة عند مختلف القنا *** عبد الذراع شديد أصل المنكب
فاختل حبة قلبه بمدلق *** ريان من دم جوفه المتصبب
في مارقين من الجماعة فارقوا *** باب الهدى و جبا الربيع المخضب
و حمل أمير المؤمنين (عليه السلام) في بني ضبة ; فما رأيتهم إلا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فانصرف الزبير , فتبعه عمرو بن جرموز , و جز رأسه , و أتى به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ... القصة .
الحميري :
أما الزبير فحاص حين بدت له *** جاءوا ببرق في الحديد الأشهب
حتى إذا أمن الحتوف و تحته *** عاري النواهق ذو نجاء صهلب
أثوى ابن جرموز عمير شلوه *** بالقاع منعفرا كشلو التولب
غيره :
طار الزبير على إحصار ذي خضل *** عبل الشوى لاحق المتنين محصار
حتى أتى واديا لاقى الحمام به *** من كف محتبس كالصيد مغوار
فقالوا , يا عائشة : قتل طلحة و الزبير و جرح عبد الله بن عامر من يدي علي فصالحي عليا .
فقالت : كبر عمرو عن الطوق و جل أمر عن العتاب , ثم تقدمت .
فحزن علي (عليه السلام) , و قال : إنا لله و إنا إليه راجعون .
[159]
فجعل يخرج واحد بعد واحد و يأخذ الزمام حتى قطع ثمان و تسعين رجلا .
ثم تقدمهم كعب بن سون الأزدي و هو يقول :
يا معشر الناس عليكم أمكم *** فإنها صلاتكم و صومكم
و الحرمة العظمى التي تعمكم *** لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر .
فخرج ابن جفير الأزدي يقول :
قد وقع الأمر بما لم يحذر *** و النبل يأخذن وراء العسكر
و أمنا في خدرها المشهر
فبرز إليه الأشتر قائلا :
اسمع و لا تعجل جواب الأشتر *** و اقرب تلاقي كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشهر
فقتله , ثم قتل عمير الغنوي و عبد الله بن عتاب بن أسيد ثم جال في الميدان جولا و هو يقول :
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبد الله بن الزبير فطعنه الأشتر و أرداه و جلس على صدره ليقتله .
فصاح عبد الله : اقتلوني و مالكا , و اقتلوا مالكا معي .
فقصد إليه من كل جانب فخلاه , و ركب فرسه , فلما رأوه راكبا تفرقوا عنه .
و شد رجل من الأزد على محمد بن الحنفية و هو يقول يا معشر الأزد كروا .
فضربه ابن الحنفية فقطع يده , و قال : يا معشر الأزد فروا .
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلا :
ارحم إلهي الكل من سليم *** و انظر إليه نظرة الرحيم
فقتله عمرو بن الحمق .
فخرج جابر الأزدي قائلا :
يا ليت أهلي من عمار حاضري *** من سادة الأزد و كانوا ناصري
فقتله محمد بن أبي بكر .
و خرج عوف القيني قائلا :
[160]
يا أم يا أم خلا مني الوطن *** لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن
فقتله محمد بن الحنفية .
فخرج بشر الضبي قائلا :
ضبة أبدي للعراق عمعمة *** و أضرمي الحرب العوان المضرمة
فقتله عمار .
و كانت عائشة تنادي بأرفع صوت : أيها الناس عليكم بالصبر , فإنما يصبر الأحرار .
فأجابها كوفي :
يا أم يا أم عققت فاعلموا *** و الأم تغذو ولدها و ترحم
أما تراكم من شجاع يكلم *** و تجتلي هامته و المعصم
و قال آخر :
قلت لها و هي على مهوات *** إن لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات
فقال الحجاج بن عمر الأنصاري :
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل *** إني أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل *** ما كان في الأنصار جبن و فشل
فكل شيء ما خلا الله جلل
و قال خزيمة بن ثابت :
لم يغضبوا لله إلا للجمل *** و الموت خير من مقام في خمل
و الموت أحرى من فرار و فشل
و قال شريح بن هاني :
لا عيش إلا ضرب أصحاب الجمل *** و القول لا ينفع إلا بالعمل
ما أن لنا بعد علي من بدل
و قال هاني بن عروة المذحجي :
يا لك حرب حثها جمالها *** قائدة ينقصها ضلالها
هذا علي حوله أقيالها
[161]
و قال سعد بن قيس الهمداني :
قل للوصي اجتمعت قحطانها *** إن يك حرب أضرمت نيرانها
و قال عمار :
أني لعمار و شيخي ياسر *** صاح كلانا مؤمن مهاجر
طلحة فيها و الزبير غادر *** و الحق في كف علي ظاهر
و قال الأشتر :
هذا علي في الدجى مصباح *** نحن بذا في فضله فصاح
و قال عدي بن حاتم :
أنا عدي و نماني حاتم *** هذا علي بالكتاب عالم
لم يعصه في الناس إلا ظالم
و قال عمرو بن الحمق :
هذا علي قائد نرضى به *** أخو رسول الله في أصحابه
من عوده النامي و من نصابه
و قال رفاعة بن شداد البجلي :
إن الذين قطعوا الوسيلة *** و نازعوا على علي الفضيلة
في حربه كالنعجة الأكيلة
و شكت السهام الهودج حتى كأنه جناح نسر أو شوك قنفذ .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج ; اعقروا الجمل .
و في رواية : عرقبوه فإنه شيطان .
و قال , لمحمد بن أبي بكر : انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها .
فعرقب رجل منه , فدخل تحته رجل ضبي , ثم عرقب أخرى عبد الرحمن .
فوقع على جنبه , فقطع عمار نسعه , فأتاه علي (عليه السلام) و دق رمحه على الهودج , و قال : يا عائشة : أ هكذا أمرك رسول الله أن تفعلي ?
فقالت : يا أبا الحسن ; ظفرت فأحسن , و ملكت فأسجح .
فقال : لمحمد بن أبي بكر , شأنك و أختك , فلا يدن منها أحد سواك .
فقال لها : ما فعلت بنفسك ?
[162]
عصيت ربك , و هتكت سترك , ثم أبحت حرمتك , و تعرضت للقتل , فذهب بها إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي .
فقالت : أقسمت عليك أن تطلب عبد الله بن الزبير جريحا كان أو قتيلا .
فقال : إنه كان هدفا للأشتر .
فانصرف محمد إلى العسكر , فوجده .
فقال : اجلس يا مشئوم أهل بيته , فأتاها به .
فصاحت , و بكت , ثم قالت : يا أخي استأمن له من علي .
فأتى أمير المؤمنين (عليه السلام) , فاستأمن له منه .
فقال (عليه السلام) : أمنته , و أمنت جميع الناس .
و كانت وقعة الجمل بالخريبة . و وقع القتال بعد الظهر , و انقضى عند المساء ; فكان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرون ألف رجل , منهم البدريون ثمانون رجلا و ممن بايع تحت الشجرة مائتان و خمسون , و من الصحابة ألف و خمسمائة رجل .
و كانت عائشة في ثلاثين ألفا , أو يزيدون ; منها المكيون ستمائة رجل .
قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفا .
و قال الكلبي : قتل من أصحاب علي ألف راجل , و سبعون فارسا ; منهم زيد بن صوحان , و هند الحملي , و أبو عبد الله العبدي , و عبد الله بن رقبة .
و قال أبو مخنف و الكلبي : قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة , أربعة آلاف رجل ; و من بني عدي و مواليهم تسعون رجلا ; و من بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ; و من بني حنظلة تسعمائة رجل ; و من بني ناجية أربعمائة رجل ; و الباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلا تسعين رجلا .
و القرشيون , منهم : طلحة , و الزبير , و عبد الله بن عتاب بن أسيد , و عبد الله بن حكيم حزام , و عبد الله بن شافع بن طلحة , و محمد بن طلحة , و عبد الله بن أبي خلف الجمحي , و عبد الرحمن بن معد , و عبد الله بن معد .
و عرقب الجمل أولا أمير المؤمنين (عليه السلام) , و يقال : مسلم بن عدنان ; و يقال : رجل من الأنصار ; و يقال : رجل ذهلي , و قيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخي لم عرقبت الجمل ?
فقال :
عقرت و لم أعقربها لهوانها *** علي و لكني رأيت المهالكا
و ما زالت الحرب العوان تحثها *** بنوهاتها حتى هوى القود باركا
فأضجعته بعد البروك لجنبه *** فخر صريعا كالثنية حالكا
[163]
فكانت شرارا إذ أطيقت بوقعة *** فيا ليتني عرقبته قبل ذالكا
و قال عثمان بن حنيف :
شهدت الحروب فشيبتني *** فلم أر يوما كيوم الجمل
أشد على مؤمن فتنة *** و أقتل منهم لحرق بطل
فليت الظعينة في بيتها *** و يا ليت عسكر لم يرتحل
ابن حماد :
كليم شمس رجعت *** طوعا له في جحفل
مدحي باب خيبر *** قتال أهل الجمل
أنت مردي كل طاغ *** في القرون الأول
سل به يوم صفين *** و يوم الجمل
مهيار :
احتج قوم بعد ذاك بهم *** بفاضحات ربها يوم الجمل
فقيل فيهم من لوى ندامة *** عنانه من المضاع فاعتزل
فأسرع العامل في قناته *** فرد بالكرة كر و حمل
و منهم من تاب بعد موته *** و ليس بعد الموت للمرء عمل
فصل في حرب صفين :
تفسير الحسن و السدي و وكيع و الثعلبي و مسند أحمد : أنه قال الزبير في قوله تعالى وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لقد لبثنا أزمانا و لا نرى من أهلها فإذا نحن المعنيون بها .
قال السدي في قوله تعالى : فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ نزلت في حربين يوم صفين و يوم الجمل فسمى الله أصحاب الجمل و صفين ظالمين ثم قال وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالنصر و الحق مع أمير المؤمنين و أصحابه .