back page fehrest page next page

فقتله المرقال فهجموا على المرقال فقتلوه فأخذ سفيان بن الثور رايته فقاتل حتى قتل ثم أخذ عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل فأخذها أبو الطفيل الكناني مرتجزا :

يا هاشم الخير دخلت الجنة *** قتلت في الله عدو السنة

فقاتل حتى جرح فرجع القهقرى و أخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا :

أضربكم و لا أرى معاوية *** الأبرج العين العظيم الحاوية

هوت به في النار أم هاوية *** جاوره فيها كلاب عاوية

فهجموا عليه فقتلوه فأخذها عمرو بن الحمق قائلا :

جزى الله فينا عصبة أي عصبة *** حسان وجوه صرعوا حول هاشم

و قاتل أشد قتال فخرج ذو الظليم قائلا :

أهل العراق ناسبوا و انتسبوا *** أنا اليماني و اسمي حوشب

‏من ذي الظليم أين أين المهرب

فبرز إليه سليمان بن صرد الخزاعي قائلا :

يا أيها الحي الذي تذبذبا *** لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا

فحملت الأنصار حملة رجل واحد و قتلوا ذا الكلاع و ذا الظليم و ساروا إليهم و كاد يؤخذ معاوية فقال الأنصار :

معاوي ما أفلت إلا بجرعة *** من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا

فإن تفرحوا بابن البديل و هاشم *** فإنا قتلنا ذا الكلاع و حوشبا

و خرج عبيد الله بن عمر و دعا محمد بن الحنفية فنهض محمد فنهاه أبوه و كان يقول :

أنا عبيد الله ينميني عمر *** خير قريش من مضى و من غير

فقتله عبد الله بن سوار و يقال حريث بن خالد و يقال هاني بن الخطاب و يقال هاني بن عمرو الينبوعي و يقال محمد بن الصبيح .

فأمر معاوية بتقديم سبعين راية و برز عمار في

[176]

رايات فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل و من أصحاب علي مائتا رجل .

و خرج علي (عليه السلام) في مقاتلة همدان و قال بعضهم : برك الجمل ; برك الجمل ; فبركوا و بركت أيضا همدان .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

قد حمل القوم فبركا فبركا *** لا يدخل القوم على ما شكا

و خرج عمرو بن العاص يقول :

إني إذا الحرب تفرت عن كثير *** أحمل ما أحملت من خير و شر

فقصده الأشتر مرتجزا :

إني أنا الأشتر معروف السير *** إني أنا الأفعى العراق الذكر

فهزمهم و جرح عمرو فقال النجاشي :

عدو النبي خلال العجاج *** و أفلت في خيله الأبتر

فرد اللواء على عقبة *** و فاز بخطوتها الأشتر

و خرج العراد بن الأدهم و دعا العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فقتله العباس .

فنهاه علي (عليه السلام) عن المبارزة ; و لعبد الله بن العباس .

فقال معاوية : من قتل العباس فله عندي ما يشاء .

فخرج رجلان لخميان فدعاه أحدهما .

فقال : إن أذن لي سيدي أبارزك , و أتى عليا (عليه السلام) فبرز علي في سلاح العباس و فرسه متنكرا .

فقال الرجل : أذنك سيدك ?

فقال (عليه السلام) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا فقتله .

و تقدم الآخر , فقتله .

و خرج قبيصة النميري و كان يشتم عليا و يرتجز :

أقدم إقدام الهزبر العالي *** في نصر عثمان و لا أبالي

فبرز عدي بن حاتم قائلا :

يا صاحب الصوت الرفيع العالي *** يفدي عليا ولدي و مالي

و خرج حجل بن أثال العبسي فطلب البراز إليه ابنه أثال فلما رآه قال انصرف إلى الشام فإن فيها أموالا جمة .

فقال ابنه : يا أبة انصرف إلينا , و جنة الخلد مع علي .

و عبى معاوية أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم و يقول يا أهل

[177]

الشام : إياكم و الفرار فإنها سبة و عار فدقوا على أهل العراق فإنهم أهل فتنة و نفاق .

فبرز سعيد بن قيس و عدي بن حاتم و الأشتر و الأشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف و نيفا و انهزم الباقون .

و خرج كعب بن جعيل شاعر معاوية قائلا .

ابرز إلي الآن يا نجاشي *** و إنني ليث لدى الهراش

فأجابه النجاشي شاعر علي (عليه السلام) و برز إليه .

اربع قليلا فأنا النجاشي *** لست أبيع الدين بالمعاشي

‏أنصر خير راكب و ماش *** ذاك علي بين الرياش

و برز عبد الله بن جعفر في ألف رجل فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص .

و أتى أويس القرني متقلدا بسيفين و يقال كان معه مرماة و مخلاة من الحصى فسلم على أمير المؤمنين و ودعه و برز مع رجالة ربيعة فقتل من يومه فصلى عليه أمير المؤمنين و دفنه .

ثم إن عمار جعل يقاتل و يقول :

نحن ضربناكم على تنزيله *** ضربا يزيل الهام عن مقيله

‏و يذهل الخليل عن خليله *** أو يرجع الحق إلى سبيله

فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله .

و برز أمير المؤمنين (عليه السلام) , و دعا معاوية , قال : أسألك أن تحقن الدماء و تبرز إلي و أبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب .

فبهت معاوية و لم ينطق بحرف .

فحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الميمنة فأزالها , ثم حمل على الميسرة فطحنها , ثم حمل على القلب , و قتل منهم جماعة و أنشد :

فهل لك في أبي حسن علي *** لعل الله يمكن من قفاكا

دعاك إلى البراز فكعت عنه *** و لو بارزته تربت يداكا

فانصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم برز متنكرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا :

يا قادة الكوفة من أهل الفتن *** يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

‏كفى بهذا حزنا مع الحزن *** أضربكم و لا أرى أبا الحسن

فتناكل عنه علي (عليه السلام) حتى تبعه عمرو ثم ارتجز :

[178]

أنا الغلام القرشي المؤتمن *** الماجد الأبيض ليث كالشطن

‏يرضى به السادة من أهل اليمن *** من ساكني نجد و من أهل عدن

‏أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن

فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه فاستلقى على قفاه و أبدى عورته .

فصفح عنه استحياء و تكرما , فقال معاوية :
الحمد لله الذي عافاك و احمد استك الذي وقاك

قال أبو نواس :

فلا خير في دفع الردى بمذلة *** كما ردها يوما بسوأته عمرو

و قال حيص بيص :

قبح مخازيك هازم شرفي *** سوأة عمرو ثنت سنان علي

و برز علي (عليه السلام) و دعا معاوية فنكل عنه , فخرج بسر بن أرطاة يطمع في علي .

فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستلقى على قفاه و كشف عن عورته فانصرف عنه علي .

فقال ويلكم يا أهل الشام أما تستحيون من معاملة المخانيث لقد علمكم رأس المخانيث عمرو لقد روى هذه السيرة عن أبيه عن جده في كشف الأستار وسط عرصة الحروب .

فخرج غلامه لاحق ثم قال :

أرديت بسرا و الغلام ثائره *** و كل أب من عليه قادره

فطعنه الأشتر قائلا :

في كل يوم رجل شيخ بادرة *** و عورة وسط العجاج ظاهرة

أبرزها طعنة كف فاتره *** عمرو و بسر رهبا بالقاهرة

فلما رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين أخذ في الخديعة فأنفذ عمرو إلى ربيعة رجالاته فوقعوا فيه فقال اكتب إلى ابن عباس و غره فكان فيما كتب شعرا :

طال البلاء فما ندري له آس *** بعد الإله سوى رفق ابن عباس

فكان جواب ابن عباس :

يا عمرو حسبك من خدع و وسواس *** فاذهب فما لك في ترك الهدى آس

[179]

إلا بوادر طعن في نحوركم *** تشجى النفوس له في نقع إفلاس

‏إن عادت الحرب عدنا و التمس هربا *** في الأرض أو سلما في الأفق يا قاسي

ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه إنما بقي من قريش ستة أنا و عمرو بالشام ناصبان و سعد و ابن عمر بالحجاز و علي و أنت بالعراق على خطب عظيم و لو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه .

فأجابه ابن عباس بمسكة فيها :

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة *** و لست له حتى تموت بخادع

و كتب إلى علي (عليه السلام) أما بعد فإنا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يحنها بعضنا إلى بعض و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرم به ما مضى و نصلح به ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة و لا بيعة فأبيت علي و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو و لا تخاف من الفناء إلا ما أخاف و قد و الله رقت الأجساد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز و يسترق به حر .

فأجابه (عليه السلام) أما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت , ألا و من أكله الحق فإلى النار .

و أما طلبتك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس .

و أما استواؤنا في الخوف و الرضا فلست أمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة .

و أما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن و ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا الطليق كالمهاجر و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل و لا المؤمن كالمدغل ; و في أيدينا فضل النبوة الذي ذللنا بها العزيز و نعثنا بها الذليل و بعثا به الحر .

و أمر معاوية لابن الخديج الكندي أن يكاتب الأشعث و النعمان بن البشير أن

[180]

يكاتب قيس بن سعد في الصلح .

ثم أنفذ عمرا و عتبة و حبيب بن مسلمة و الضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) , فلما كلموه .

قال : أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم و للخير وفقتم و إن تابوا لم تزدادوا من الله إلا بعدا .

فقالوا : قد رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم و بين عراقكم و تخلون بيننا و بين شامنا فنحن نحقن دماء المسلمين .

فقال (عليه السلام) : لم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عز و جل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

ثم برز الأشتر و قال سووا صفوفكم .

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أيها الناس من يبع يربح في هذا اليوم ... في كلام له (عليه السلام) : ألا إن خضاب النساء الحناء و خضاب الرجال الدماء و الصبر خير في عواقب الأمور , ألا إنها إحن بدرية و ضغائن أحدية و أحقاد جاهلية و قرأ : فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ فتقدم و هو يرتجز :

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا *** و أصبحوا في حربكم و بيتوا

كيما تنالوا الدين أو تموتوا *** أو لا فإني طال ما عصيت

‏قد قلتم لو جئتنا فجئت

فحمل في سبعة عشر ألف رجل فكسروا الصفوف .

فقال معاوية لعمرو : اليوم صبر و غدا فخر .

فقال عمرو : صدقت يا معاوية و لكن الموت حق و الحياة باطل , و لو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا :

أحمد ربي فهو الحميد *** ذاك الذي يفعل ما يريد

دين قويم و هو الرشيد

فقاتل حتى قتل .

و برز خزيمة بن ثابت قائلا :

كم ذا يرجى أن يعيش الماكث *** و الناس موروث و فيهم وارث

‏هذا علي من عصاه ناكث

[181]

فقاتل حتى قتل .

و برز عدي بن حاتم قائلا :

أ بعد عمار و بعد هاشم *** و ابن بديل صاحب الملاحم

‏ترجو البقاء من بعد يا ابن حاتم

فما زال يقاتل حتى فقئت عينه .

و برز الأشتر مرتجزا :

سيروا إلى الله و لا تعوجوا *** دين قويم و سبيل منهج

و قتل جندب بن زهير فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس و هي ليلة الهرير و كان أصحاب علي (عليه السلام) يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية و يقولون علي المنصور .

و هو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة و يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام و إليك أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و طلبت الحوائج و شخصت الأبصار اللهم افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين و ينشد :

الليل داج و الكباش تنتطح *** نطاح أسد ما أراها تصطلح‏

منها قيام و فريق منبطح *** فمن نجا برأسه فقد ربح

و كان يحمل عليهم مرة بعد مرة و يدخل في غمارهم و يقول الله الله في الحرم و الذرية فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل .

فلما أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل و قتلى عسكر معاوية اثنين و ثلاثين ألف رجل , فصاحوا يا معاوية : هلكت العرب فاستغاث هو بعمرو فأمره برفع المصاحف .

قال قتادة قتلى يوم صفين ستون ألفا و قال ابن سيرين سبعون ألفا و هو المذكور في أنساب الأشراف و صنعوا على كل قتيل قصبة ثم عدوا القصب .

فصل في الحكمين و الخوارج :

روي في معنى قوله تعالى : وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أنه كان أبو موسى و عمرو .

و روى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة : أنه قال كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضل من اتبعهما و لا تنفك أموركم

[182]

تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان و يضل من تبعهما فقلت أعيذك بالله أن تكون أحدهما قال فخلع قميصه فقال برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي .

و لما جرى ليلة الهرير صاحوا يا معاوية هلكت العرب فقال معاوية يا عمرو نفر أو نستأمن قال نرفع المصاحف على الرماح و نقرأ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب و رافعنا بهم إلى أجل , و إن أبى بعضهم إلا القتال ; فللنا شوكتهم و تقع بينهم الفرقة .

و آمر بالنداء : فلسنا و لستم من المشركين و لا المجمعين على الردة فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين و للبلدة و إن تدفعوها ففيها الفناء و كل بلاء إلى مدة .

فقال عوف بن عبد الله :

رميناهم حتى أزلنا صفوفهم *** فلم ير إلا بوجه و كابيا

و حتى استغاثوا بالمصاحف *** و القنا بها وقفات يختطفن المحاميا

الجماني العلوي :

هبلت أم قريش حين تدعون الهبل *** حين ناطوا بكتاب الله أطراف الأسل

فقال مسعر بن فدكي و زيد بن حصين الطائي و الأشعث بن قيس الكندي أجب القوم إلى كتاب الله .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ويحكم و الله إنهم ما رفعوا المصاحف إلا خديعة و مكيدة حين علوتموهم .

و قال خالد بن معمر السدوسي يا أمير المؤمنين أحب الأمور إلينا ما كفينا مئونته و أنشد رفاعة بن شداد البجلي :

و إن حكموا بالعدل كانت سلامة *** و إلا أثرناها بيوم قماطر

فقصد إليه عشرون ألف رجل يقولون : يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت , و إلا دفعناك برمتك إلى القوم , أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان .

فقال : فاحفظوا عني مقالتي , فإني آمركم بالقتال , فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم .

قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتينك .

[183]

فبعث يزيد بن هاني السبيعي يدعوه .

فقال الأشتر : إني قد رجوت أن يفتح الله لا تعجلني , و شدد في القتال .

فقالوا : حرضته في الحرب ; فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك و إلا و الله اعتزلناك .

قال : يا يزيد عد إليه و قل له أقبل إلينا فإن الفتنة قد وقعت .

فأقبل الأشتر يقول لأهل العراق : يا أهل الذل و الوهن , أ حين علوتم القوم و علموا أنكم لهم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة و مكرا .

فقالوا : قاتلناهم في الله .

فقال : أمهلوني ساعة و أحسست بالفتح و أيقنت بالظفر .

قالوا : لا .

قال : أمهلوني عدوة فرسي .

قالوا : إنا لسنا نطيعك و لا لصاحبك و نحن نرى المصاحف على رءوس الرماح ندعى إليها .

فقال خدعتم و الله فانخدعتم , و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم .

فقام جماعة من بكر بن وائل , فقالوا : يا أمير المؤمنين إن أجبت القوم أجبنا و إن أبيت أبينا .

فقال (عليه السلام) : نحن أحق من أجاب إلى كتاب الله و إن معاوية و عمرا و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح و الضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين و قرآن , أنا أعرف بهم منكم , قد صحبتهم أطفالا و رجالا ... في كلام له .

فقال أهل الشام فإنا قد اخترنا عمرا .

فقال الأشعث و ابن الكواء و مسعر بن فدكي و زيد الطائي : نحن اخترنا أبا موسى .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن .

فقالوا : إنه قد كان يحذرنا مما قد وقعنا فيه .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنه ليس بثقة قد فارقني و قد خذل الناس , ثم هرب مني حتى أمنته بعد شهر ; و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك .

قالوا : و الله ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس .

قال : فالأشتر .

قال الأشعث : و هل سعر الحرب غير الأشتر , و هل نحن إلا في حكم الأشتر .

قال الأعمش حدثني : من رأى عليا (عليه السلام) يوم صفين يصفق بيديه و يقول يا عجبا أعصى و يطاع معاوية .

و قال : قد أبيتم إلا أبا موسى .

قالوا : نعم .

قال : فاصنعوا ما بدا لكم , اللهم إني أبرأ إليك من صنيعهم .

و قال الأحنف : إذا اخترتم أبا موسى فارقبوا ظهره .

فقال خزيم بن فاتك الأسدي :

لو كان للقوم رأيا يرشدون به *** أهل العراق رموكم بابن عباس

‏لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن *** لم يدر ما ضرب أسداس و أخماس

[184]

فلما اجتمعوا كان كاتب علي (عليه السلام) عبيد الله بن أبي رافع و كاتب معاوية عمير بن عباد الكلبي فكتب عبيد الله هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان .

فقال عمرو : اكتبوا اسمه و اسم أبيه هو أميركم فأما أميرنا فلا .

فقال الأحنف : لا تمح اسم إمارة المؤمنين امح ترحه من الله .

فقال علي (عليه السلام) : الله أكبر سنة بسنة , و مثل بمثل ; و إني لكاتب يوم الحديبية .

روى أحمد في المسند : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم .

فقال سهيل بن عمرو و هذا كتاب بيننا و بينك فافتحه بما نعرفه و اكتب باسمك اللهم .

فأمر بمحو ذلك و كتب باسمك اللهم : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله و سهيل بن عمرو و أهل مكة .

فقال سهيل : لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوة .

فقال : امحها يا علي .

فجعل يتلكأ و يأبى , فمحاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كتب هذا ما اصطلح به محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و أهل مكة يقول الله في كتابه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .

روى محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي : فإن لك مثلها تعطاها و أنت مضطهد .

الماوردي في أعلام النبوة : أنه قال : ستسام مثلها يوم الحكمين .

و في رواية : ستدعى إلى مثلها فتجيب و أنت على مضض .

و في رواية : إن لك يوما يا علي بمثل هذا أنا أكتبها للآباء و أنت تكتبها للأبناء .

سيدعى إلى مثلها صنوه *** له قال و الأمر مستجمع

‏و بين الرضا و بين ابن *** هند كيوم الحديبية المسرع

‏سهيل محا ثم اسم الرسول *** كاسم الأمير محا المبدع

‏ففي دومة الجندل الاقتداء *** بيوم السقيفة إذ شنعوا

فقال عمرو يا سبحان الله تشبه بالكفار و نحن مؤمنون .

فقال علي : يا ابن النابغة , أ و لم تكن للمشركين وليا و للمؤمنين عدوا , أ و لم تكن في الضلالة رأسا و في الإسلام ذنبا ... في كلام له .

فكتبوا أن يحكموا بما في كتاب الله و ينصرفوا و المدة سنة

[185]

واحدة كاملة و يكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل .

الصاحب :

و دعا إلى التحكيم لما *** عضه حد الرماح

‏فمضى أبو موسى و عمرو *** جالب الشر البراح

‏بابان قد فتحا إلى شر *** يدوم على انفتاح

فلما اجتمعا قال عمرو يا أبا موسى أنت أولى أن تسمي رجلا يلي أمر هذه الأمة فسم لي فإني أقدر أن أبايعك منك على أن تبايعني .

قال أبو موسى : أسمي لك عبد الله بن عمر فيمن اعتزله .

فقال عمرو : فإني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان .

و في رواية : قال عمرو إنهما ظالمان , و إن عليا آوى قتلة عثمان , و إن معاوية خاذله فنخلعهما و نبايع عبد الله بن عمر لزهادته و اعتزاله عن الحرب .

فقال أبو موسى : نعم ما رأيت .

قال فإني قد خلعت معاوية , فاخلع عليا إن شئت , و إن شئت فاخلعه غدا فإنه يوم الإثنين .

قال : فلما أصبحا خرجا إلى الناس , فقالا : قد اتفقنا .

فقال أبو موسى لعمرو , تقدم و اخلع صاحبك بحضرة الناس .

فقال عمرو : سبحان الله أتقدم عليك و أنت في موضعك و سنك و فضلك مقدم في الإسلام و الهجرة , و وفد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى اليمن , و صاحب مقاسم أبي بكر , و عامل عمر , و حاكم أهل العراق , فتقدم أنت .

فقدمه , فقال أبو موسى : إنا و الله أيها الناس قد اجتهدنا رأينا لم نر أصلح للأمة من خلع هذين الرجلين , و قد خلعت عليا و معاوية كخلع خاتمي هذا .

فقال عمرو : و لكني خلعت صاحبه عليا , كما خلع ; و اثبت معاوية كخاتمي هذا و جعله في شماله .

فقال كوفي :

لعمرك ما ألقى يد الدهر خالعا *** عليك بقول الأشعري و لا عمرو

فكتب عمرو إلى معاوية :

أتتك الخلافة من خدرها *** هنيئا مريئا تقر العيونا

العوني :

فاعملوا الحيلة في التحكيم *** بمكر شيطانهم الرجيم

‏ففي الرعاة حكموا الرعيا

[186]

فأصبح القوم على تخالف *** إذ شكت الأرماح في المصاحف

‏و أخذ الانحدار و الرقيا

فجاء أهل الشام بابن العاص *** فاحتال فيها حيلة القناص

‏غر أبا موسى الأشعريا

قام أبو موسى فويق المنبر *** فقال إني خالع لحيدر

كما اختلعت خاتمي من خنصري

back page fehrest page next page