فقال عمر : سمعت الثقة من الصحابة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : فاطمة بضعة مني يرضيني ما أرضاها و يسخطني ما أسخطها فو الله إني لحقيق أن أطلب رضى رسول الله و رضاه و رضاها في رضى ولدها .
بيت :
و قد علموا أن النبي يسره *** مسرتها جدا و يشني اغتمامها
قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذا يدل على عصمتها لأنها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذيا له (صلى الله عليه وآله وسلّم) على كل حال , بل كان من فعل المستحق من ذمها و إقامة الحد إن كان الفعل يقتضيه سارا له و مطيعا .
أبو ثعلبة الخشني قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة فدخل عليها فقامت إليه و اعتنقته و قبلت بين عينيه .
الأربعين عن ابن المؤذن بإسناده عن النضر بن شميل عن ميسرة عن المنهال عن
[333]
عائشة بنت طلحة عن عائشة بنت أبي بكر و في فضائل السمعاني بإسناده عن عكرمة قالا : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا قدم من مغازيه قبل فاطمة .
و رووا عن عائشة : أن فاطمة كانت إذا دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قام لها من مجلسه و قبل رأسها و أجلسها مجلسه و إذا جاء إليها لقيته و قبل كل واحد منهما صاحبه و جلسا معا .
أبو السعادات في فضائل العشرة و ابن المؤذن في الأربعين بالإسناد عن عكرمة عن ابن عباس و عن أبي ثعلبة الخشني و عن نافع عن ابن عمر قالوا : كان النبي إذا أراد سفرا كان آخر الناس عهدا بفاطمة و إذا قدم كان أول الناس عهدا بفاطمة .
و لو لم يكن لها عند الله تعالى فضل عظيم لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يفعل معها ذلك إذ كانت ولده و قد أمر الله بتعظيم الولد للوالد و لا يجوز أن يفعل معها ذلك و هو بضد ما أمر به أمته عن الله تعالى .
أبو سعيد الخدري قال : كانت فاطمة من أعز الناس على رسول الله فدخل عليها يوما و هي تصلي فسمعت كلام رسول الله في رحلها فقطعت صلاتها و خرجت من المصلى فسلمت عليه فمسح يده على رأسها و قال يا بنية كيف أمسيت رحمك الله عشينا غفر الله لك و قد فعل .
أخبار فاطمة عن أبي الصولي قال عبد الله بن الحسن : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة فقدمت له كسرة يابسة من خبز شعير , فأفطر عليها .
ثم قال : يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام .
فجعلت فاطمة تبكي و رسول الله يمسح وجهها بيده .
أبو صالح المؤذن في الأربعين بالإسناد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن الله تعالى لما أمرني أن أزوج فاطمة من علي ففعلت .
فقال لي جبرئيل : إن الله بنى جنة من لؤلؤة بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب و جعل سقوفها زبرجدا أخضر و جعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت ثم جعل غرفا لبنة من ذهب و لبنة من فضة و لبنة من در و لبنة من ياقوت و لبنة من زبرجد ثم جعل فيها عيونا تنبع من نواحيها و حف بالأنهار و جعل على الأنهار قبابا من در قد شعبت بسلاسل الذهب و حفت
[334]
بأنواع الشجر و بنى في كل غصن و جعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس و الإستبرق و فرش أرضها بالزعفران و فتق بالمسك و العنبر و جعل في كل قبة حوراء و القبة لها مائة باب على كل باب جاريتان و شجرتان في كل قبة مفرش و كتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي .
فقلت : يا جبرئيل , لمن بنى الله هذه الجنة ?
قال : بناها لعلي بن أبي طالب , و فاطمة ابنتك سوى جنانهما تحفة أتحفهما الله و لتقر بذلك عينك يا رسول الله .
ابن عبد ربه الأندلسي في العقد عن عبد الله بن الزبير في خبر عن معاوية بن أبي سفيان قال : دخل الحسن بن علي على جده (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يتعثر بذيله فأسر إلى النبي سرا فرأيته فتغير لونه .
ثم قام النبي حتى أتى فاطمة فأخذ بيدها فهزها إليه هزا قويا , ثم قال : يا فاطمة إياك و غضب علي فإن الله يغضب لغضبه و يرضى لرضاه .
ثم جاء علي فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بيده ثم هزها إليه هزا خفيفا , ثم قال : يا أبا الحسن إياك و غضب فاطمة فإن الملائكة تغضب لغضبها و ترضى لرضاها .
فقلت : يا رسول الله مضيت مذعورا و قد رجعت مسرورا .
فقال : يا معاوية كيف لا أسر و قد أصلحت بين اثنين هما أكرم الخلق .
و في رواية عبد الله بن الحارث و حبيب بن ثابت و علي بن إبراهيم : اثنين أحب من في الأرض إلي .
قال ابن بابويه : هذا غير معتمد لأنهما منزهان عن أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
الباقر و الصادق (عليهما السلام) : أنه كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة و يضع وجهه بين ثديي فاطمة و يدعو لها و في رواية حتى يقبل عرض وجنة فاطمة أو بين ثدييها .
أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي و ابن شهاب الزهري و ابن المسيب كلهم عن سعد بن أبي وقاص و أبو معاذ النحوي المروزي و أبو قتادة الحراني عن سفيان الثوري عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة و الخركوشي في شرف النبي و الأشنهي في الاعتقاد و السمعاني في الرسالة و أبو صالح المؤذن في الأربعين و أبو السعادات في الفضائل و من أصحابنا أبو عبيدة الحذاء و غيره عن الصادق (عليه السلام) : أنه كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة فأنكرت عليه بعض نسائه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنه لما عرج
[335]
بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتها و في رواية : فناولني منها تفاحة فأكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبي .
فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية ; فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي .
و دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة فرآها منزعجة , فقال لها : ما لك ?
قالت : الحميراء افتخرت على أمي أنها لم تعرف رجلا قبلك , و أن أمي عرفتها مسنة .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : إن بطن أمك كان للإمامة وعاء .
ابن عبد ربه في العقد : أن المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه فلما انتبه قص رؤياه على الربيع .
فقال : إن شريكا مخالف لك , و إنه فاطمي محضا .
قال المهدي : علي بشريك .
فأتي به .
فلما دخل عليه , قال : بلغني أنك فاطمي .
قال : أعيذك بالله أن تكون غير فاطمي , إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى .
قال : لا , و لكن أعني فاطمة بنت محمد .
قال : فتلعنها ?
قال : لا , معاذ الله .
قال : فما تقول فيمن يلعنها .
قال : عليه لعنة الله .
قال : فالعن هذا , يعني الربيع .
قال : لا و الله ما ألعنها يا أمير المؤمنين .
قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين و ابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ?
قال المهدي : فما وجه المنام ?
قال : إن رؤياك ليست برؤيا يوسف , و إن الدماء لا تستحل بالأحلام .
و أتي برجل شتم فاطمة إلى الفضل بن الربيع , فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول ?
قال : يجب عليه الحد .
قال له الفضل : هي ذا أمك , إن حددته فأمر بان يضرب ألف سوط و يصلب في الطريق .
قال ابن الحجاج في رده على مروان بن أبي حفصة :
أ كان قولك في الزهراء فاطمة *** قول امرئ لهج بالنصب مفتون
عيرتها بالرحى و الحب تطحنه *** لا زال زادك حبا غير مطحون
و قلت إن رسول الله زوجها *** مسكينة بنت مسكين لمسكين
ست النساء غدا في الحشر يخدمها *** أهل الجنان بحور الحر و العين
[336]
لغيره :
بني الضلالة دسوا *** رءوسكم في التراب
بني الضلالة أنتم *** أهل الخنى و المعاب
هجرتم آل طه و *** الحشر و الأحزاب
هجرتم من أبيها *** شفيع يوم الحساب
و زوجها أول الناس *** من قام في المحراب
فصل في معجزاتها (عليها السلام) :
في الأحياء : أنه قرأ ابن عباس و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدّث .
سليم قال : سمعت محمد بن أبي بكر قرأ و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدّث .
قلت : و هل تحدّث الملائكة إلا الأنبياء ?
قال : مريم , و لم تكن نبية ; و كانت محدثة .
و أم موسى , و لم تكن نبية و كانت محدثة .
و سارة , و قد عاينت الملائكة ; فبشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب و لم تكن نبية .
و فاطمة , كانت محدثة و لم تكن نبية .
و قد ذكر سعد القمي في بصائر الدرجات و محمد بن يعقوب الكليني : في الكافي بابا في ذلك ; منها :
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : الرسول الذي يظهر له الملك فيكلمه ; و النبي الذي يؤتى في منامه , و ربما اجتمعت النبوة و الرسالة لواحد و المحدث الذي يسمع الصوت و لا يرى الصورة .
سهل بن أبي صالح عن ابن عباس : أنه أغمي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في مرضه , فدق بابه .
فقالت فاطمة : من ذا ?
قال : أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله أ تأذنون لي في الدخول عليه .
فأجابت : امض رحمك الله لحاجتك فرسول الله عنك مشغول .
فمضى , ثم رجع فدق الباب , و قال : غريب يستأذن على رسول الله أ تأذنون للغرباء ?
فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من غشيته , فقال : يا فاطمة , أ تدرين من هذا ?
قالت : لا , يا رسول الله .
قال : هذا مفرق الجماعات و منغص اللذات , هذا ملك الموت , ما استأذن و الله على أحد قبلي و لا يستأذن لأحد من بعدي استأذن علي لكرامتي على الله , ائذني له .
[337]
فقالت : ادخل رحمك الله .
فدخل كريح هفافة , و قال : السلام على أهل بيت رسول الله .
فأوصى النبي إلى علي بالصبر عن الدنيا , و بحفظ فاطمة , و بجمع القرآن , و بقضاء دينه , و بغسله , و أن يعمل حول قبره حائطا , و يحفظ الحسن و الحسين .
أبو عبيدة عن الصادق (عليه السلام) قال : بكت فاطمة على أبيها خمسة و سبعين يوما , و كان جبرئيل يأتيها و يخبرها بحال أبيها و يعزيها , و يخبرها بالحوادث بعدها , و كان علي (عليه السلام) يكتب ذلك و هذا كقوله تعالى فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي .
أبو علي الصولي في أخبار فاطمة و أبو السعادات في فضائل العشرة بالإسناد عن أبي ذر الغفاري قال : بعثني النبي أدعو عليا فأتيت بيته و ناديته , فلم يجبني .
فأخبرت النبي , قال : عد إليه فإنه في البيت .
فأتيت و دخلت عليه , فرأيت الرحى تطحن و لا أحد عندها .
فقلت : لعلي إن النبي يدعوك .
فخرج متوشحا حتى أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما رأيت , فقال : يا أبا ذر لا تعجب فإن لله ملائكة سياحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد .
الحسن البصري و ابن إسحاق عن عمار و ميمونة أن كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة و الرحى تدور .
فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بذلك , فقال : إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت . و قد رواه أبو القاسم البستي في مناقب أمير المؤمنين و أبو صالح المؤذن في الأربعين عن الشعبي بإسناده عن ميمونة و ابن فياض في شرح الأخبار .
و روي : أنها (عليها السلام) ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرك و كان ملك يحركه .
محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : بعث رسول الله سلمان إلى فاطمة فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت ; فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا , و تدور الرحى من برا , ما عندها أنيس .
و قال في آخر الخبر : فتبسم رسول الله , و قال : يا سلمان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها و جوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكا
[338]
اسمه زوقابيل و في خبر آخر : جبرئيل فأدار لها الرحى و كفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة .
ابن حماد :
و قالت أم أيمن : جئت يوما *** إلى الزهراء في وقت الهجير
فلما أن دنوت سمعت صوتا *** و طحنا في الرحى له الهدير
فجئت الباب أقرعه مليا *** فما من سامع أو من مجير
إذ الزهراء نائمة سكوت *** و طحن للرحاء بلا مدير
فجئت المصطفى فقصصت شأني *** و ما عاينت من أمر ذعور
فقال المصطفى شكرا لربي *** بإتمام الحباء لها جدير
رآها الله متعبة فألقى *** عليها النوم ذو المن الكبير
و وكل بالرحى ملكا مديرا *** فعدت و قد ملئت من السرور
علي بن معمر قال : خرجت أم أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة , و قالت : لا أرى المدينة بعدها .
فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها .
قال : فكسرت عينيها نحو السماء , ثم قالت : يا رب , أ تعطشني و أنا خادمة بنت نبيك ?
قال : فنزل إليها دلو من ماء الجنة , فشربت , و لم تجع , و لم تطعم سنين .
مالك بن دينار : رأيت في مودع الحج امرأة ضعيفة على دابة نحيفة و الناس ينصحونها , لتنكص .
فلما توسطنا البادية , كلت دابتها فعذلتها في إتيانها ; فرفعت رأسها إلى السماء , و قالت : لا في بيتي تركتني و لا إلى بيتك حملتني , فو عزتك و جلالك لو فعل بي هذا غيرك لما شكوته إلا إليك .
فإذا شخص أتاها من الفيفاء و في يده زمام ناقة .
فقال لها : اركبي .
فركبت , و سارت الناقة كالبرق الخاطف .
فلما بلغت المطاف رأيتها تطوف .
فحلفتها , من أنت ?
فقالت : أنا شهرة بنت مسكة بنت فضة خادمة الزهراء (عليها السلام) .
الثعلبي في تفسيره و ابن المؤذن في الأربعين بإسنادهما عن محمد بن المنكدر
[339]
عن جابر بن عبد الله : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أقام أياما لم يطعم طعاما و جاء إلى منازل أزواجه فلم يصب شيئا , فجاء إلى فاطمة ... القصة بطولها : فإذا جفنة تفور فيها طعام .
فقال أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ .
فقال النبي الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رآه زكريا لمريم كان إذا دخل عليها وجد عندها رزقا ; فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا ?
فتقول : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب .
و رهنت (عليها السلام) كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة و استقرضت الشعير :
فلما دخل زيد داره , قال : ما هذه الأنوار في دارنا ?
قالت : لكسوة فاطمة .
فأسلم في الحال , و أسلمت امرأته و جيرانه , حتى أسلم ثمانون نفسا .
و سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاتما .
فقال : أ لا أعلمك ما هو خير من الخاتم ?
إذا صليت صلاة الليل فاطلبي من الله عز و جل خاتما , فإنك تنالين حاجتك .
قالت : فدعت ربها تعالى , فإذا بهاتف يهتف , يا فاطمة : الذي طلبت مني تحت المصلى .
فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له , فجعلته في إصبعها و فرحت .
فلما نامت في ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة , فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها , قالت : لمن هذه القصور ?
قالوا : لفاطمة بنت محمد .
قالت : فكأنها دخلت قصرا من ذلك و دارت فيه فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم .
فقالت : ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة ?
قالوا : لأن صاحبته طلبت من الله تعالى خاتما فنزع أحد القوائم و صيغ لها خاتم و بقي السرير على ثلاث قوائم .
فلما أصبحت دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قصت القصة .
فقال النبي : معاشر آل عبد المطلب ليس لكم الدنيا إنما لكم الآخرة و ميعادكم الجنة ما تصنعون بالدنيا فإنها زائلة غرارة .
فأمرها النبي أن ترد الخاتم تحت المصلى , فردت .
ثم نامت على المصلى , فرأت في المنام أنها دخلت الجنة فدخلت ذلك القصر و رأت السرير على أربع قوائم .
فسألت عن حاله .
فقالوا : ردت الخاتم و رجع السرير إلى هيئته .
أبو جعفر الطوسي في اختيار الرجال عن أبي عبد الله (عليه السلام) و عن سلمان الفارسي : أنه لما استخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر , فقالت : خلوا عن ابن عمي فو الذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا لأنشرن شعري و لأضعن
[340]
قميص رسول الله على رأسي و لأصرخن إلى الله تعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي .
قال سلمان : فرأيت و الله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ .
فدنوت منها , و قلت : يا سيدتي و مولاتي إن الله تبارك و تعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة .
فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا .
المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) في خبر : أن خديجة لما تزوج بها رسول الله هجرها نساء مكة , فاستوحشت لذلك .
فلما حملت بفاطمة , كانت فاطمة تحدثها من بطنها , فسمع ذلك يوما رسول الله .
فقال : يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني أنها ابنتي , و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله سيجعل نسلي منها .
قال : فلما حضرت ولادتها , اغتمت .
فدخل عليها أربع نسوة سمر طوال , فقالت إحداهن : لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك , و نحن أخواتك , و أنا سارة ; و هذه آسية ; و هذه مريم ; و هذه كلثوم أخت موسى ; فجلسن عندها , فوضعت فاطمة طاهرة , فأشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة .
و دخل عشر من الحور العين معهن الأباريق و الطاس و في الأباريق ماء من الكوثر فغسلتها به و لففتها في خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن و أطيب ريحا من المسك ; فنطقت فاطمة , و قالت : أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله سيد الأنبياء و أن بعلي سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط .
ثم سلمت عليهن , و سمت كل واحدة باسمها , و تباشرت الحور العين فقلن خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها .
فكانت تنمو في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر .
ابن حماد :
زوجه بفاطم بأمر رب العالم *** على اغترام الراغم أبرأ إلى الله أنا
و الله لم يرض لها في الخلق إلا شكلها *** و من يضاهي فعلها و هو علي ذو الحجى
[341]
طيبة لطيب تفرغا لمنصب *** مطهر مهذب قد شرفا على الورى
فصل في سيرتها :
حلية أبي نعيم و مسند أبي يعلى قالت عائشة : ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها و رويا : أنه كان بينهما شيء , فقالت عائشة : يا رسول الله سلها , فإنها لا تكذب . و قد روى الحديثين عطاء و عمرو بن دينار .
الحسن البصري : ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورم قدماها ; و قال النبي لها أي شيء خير للمرأة ?
قالت : أن لا ترى رجلا , و لا يراها رجل .
فضمها إليه , و قال : ذرية بعضها من بعض .
برة طيبة طاهرة *** مريم الكبرى عفافا و ورع
عمرو بن دينار عن الباقر (عليه السلام) قال : ما رؤيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى قبضت .
و في الحلية الأوزاعي عن الزهري قال : لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله حتى مجلت يداها و طب الرحى في يدها .
و في الصحيحين : أن عليا (عليه السلام) قال أشتكي مما أندأ بالقرب .
فقالت فاطمة (عليها السلام) : و الله إني أشتكي يدي مما طحن بالرحى .
و كان عند النبي (عليه السلام) أسارى , فأمرها أن تطلب من النبي خادما .
فدخلت على النبي و سلمت عليه و رجعت .
فقال أمير المؤمنين : ما لك ?
قالت : و الله ما استطعت أن أكلم رسول الله من هيبته .
فانطلق علي معها إلى النبي , فقال لهما : جاءت بكما حاجة .
فقال علي : مجاراتهما .
فقال : لا , و لكني أبيعهم و أنفق أثمانهم على أهل الصفة , و علمها تسبيح الزهراء .
كتاب الشيرازي : أنها لما ذكرت حالها و سألت جارية بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) , فقال يا فاطمة : و الذي بعثني بالحق إن في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام و لا ثياب
[342]
و لو لا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت ; يا فاطمة إني لا أريد أن ينفك عنك أجرك إلى الجارية و إني أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله عز و جل إذا طلب حقه منك ; ثم علمها صلاة التسبيح .
فقال أمير المؤمنين : مضيت تريدين من رسول الله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة .
قال أبو هريرة : فلما خرج رسول الله من عند فاطمة أنزل الله على رسوله وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها يعني عن قرابتك و ابنتك فاطمة ابْتِغاءَ يعني طلب رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ يعني رزقا من ربك ترجوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً يعني قولا حسنا .
فلما نزلت هذه الآية أنفذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جارية إليها للخدمة , و سماها : فضة .
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) و تفسير القشيري عن جابر الأنصاري : أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة و عليها كساء من أجلة الإبل و هي تطحن بيديها و ترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) , فقال يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة .
فقالت : يا رسول الله , الحمد لله على نعمائه و الشكر لله على آلائه فأنزل الله وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى .
أبو منصور الكاتب في كتاب الروح و الريحان عن أبي ذر في خبر : أن فاطمة (عليها السلام) رأت رأس علي في حجر جارية أهداها جعفر مع أربعة آلاف درهم إليه .