[58]
ظلمنا و غصبنا حقنا إنك سميع قريب .
فقال محمد بن الأشعث : و أي قرابة بينك و بين محمد ?
فقرأ الحسين (عليه السلام) : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ; ثم قال : اللهم أرني فيه في هذا اليوم ذلا عاجلا .
فبرز ابن الأشعث للحاجة فلسعته عقرب على ذكره فسقط و هو يستغيث و يتقلب على حدثه .
و روى أبو مخنف عن الجلودي : أن الحسين حمل على الأعور السلمي و عمرو بن الحجاج الزبيدي و كانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة و أقحم الفرس على الفرات فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال (عليه السلام) أنت عطشان و أنا عطشان و الله لا أذوق الماء حتى تشرب فلما سمع الفرس كلام الحسين شال رأسه و لم يشرب كأنه فهم الكلام فقال الحسين اشرب فأنا أشرب فمد الحسين يده فغرف من الماء فقال فارس يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء و قد هتكت حرمتك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة .
و روى أبو مخنف عن الجلودي : أنه كان صرع الحسين فجعل فرسه يحامي عنه و يثب على الفارس فيخبطه عن سرجه و يدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلا ثم تمرغ في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض .
القاسم بن الأصبغ : قلت لرجل من بني دارم ما غير صورتك قال قتلت رجلا من أصحاب الحسين و ما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني في منامي آت فينطلق بي إلى جهنم فيقذف بي فيها حتى أصبح قال فسمعت بذلك جارة له فقالت ما يدعنا ننام الليل من صاحبه .
إبانة ابن بطة و جامع الدار قطني و فضائل أحمد روى قرة بن أعين عن خاله قال : كنت عند أبي رجاء العطاردي فقال لا تذكروا أهل البيت إلا بخير فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء و كان يسب الحسين (عليه السلام) و أهوى الله عليه نجمين فعميت عيناه .
و سئل عبد الله الرياح القاضي الأعمى عن عمائه فقال : كنت حضرت كربلاء و ما
[59]
قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي أجب رسول الله فقلت لا أطيق فجرني إلى رسول الله فوجدته حزينا و في يده حربة و بسط قدامه نطع و ملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم ثم يحيون و يقتلهم أيضا هكذا فقلت السلام عليك يا رسول الله و الله ما ضربت بسيف و لا طعنت برمح و لا رميت سهما فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ لست كثرت السواد فسلمني و أخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم فاحترقت عيناي فلما انتبهت كنت أعمى .
أمالي الطوسي قال السدي لرجل : أنت تبيع القطران قال و الله ما رأيت القطران إلا أنني كنت أبيع المسمار في عسكر عمر بن سعد في كربلاء فرأيت في منامي رسول الله و علي بن أبي طالب يسقيان الشهداء فاستسقيت عليا فأبى فأتيت النبي فاستسقيت فنظر إلي و قال أ لست ممن أعان علينا فقلت يا رسول الله إنني محترق و و الله ما حاربتهم فقال اسقه قطرانا فسقاني شربة قطران فلما انتبهت كنت أبول ثلاثة أيام القطران ثم انقطع و بقيت رائحته .
أبو عبد الله الدامغاني في شوف العروس : أنه أنهم تذاكروا ليلة أمر الحسين و أنه من قتله رماه الله ببلية في جسده فقال رجل فأنا ممن قتله و ما أصابني سوء ثم إنه قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفه فخرج صارخا حتى ألقى نفسه في الفرات فو الله رأيناه يدخل رأسه الماء و النار على وجه الماء فإذا خرج رأسه سرت النار إليه و كان ذلك دأبه حتى هلك .
كنز المذكرين قال الشعبي : رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة و هو يقول اللهم اغفر لي و لا أراك تغفر لي فسألته عن ذنبه فقال كنت من الوكلاء على رأس الحسين (عليه السلام) و كان معي خمسون رجلا فرأيت غمامة بيضاء من نور قد نزلت من السماء إلى الخيمة و جمعا كثيرا أحاطوا بها فإذا فيهم آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ثم نزلت أخرى و فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و جبرائيل و ميكائيل و ملك الموت فبكى النبي و بكوا معه جميعا فدنا ملك الموت و قبض تسعا و أربعين فوثب علي رجل فوثبت على رجلي و قلت يا رسول الله الأمان الأمان فو الله ما شايعت في قتله و لا رضيت فقال ويحك و أنت تنظر إلى ما يكون فقلت نعم فقال يا ملك الموت خل عن قبض روحه فإنه لا بد أن يموت يوما .
[60]
فتركني و خرجت إلى هذا الموضع تائبا على ما كان مني .
النطنزي في الخصائص : لما جاءوا برأس الحسين و نزلوا منزلا يقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته إلى الرأس فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه و يصعد إلى السماء فأتاهم بعشرة آلاف درهم و أخذ الرأس و أدخله صومعته فسمع صوتا و لم ير شخصا قال طوبى لك و طوبى لمن عرف حرمته فرفع الراهب رأسه و قال يا رب بحق عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلم معي فتكلم الرأس و قال يا راهب أي شيء تريد قال من أنت قال أنا ابن محمد المصطفى و أنا ابن علي المرتضى و أنا ابن فاطمة الزهراء و أنا المقتول بكربلاء أنا المظلوم أنا العطشان فسكت فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول أنا شفيعك يوم القيامة فتكلم الرأس فقال ارجع إلى دين جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال الراهب أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فقبل له الشفاعة فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس و الدراهم فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة .
الجوهري الجرجاني :
حتى يصيح بقنسرين صاحبها *** يا فرقة الغي يا حزب الشياطين
أ تهزءون برأس بات منتصبا *** على القناة بدين الله يوميني
آمنت ويحكم بالله مهتديا *** و بالنبي و حب المرتضى ديني
فجدلوه صريعا فوق وجنته *** و قسموه بأطراف السكاكين
و في أثر عن ابن عباس : أن أم كلثوم قالت لحاجب ابن زياد ويلك هذه الألف درهم خذها إليك و اجعل رأس الحسين أمامنا و اجعلنا على الجمال وراء الناس ليشتغل الناس بنظرهم إلى رأس الحسين عنا فأخذ الألف و قدم الرأس فلما كان الغد أخرج الدراهم و قد جعلها الله حجارة سوداء مكتوب على أحد جانبيها وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ و على الجانب الآخر وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
تاريخ البلاذري و الطبري : أن الحضرمية امرأة خولي بن يزيد الأصبحي قالت وضع خولي رأس الحسين تحت إجانة في الدار فو الله ما زلت أنظر إلى
[61]
نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة و رأيت طيرا يرفرف حولها .
روى أبو مخنف عن الشعبي : أنه صلب رأس الحسين بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس و قرأ سورة الكهف إلى قوله إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا و في أثر أنهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ و سمع أيضا صوته بدمشق يقول لا قوة إلا بالله و سمع أيضا يقرأ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فقال زيد بن أرقم أمرك أعجب يا ابن رسول الله .
كتاب ابن بطة و الترمذي و خصائص النطنزي و اللفظ للأول عن عمارة بن عمير : أنه لما جيء برأس ابن زياد و رءوس أصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم و الناس يقولون قد جاءت قد جاءت قال فجاءت حية تتخلل الرءوس حتى دخلت في منخره ثم خرجت من المنخر الآخر ثم قالوا قد جاءت جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا .
أبو مخنف في رواية : لما دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كل طيب و لما نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمر من الصبر و لما قتل الحسين صار الورس دما و انكسفت الشمس إلى ثلاثة أسبات و ما في الأرض حجر إلا و تحته دم و ناحت عليه الجن كل يوم فوق قبر النبي إلى سنة كاملة .
دلائل النبوة عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل و أمالي أبي عبد الله النيسابوري أيضا : أنه لما قتل الحسين و احتز رأسه قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ و يتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بالدم :
أ ترجو أمة قتلت حسينا *** شفاعة جده يوم الحساب
قال فهربوا و تركوا الرأس ثم رجعوا و في كتاب ابن بطة أنهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة .
و قال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة فوجد فيها لوح من ذهب فيه مكتوب هذا البيت و بعده :
فقد قدموا عليه بحكم جور *** فخالف حكمهم حكم الكتاب
[62]
ستلقى يا يزيد غدا عذابا *** من الرحمن يا لك من عذاب
فسألناهم : منذ كم هذا في كنيستكم ?
فقالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام .
و قال سعد بن أبي وقاص : إن قس ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي :
تخلف المقدار منهم عصبة *** ثاروا بصفين و في يوم الجمل
و التزم الثار الحسين بعده *** و احتشدوا على ابنه حتى قتل
قال دعبل : حدثني أبي عن جدي عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية أنها سمعت نوح الجن على الحسين :
يا ابن الشهيد و يا شهيدا عمه *** خير العمومة جعفر الطيار
عجبا لمصقول أصابك حده *** في الوجه منك و قد علاك غبار
أمالي النيسابوري و الطوسي : أن أم سلمة سمعت نوحهم .
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي و من يبكي على الشهداء بعديعلى رهط تقودهم المنايا إلى متجبر في ملك عبد
إبانة ابن بطة : أنه سمع من نوحهم :
أيا عين جودي و لا تجمدي *** و جودي على الهالك السيد
فبالطف أمسى صريعا فقد *** رزينا الغداة بأمر بدي
و من نوحهم :
نساء الجن يبكين *** من الحزن شجيات
و يسعدن بنوح *** للنساء الهاشميات
و يندبن حسينا *** عظمت تلك الرزيات
و يلطمن خدودا *** كالدنانير نقيات
و يلبسن ثياب السود *** بعد القصبيات
[63]
و من نوحهم :
احمرت الأرض من قتل الحسين *** كما اخضر عند سقوط الجونة العلق
يا ويل قاتله يا ويل قاتله *** فإنه في سعير النار يحترق
و من نوحهم :
أبكي ابن فاطمة الذي *** من قتله شاب الشعر
و لقتله زلزلتم *** و لقتله خسف القمر
و سمع نوح جن قصدوا لمؤازرته :
و الله ما جئتكم حتى بصرت به *** بالطف منعفر الخدين منحورا
قال الطبري : و سمع نوح الملائكة في أول منزل نزلوا قاصدين إلى الشام :
أيها القاتلون جهلا حسينا *** أبشروا بالعذاب و التنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم *** من نبي و مرسل و قبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود *** و موسى و صاحب الإنجيل
و روي أنه : رأى سليمان بن عبد الملك رسول الله يبش معه فسأل الحسن البصري عن ذلك فقال لعلك فعلت إلى أهل بيته معروفا فقال رأيت رأس الحسين في خزانة يزيد فلما عرض علي لففته في خمسة دبابيج و عطرته و صليت عليه و دفنته و بكيت كثيرا فقال له الحسن قد رضي عنك رسول الله بهذا الفعل .
أمالي المفيد النيشابوري : أن زر النائحة رأت فاطمة (عليها السلام) فيما يرى النائم أنها وقعت على قبر الحسين تبكي و أمرتها أن تنشد :
أيها العينان فيضا *** و استهلا لا تغيضا
و ابكيا بالطف ميتا *** ترك الصدر رضيضا
لم أمرضه قتيلا لا *** و لا كان مريضا
قال ابن عباس قيل لجرير بن عبد الحميد : أن موسى بن عبد الملك كرب قبر الحسين و أمر بقطع السدرة .
فقال : الله أكبر ; جاء فيه حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
أنه قال : لعن الله قاطع السدرة ثلاثا .
[64]
و إنما أراد بذلك تغيير مصرع الحسين حتى لا يقف الناس على تربته و الخبر مذكور في حلية الأولياء .
أحاديث ابن حبيش التميمي قال سالم : كان بي وجع البطن فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية و خفت على نفسي فدخلت على امرأة كوفية يقال لها سلمة فقالت لي يا سالم أعالجك فتبرأ بإذن الله قلت نعم فسقتني ماء في قدح فسكنت عني العلة و برأت فسألت العجوز بعد أشهر بما ذا داويتني قالت بواحد مما في هذه السبحة قلت و ما فيها قالت إنها من طين قبر الحسين (عليه السلام) فقلت لها يا رافضية داويتني بهذا فخرجت مغضبة و رجعت و الله علتي كأشد ما كانت .
أمالي الطوسي ذكر عند موسى بن عيسى الهاشمي : إن الرافضة لتغلو في الحسين حتى إنهم يتداوون بتربته فقال هاشمي قد كانت بي علة غليظة عجزت الأطباء عنها فأخذت منها فزالت علتي قال فبقي عندك منها شيء فأعطاه قطعة فتناولها فأدخلها في أسفله استهزاء و استحقارا فصاح في وقته النار النار الطشت الطشت فجيء بالطشت فإذا كبده و طحاله و رئته و فؤاده خرج منه فسئل يوحنا النصراني عن صحته فقال ما لأحد فيها صنع إلا الله ثم إنه مات وقت السحر فكان يوحنا يزور قبر الحسين و هو على دينه ثم أسلم .
كتابي ابن بطة و النطنزي روى أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الأعمش قال : أحدث رجل على قبر الحسين فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام و البرص إلى الساعة .
و روى جماعة من الثقات : أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين و أن يجرى الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون و بهلول المجنون إلى كربلاء فنظرا إلى القبر و إذا هو معلق بالقدرة في الهواء فقال زيد يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و ذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة و القبر يرجع على حاله فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن بالله و حل القبر فأخبر المتوكل فأمر بقتله .
أمالي الطوسي بروايات كثيرة : أن المتوكل بعث إبراهيم الديزج و هارون المغربي في تخريب قبر الحسين و حرث أرضه فلما أخذ الفعلة في ذلك حيل بينهم
[65]
و بين القبر و رموا بالنشاب فقال الديزج فارموهم أنتم أيضا فرموا فعاد كل سهم إلى صاحبه فقتله فأمرهم بالثيران للحرث فلم تجز فضربت حتى تكسرت العصي في أيديهم فسود الله وجه المغربي و رأى الديزج في منامه يتفل رسول الله في وجهه فمرض مرض سوء و بقي كالمدهوش فما أمسى حتى مات .
ثم إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة (عليه السلام) فسأل عالما عن ذلك فقال قد وجب عليه القتل إلا أن من قتل أباه لم يطل عمره فقال لا أبالي إذا أطعت الله بقتله ألا يطول في قتله عمري و كان جميع ذلك في يومين و أنشد عبد الله بن دانية في ذلك .
تالله إن كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلومافلقد أتاه بنو أبيه بمثلها هذا لعمرك قبره مهدوماأسفوا على أن لا يكونوا شايعوا في قتله فتتبعوه رميما
فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام) :
عمرو بن دينار قال : دخل الحسين على أسامة بن زيد و هو مريض و هو يقول وا غماه فقال له الحسين (عليه السلام) و ما غمك يا أخي قال ديني و هو ستون ألف درهم فقال الحسين هو علي قال إني أخشى أن أموت فقال الحسين لن تموت حتى أقضيها عنك قال فقضاها قبل موته و كان (عليه السلام) يقول شر خصال الملوك الجبن من الأعداء و القسوة على الضعفاء و البخل عند الإعطاء .
و في كتاب أنس المجلس : أن الفرزدق أتى الحسين (عليه السلام) لما أخرجه مروان من المدينة فأعطاه (عليه السلام) أربعمائة دينار فقيل له إنه شاعر فاسق مشهر فقال (عليه السلام) إن خير مالك ما وقيت به عرضك و قد أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كعب بن زهير و قال في عباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني .
و قدم أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها فدل على الحسين (عليه السلام) فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بإزائه و أنشأ :
لم يخب الآن من رجاك و من حرك من دون بابك الحلقةأنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة
[66]
لو لا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة
قال فسلم الحسين (عليه السلام) و قال يا قنبر هل بقي شيء من مال الحجاز قال نعم أربعة آلاف دينار فقال هاتها قد جاء من هو أحق بها منا ثم نزع برديه و لف الدنانير فيهما و أخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي و أنشأ .
خذها فإني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقةلو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقةلكن ريب الزمان ذو غير و الكف مني قليلة النفقة
قال فأخذها الأعرابي و بكى فقال له لعلك استقللت ما أعطيناك قال لا و لكن كيف يأكل التراب جودك و هو المروي عن الحسن بن علي (عليه السلام) .
شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين .
و قيل إن عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين الحمد فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلة و حشا فاه درا فقيل له في ذلك قال و أين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه و أنشد الحسين (عليه السلام) :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها *** على الناس طرا قبل أن تتفلتفلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا ما تولت
و من تواضعه : أنه مر بمساكين و هم يأكلون كسرا لهم على كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم و قال لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا إلى منزلي فأطعمهم و كساهم و أمر لهم بدراهم .
و حدث الصولي عن الصادق (عليه السلام) في خبر ... : أنه جرى بينه و بين محمد بن الحنفية كلام فكتب ابن الحنفية إلى الحسين أما بعد يا أخي فإن أبي و أباك علي لا تفضلني فيه و لا أفضلك و أمك فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فإنك أحق بالفضل مني و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ففعل الحسين (عليه السلام) ذلك فلم يجر بعد
[67]
ذلك بينهما شيء .
و من فصاحته و علمه (عليه السلام) :
ما رواه موسى بن عقبة أنه : أمر معاوية الحسين أن يخطب فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي فسمع رجل يقول من هذا الذي يخطب فقال (عليه السلام) نحن حزب الله الغالبون و عترة رسول الله الأقربون و أهل بيته الطيبون و أحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثاني كتاب الله تعالى فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و المعول علينا في تفسيره لا يبطينا تأويله بل نتبع حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله مقرونة قال الله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قال وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ و أحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان فإنه لكم عدو مبين فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فتلقون للسيوف ضربا و للرماح وردا و للعمد حطما و للسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل قال معاوية حسبك أبا عبد الله فقد أبلغت .
محاسن البرقي قال عمرو بن العاص للحسين (عليه السلام) : يا ابن علي ما بال أولادنا أكثر من أولادكم فقال (عليه السلام) :
بغاث الطير أكثرها فراخا *** و أم الصقر مقلاة نزور
فقال ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم .
فقال (عليه السلام) : إن نساءكم نساء بخرة فإذا دنا أحدكم من امرأته نكهت في وجهه فيشيب منه شاربه .
فقال : ما بال لحاكم أوفر من لحانا .
فقال (عليه السلام) : وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً .
فقال معاوية : بحقي عليك إلا سكت فإنه ابن علي بن أبي طالب .
فقال (عليه السلام) :
إن عادت العقرب عدنا لها *** و كانت النعل لها حاضرة
قد علم العقرب و استيقنت *** أن لا لها دنيا و لا آخرة
[68]
تفسير الثعلبي قال الصادق (عليه السلام) : قال الحسين بن علي (عليه السلام) إذا صاح النسر قال يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت و إذا صاح الغراب قال إن في البعد من الناس أنس و إذا صاح القنبر قال اللهم العن مبغضي آل محمد و إذا صاح الخطاف قرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و يمد الضَّالِّينَ كما يمدها القارئ .
سئل الحسين (عليه السلام) لم افترض الله عز و جل على عبيده الصوم ?
قال : ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين .
و من شجاعته (عليه السلام) : أنه كان بين الحسين و بين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة فتناول الحسين (عليه السلام) عمامة الوليد عن رأسه و شدها في عنقه و هو يومئذ وال على المدينة فقال مروان بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره فقال الوليد و الله ما قلت هذا غضبا لي و لكنك حسدتني على حلمي عنه و إنما كانت الضيعة له فقال الحسين الضيعة لك يا وليد و قام .
و قيل له يوم الطف : انزل على حكم بني عمك .
قال : لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد ; ثم نادى يا عباد الله : إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
و قال (عليه السلام) : موت في عز خير من حياة في ذل
و أنشأ (عليه السلام) في يوم قتله :
الموت خير من ركوب العار *** و العار أولى من دخول النار
و الله ما هذا و هذا جاري
ابن نباتة :
الحسين الذي رأى القتل في العز *** حياة و العيش في الذل قتلا
الحلية روى محمد بن الحسن : أنه لما نزل القوم بالحسين (عليه السلام) و أيقن أنهم قاتلوه قال لأصحابه قد نزل ما ترون من الأمر و إن الدنيا قد تنكرت و تغيرت و أدبر معروفها و استمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء و إلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل أ لا ترون الحق لا يعمل به و الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله و إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما .
و أنشد لما قصد الطف متمثلا :