الصادق (عليه السلام) : قتل بالحسين مائة ألف و ما طلب بثأره و سيطلب بثأره .
تفسير النقاش بإسناده عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال : كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و على فخذه الأيسر ابنه إبراهيم و على فخذه الأيمن الحسين بن علي و هو تارة يقبل هذا و تارة يقبل هذا إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين فلما سرى عنه قال أتاني جبرئيل من ربي فقال يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام و يقول لست أجمعهما فافد أحدهما بصاحبه فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى و نظر إلى الحسين فبكى إن إبراهيم أمه أمة و متى مات لم يحزن عليه غيري و أم الحسين فاطمة و أبوه علي ابن عمي لحمي و دمي و متى مات حزنت ابنتي و حزن ابن عمي و حزنت أنا عليه و أنا أؤثر حزني على حزنهما يا جبرئيل يقبض إبراهيم فديته بالحسين قال فقبض بعد ثلاث فكان النبي إذا رأى الحسين مقبلا قبله و ضمه إلى صدره و رشف ثناياه و قال فديت من فديته بابني إبراهيم .
يقال دخل الحسين (عليه السلام) على معاوية و عنده أعرابي يسأله حاجة فأمسك و تشاغل بالحسين فقال الأعرابي لبعض من حضر من هذا الذي دخل قالوا الحسين بن علي فقال الأعرابي للحسين أسألك يا ابن بنت رسول الله لما كلمته في حاجتي فكلمه الحسين (عليه السلام) في ذلك فقضى حاجته فقال الأعرابي .
أتيت العبشمي فلم يجد لي إلى أن هزه ابن الرسولهو ابن المصطفى كرما و جودا و من بطن المطهرة البتولو إن لهاشم فضلا عليكم كما فضل الربيع على المحول
فقال معاوية يا أعرابي أعطيك و تمدحه فقال الأعرابي يا معاوية أعطيتني من
[82]
حقه و قضيت حاجتي بقوله .
العقد عن الأندلسي دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له أشر علي في الحسين فقال أرى أن تخرجه معك إلى الشام و تقطعه عن أهل العراق و تقطعهم عنه فقال أردت و الله أن تستريح منه و تبتليني به فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره و إن أسأت إليه قطعت رحمه فأقامه و بعث إلى سعيد بن العاص فقال له يا أبا عثمان أشر علي في الحسين فقال إنك و الله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك و إنك لتخلف له قرنا إن صارعه ليصرعنه و إن سابقه ليسبقنه فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء و يصعد في الهواء و لا يبلغ إلى السماء .
و من مناقبه (عليه السلام) : ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان و ما بينهما في الموصل و نصيبين و حماة و حمص و دمشق و غير ذلك .
و الخبر المشهور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : شفاء أمتي في تربتك و الأئمة من ذريتك .
و يروى : الشفاء في تربته ; و الإجابة تحت قبته و الأئمة من ذريته .
قال الشعبي في حديثه : قال ذكوان مولى الحسين عند معاوية :
فيم الكلام لسابق في غاية *** و الناس بين مقصر و مبلدإن الذي يجري ليدرك شأوه في غاية تنمي لغير مسددبل كيف يدرك نور بدر ساطع خير الأنام و فرع آل محمد
و من عجائبه : ما بقي مأتمه في البلاد كلها لأنه آخر أهل العباء و أشنع قتيل في الدنيا .
المرتضى :
مصيبة قدم الأزمان يوقدها *** و الماضيات من الأيام تذكيها
الشريف بن الرضا :
يا حسين بن فاطم بن علي *** أنت سبط الرسول ذو الأنساب
يا إمامي و مرشدي و وليي *** و مغيثي على الأمور الصعاب
[83]
الصاحب :
أواليكم يا أهل بيت محمد *** فكلكم للعلم و الدين فرقد
و أترك من ناواكم و هو هتكة *** ينادى عليه مولد ليس يحمد
علم الهدى :
يا حجة الله كم تلقى حقوقكم *** تدنون منها و أيدي البغي تقصيها
و كم سروحكم في أرض مضبعة *** فلا السيوف و لا الأرماح تحميها
و كم غروسكم تزوى بناؤكم عنها *** و أيدي العوادي النكد تجنيها
و كم دياركم منكم مفرغة و *** غيركم من أعادي الدين يأويها
و كم أكابد فيكم ثقل مولمة *** بالأمن و الخوف أبديها و أخفيها
حتى مضى ثاركم لا طالبين له *** و ناركم نام عنها الدهر مذكيها
حتى متى أنتم لحم على وضم *** و مضغة بيد ترمى إلى فيها
حتى متى يخفض الغاوون ذروتكم *** و الله يرفعها عمدا و يعليها
حتى متى تهدم الأقوام هضبتكم *** و الله في كل يوم جاء يبنيها
كشاجم :
يا عترة حبهم يدين به *** صالح هذا الورى و طالحه
مغالق الشم أنتم يا *** بني أحمد إذ غيركم مفاتحه
طبتم فإن مر ذكركم عرضا *** فاح بدار الجنان فائحه
أكاتم الحزن في محبتكم *** و الحب يعبأ به مكادحه
[84]
فصل في مقتله (عليه السلام) :
تفسير أبي يوسف بن يعقوب بن سفيان و تفسير يوسف بن موسى القطان عن عمرو بن حمران عن سعيد بن أبي المليح عن ميمون بن مهران في قوله تعالى : وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قال هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمد (عليه السلام) و تعزية للمظلوم .
و في أثر ابن عباس : رأى النبي في منامه بعد ما قتل الحسين و هو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين و قد ضم حجز قميصه إلى نفسه و هو يقرأ هذه الآية و قال إني مضيت إلى كربلاء و التقطت دم الحسين من الأرض و هو ذا في حجري و أنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي .
الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ يقول يسألكم عن الموءودة التي أنزل عليكم فضلها مودة ذي القربى و حقنا الواجب على الناس و حبنا الواجب على الخلق قتلوا مودتنا بأي ذنب قتلونا .
سأل إسحاق الأحمر الحجة (عليه السلام) عن قول الله تعالى : كهيعص فقال هذه الحروف من أنباء الغيب الذي أطلع الله عليه عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل و علمه إياها و كان زكريا إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين سرى عنه همه و انجلى كربه و إذا ذكر الحسين غلبته العبرة و وقعت عليه الزفرة فقال ذات يوم إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي فأنبأه الله في قصته فقال كهيعص فالكاف اسم كربلاء و الهاء هلاك العترة و الياء يزيد و هو ظالم للحسين و العين عطشه و الصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كان يقول إلهي أ تفجع خير خلقك بولده إلهي أ تنزل الرزية بفنائه إلهي أ تلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أ تحل هذه الفجيعة بساحتهما ثم كان يقول اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر و اجعله وارثا رضيا يوازي محله مني الحسين فإذا رزقتنيه
[85]
فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه يحيى و فجعه به و كان حمل يحيى ستة أشهر و حمل الحسين ستة أشهر و ذبح يحيى كما ذبح الحسين و لم تبك السماء و الأرض إلا عليهما الخبر .
علي بن الحسين (عليه السلام) قال : خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا و لا ارتحل عنه إلا و ذكر يحيى بن زكريا و قال يوما من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .
و في حديث مقاتل عن زين العابدين (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : أن امرأة ملك بني إسرائيل كبرت و أرادت أن تزوج بنتها منه للملك فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك فعرفت المرأة ذلك و زينت بنتها و بعثتها إلى الملك فذهبت و لعبت بين يديه فقال لها الملك ما حاجتك قالت رأس يحيى بن زكريا فقال الملك يا بنية حاجة غير هذه قالت ما أريد غيره و كان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه فخير بين ملكه و بين قتل يحيى فقتله ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب فأمرت الأرض فأخذتها و سلط الله عليهم بختنصر فجعل يرمي عليهم بالمناجيق و لا تعمل شيئا فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلا بما أدلك عليه قال لك ما سألت قالت ارمها بالخبث و العذرة ففعل فتقطعت فدخلها فقال علي بالعجوز فقال لها ما حاجتك قالت في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن يا ولدي يا علي و الله لا يسكن دمي حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا .
و قال بعض المفسرين في قوله : وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ ... الآيات إنه إسماعيل بن حزقيل لأن إسماعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه و فروة رأسه فخيره الله في ما شاء من عذابهم فاستعفاه و رضي بثوابه و فوض أمرهم إلى الله و قد رواه أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال في آخره أتاه ملك من ربه يقرئه السلام و يقول قد رأيت ما صنع بك فمرني بما شئت فقال يكون لي بالحسين أسوة .
[86]
الصادق (عليه السلام) : دخل الحسين على أخيه الحسن يوما فلما نظر إليه بكى فقال له الحسن ما يبكيك يا أبا عبد الله قال أبكي لما يصنع بك فقال له الحسن إن الذي يؤتى إلي بسم يومئ إلي فأقتل به و لكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم أمه جدك محمد و ينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و نسائك و انتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة و تمطر السماء دما و رمادا و يبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات و الحيتان ... في البحار .
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : بيني و بين قاتل الحسين (عليه السلام) خصومة يوم القيامة آخذ ساق العرش بيدي و يأخذ علي بحجزتي و تأخذ فاطمة بحجزة علي و معها قميص فأقول يا رب أنصفني في قتلة الحسين .
الرضا (عليه السلام) : إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيه فاستحلت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبيت فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيها من ثقلنا و لم يترك لرسول الله حرمة في أمرنا إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذل عزيزنا أرض كرب و بلاء أورثتنا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام .
الحميري :
في حرام من الشهور أحلت *** حرمة الله و الحرام حرام
و له أيضا :
كربلاء يا دار كرب و بلا *** و بها سبط النبي قد قتلا
الرضا (عليه السلام) : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله حوائجه في الدنيا و الآخرة و من كان يوم عاشوراء مصيبته و حزنه و بكاؤه جعل الله يوم القيامة فرحه و سروره و قرت في الجنان عينه و من سمى يوم عاشوراء يوم بركة و اذخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له و حشره يوم القيامة مع يزيد و عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد إلى أسفل درك من النار .
[87]
و شرب الصادق (عليه السلام) و قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه و قال : يا داود , لعن الله قاتل الحسين ثم قال بعد كلام و ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة و رفع له مائة ألف درجة و كان كأنما أعتق مائة ألف نسمة و محا عنه مائة ألف سيئة و حشره يوم القيامة أبلج الوجه .
الحسين (عليه السلام) : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر .
المرتضى :
أ أسقى نمير الماء ثم يلذ لي *** و وردكم آل الرسول خلاة
تذادون عن ماء الفرات و كارع *** به إبل للغادرين و شاة
العوني :
وا حزنى للحسين منجدلا *** عار بذيل التراب ملتحف
عطشان يرنو إلى الفرات *** ظمأ و ماؤها بالأكف يقترف
تشرع فيه كلاب عسكره *** و ابن علي عليه يلتهف
التهذيب قال الصادق (عليه السلام) : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كثيرا ما يتفل في أفواه الأطفال المراضع من ولد فاطمة من ريقه و يقول لا تطعمهم شيئا إلى الليل و كانوا يروون من ريق رسول الله قال و كانت الوحش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود .
و هذه نبذ اخترناها مما صنفه أبو جعفر بن بابويه و السيد الجرجاني و ابن مهدي المامطيري و عبد الله بن أحمد بن حنبل و شاكر بن غنمة و أبو الفضل الهاشمي و غيرهم :
روي : أنه لما مات الحسن بن علي استدعى الحسين في خلع معاوية فقال إن بيني و بين معاوية عهدا لا يجوز نقضه .
فلما قربت وفاة معاوية قال لابنه يزيد لا ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة :
الحسين بن علي ; و عبد الله بن عمر ; و عبد الله بن الزبير ; و عبد الرحمن بن أبي بكر .
فأما ابن عمر : فإنه زاهد و يبايعك إذا لم يبق أحد غيره.
[88]
و أما ابن أبي بكر : فإنه مولع بالنساء و اللهو .
و أما ابن الزبير : فإنه يراوغك روغان الثعلب و يجثم عليك جثوم الأسد فإن قدرت عليه فقطعه إربا إربا .
و أما الحسين : فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن قدرت عليه فاصفح عنه فإن له رحما ماسة و حقا عظيما .
قال : فلما مات معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من هؤلاء الأربعة أخذا ضيقا ليست فيه رخصة فمن تأبى عليك منهم فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه .
فأحضر الوليد مروان و شاوره في ذلك .
فقال : الرأي أن تحضرهم و تأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .
فوجه في طلبهم , و كانوا عند التربة .
فقال عبد الرحمن و عبد الله : ندخل دورنا و نغلق أبوابنا .
و قال ابن الزبير : و الله ما أبايع يزيدا أبدا .
و قال الحسين بن علي (عليه السلام) : أنا لا بد لي من الدخول على الوليد و أنظر ما يقول .
ثم قال لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد و خاطبته و خاطبني و ناظرته و ناظرني كونوا على الباب فإذا سمعتم الصيحة قد علت و الأصوات قد ارتفعت فاهجموا إلى الدار و لا تقتلوا أحدا و لا تثيروا إلي الفتنة .
فلما دخل عليه , و قرأ الكتاب قال : ما كنت أبايع ليزيد .
فقال مروان : بايع لأمير المؤمنين .
فقال الحسين : كذبت ويلك على المؤمنين ; من أمره عليهم ?
فقام مروان و جرد سيفه , و قال : مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار و دمه في عنقي ; و ارتفعت الصيحة .
فهجم تسعة عشر رجلا من أهل بيته , و قد انتضوا خناجرهم فخرج الحسين معهم .
و وصل الخبر إلى يزيد , فعزل الوليد ; و ولاها مروان .
و خرج الحسين و ابن الزبير إلى مكة , و لم يتشدد على ابني العمرين .
فكان الحسين (عليه السلام) يصلي يوما إذ وسن فرأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في منامه يخبره بما يجري عليه .
فقال الحسين : لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا , فخذني إليك .
فيقول : لا بد من الرجوع , حتى تذوق الشهادة .
و كان محمد بن الحنفية و عبد الله بن المطيع
[89]
نهياه عن الكوفة ; و قالا إنها بلدة مشئومة قتل فيها أبوك و خذل فيها أخوك فالزم الحرم فإنك سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز و تتداعى إليك الناس من كل جانب .
ثم قال محمد بن الحنفية : و إن نبت بك لحقت بالرمال و سعف الجبال و تنفلت من بلد إلى بلد حتى تفرق لك الرأي فتستقبل الأمور استقبالا و لا تستدبرها استدبارا .
و قال ابن عباس : لا تخرج إلى العراق و كن باليمن لحصانتها و رجالها .
فقال (عليه السلام) : إني لم أخرج بطرا و لا أشرا و لا مفسدا و لا ظالما , و إنما خرجت أطلب الصلاح في أمة جدي محمد ; أريد آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر أسير بسيرة جدي و سيرة أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق و هو أحكم الحاكمين .
قالوا : فخرج ليلة الثالث من شعبان سنة ستين و هو يقرأ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ... الآية .
ثم إن أهل الكوفة : اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي فكاتبوا الحسين (عليه السلام) من سليمان بن صرد و المسيب بن نجية و رفاعة بن شداد و حبيب بن مظاهر و شيعته المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و عتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا بإمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا على الحق بك و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في الجمعة و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله .
ثم سرحوا الكتاب : مع عبيد الله بن مسلم الهمداني و عبد الله بن مسمع البكري حتى قدما على الحسين لعشر مضين من شهر رمضان .
[90]
ثم بعد يومين : أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرخي و عمارة بن عبد الله السلولي و عبد الله بن وال السهمي إلى الحسين و معهم نحو من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين .
ثم سرحوا بعد يومين : هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب فيه للحسين بن علي من شيعته المؤمنين أما بعد فحيهل فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل يا ابن رسول الله .
و كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبحر و يزيد بن الحارث و يزيد بن رويم و عمرو بن الحجاج و محمد بن عمير و عروة بن قيس أما بعد فقد أخصب الجناب و أينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند مجندة .
فاجتمعت الرسل كلهم عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن أمر الناس .
ثم كتب مع مسلم بن عقيل : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملإ من المسلمين و المؤمنين أما بعد فإن هانيا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم أنه ليس لنا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي أحداثكم و ذوي الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم و تواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله و لعمري ما الإمام إلا الحاكم القائم بالقسط الدائن بدين الله الحابس نفسه على ذات الله .
فقصد مسلم على غير الطريق و كان رائده رجلان من قيس عيلان فأضلا الطريق و ماتا من العطش و أدرك مسلم ماء فتطير مسلم من ذلك و كتب إلى الحسين (عليه السلام) : يستعفيه من ذلك .
فأجابه : أما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي و الاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلا الجبن و الفشل فامض لما أمرت به .
[91]
فدخل مسلم الكوفة فسكن في دار سالم بن المسيب فاختلف إليه الشيعة فقرأ عليهم كتابه فبايعه اثنا عشر ألف رجل فرفع ذلك إلى النعمان بن بشير و هو والي الكوفة فجمع الناس و خطب فيهم و نصحهم و كتب عبد الله بن مسلم الحضرمي و عمارة بن عقبة بن الوليد و عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد إن كان لك حاجة في الكوفة فابعث رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك فإن النعمان بن بشير إما ضعيف أو متضعف .
فكتب يزيد على يدي مسلم بن عمر الباهلي إلى عبيد الله بن زياد و هو والي البصرة و ولاه الكوفة مع البصرة و أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله أو ينفيه فالعجل العجل .
فلما وصل المنشور إلى ابن زياد قصد الكوفة و دخلها بغتة في الليل و هو ملثم فزعم من رآه أنه الحسين فكانوا يقولون مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم حتى نزل دار الإمارة فانتقل مسلم من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المذحجي في الليل و دخل في أمانه و كان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة و عشرون ألف رجل فعزم على الخروج فقال هاني لا تعجل .
ثم إن عبيد الله أعطى مولاه معقل ثلاثة آلاف درهم و قال له اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر و هذا مال تدفعه لتتقوى به فلم يزل يتلطف و يسترشد حتى دل على مسلم بن عوسجة الأسدي و كان الذي يأخذ البيعة فأدخله على مسلم و قبض منه المال و بايعه و رجع معقل إلى عبيد الله فأخبره .
و كان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد فمرض فنزل في دار هاني بن عروة أياما ثم قال لمسلم إن عبيد الله يعودني و إني مطاوله الحديث فاخرج إليه بسيفك فاقتله و علامتك أن أقول اسقوني ماء و نهاه هاني عن ذلك فلما دخل عبيد الله على شريك و سأله عن وجعه و طال سؤاله و رأى أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول :
ما الانتظار لسلمى أن يحييها *** كأس المنية بالتعجيل اسقوها
[92]
فتوهم ابن زياد و خرج فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه :
للحسين بن علي ; أما بعد , فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فإن الناس معك و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوى .
فأمر ابن زياد بقتله و قال لمحمد بن الأشعث الكندي و عمرو بن الحجاج الزبيدي و أسماء بن خارجة الفزاري أحضروا هاني بن عروة فأحضروه باللطف فالتفت ابن زياد إلى شريح القاضي و تمثل :
أريد حياته و يريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد
فقال هاني : ما هذا أيها الأمير ?
قال : جئت بمسلم بن عقيل و أدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في دور حولك و ظننت أن ذلك يخفى علي .
فأنكر هاني بن عروة ذلك .
فقال : علي بمعقل .
فلما جيء به , قال : أ تعرفه ?
قال هاني : ما دعوت مسلما و إنما جاءني بالجوار فإذ قد عرفت أخرجه من جواري .
قال : لا و الله , لا مناص لك مني إلا بعد أن تسلمه إلي .
قال : لا يكون ذلك أبدا .
فكلمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك .
قال : ليس عليك في دفعه عار إنما تدفعه إلى السلطان .
فقال هاني : بلى و الله على أعظم العار أن أسلم جاري و ضيفي و رسول ابن رسول الله و أنا حي صحيح الساعدين كثير الأعوان و الله لو لم أكن إلا واحدا لما سلمته أبدا حتى أموت من دونه .
فقال ابن زياد : إن لم تحضره لأضربن عنقك , و ضرب قضيبا على أنفه و جبهته حتى هشمه و أمر بحبسه .
و بلغ ذلك مذحجا , فأقبلت إلى القصر .
فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج إليهم و يعلمهم أنه حي سالم .
فخرج إليهم و صرفهم .
و وصل الخبر إلى مسلم بن عقيل في أربعة آلاف كانوا حواليه فاجتمع إليه ثمانية آلاف ممن بايعوه فتحرز عبيد الله و غلق الأبواب .
و سار مسلم حتى أحاط بالقصر .
فبعث عبيد الله ; كثير بن شهاب الحارثي ; و محمد بن الأشعث الكندي من باب الروميين براية الأمان لمن جاءها من الناس .