يا عمرو قم أنت اخلع الشاميا *** فقال عمرو أيها الناس اشهدوا
جمعا فإني لابن هند أعقد *** فاستشهدوه مذهبا عمريا
و لما عزل معاوية عمرا من مصر كتب إليه :
معاوية الخير لا تنسني *** و عن مذهب الحق لا تعدل
أ تنسى محاورة الأشعري *** و نحن على دومة الجندل
ألين فيطمع في غرتي و *** قد غاب فصلي في المقتل
ألعقه عسلا باردا *** و أمزجه بجنى الحنظل
و رقيتك المنبر المشمخر *** بلا حد سيف و لا منصل
و نزعتها منهم بالخداع *** كخلع النعال من الأرجل
و ثبتها فيك لما يئست *** كمثل الخواتيم في الأنمل
فلما ملكت و مات الهمام *** و ألقت عصاها يد الأفضل
منحت سواي بمثل الجبال *** و نولتني حبة الخردل
فإن تك فيها بلغت المنى *** ففي عنقي يعلق الجلجل
و ما دم عثمان منج لنا *** من الله و الحسب الأطول
و إن عليا غدا خصمنا *** و يعتز بالله و المرسل
يسايلنا عن أمور جرت *** و نحن عن الحق في معزل
تفسير القشيري و إبانة العكبري عن سفيان عن الأعمش عن سلمة عن كهيل عن أبي الطفيل : أنه سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى قُلْ هَلْ
[187]
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الآية فقال (عليه السلام) : إنهم أهل حروراء .
ثم قال الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً في قتال علي بن أبي طالب أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا يقيم لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا بولاية علي و اتخذوا آيات القرآن و رسلي يعني محمدا هزوا و استهزءوا بقوله ألا من كنت مولاه فعلي مولاه و أنزل في أصحابه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... الآية ; فقال ابن عباس : نزلت في أصحاب الجمل .
تفسير الفلكي أبو أمامة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قوله تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ... الآية , هم الخوارج .
البخاري و مسلم و الطبري و الثعلبي في كتبهم : أن ذا الخويصرة التميمي قال للنبي اعدل بالسوية فقال ويحك إن أنا لم أعدل قد وجنت و خسرت فمن يعدل فقال عمر ائذن لي أضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا و ذكر وصفه فنزل وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ .
مسند أبي يعلى الموصلي و إبانة ابن بطة العكبري و عقد ابن عبد ربه الأندلسي و حلية ابن أبي نعيم الأصفهاني و زينة أبي حاتم الرازي و كتاب أبي بكر الشيرازي : أنه ذكر بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بكثرة العبادة .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : لا أعرفه .
فإذا هو قد طلع .
فقالوا : هو هذا .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أما إني أرى بين عينيه سفعة من الشيطان .
فلما رآه قال له : هل حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك ?
قال : نعم .
ثم دخل المسجد , فوقف يصلي .
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أ لا رجل يقتله .
فحسر أبو بكر عن ذراعيه , و صمد نحوه ; فرآه راكعا .
فقال : اقتل رجلا يركع و يقول لا إله إلا الله .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : اجلس , فلست بصاحبه .
قم يا علي فإنك أنت قاتله .
فمضى , و انصرف , و قال ما رأيته .
[188]
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : لو قتل لكان أول فتنة و آخرها .
و في رواية : هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان .
و قال أنس بن مالك فأنزل الله تعالى : ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الفتل وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ بقتال علي بن أبي طالب .
و لما دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة , جاء إليه زرعة بن البزرج الطائي , و حرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية , فقال : لا حكم إلا لله .
فقال (عليه السلام) : كلمة حق يراد بها باطل .
قال حرقوص : فتب من خطيئتك و ارجع عن قصتك و اخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا .
فقال علي (عليه السلام) : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني و قد كتبنا بيننا و بين القوم كتابا و شروطا و أعطينا عليها عهودا و مواثيق , و قد قال الله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ ... الآية .
فقال حرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه .
فقال علي : ما هو ذنب , و لكنه عجز من الرأي , و ضعف في العقل , و قد تقدمت فنهيتكم عنه .
فقال ابن الكواء : الآن صح عندنا ; أنك لست بإمام , و لو كنت إماما لما رجعت .
فقال علي : ويلكم قد رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عام الحديبية عن قتال أهل مكة .
ففارقوا أمير المؤمنين (عليه السلام) , و قالوا : لا حكم إلا لله , و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ; و كانوا اثني عشر ألفا من أهل الكوفة و البصرة و غيرهما .
و نادى مناديهم أن أمير القتال : شبث بن ربعي , و أمير الصلاة عبد الله بن الكواء , و الأمر شورى بعد الفتح , و البيعة لله على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , و استعرضوا الناس و قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت و كان عامله (عليه السلام) على النهروان .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا ابن عباس , امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه و لما ذا اجتمعوا .
فلما وصل إليهم , قالوا ويلك يا ابن عباس : أ كفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب , و خرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي .
فقال ابن عباس : من بنى الإسلام ?
فقال : الله و رسوله .
فقال : النبي أحكم أموره و دخل بين حدوده أم لا ?
قال : بلى .
قال : فالنبي بقي في دار الإسلام أم ارتحل ?
قال : بل ارتحل .
قال : فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده ?
قال : بل بقيت .
قال : و هل قام أحد بعده بعمارة ما بناه ?
قال : نعم الذرية و الصحابة .
[189]
قال : أ فعمروها أو خربوها ?
قال : بل عمروها .
قال : فالآن هي معمورة أم خراب ?
قال : بل خراب .
قال : خربها ذريته أم أمته ?
قال : بل أمته .
قال : و أنت من الذرية أو من الأمة ?
قال : من الأمة .
قال : أنت من الأمة و خربت دار الإسلام , فكيف ترجو الجنة ?
و جرى بينهم كلام كثير .
فحضر أمير المؤمنين (عليه السلام) في مائة رجل .
فلما قابلهم خرج ابن الكواء في مائة رجل .
فقال (عليه السلام) : أنشدكم الله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله ; فقلت لكم إني أعلم بالقوم منكم , و ذكر مقاله إلى أن قال : فلما أبيتم إلا الكتاب أشرطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن , فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه , و إن أبيا فنحن منه برآء ?
فقالوا له : أخبرنا أ تراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ?
فقال : إنا لسنا الرجال حكمنا , و إنما حكمنا القرآن ; و القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال .
قالوا : فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك و بينهم ?
قال : ليعلم الجاهل و يثبت العالم , و لعل الله يصلح في هذه المدة لهذه الأمة .
و جرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع .
فأعطى أمير المؤمنين (عليه السلام) راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري .
فناداهم أبو أيوب : من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن .
فرجع منهم ثمانية آلاف رجل .
فأمرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتميزوا منهم ; و أقام الباقون على الخلاف و قصدوا إلى النهروان , فخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ; و استنفرهم , فلم يجيبوه . فتمثل :
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى *** فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد
ثم استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم و هو يقول :
إلى شر خلق من شراة تحزبوا *** و عادوا إله الناس رب المشارق
فوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) نحوهم و كتب إليهم على يدي عبد الله بن أبي عقب و فيها :
و السعيد من سعد به رعيته و الشقي من شقيت به رعيته , و خير الناس خيرهم لنفسه و شر الناس شرهم لنفسه , و ليس بين الله و بين أحد قرابة و كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ فلما أتاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستعطفهم فأبوا إلا قتاله , و تنادوا : أن دعوا مخاطبة علي
[190]
و أصحابه و بادروا الجنة .
و صاحوا : الرواح الرواح إلى الجنة .
و أمير المؤمنين يعبئ أصحابه , و نهاهم أن يتقدم إليهم أحد .
فكان أول من خرج أخنس بن العيزار الطائي و جعل يقول :
ثمانون من حي جديلة قتلوا *** على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينادون لا حكم إلا لربنا *** حنانيك فاغفر حوبنا و المساويا
هم فارقوا من جار في الله حكمه *** فكل على الرحمن أصبح ثاويا
فقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) .
و خرج عبد الله بن وهب الراسبي يقول :
أنا ابن وهب الراسبي الشاري *** أضرب في القوم لأخذ الثار
حتى تزول دولة الأشرار *** و يرجع الحق إلى الأخيار
و خرج مالك بن الوضاح و قال :
إني لبائع ما يفنى بباقية *** و لا يريد لدى الهيجاء تربيضا
و خرج إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الوضاح بن الوضاح من جانب و ابن عمه حرقوص من جانب فقتل الوضاح و ضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه و وقع رأس سيفه على الفرس فشرد و أرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحرورية كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فكان المقتولون من أصحاب علي (عليه السلام) رؤبة بن وبر البجلي , و رفاعة بن وائل الأرحبي , و الفياض بن خليل الأزدي , و كيسوم بن سلمة الجهني , و حبيب بن عاصم الأزدي , إلى تمام تسعة ; و انفلت من الخوارج تسعة كما تقدم ذكره , و كان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان و ثلاثين .
العوني :
و لم ينصرم عن ذلك الجيش ساعة *** إلى أن غدا فلا دم القوم ضائعا
و سد بقتلى كفه دون غيره *** من البصرة الغراء دون الشوارعا
[191]
فأودع في أبياتهم و دورهم *** رماحا و أسيافا و بئست ودائعا
الحميري :
خوارج فارقوه بنهروان *** على تحكيمه الحسن الجميل
على تحكميه فعموا و صموا *** كتاب الله في فم جبرئيل
فمالوا جانبا و بغوا عليه *** فما مالوا هناك إلى مميل
فتاه القوم في ظلم حيارى *** عماة يعمهون بلا دليل
فضلوا كالسوائم يوم عيد *** تنحر بالغداة و بالأصيل
كان الطير حولهم نصارى *** عكوفا حول صلبان الأبيل
أبو نعيم الأصفهاني عن الثوري : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر أن يفتش عن المخدج بين القتلى فلم يجدوه .
فقال رجل : و الله ما هو فيهم .
فقال (عليه السلام) : و الله ما كذبت و لا كذبت .
تاريخ الطبري و إبانة ابن بطة و سنن أبي داود و مسند أحمد عن عبد الله بن أبي رافع و أبي موسى و جندب و أبي الوضاح و اللفظ له : قال علي (عليه السلام) اطلبوا المخدج .
فقالوا : لم نجده .
فقال : و الله ما كذبت و لا كذبت , يا عجلان : ايتني ببغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
فأتاه بالبغلة , فركبها , و جال في القتلى .
ثم قال : اطلبوه هاهنا .
قال : فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر و طين .
و في رواية أبي نعيم عن سفيان : فقيل قد أصبناه .
فسجد لله تعالى (عليه السلام) فنصبها .
الوراق القمي :
علي له في ذي الثدية آية *** رواه القوم من خير مقسم
تاريخ القمي : أنه رجل أسود عليه شعرات عليه قريطق مخدج اليد أحد ثدييه كثدي المرأة عليه شعيرات مثل ما يكون على ذنب اليربوع .
و في مسند الموصلي : حبشي مثل البعير في منكبه مثل ثدي المرأة .
فقال : صدق الله و رسوله .
[192]
و في رواية أبي داود و ابن بطة : أنه قال علي (عليه السلام) من يعرف هذا ?
فلم يعرفه أحد .
فقال رجل : أنا رأيت هذا بالحيرة .
فقلت : إلى أين تريد ?
فقال : إلى هذه , و أشار إلى الكوفة ; و ما لي بها معرفة .
فقال علي (عليه السلام) : صدق هو من الجان .
و في رواية : هو من الجن .
و في رواية أحمد : قال أبو الوضاح : لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه ?
قال : فجعل الناس يقول هذا ملك , هذا ملك , هذا مالك , و يقول علي ابن من .
و في مسند الموصلي في حديث : من قال من الناس أنه رآه قبل مصرعه فإنه كاذب .
و في مسند أحمد بإسناده عن ابن الوضاح : أنه قال علي (عليه السلام) أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم , و الثاني له جمع كثير , و الثالث فيه ضعف .
إبانة ابن بطة : أنه ذكر المقتول بالنهروان فقال سعد بن أبي وقاص هو شيطان الردهة .
و زاد أبو يعلى في المسند : شيطان الردهة رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب , علامة في قوم ظلمة .
الحميري :
إني أدين بما دان الوصي به *** يوم الخريبة من قتل المخلينا
و ما به دان يوم النهر دنت به *** و بايعت كفه كفي بصفينا
في سفك ما سفكت فيها إذا حضروا *** و أبرز الله للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي *** ثم اسقني مثلها آمين آمينا
و له :
و مارقة في دينهم فارقوا الهدى *** و لم يأتلوا بغيا عليه و حكموا
سطوا بابن خباب و ألقى بنفسه *** و قتل ابن خباب عليهم محرم
فلما أبوا في الغي إلا تماديا *** سما لهم عبل الذراعين ضيغم
[193]
فاضحوا كعاد أو ثمود كأنما *** تساقوا عقارا أسكرتهم فنوموا
محمد بن عبد الله الرعيني بإسناده عن علي (عليه السلام) : أنه قال لما انصرف الناس من صفين خاض الناس في أمر الحكمين ; فقال بعض الناس ما يمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم .
فقال للحسن : قم يا حسن , فقل في هذين الرجلين : عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص .
فقام الحسن (عليه السلام) , فقال : أيها الناس إنكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص فإنما بعثا ليحكما بكتاب الله , فحكما بالهوى على الكتاب و من كان هكذا لم يسم حكما و لكنه محكوم عليه ; و قد أخطأ عبد الله بن قيس في أن أوصى إلى عبد الله بن عمر فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال :
في أن أباه لم يرضه لها .
و في أنه لم يستأمره .
و في أنه لم يجتمع عليه المهاجرون و الأنصار , الذين نفذوها لمن بعده ; و إنما الحكومة فرض من الله و قد حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سعدا في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه , فنفذ رسول الله حكمه ; و لو خالف ذلك لم يجزه , ثم جلس .
ثم قال علي (عليه السلام) لعبد الله بن العباس : قم فتكلم .
فقام , و قال : أيها الناس إن للحق أهلا أصابوه بالتوفيق و الناس بين راض به و راغب عنه و إنما بعث عبد الله بن قيس لهدى إلى ضلالة و بعث عمرو بن العاص لضلالة إلى الهدى فلما التقيا رجع عبد الله عن هداه و ثبت عمرو على ضلالته و الله لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه , و إن حكما بما اجتمعا عليه معا ما اجتمعا على شيء و إن كانا حكما بما سار إليه ; لقد سار عبد الله و إمامه علي و سار عمرو و إمامه معاوية فما بعد هذا من عيب ينتظر و لكنهم سئموا الحرب و أحبوا البقاء و دفعوا البلاء و رجا كل قوم صاحبهم , ثم جلس .
ثم قال (عليه السلام) لعبد الله بن جعفر , قم فتكلم .
فقام عبد الله , و قال : أيها الناس إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي و الرضا فيه لغيره , فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم لا نرضى إلا بهذا , فارض به فإنه رضانا ; و ايم الله ما استفدناه علما , و لا انتظرنا منه غائبا , و لا أملنا ضعفه , و لا رجونا به صاحبه , و لا أفسدا بما عملا العراق , و لا أصلحا الشام , و لا أماتا حق علي , و لا أحييا باطل معاوية , و لا يذهب الحق رقية راق , و لا نفخة شيطان , و أنا اليوم لعلي ما كنا عليه أمس , و جلس .
[194]
الحميري :
و أهوج لاحى في علي و عابه *** بسفك دماء من رجال تهودوا
و تلك دماء المارقين و سفكها *** من الله ميثاق عليه مؤكد
هم نكثوا أيمانهم بنفاقهم *** كما أبرقوا من قبل ذاك و أرعدوا
أ تلحى امرأ ما زال مذ هو يافع *** يصلي و يرضى ربه و يوحد
و قد كانت الأوثان قبل صلاته *** يطاف بها في كل يوم و تعبد
ابن الحجاج :
مروا إلى النهروان يعدون *** مثل حمار بلا مكاري
كانوا شراة فصبحتهم *** كف علي بذي الفقار
نوف البكالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنه نادى بعد الخطبة بأعلى صوته الجهاد الجهاد عباد الله ألا و إني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج .
قال نوف و عقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف , و لقيس بن سعد في عشرة آلاف , و لأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف , و لغيرهم على أعداد أخر ; و هو يريد الرجعة إلى صفين .
فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم فتراجعت العساكر .
ذكر ما ورد في بيعته (عليه السلام) :
أبو بصير عن أبي جعفر قال : جاء المهاجرون و الأنصار و غيرهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى علي (عليه السلام) , فقالوا : أنت و الله أمير المؤمنين , و أنت و الله أحق الناس و أولاهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) , هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك .
فقال علي (عليه السلام) : إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين .
فحلق علي و حلق سلمان و حلق المقداد و حلق أبو ذر , و لم يحلق غيرهم , ثم انصرفوا .
فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك , فقالوا له مثل قولهم الأول ; و أجابهم مثله .
و ما حلق إلا هذه الثلاثة .
و كذلك ذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب اختيار الرجال : أنه قال أبو جعفر
[195]
(عليه السلام) كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة سلمان و أبو ذر و المقداد .
و في معرفة الرجال من الكشي في حديث عن الصادق (عليه السلام) ثم حلق أبو سنان و عمار و شتير و أبو عمرو فصاروا سبعة .
الحميري :
علي و أبو ذر و مقداد و سلمان *** و عمار و عبد الله و العيسى إخوان
دعوا فاستودعوا علما فأدوه و ما خانوا *** فصلى رب جبريل عليهم معشرا بانوا
أدين الله بالدين الذي كانوا به دانوا
ابن حماد :
فكف مولاي الإمام كفه *** إذ قل في حقوقه أعوانه
يتبعه مقداده و عبده *** عمارة و سلمه سلمانه
و الصادق اللهجة أعني جندبا *** فلم يزل لطوعه إتيانه
و في جمل أنساب الأشراف أنه قال الشعبي في خبر : لما قتل عثمان أقبل الناس إلى علي ليبايعوه , و مالوا إليه ; فمدوا يده , فكفها ; و بسطوها , فقبضها ; حتى بايعوه .
و في سائر التواريخ : أن أول من بايعه طلحة بن عبيد الله و كانت إصبعه أصيبت يوم أحد فشلت فبصر بها أعرابي حين بايع فقال ابتداء هذا الأمر يد شلاء لا يتم ; ثم بايعه الناس في المسجد .
و يروى أن الرجل كان عبيد بن ذويب , فقال : يد شلاء و بيعة لا تتم , و هذا عنى البرقي في بيته :
و لقد تيقن من تيقن غدرهم *** إذ مد أولهم يدا شلاءا
جبلة بن سحيم عن أبيه أنه قال : لما بويع علي (عليه السلام) جاء إليه المغيرة بن شعبة , فقال : إن معاوية قد علمت و قد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تنسق عرى الإسلام ثم اعزله إن بدا لك .
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أ تضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه ?
قال : لا .
قال (عليه السلام) : لا يسألني الله عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ... الخبر .
[196]
و لما بويع علي (عليه السلام) أنشأ خزيمة بن ثابت :
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا *** أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس إنه *** أطب قريش بالكتاب و بالسنن
و إن قريشا لا تشق غباره إذا *** ما جرى يوما على ضمر البدن
ففيه الذي فيهم من الخير كله *** و ما فيهم مثل الذي فيه من حسن
وصي رسول الله من دون أهله *** و فارسه قد كان في سالف الزمن
و أول من صلى من الناس كلهم *** سوى خيرة النسوان و الله ذو المنن
و صاحب كبش القوم في كل وقعة *** يكون لها نفس الشجاع لذي الذقن
فذاك الذي تثني الخناصر باسمه *** إمامهم حتى أغيب في الكفن
عطية :
رأيت عليا خير من وطئ الحصى *** و أكرم خلق الله من بعد أحمد
وصي رسول المرتضى و ابن عمه *** و فارسه المشهور في كل مشهد
تخيره الرحمن من خير أسرة *** لأطهر مولود و أطيب مولد
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا *** ببيعته بعد النبي محمد
في نتف من مزاحه (عليه السلام) :
قصد (عليه السلام) دار أم هاني متقنعا بالحديد يوم الفتح و قد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام و قيس بن السائب و ناسا من بني مخزوم ; فنادى أخرجوا من آويتم فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه .
و خرجت إليه أم هاني و هي لا تعرفه , فقالت : يا عبد الله أنا أم هاني بنت عم رسول الله و أخت أمير المؤمنين انصرف عن داري .
فقال (عليه السلام) : أخرجوهم .
فقالت : و الله لأشكونك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
فنزع المغفر عن رأسه فعرفته , فجاءت تشتد حتى ألزمته , فقالت : فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله .