[164]
بعض المفسرين في قوله تعالى : قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ فيما بعد إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أنهم أهل صفين .
و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال للأعراب الذين تخلفوا عنه بالحديبية و عزموا على خيبر قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ .
أبو سعيد الخدري و عبد الله بن عمر قالا في قوله تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كما نقول ربنا واحد و نبينا واحد و ديننا واحد , فما هذه الخصومة ?
فلما كان حرب صفين و شد بعضنا على بعض بالسيوف , قلنا نعم هو هذا .
قال الباقر (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يقاتل معاوية : فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ... الآية , هم هؤلاء و رب الكعبة .
قال ابن مسعود قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أئمة الكفر معاوية و عمرو .
محمد بن منصور :
أكرم بقوم فيهم عمارهم *** و تصول منه على العدى كفان
و أويس القرني يقدم جمعهم *** حسبي بهذا حجة و كفاني
و لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب و خطب , فقال : الحمد لله الذي نصر وليه , و خذل عدوه , و أعز الصادق المحق , و أذل الناكث المبطل .
ثم إنه (عليه السلام) دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربيجان و الأحنف بن قيس من البصرة و جرير بن عبد الله البجلي من همدان .
فأتوه إلى الكوفة ; فوجه جرير إلى معاوية يدعوه إلى طاعته , فلما بلغها توقف معاوية في ذلك حتى قدم شرحبيل الكندي .
ثم خطب , فقال : أيها الناس قد علمتم أني خليفة عمر , و خليفة عثمان , و قد قتل عثمان مظلوما , و أنا وليه و ابن عمه , و أولى الناس بطلب دمه , فما ذا رأيكم ?
فقالوا : نحن طالبون بدمه .
فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر , فكان عمرو يأمر بالحمل و الحط مرارا .
فقال له غلامه وردان : تفكر , أن الآخرة مع علي ; و الدنيا مع معاوية .
فقال عمرو :
لا قاتل الله وردانا و ابنه أبدا *** لعمري ما في الصدر وردان
[165]
فلما ارتحل .
قال ابن عمرو له :
ألا يا عمرو ما أحرزت نصرا *** و لا أنت الغداة إلى رشاد
أ بعت الدين بالدنيا خسارا *** و أنت بذاك من شر العباد
فانصرف جرير .
فكتب معاوية إلى أهل المدينة أن عثمان قتل مظلوما , و علي آوى قتلته فإن دفعهم إلينا كففنا عنه , و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته ; فانهضوا رحمكم الله معنا إلى حربه .
فأجابوه بكتاب فيه :
معاوي إن الحق أبلج واضح *** و ليس كما ربصت أنت و لا عمرو
نصبت لنا اليوم ابن عفان خدعة *** كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر
رميتم عليا بالذي لم يضره *** و ليس له في ذاك نهي و لا أمر
و ما ذنبه إن نال عثمان معشر *** أتوه من الأحياء تجمعهم مصر
و كان علي لازما قعر بيته *** و همته التسبيح و الحمد و الذكر
فما أنتما لا در در أبيكما *** و ذكركم الشورى و قد وضع الأمر
فما أنتما و النصر منا و أنتما *** طليق أسارى ما تبوح بها الخمر
و جاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكر فيه ; و كان أنصحهم لله خليفته , ثم خليفة خليفته , ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما , فكلهم حسدت , و على كلهم بغيت , عرفنا ذلك .
ثم , نظرك الشزر , و قولك الهجر , و تنفسك الصعداء , و إبطاؤك عن الخلفاء , و في كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش , و لم تكن لأحد منهم أشد حسدا منك لابن عمك , و كان أحقهم أن لا تفعل ذلك لقرابته و فضله , فقطعت رحمه , و قبحت حسنه , فأظهرت له العداوة , و بطنت له بالغش , و ألبت الناس عليه , فقتل معك في المحلة و أنت تسمع الهائعة , و لا تدرأ عنه بقول و لا فعل .
فلما وصل الخولاني و قرأ الكتاب على الناس .
قالوا : كلنا قاتلون , و لأفعاله منكرون .
فكان جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) : و بعد , فإني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان , فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي .
ثم حاكم القوم إلي , أحملك و إياهم على كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
و أما تلك التي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن , و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لعلمت أني
[166]
من أبرأ الناس من دم عثمان , و قد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة .
و أجمع (عليه السلام) على المسير و حض الناس على ذلك .
قال ابن مردويه قال ابن أبي حازم التميمي و أبو وائل : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : انفروا إلى بقية الأحزاب , أولياء الشيطان , انفروا إلى من يقول كذب الله و رسوله .
و جاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسأل ما الخبر ?
فقال : إن في الشام يلعنون قاتلي عثمان و يبكون على قميصه .
فقال أمير المؤمنين : ما قميص عثمان بقميص يوسف , و لا بكاؤهم عليه إلا كبكاء أولاد يعقوب .
فلما فتح الكتاب وجده بياضا , فحولق .
فقال قيس بن سعد :
و لست بناج من علي و صحبه *** و إن تك في جابلق لم تك ناجيا
و كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ليت القيامة قد قامت فترى المحق من المبطل .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ... الآية .
الشاذكوني : رفع رجل إلى أمير المؤمنين كتابا في آخره :
فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا *** إذا ترد وقيذ العين مكروبا
فقال لعبد الله بن أبي رافع , اكتب : أن بيعتي شملت الخاص و العام , و إنما الشورى للمؤمنين من المهاجرين الأولين و السابقين بالإحسان من البدريين ; و إنما أنت طليق ابن طليق لعين ابن لعين وثني ابن وثني ليست لك هجرة و لا سابقة و لا منقبة و لا فضيلة .
و كان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا الله و رسوله فنصر الله عبده و صدق وعده و هزم الأحزاب ثم وقع في آخر الكلام :
أ لم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجا *** بوا و إن يغضب على القوم يغضب
و كتب معاوية اتق الله يا علي و ذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله و لا تفسدن سابقة قدمك بشر من حديثك فإن الأعمال بخواتيمها , و لا تعمدن بباطل في حق من لا حق له , فإنك إن تفعل ذلك فلا تضر إلا نفسك , و لن تمحق إلا عملك .
فأجابه (عليه السلام) ...بعد كلام : عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب , و لم يخف العقاب , و لا يرجو
[167]
لله وقارا , و لم يخف حذارا ; فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة , تجد الله عز و جل في ذلك بالمرصاد .
ثم قال في آخره : فأنا أبو الحسن قاتل جدك عتبة , و عمك شيبة , و أخيك حنظلة , الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر , و ذلك السيف معي , و بذلك القلب ألقى عدوي .
و من كلامه : متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين , و بالسيوف مخوفين , فالبث قليلا يلحق الهيجاء جمل , فسيطلبك من تطلب , و تقرب منك من تستبعد , و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان , شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت , أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم , قد صحبتهم ذرية بدرية و سيوف هاشمية , قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدك و ما هي من الظالمين ببعيد .
فنهاه عمرو عن مكاتبته , و لم يكتب إلا بيتا :
ليس بيني و بين قيس عتاب *** غير طعن الكلي و ضرب الرقاب
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قاتلت الناكثين , و هؤلاء القاسطين , و سأقاتل المارقين .
ثم ركب فرس النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قصده في تسعين ألفا .
قال سعيد بن جبير : منها تسعمائة رجل من الأنصار , و ثمانمائة من المهاجرين .
و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : سبعون رجلا من أهل بدر , و يقال مائة و ثلاثون رجلا .
و خرج معاوية في مائة و عشرين ألفا يتقدمهم مروان , و قد تقلد بسيف عثمان فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات , و قال :
أتاكم الكاشر عن أنيابه *** ليث العرين جاء في أصحابه
و منعوا عليا و أصحابه الماء فأنفذ علي شبث بن ربعي الرياحي و صعصعة بن صوحان , فقالا في ذلك لطفا , و عنفا .
فقالوا : أنتم قتلتم عثمان عطشا .
فقال (عليه السلام) : أرووا السيوف من الدماء ترووا من الماء و الموت في حياتكم مقهورين خير من الحياة في موتكم قاهرين .
فقال شاعر :
أ تحمون الفرات على رجال *** و في أيديهم الأسل الظباء
[168]
و في الأعناق أسياف حداد *** كأن القوم عندهم النساء
الأشتر :
ميعادنا الآن بياض الصبح *** لا يصلح الزاد بغير ملح
الأشعث :
لأوردن خيلي الفراتا *** شعث النواصي أو يقال فاتا
و حملا في سبعة عشر ألف رجل حملة رجل واحد ففرق بعضهم و انهزم الباقون .
فأمر علي (عليه السلام) أن لا يمنعوهم الماء .
و كان نزوله (عليه السلام) بصفين لليالى بقين من ذي الحجة سنة ست و ثلاثين فأمر معاوية للنقابين أن ينقبوا تحت معسكر علي متفرقين و نودوا أنه يجري عليكم الماء فقال هذه خدعة فصاحوا ثم انقلبوا فلما أصبحوا رأوا معاوية في معسكرهم .
فقال علي (عليه السلام) :
فلو أني أطعت عصيت قومي *** إلى ركن اليمامة أو شئام
و لكني إذا أبرمت أمرا *** يخالفني أقاويل الطغام
فتقدم الأشتر و قتل صالح بن فيروز العتلي و مالك بن الأدهم و زياد بن عبيد الكناني و زامل بن عبيد الخزاعي و مالك بن روضة الجمحي مبارزة .
و طعن الأشعث لشرحبيل بن السمط و لأبي الأعور السلمي .
فخرج حوشب ذو الظليم و ذو الكلاع في نفر , فقالوا : أمهلونا هذه الليلة .
فقالوا : لا نبيت إلا في معسكرنا , فانكشفوا .
ثم إن عليا أنفذ سعيد بن قيس الهمداني و بشر بن عمرو الأنصاري ليدعواه إلى الحق .
فانصرفا بعد ما احتجا عليه .
ثم أنفذ شبث بن ربعي الرياحي و عدي بن حاتم الطائي و بريدة بن قيس الأرجي و زياد بن حفص بمثل ذلك .
فكان معاوية يقول : سلموا قتلة عثمان لأقتلهم به , ثم نعتزل الأمر حتى يكون شورى .
فتقاتلوا في ذي الحجة , و أمسكوا في المحرم .
فلما استهل صفر سنة سبع و ثلاثين أمر علي فنودي بالشام و الإعذار و الإنذار .
ثم عبى عسكره فجعل على ميمنته الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و مسلم بن عقيل , و على ميسرته محمد بن الحنفية و محمد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة المرقال , و على القلب عبد الله بن العباس و العباس بن ربيعة بن الحارث و الأشتر و الأشعث , و على الجناح سعد بن قيس الهمداني
[169]
عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و رفاعة بن شداد البجلي و عدي بن حاتم , و على الكمين عمار بن ياسر و عمرو بن الحمق و عامر بن واثلة الكناني و قبيصة بن جابر الأسدي .
و جعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري و حوشب ذا الظليم , و على الميسرة عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة , و على القلب الضحاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد , و على الساقة بسر بن أرطاة الفهري , و على الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري و همام بن قبيصة النمري , و على الكمين أبا الأعور السلمي و حابس بن سعد الطائي .
فبعث علي (عليه السلام) إلى معاوية : أن اخرج إلي أبارزك .
فلم يفعل .
و قد جرى بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق , أولها يوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن مسلمة , و الثاني بين المرقال و أبي الأعور السلمي , و الثالث بين عمار و عمرو بن العاص , و الرابع بين ابن الحنفية و عبيد الله بن عمر , و الخامس بين عبد الله بن العباس و الوليد بن عقبة , و السادس بين سعد بن قيس و ذي الكلاع , إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير .
خرج عون بن عوف الحارثي قائلا :
إني أنا عون أخو الحروب *** صاحبها و لست بالهروب
فبارزه علقمة قائلا :
يا عون لو كنت امرأ حازما *** لم تبرز الدهر إلى علقمة
لقيت ليثا أسدا باسلا *** يأخذ بالأنفاس و الغلصمة
و خرج أحمر مولى عثمان قائلا :
إن الكتيبة عند كل تصادم *** تبكي فوارسها على عثمان
فأجابه كيسان مولى علي (عليه السلام) :
عثمان ويحك قد مضى لسبيله *** فاثبت لحد مهند و سنان
فقتله الأحمر .
فقال علي (عليه السلام) قتلني الله إن لم أقتلك .
و أخذ بجربان درعه و رفعه و ضربه على الأرض و جعل يجول في الميدان و يقول :
[170]
لهف نفسي و قليل ما أسر *** ما أصاب الناس من خير و شر
لم أرد في الدهر يوما حربهم *** و هم الساعون في الشر الشمر
فحث معاوية غلامه حريثا أن يغتال عليا في قتله .
فطير أمير المؤمنين (عليه السلام) قحفه في الهواء و جعل يجول و يقول :
ألا احذروا في حربكم أبا الحسن *** فلا تروموه فذا من الغبن
فإنه يدقكم دق الطحن *** و لا يخاف في الهياج من و من
و خرج عمرو بن العاص مرتجزا يقول :
لا عيش إن لم ألق يوما هاشما *** ذاك الذي جشمني المجاشما
ذاك الذي يشتم عرضي ظالما *** ذاك الذي لم ينج مني سالما
فبرز هاشم مرتجزا :
ذاك الذي نذرت فيه النذرا *** ذاك الذي أعذرت فيه العذرا
ذاك الذي ما زال ينوي الغدرا *** أو يحدث الله لأمر أمرا
فضربه هاشم .
و خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يقول :
قل لعلي هكذا الوعيد *** أنا ابن سيف الله لا مزيد
و خالد ابن نبته الوليد *** قد فتر الحرب فزيدوا زيدوا
فبرز الأشتر مرتجزا يقول :
بالضرب أوفي ميتة مؤخرة *** يا رب جنبني سبيل الفجرة
و لا تخيبني ثواب البررة *** و اجعل وفاتي بأكف الكفرة
فضربه الأشتر .
فانصرف قائلا : أفنانا دم عثمان .
فقال معاوية : هذه قاشرة الصباة في اللعب , فاصبر فإن الله مع الصابرين .
و خرج معاوية يشير إلى همدان و هو يقول :
لا عيش إلا فلق قحف الهام *** من أرحب و يشكر شبام
[171]
قوم هم أعداء أهل الشام *** كم من كريم بطل همام
و كم قتيل و جريح ذام *** كذاك حرب السادة الكرام
فبرز سعيد بن قيس يرتجز و يقول :
لاهم رب الحل و الحرام *** لا تجعل الملك لأهل الشام
فحمل و هو مشرع رمحه فولى معاوية هاربا , و دخل في غمار القوم و جعل قيس يقول :
يا لهف نفسي فاتني معاوية *** على طم كالعقاب هاوية
و الراقصات لا يعود ثانية *** إلا هوى معفرا في الهاوية
و برز أبو الطفيل الكناني قائلا :
تحامت كنانة في حربها *** و حامت تميم و حامت أسد
و هامت هوازن من بعدها *** فما حام منها و منهم أحد
طحنا الفوارس يوم العجاج *** و سقنا الأراذل سوق النكد
و جال علي (عليه السلام) في الميدان قائلا :
أنا علي فاسألوني تخبروا *** ثم ابرزوا لي في الوغى و ابدروا
سيفي حسام و سناني يزهر *** منا النبي الطاهر المطهر
و حمزة الخير و منا جعفر *** و فاطم عرسي و فيها مفخر
هذا لهذا و ابن هند محجر *** مذبذب مطرد مؤخر
فاستخلفه عمرو بن الحصين السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه و أنشد :
أقول له و في رمحي حشاه *** و قد قرت بمصرعه العيون
ألا يا عمرو عمرو بني حصين *** و كل فتى ستدركه المنون
أ تدرك أن تنال أبا حسين *** بمعضلة و ذا ما لا يكون
و أنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ثم انهزم أهل الشام .
ثم أنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) أبياتا منها :
[172]
فوارس من همدان ليسوا بعزل *** غداة الوغى من شاكر و شبام
يقودهم حامي الحقيقة ماجد *** سعيد بن قيس و الكريم محام
جزى الله همدان الجنان فإنهم *** سهام العدى في كل يوم حمام
و برز أبو أيوب الأنصاري فنكلوا عنه فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه فترفع ابن منصور .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
و علمنا الحرب آباؤنا و *** سوف نعلم أيضا بنينا
و خرج رجل في براز رجل كوفي فصرعه الكوفي فإذا هو أخوه .
فقالوا خله .
فأبى أن يطلقه إلا بأمر علي .
فأذن له بذلك .
و برز عبد الله بن خليقة الطائي في جماعة من طي و ارتجز :
يا طي طي السهل و الأجبال *** ألا اثبتوا بالبيض و العوالي
فقاتلوا أئمة الضلال
و خرج من العسكرين زهاء ألف رجل فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد , و فيهم يقول شبث بن ربعي :
و قاتلت الأبطال منا و منهم *** و قام نساء حولنا و نحيب
و خرج بسر بن أرطاة مرتجزا :
أكرم بجند طيب الأردان *** جاءوا يكونوا أولياء الرحمن
إني أتاني خبر شجاني *** أن عليا نال من عثمان
فبرز إليه سعيد بن قيس قائلا :
بؤسا لجند ضائع الإيمان *** أسلمهم بسر إلى الهوان
إلى سيوف لبني همدان
فانصرف بسر من طعنته مجروحا .
و خرج أدهم بن لام القضاعي مرتجزا :
اثبت لوقع الصارم الصقيل *** فأنت لا شك أخو قتيل
فقتله حجر بن عدي .
فخرج الحكم بن الأزهر قائلا :
[173]
يا حجر حجر بني عدي الكندي *** اثبت فإني ليس مثلي بعدي
فقتله حجر .
فخرج إليه مالك بن مسهر القضاعي يقول :
إني أنا مالك بن مسهر *** أنا ابن عم الحكم بن الأزهر
فأجابه حجر :
إني حجر و أنا ابن مسعر *** اقدم إذا شئت و لا تؤخر
و برز علقمة فأصيب في رجله .
و قتل من أهل العراق عمير بن عبيد المحاربي و بكر بن هوذة النخعي و ابنه حيان و سعيد بن نعيم و أبان بن قيس فحمل علي (عليه السلام) فهزمهم .
فقال معاوية كنت أرجو اليوم ظفرا و برز الأشتر و جعل يقتل واحدا بعد واحد فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه و تبع الأشتر مائتا رجل من نخع و مذحج و حمل الأشتر عليه فوقعت الطعنة في القربوس فانكسر و خر عمرو صريعا و سقطت ثناياه فاستأمنه .
و برز الأصبغ بن نباتة قائلا :
حتى متى ترجو البقا يا أصبغ *** إن الرجاء للقنوط يدمغ
و قاتل حتى حرك معاوية من مقامه .
و خرج عوف المرادي قائلا :
أنا المرادي و اسمي عوف *** هل من عراقي عصاه سيف
فبرز إليه كعبر الأسدي قائلا :
الشام فيها لقوي مغور *** أنا العراقي و اسمي كعبر
فقتله .
و رأى معاوية على تل فقصد نحوه , فلما قرب منه حمل عليه مرتجزا :
ويلي عليك يا بني هند *** أنا الغلام الأسدي حمد
فأخذه أهل الشام بالطعان و الضراب فانسل من بينهم قائلا :
فلو نلته نلت الذي ليس بعدها *** من الأمر شيء غير مين مقالي
و لو مت من يتلى له ألف ميتة *** لقلت لما قد نلت لست أبالي
و خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله .
و خرج أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنة زياد بن كعب الهمداني مجروحا و قتل بنو همدان خلقا كثيرا من أهل الشام فقال معاوية بنو همدان أعداء عثمان و برز
[174]
عمير بن عطارد التميمي في قومه قائلا :
قد صابرت في حربها تميم *** لها حديث و لها قديم
دين قديم و هدى قديم
فقاتلوا إلى الليل .
و برز قيس بن سعد و قال :
أنا ابن سعد و أبي عبادة *** و الخزرجيون رجال سادة
حتى متى انثنى إلى الوسادة *** يا ذا الجلال لقني الشهادة
فخرج بسر بن أرطاة الفهري و ارتجز :
أنا ابن أرطاة الجليل القدر *** في أسرة من غالب و فهر
إن أرجع اليوم بغير وتر *** فقد قضيت في ابن سعد نذري
فانصرف مجروحا من ضربة قيس .
و خرج المخارق بن عبد الرحمن و قتل المرادي و مسلم الأزدي و رجلين آخرين فبرز إليه علي (عليه السلام) متنكرا فقتله و قتل سبعة بعده .
و خرج كريب بن الصباح فقتل المبرقع الخولاني و شرحبيل البكري و الحارث الحكيمي و عبد الرحمن الهمداني فقتله أمير المؤمنين ثم قتل الحرث بن وداع و المطاع بن المطلب و عروة بن داود .
و خرج مولى لمعاوية مرتجزا :
إني أنا الحارث ما بي من حذر *** مولى ابن صخر و به قد انتصر
فقتله قنبر .
و خرج بريد الكلبي قائلا :
لقد ضلت معاشر من نزار *** إذا انقادوا لمثل أبي تراب
فقتله الأشتر .
و خرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم .
و نادى خالد السدوسي من يبايعني على الموت فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه .
و أنفذ معاوية إليه , فقال : يا خالد لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت , فاقصر ويحك عن فعالك هذا .
فنكل عنها , فتفل أصحابه في وجهه , و حاربوا إلى الليل . و فيه يقول النجاشي :
و فر ابن حرب غير الله وجهه *** و ذاك قليل من عقوبة قادر
و خرج حمزة بن مالك الهمداني قائلا لهاشم المرقال :
[175]
يا أعور العين و ما فينا عور *** نبغي ابن عفان و نلحي من عذر