back page fehrest page next page

ثم قال : أ لا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين المؤمنين فضحكت لذلك .

الحميري :

إنها أسرع أهل بيته و *** لحاقا بي فلا تفشي الجزع

‏فمضى و اتبعته والها *** بعد غيض جرعته و وجع

و روي : أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة ; أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما , فلا يدعكما تمشيان على الأرض و لا أراه يفتح هذا الباب أبدا و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما .

ثم مرضت و مكثت أربعين ليلة ثم دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و عليا (عليه السلام) و أوصت إلى علي بثلاث : أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها , و أن يتخذ نعشا كأنها كانت رأت الملائكة تصوروا صورته و وصفته له , و أن لا يشهد أحد جنازتها ممن ظلمها و أن لا يترك أن يصلى عليها أحد منهم .

و ذكر مسلم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة و في حديث الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن عائشة في خبر طويل يذكر فيه : أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول الله ... القصة .

قال و : هجرته

[363]

و لم تكلمه حتى توفيت , و لم تؤذن أبا بكر يصلي عليها .

الواقدي : أن فاطمة لما حضرتها الوفاة أوصت عليا أن لا يصلي عليها أبو بكر و عمر فعمل بوصيتها .

عيسى بن مهران عن مخول بن إبراهيم عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن ابن جبير عن ابن عباس قال : أوصت فاطمة أن لا يعلم إذا ماتت أبو بكر و لا عمر و لا يصليا عليها .

قال : فدفنها علي ليلا و لم يعلمهما بذلك .

تاريخ أبي بكر بن كامل قالت عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله ستة أشهر ; فلما توفيت دفنها علي ليلا و صلى عليها .

و روى فيه عن سفيان بن عيينة و عن الحسن بن محمد و عبد الله بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن معمر عن الزهري : أن فاطمة دفنت ليلا .

و عنه في هذا الكتاب : أن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين دفنوها ليلا و غيبوا قبرها .

و في تاريخ الطبري : أن فاطمة دفنت ليلا و لم يحضرها إلا العباس و علي و المقداد و الزبير .

و في رواياتنا : أنه صلى عليها أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و عقيل و سلمان و أبو ذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل و في رواية : و حذيفة و ابن مسعود .

الأصبغ بن نباتة : أنه سئل أمير المؤمنين عن دفنها ليلا فقال إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها ; و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها .

و روي : أنه سوى قبرها مع الأرض مستويا و قالوا سوى حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها و روي : أنه رش أربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره فيصلوا عليها .

سلامة الموصلي :

لما قضت فاطم الزهراء غسلها *** عن أمرها بعلها الهادي و سبطاها

و قام حتى أتى بطن البقيع بها *** ليلا فصلى عليها ثم واراها

و لم يصل عليها منهم أحد *** حاشا لها من صلاة القوم حاشاها

الحميري :

و فاطم قد أوصت بأن لا يصليا *** عليها و أن لا يدنو من رجا القبر

عليا و مقدادا و أن يخرجوا بها *** رويدا بليل في سكون و في سر

[364]

ابن حماد :

و قد أوصت أبا حسن عليا *** بحقي أن على الأرجاس تغشى

‏فغسلها الوصي أبو حسين *** و واراها و جنح الليل مغش

أبو عبد الله حمويه بن علي البصري و أحمد بن حنبل و أبو عبد الله بن بطة بأسانيدهم قالت أم سلمى امرأة أبي رافع : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها و كنت أمرضها فأصبحت يوما أسكن ما كانت فخرج علي إلى بعض حوائجه .

فقالت : اسكبي لي غسلا فسكبت و قامت و اغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ثم لبست أثوابها الجدد .

ثم قالت : افرشي فراش وسط البيت ثم استقبلت القبلة و نامت , و قالت أنا مقبوضة و قد اغتسلت فلا يكشفني أحد , ثم وضعت خدها على يدها و ماتت .

و قالت أسماء بنت عميس أوصت إلي فاطمة ألا يغسلها إذا ماتت إلا أنا و علي فأعنت عليا على غسلها .

كتاب البلاذري : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) غسلها من معقد الإزار و إن أسماء بنت عميس غسلتها من أسفل ذلك .

أبو الحسن الخزاز القمي في الأحكام الشرعية : سئل أبو عبد الله عن فاطمة من غسلها فقال غسلها أمير المؤمنين لأنها كانت صديقة لم يكن ليغسلها إلا صديق .

تهذيب الأحكام سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن أول من جعل له النعش قال فاطمة بنت رسول الله (عليها السلام) .

و في رواية عبد الرحمن : أنها قالت لأسماء استريني سترك الله من النار يعني بالنعش .

و روي : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عند دفنها (عليها السلام) السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك ; قل عن صفيتك صبري ; و رق فيها تجلدي ; إلا أن في التأسي بعظيم فرفتك و فادح مصيبتك موضع تعز , فلقد وسدتك في ملحود قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك , إنا لله و إنا إليه راجعون ; فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة , أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها

[365]

مقيم و ينقلني من الإكدار و التأثيم , و ستنبئك ابنتك فأحفها السؤال و استخبرها الحال , هذا و لم يطل العهد و لم يخلق الذكر و السلام عليكما سلام مودع لا قال و لا سئم فإن أنصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين .

و روي : أنه لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولها و انصرف .

عبد الرحمن الهمداني و حميد الطويل : أنه (عليه السلام) أنشأ على شفير قبرها :

ذكرت أبا ودي فبت كأنني *** برد الهموم الماضيات وكيل

‏لكل اجتماع من خليلين فرقة *** و كل الذي دون الفراق قليل

‏و إن افتقادي فاطم بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل

فأجاب هاتف :

يريد الفتى أن لا يدوم خليله *** و ليس له إلا الممات سبيل

‏فلا بد من موت و لا بد من بلى *** و إن بقائي بعدكم لقليل‏

إذ انقطعت يوما من العيش مدتي *** و إن بكاء الباكيات قليل

‏ستعرض عن ذكري و تنسى مودتي *** و يحدث بعدي للخليل بديل

قال أبو جعفر الطوسي : الأصوب أنها مدفونة في دارها أو في الروضة يؤيد قوله :

قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة و في البخاري : بين بيتي و منبري و في الموطأ و الحلية و الترمذي و مسند أحمد بن حنبل : ما بين بيتي و منبري .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : منبري على ترعة من ترع الجنة .

و قالوا حد الروضة ما بين القبر إلى المنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد .

أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قبر فاطمة .

فقال : دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد .

يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال : دخلت على فاطمة فبدأتني بالسلام ثم قالت ما غدا بك ?

قلت : طلب البركة .

قالت : أخبرني أبي و هو ذا من سلم عليه و علي ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة .

قلت لها : في حياته و حياتك ?

قالت : نعم , و بعد موتنا .

[366]

نظم :

نفسي تقر بأنها *** يوم القيامة غانمه

‏بنبيها و وصيها *** و السيدين و فاطمه

ديك الجن :

يا قبر الذي فاطمة ما مثله *** قبرا بطيبة طاب فيه مبيتا

إذ فيك حلت زهرة الدنيا التي *** بحلي محاسن وجهها حليتا

فسقى ثراك الغيث ما بقيت به *** نور القبور بطيبة و بقيتا

فلقد برياها ظللت مطيبا *** و غداك مسكا في الأنوف قتيتا

[367]

باب إمامة السبطين (عليهما السلام)

فصل في الاستدلال على إمامتهما :

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ و لا اتباع أحسن من اتباع الحسن و الحسين .

و قال تعالى أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فقد ألحق الله بهما ذريتهما برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و شهد بذلك كتابه ; فوجب لهم الطاعة بحق الإمامة مثل ما وجب للنبي لحق النبوة .

و قال تعالى حكاية عن حملة العرش الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ و قال أيضا وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ .

و لا يسبق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في فضيلة , و ليس أحق بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه و ذريته ; فقد وجب لهم الإمامة .

و يستدل على إمامتهما بما رواه الطريقان المختلفان و الطائفتان المتباينتان من نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على إمامة الاثني عشر .

و إذا ثبت ذلك فكل من قال بإمامة الاثني عشر قطع على إمامتهما .

و يدل أيضا : ما ثبت بلا خلاف أنهما دعوا الناس إلى بيعتهما , و القول بإمامتهما , فلا يخلو من أن يكونا محقين أو مبطلين .

فإن كانا محقين ; فقد ثبتت إمامتهما .

و إن كانا مبطلين , وجب القول بتفسيقهما و تضليلهما ; و هذا لا يقوله مسلم .

و يستدل أيضا بأن طريق الإمامة لا يخلو إما أن يكون هو النص أو الوصف و الاختيار ; و كل ذلك قد حصل في حقهما . فوجب القول بإمامتهما .

و يستدل أيضا بما قد ثبت بأنهما خرجا و ادعيا و لم يكن في زمانهما غير معاوية و يزيد , و هما , قد ثبت فسقهما , بل كفرهما . فيجب أن تكون الإمامة للحسن و الحسين .

و يستدل أيضا بإجماع أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أجمعوا على إمامتهما , و إجماعهم حجة , و يستدل بالخبر المشهور :

أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا .

أوجب لهما الإمامة بموجب القول , سواء نهضا بالجهاد أو قعدا عنه ; دعوا إلى أنفسهما أو تركا ذلك .

و طريقة العصمة , و النصوص , و كونهما أفضل الخلق , يدل : على إمامتهما .

[368]

و كانت الخلافة في أولاد الأنبياء , و ما بقي لنبينا (عليه السلام) ولد سواهما ; و من برهانهما : بيعة رسول الله لهما و لم يبايع صغيرا غيرهما , و نزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة عن عملهما مع ظاهر الطفولية منهما قوله تعالى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ ... الآيات , فعمهما بهذا القول مع أبويهما ; و إدخالهما في المباهلة قال ابن علان المعتزلي : هذا يدل على أنهما كانا مكلفين في تلك الحال , لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين .

و قال أصحابنا : إن صغر السن عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل و بلوغ الحلم حد لتعلق الأحكام الشرعية فكان ذلك لخرق العادة . فثبت بذلك أنهما كانا حجة الله لنبيه في المباهلة مع طفوليتهما و لو لم يكونا إمامين لم يحتج الله بهما مع صغر سنهما على أعدائه , و لم يتبين في الآية ذكر قبول دعائهما , و لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وجد من يقوم مقامهم غيرهم لباهل بهم , أو جمعهم معهم . فاقتصاره عليهم يبين فضلهم و نقص غيرهم .

و قد قدمهم في الذكر على الأنفس ليبين عن لطف مكانهم , و قرب منزلتهم , و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس , معدون بها , و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه : أنهم أفضل خلق الله .

و اعلم أن الله تعالى قال في التوحيد و العدل قُلْ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ .

و في النبوة و الإمامة فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ .

و في الشرعيات و الأحكام قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ و قد أجمع المفسرون بأن المراد بأبنائنا الحسن و الحسين .

قال أبو بكر الرازي : هذا يدل على أنهما ابنا رسول الله و أن ولد الابنة ابن على الحقيقة .

و حديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه و قال هذا حديث حسن .

و ذكر مسلم : أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسب أبا تراب فذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... الخبر .

و قوله لأعطين الراية غدا رجلا ... الخبر .

و قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ ... القصة .

و قد رواه أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس بإسناده عن سعد بن أبي وقاص : قال لعلي ثلاث فلأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ثم روى الخبر بعينه .

و في أخرى لمسلم قال سعد بن أبي وقاص : لما نزلت قوله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول

[369]

الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و قال اللهم هؤلاء أهلي .

أبو نعيم الأصفهاني في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال الشعبي قال جابر : أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رسول الله و علي و أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الحسن و الحسين وَ نِساءَنا فاطمة .

و روى الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه و روى ابن البيع في معرفة علوم الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس و روى مسلم في الصحيح و الترمذي في الجامع و أحمد بن حنبل في المسند و في الفضائل أيضا و ابن بطة في الإبانة و ابن ماجة القزويني في السنن و الأشنهي في اعتقاد أهل السنة و الخركوشي في شرف النبي و قد رواه محمد بن إسحاق و قتيبة بن سعيد و الحسن البصري و محمود الزمخشري و ابن جرير الطبري و القاضي أبو يوسف و القاضي المعتمد أبو العباس و روي عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و الحسن و أبي صالح و الشعبي و الكلبي و محمد بن جعفر بن الزبير و أسد .

أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني عن شهر بن حوشب و عن عمر بن علي و عن الكلبي و عن أبي صالح و عن ابن عباس و عن الشعبي و عن الثمالي و عن شريك و عن جابر و عن أبي رافع و عن الصادق و عن الباقر و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد اجتمعت الإمامية و الزيدية مع اختلاف رواياتهم على ذلك و مجمع الحديث من الطرق جميعا : إن وفد نجران كانوا أربعين رجلا , و فيهم : السيد , و العاقب , و القيس , و الحارث , و عبد المسيح بن يونان أسقف نجران .

فقال الأسقف : يا أبا القاسم , موسى , من أبوه ?

قال : عمران .

قال : فيوسف , من أبوه ?

قال : يعقوب .

قال : فأنت , من أبوك ?

قال : أبي عبد الله بن عبد المطلب .

قال : فعيسى , من أبوه ?

فأعرض النبي عنهم , فنزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ ... الآية .

فتلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) , فغشي عليه , فلما أفاق قال : أ تزعم أن الله تعالى أوحى إليك أن عيسى خلق من تراب ? ما نجد هذا فيما أوحي إليك , و لا نجده فيما أوحي إلينا , و لا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم .

فنزل فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ... الآية .

قال : أنصفتنا يا أبا القاسم ; فمتى نباهلك ?

فقال : بالغداة إن شاء الله .

و انصرف النصارى .

فقال السيد للحارث ما تصنعون بمباهلته ?

[370]

قال : إن كان كاذبا ما نصنع بمباهلته شيئا , و إن كان صادقا لنهلكن .

فقال الأسقف : إن غدا فجاء بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته , و إن غدا بأصحابه فليس بشي‏ء .

فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) محتضنا الحسين , آخذا بيد الحسن , و فاطمة تمشي خلفه , و علي خلفها .

و في رواية : آخذ بيد علي , و الحسن و الحسين بين يديه , و فاطمة تتبعه .

ثم جثا بركبتيه , و جعل عليا أمامه بين يديه , و فاطمة بين كتفيه , و الحسن عن يمينه , و الحسين عن يساره , و هو يقول لهم : إذا دعوت فأمنوا .

فقال الأسقف : جثا و الله محمد كما يجثو الأنبياء للمباهلة , و خافوا .

فقالوا : يا أبا القاسم , أقلنا أقال الله عثرتك .

فقال : نعم قد أقلتكم .

فصالحوه على ألفي حلة , و ثلاثين درعا , و ثلاثين فرسا , و ثلاثين جملا .

و لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا , حتى رجعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أسلما .

و أهدى العاقب له حلة و عصا و قدحا و نعلين .

و روي أنه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران , و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضرم عليهم الوادي نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

و في رواية : لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم نارا تأجج ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تأججا .

و في رواية : لو لاعنوني لقلعت دار كل نصراني في الدنيا .

و في رواية : أما و الذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول و بحضرتهم منهم بشر .

و كانت المباهلة : يوم الرابع و العشرين من ذي الحجة .

و روي : يوم الخامس و العشرين , و الأول أظهر .

الحميري :

تعالوا ندع أنفسنا فندعو *** جميعا و الأهالي و البنينا

و أنفسكم فنبتهل ابتهالا *** إليه ليلعن المتكبرينا

فقد قال النبي و كان طبا *** بما يأتي و أزكى القائلينا

إذا جحدوا الولاء فباهلوهم *** إلى الرحمن تأتوا غالبينا

[371]

و له :

و لقد عجبت لقائل لي مرة *** علامة فهم من الفهماء

أ هجرت قومك طاعنا في دينهم *** و سلكت غير مسالك الفقهاء

أ لا مزجت بحب آل محمد *** حب الجميع فكنت أهل وفاء

فأجبته بجواب غير مباعد *** للحق ملبوس عليه غطاء

أهل الكساء أحبتي فهم الذوا *** فرض الإله لهم علي ولائي

‏و لمن أحبهم و والى دينهم *** فلهم على مودة بصفاء

و العاندون لهم عليهم لعنتي *** و أخصهم مني بقصد هجاء

و له أيضا :

أ و لم يقل للمشركين و كذبوا *** بالوحي و اتخذوا الهدى سخريا

قوموا بأنفسنا و أنفسكم معا *** و نسائنا و بنيكم و بنيا

ندعو فنجعل لعنة الله التي *** تغشى الظلام العاند المشنيا

نصب الكساء فكان فيه خمسة *** خير البرية كلها إنسيا

و له أيضا :

و في أهل نجران عشية أقبلوا *** إليه و حجوا بالمسيح فأبدعوا

و ردوا عليه القول كفرا و كذبوا *** و قد سمعوا ما قال فيه و ارعووا

فقالوا تعالوا ندعو أبناءنا معا *** و أبناءكم ثم النساء فاجمعوا

و أنفسنا ندعو و أنفسكم معا *** ليجمعنا فيه من الأصل مجمع

‏فقالوا نعم فاجمع نباهلك بكرة *** و للقوم فيه شرة و تسرع

‏فجاءوا و جاء المصطفى و ابن عمه *** و فاطم و السبطان كي يتضرعوا

إلى الله في الوقت الذي كان بينهم *** فلما رأوهم أحجموا و تضعضعوا

و له أيضا :

و بكرن علقمة النصارى إذ عتت *** في عزها و الباذخ المتعقد

إذ قال كرز هاؤموا أبناءكم *** و نساءكم حتى نباهل في غد

فأتى النبي بفاطم و وليها *** و حسين و الحسن الكريم المصعد

[372]

جبريل سادسهم فأكرم سادس *** و أخير منتجب لأفضل مشهد

مذهبة العوني :

أ ما سمعتم خبر المباهلة *** أ ما علمتم أنها مفاضله

‏بين الورى فهل رأى من عادله *** في الفضل عند ربه ما حامله

‏فيها و لا قربه نجيا

إذ كان غير ناطق عن الهوى *** ‏إلا بأمر مبرم من ذي العلى

فكيف أقصاهم و أدنى المحتوى *** ‏إذا لقد ضل ضلالا و غوى

و لم يكن حاشا له غويا

و له :

هذا و قد شبهه هارون من *** موسى فهل لملكهم مثالها

هذا و قد شاركه يوم العباء *** في نفسه فابتهل ابتهالها

و ليلة الفراش من قال لها *** قال علي مسرعا أنا لها

ابن الرومي :

من مثل عترة أحمد و وصيه *** و الخلق و الخلق المهذب و الحجى

الصاحب :

أفي رفعه يوم التباهل قدره *** و ذلك مجد ما علمت مواظب

‏أفي ضمه يوم الكساء و قوله *** هم أهل بيتي حين جبريل حاسب

ابن الرومي :

قوم بهم قام النبي مباهلا *** و عليهم مد النجاد الأحرجا

عرج الأمين أخا من حبه *** و أبى بغير أخوه أن يعرجا

خطيب منيح :

تعالوا ندع أنفسنا جميعا *** و أهلينا الأقارب و البنينا

فنجعل لعنة الله ابتهالا *** على أهل العناد الكاذبينا

back page fehrest page next page