يا ضيعة الدين ما رأيت جنى من معدن الوحي و الرسالاتكلا و رب الحجيج إن لنا ظهرا و لكننا نأبى الضلالاتكيف نعق الورى و أنفسنا خلقن من أنفس نقيات
فصل في استجابة دعواته (عليه السلام) :
روى الأعمش و الربيع و ابن سنان و علي بن حمزة و حسين بن أبي العلاء و أبو المغراء و أبو بصير : أن داود بن علي بن عبد الله بن العباس لما قتل المعلى بن خنيس و أخذ ماله قال الصادق (عليه السلام) قتلت مولاي و أخذت مالي أ ما علمت أن الرجل ينام على الثكل و لا ينام على الحرب أما و الله لأدعون الله عليك فقال له داود تهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله إلى داره فلم يزل ليله كله قائما و قاعدا فبعث إليه داود خمسة من الحرس و قال ائتوني به فإن أبى فائتوني برأسه فدخلوا عليه و هو يصلي فقالوا له أجب داود قال فإن لم أجب قالوا أمرنا بأمر قال فانصرفوا فإنه خير لكم لدنياكم و آخرتكم فأبوا إلا خروجه فرفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته فسمعناه يقول الساعة الساعة حتى سمعنا صراخا عاليا فقال لهم إن صاحبكم قد مات فانصرفوا فسئل فقال بعث إلي ليضرب عنقي فدعوت عليه بالاسم الأعظم فبعث الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله .
و في رواية لبانة بنت عبد الله بن العباس : بات داود تلك الليلة حائرا قد أغمي عليه فقمت أفتقده في الليل فوجدته مستلقيا على قفاه و ثعبان قد انطوى على صدره و جعل فاه على فيه فأدخلت يدي في كمي فتناولته فعطف فاه إلي فرميت به فانساب في
[231]
ناحية البيت و أنبهت داود فوجدته حائرا قد احمرت عيناه فكرهت أن أخبره بما كان و جزعت عليه ثم انصرفت فوجدت ذلك الثعبان كذلك ففعلت به مثل الذي فعلت في المرة الأولى و حركت داود فأصبته ميتا فما رفع جعفر رأسه من السجود حتى سمع الواعية قال الربيع الحاجب أخبرت الصادق بقول المنصور لأقتلنك و لأقتلن أهلك حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط و لأخربن المدينة حتى لا أترك فيها جدارا قائما فقال لا ترع من كلامه و دعه في طغيانه فلما صار بين السترين سمعت المنصور يقول أدخلوه إلي سريعا فأدخلته عليه فقال مرحبا يا ابن العم النسيب و بالسيد القريب ثم أخذ بيده و أجلسه على سريره و أقبل عليه ثم قال أ تدري لم بعثت إليك فقال و أنى لي علم بالغيب قال أرسلت إليك لتفرق هذه الدنانير في أهلك و هي عشرة آلاف دينار فقال و لها غيري فقال أقسمت عليك يا أبا عبد الله لتفرقها على فقراء أهلك ثم عانقه بيده و أجازه و خلع عليه و قال يا ربيع أصحبه قوما يردونه إلى المدينة قال فلما خرج أبو عبد الله قلت له يا أمير المؤمنين لقد كنت من أشد الناس عليه غيظا فما الذي أرضاك عنه قال يا ربيع لما حضرت الباب رأيت تنينا عظيما يقرض أنيابه و هو يقول بألسنة الآدميين إن أنت أشكت ابن رسول الله لأفصلن لحمك من عظمك فأفزعني ذلك و فعلت به ما رأيت .
و في الترهيب و الترغيب عن أبي القاسم الأصفهاني و العقد عن ابن عبد ربه الأندلسي : أن المنصور قال لما رآه قتلني الله إن لم أقتلك فقال له إن سليمان أعطي فشكر و إن أيوب ابتلي فصبر و إن يوسف ظلم فغفر و أنت على إرث منهم و أحق بمن تأسى بهم فقال إلي يا أبا عبد الله فأنت القرابة و ذو الرحم الواشجة السليم الناحية القليل الغائلة ثم صافحه بيمينه و عانقه بشماله و أمر له بكسوة و جائزة .
و في خبر آخر عن الربيع : أنه أجلسه إلى جانبه فقال له ارفع حوائجك فأخرج
[232]
رقاعا لأقوام فقال المنصور ارفع حوائجك في نفسك فقال لا تدعوني حتى أجيبك فقال ما إلى ذلك من سبيل .
إسحاق و إسماعيل و يونس بنو عمار أنه : استحال وجه يونس إلى البياض فنظر الصادق إلى جبهته فصلى ركعتين ثم حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله ثم قال يا الله يا الله يا الله يا رحمان يا رحمان يا رحمان يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا أرحم الراحمين يا سميع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمد و على أهل بيته الطاهرين الطيبين و اصرف عني شر الدنيا و شر الآخرة و أذهب عني ما بي فقد غاظني ذلك و أحزنني قال فو الله ما خرجنا من المدينة حتى تناثر عن وجهه مثل النخالة و ذهب قال الحكيم بن مسكين و رأيت البياض بوجهه ثم انصرف و ليس في وجهه شيء .
أمالي الطوسي بإسناده عن سدير الصيرفي قال : جاءت امرأة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقالت له جعلت فداك إن أبي و أمي و أهل بيتي يتولونكم فقال لها صدقت فما الذي تريدين قالت يا ابن رسول الله أصابني وضح في عضدي فادع الله لي أن يذهب به عني قال أبو عبد الله (عليه السلام) اللهم إنك تبرئ الأكمه و الأبرص و تحيي العظام و هي رميم ألبسها عفوك و عافيتك ما ترى أثر إجابة دعائي فقالت المرأة و الله قمت و ما بي منه لا قليل و لا كثير .
معاوية بن وهب : صدع ابن لرجل من أهل مرو فشكا ذلك إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال ادنه مني قال فمسح على رأسه ثم قال إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده فبرأ بإذن الله .
الكلوذاني في الأمالي و عمر الملأ في الوسيلة جاء في حديث الليث بن سعد أنه : رأى رجلا جالسا على أبي قبيس و هو يقول يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه ثم قال يا رباه يا رباه حتى انقطع نفسه ثم قال يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه
[233]
سبع مرات ثم قال اللهم إني أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه اللهم و إن بردي قد خلقا فاكسني قال الليث فو الله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا و ليس على وجه الأرض يومئذ عنبة و بردين مصبوغين فقربت منه و أكلت معه و لبس البردين ثم نزلنا فلقي فقيرا فأعطاه برديه الخلقين ثم انصرف فسألت عنه فقيل هذا جعفر الصادق (عليه السلام) .
هشام بن الحكم قال : كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق (عليه السلام) في حجه كل سنة فينزله أبو عبد الله (عليه السلام) في دار من دوره في المدينة و طال حجه و نزوله فأعطى أبا عبد الله (عليه السلام) عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا و خرج إلى الحج فلما انصرف قال جعلت فداك اشتريت لي الدار قال نعم و أتى بصك فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي له دار في الفردوس حدها الأول رسول الله و الحد الثاني أمير المؤمنين و الحد الثالث الحسن بن علي و الحد الرابع الحسين بن علي فلما قرأ الرجل ذلك قال قد رضيت جعلني الله فداك قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إني أخذت ذلك المال ففرقته في ولد الحسن و الحسين و أرجو أن يتقبل الله ذلك و يثيبك به الجنة قال فانصرف الرجل إلى منزله و كان الصك معه ثم اعتل علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهله و حلفهم أن يجعلوا الصك معه ففعلوا ذلك فلما أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصك على ظهر القبر مكتوب عليه وفى ولي الله جعفر بن محمد .
و قرأت في شوف العروس عن أبي عبد الله الدامغاني أنه : سمع ليلة المعراج من بطنان العرش يقول :
من يشترى قبة في الخلد ثابتة *** في ظل طوبى رفيعات مبانيها
دلالها المصطفى و الله بائعها *** ممن أراد و جبريل مناديها
يحيى بن إبراهيم بن مهاجر قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) فلان يقرأ عليك السلام و فلان و فلان فقال و عليهم السلام قلت يسألونك الدعاء فقال ما لهم قلت حبسهم أبو جعفر المنصور فقال و ما لهم و ما له قلت استعملهم فحبسهم فقال و ما لهم و ما له أ لم أنههم أ لم أنههم هم النار هم النار ثم قال اللهم اخدع عنهم سلطانه قال
[234]
فانصرفنا فإذا هم قد خرجوا .
و في الدلالات حنان قال : حبس أبو جعفر عبد الحميد في المضيق زمانا و كان صديقا لمحمد بن عبد الله ثم إنه وافى الموسم فلما كان يوم عرفة لقيه الصادق (عليه السلام) في الموقف فقال لمحمد بن عبد الله يا محمد ما فعل صديقك عبد الحميد قال أخذه أبو جعفر فحبس في المضيق زمانا قال فرفع الصادق (عليه السلام) يده ساعة ثم التفت إلى محمد بن عبد الله و قال يا محمد بن عبد الله قد و الله خلي سبيل خليلك قال محمد فسألت عبد الحميد أي ساعة خلاك أبو جعفر قال يوم عرفة بعد صلاة العصر .
و بلغ الصادق (عليه السلام) قول الحكيم بن عباس الكلبي .
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة و لم أر مهديا على الجذع يصلبو قستم بعثمان عليا سفاهة و عثمان خير من علي و أطيب
فرفع الصادق (عليه السلام) يده إلى السماء و هما يرعشان فقال اللهم إن كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك فبعثه بنو أمية إلى الكوفة فبينما هو يدور في سككها إذ افترسه الأسد و اتصل خبره بجعفر فخر لله ساجدا ثم قال الحمد لله الذي أنجزنا وعدنا .
قال الحسن بن محمد بن المتجعفر :
فأنت السلالة من هاشم *** و أنت المهذب و الأطهر
و من جده في العلى شامخ *** و من فخره الأعظم الأفخر
و من أهله خير هذا الورى *** و من لهم البيت و المنبر
و من لهم الزمزم و الصفا *** و من لهم الركن و المشعر
و من شرعوا الدين في العالمين *** فأنوارهم أبدا تزهر
و من لهم الحوض يوم المقام *** و من لهم النشر و المحشر
و أنتم كنوز لأشياعكم *** و إنكم الصفو و الجوهر
و إنكم الغرر الطاهرون *** و إنكم الذهب الأحمر
و سيد أيامنا جعفر *** و حسبك من سيد جعفر
فصل في خرق العادات له (عليه السلام) :
سدير الصيرفي قال : كنت مع الصادق (عليه السلام) في عرفات فرأيت الحجيج و سمعت
[235]
الضجيج فتوسمت و قلت في نفسي أ ترى هؤلاء كلهم على الضلال فناداني الصادق (عليه السلام) فقال تأمل فتأملتهم فإذا هم قردة و خنازير .
ابن حماد :
لم لم يسمعوا مقال سدير *** و هو في قوله سديد رشيد
كنت مع جعفر لدى عرفات *** و لجمع الحجيج عج شديد
فتوسمت ثم قلت ترى ضل *** عن الله جمع هذا الجنود
فانثنى سيدي علي و ناداني *** تأمل ترى الذي قد تريد
فتأملتهم إذا هم خنازير *** بلا شك كلهم و قرود
الحسين بن محمد قال : سخط علي بن هبيرة على رفيد , فعاذ بأبي عبد الله .
فقال له : انصرف إليه , و أقرئه مني السلام , و قل له : إني أجرت عليك مولاك رفيدا , فلا تهجه بسوء .
فقال : جعلت فداك , شامي خبيث الرأي .
فقال : اذهب إليه كما أقول لك .
قال : فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي , فقال : أين تذهب إني أرى وجه مقتول .
ثم قال لي : أخرج يدك .
ففعلت .
فقال : يد مقتول .
ثم قال لي , أخرج لسانك .
ففعلت .
فقال : امض فلا بأس عليك , فإن في لسانك رسالة , لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك .
فقال : فجئت فلما دخلت عليه , أمر بقتلي .
فقلت : أيها الأمير , لم تظفر بي عنوة , و إنما جئتك من ذات نفسي ; و هاهنا أمر أذكره لك , ثم أنت و شأنك .
فأمر من حضر , فخرجوا .
فقلت له : مولاك جعفر بن محمد يقرئك السلام , و يقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء .
فقال : الله , لقد قال لك جعفر هذه المقالة , و أقرأني السلام ?
فحلفت .
فردها علي ثلاثا .
ثم حل أكتافي , ثم قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي ما فعلت بك .
قلت : ما تكتف يدي يديك , و لا تطيب نفسي .
فقال : و الله لا يقنعني إلا ذاك .
ففعلت كما فعل , و أطلقته .
فناولني خاتمه , و قال : أمري في يدك فدبر فيها ما شئت .
التمس محمد بن سعيد من الصادق رقعة إلى أبي محمد بن سمالي في تأخير خراجه .
فقال (عليه السلام) , قل له , سمعت جعفر بن محمد يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة الله بدأ , و من أهانه فلسخط الله تعرض , و من أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين , و من أحسن إلى
[236]
أمير المؤمنين فقد أحسن إلى رسول الله , و من أحسن إلى رسول الله فقد أحسن إلى الله , و من أحسن إلى الله كان و الله معنا في الرفيق الأعلى .
قال : فأتيته , و ذكرته .
فقال : بالله سمعت هذا الحديث من الصادق (عليه السلام) .
فقلت : نعم .
فقال : اجلس , ثم قال : يا غلام ,ما على محمد بن سعيد من الخراج ?
قال : ستون ألف درهم .
قال : امح اسمه من الديوان , و أعطاني بدرة و جارية و بغلة بسرجها و لجامها .
قال : فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) , فلما نظر إلي , تبسم .
فقال : يا أبا محمد تحدثني أو أحدثك ?
فقلت : يا ابن رسول الله , منك أحسن .
فحدثني و الله الحديث كأنه حضر معي .
و أنبأني الطبرسي في إعلام الورى : قال الشقران مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج العطاء أيام أبي جعفر و ما لي شفيع فبقيت على الباب متحيرا و إذا أنا بجعفر الصادق (عليه السلام) فقمت إليه فقلت له جعلني الله فداك أنا مولاك الشقران فرحب بي و ذكرت له حاجتي فنزل و دخل و خرج و أعطاني من كمه فصبه في كمي ثم قال يا شقران إن الحسن من كل أحد حسن و إنه منك أحسن لمكانك منا و إن القبيح من كل أحد قبيح و إنه منك أقبح وعظه على جهة التعريض لأنه كان يشرب .
محمد بن الفيض عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال أبو جعفر الدوانيق للصادق (عليه السلام) تدري ما هذا قال و ما هو قال جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد فهو جيد للبياض يكون في العين يكحل به فيذهب بإذن الله قال نعم أعرفه و إن شئت أخبرتك باسمه و حاله هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه فعبد الله عليه فعلم قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي و هذه القطرات من بكائه له و من الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل و النهار و لا يوصل إلى تلك العين .
المفضل بن عمر قال : وجه المنصور إلى حسن بن زيد و هو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمد داره فألقى النار في دار أبي عبد الله (عليه السلام) فأخذت النار في الباب و الدهليز فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) يتخطى النار و يمشي فيها و يقول أنا ابن أعراق الثرى أنا ابن إبراهيم خليل الله .
مهزم عن أبي بردة قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما فعل زيد قلت صلب في كناسة بني أسد فبكى حتى بكت النساء من خلف الستور ثم قال أما و الله لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه فكنت أتفكر في قوله حتى رأيت جماعة قد أنزلوه
[237]
يريدون أن يحرقوه فقلت هذه الطلبة التي قال لي .
حدث إبراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقي قال : كنت عند سيدي الصادق (عليه السلام) إذ دخل سهل بن حسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له يا ابن رسول الله لكم الرأفة و الرحمة و أنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه و أنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف فقال له (عليه السلام) اجلس يا خراساني رعى الله حقك ثم قال يا حنفية اسجري التنور فسجرته حتى صار كالجمرة و ابيض علوه ثم قال يا خراساني قم فاجلس في التنور فقال الخراساني يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله قال قد أقلتك فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي و نعله في سبابته فقال السلام عليك يا ابن رسول الله فقال له الصادق (عليه السلام) ألق النعل من يدك و اجلس في التنور قال فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور و أقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها ثم قال قم يا خراساني و انظر ما في التنور قال فقمت إليه فرأيته متربعا فخرج إلينا و سلم علينا فقال له الإمام (عليه السلام) كم تجد بخراسان مثل هذا فقلت و الله و لا واحدا فقال (عليه السلام) لا و الله و لا واحدا أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا نحن أعلم بالوقت .
و حدث أبو عبد الله محمد بن أحمد الديلمي البصري عن محمد بن كثير الكوفي قال : كنت لا أختم صلاتي و لا أستفتحها إلا بلعنهما فرأيت في منامي طائرا معه نور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق فنزل إلى بيت المحيط برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثم ردهما إلى الضريح و عاد مرتفعا فسألت من حولي من هذا الطائر و ما هذا الخلوق فقال هذا ملك يجيء في كل ليلة جمعة يخلقهما فأزعجني ما رأيت فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما فدخلت على الصادق (عليه السلام) فلما رآني ضحك و قال رأيت الطائر فقلت نعم يا سيدي فقال اقرأ إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها و الله ما هو ملك موكل بهما لإكرامهما بل هو موكل بمشارق الأرض و مغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لأنهما سبب كل ظلم مذ كانا .
و حدثني عمر بن حمزة العلوي الكوفي بالإسناد عن محمد بن ميمون الهلالي قال :
[238]
مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) ثلاثة أيام فما كان لي فيه حيلة لكثرة الناس فحيث كان اليوم الرابع رآني فأدناني و تفرق الناس عنه و مضى يريد قبر أمير المؤمنين فتبعته فكنت أسمع كلامه و أنا معه أمشي فحيث صار في بعض الطريق غمزه البول فتنحى عن الطريق فحفر الرمل و بال و نبش الرمل و فحفر فخرج ماء فتطهر للصلاة فقام فصلى ركعتين و كان مما سمعته يدعو و يقول اللهم لا تجعلني ممن تقدم فمرق و لا ممن تخلف فمحق و اجعلني من النمط الأوسط .
محمد بن سنان عن المفضل بن عمر : أن المنصور قد كان هم بقتل أبي عبد الله (عليه السلام) غير مرة فكان إذا بعث إليه و دعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه و لم يقتله غير أنه منع الناس عنه و منعه من القعود للناس و استقصى عليه أشد الاستقصاء حتى إنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم و لا يصلون إليه فيعتزل الرجل و أهله فشق ذلك على شيعته و صعب عليهم حتى ألقى الله عز و جل في روع المنصور أن يسأل الصادق (عليه السلام) ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لأحد مثله فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) طولها ذراع ففرح بها فرحا شديدا و أمر أن تشق له أربعة أرباع و قسمها في أربعة مواضع ثم قال له ما جزاؤك عندي إلا أن أطلق لك و تفشي علمك لشيعتك و لا أتعرض لك و لا لهم فاقعد غير محتشم و أفت الناس و لا تكن في بلد أنا فيه ففشى العلم عن الصادق و أجاز في المنتهى .
الحسن الجرجاني في بصائر الدرجات بثلاثة طرق : أنه دخل رجل على الصادق (عليه السلام) فلمزه رجل من أصحابنا فقال الصادق (عليه السلام) و أخذ على شيبته إن كنت لا أعرف الرجال إلا بما أبلغ عنهم فبئست الشيبة شيبتي .
و فيه قال سليم بن خالد بينما نحن مع الصادق (عليه السلام) إذ هو بظبي يقتحب و يحرك ذنبه فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) أفعل إن شاء الله ثم أقبل علينا فقال هل علمتم ما قال الظبي قلنا الله و رسوله و ابن رسوله أعلم قال إنه أتاني و أخبرني أن بعض أهل المدينة نصب شبكة لأنثاه فأخذها و له خشفان لم ينهضا و لم يقويا للرعي فسألني أن أسألهم أن
[239]
يطلقوها و ضمن لي أنها إذا ارتضعت خشفيهما حتى يقويا على النهوض و الرعي أن يردها عليهم فاستحلفته على ذلك فقال برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف و أنا فاعل به إن شاء الله تعالى فقال له أبو عبد الله البلخي هذه سنة فيكم كسنة سليمان فسكت (عليه السلام) .
موسى بن سعيد عن أبيه عن أبي بصير قال : اشتقت إلى رؤية الصادق (عليه السلام) فقال لي يا أبا محمد تريد أن تراني فقلت نعم فمسح بيده على عيني فرأيته ثم مسح على عيني فإذا أنا كما كنت .
قال أبو الصباح الكناني : قلت لأبي عبد الله إن لنا جارا من همدان يقال له الجعد بن عبد الله يسب أمير المؤمنين (عليه السلام) أ فتأذن لي أن أقتله قال إن الإسلام قيد الفتك و لكن دعه فستكفى بغيرك قال فانصرفت إلى الكوفة فصليت الفجر في المسجد و إذا أنا بقائل يقول وجد الجعد بن عبد الله على فراشه مثل الزق المنفوخ ميتا فذهبوا يحملونه إذا لحمه سقط عن عظمه فجمعوه على نطع و إذا تحته أسود فدفنوه .
بصائر الدرجات عن سعد القمي قال أبو الفضل بن دكين حدثني محمد بن راشد عن أبيه عن جده قال : سألت جعفر بن محمد علامة فقال سلني ما شئت أخبرك إن شاء الله فقلت أخا لي بات في هذه المقابر فتأمره أن يجيئني قال فما كان اسمه قلت أحمد قال يا أحمد قم بإذن الله و بإذن جعفر بن محمد فقام و الله و هو يقول أتيته .
و فيه عن داود الرقي قال : حج رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له فداك أبي و أمي إن أهلي توفيت و بقيت وحيدا فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أ فكنت تحبها قال نعم فقال ارجع إلى منزلك فإنها سترجع إلى المنزل و ترجع أنت و هي جالسة بإذن الله تعالى قال فلما رجعت من حجتي دخلت المنزل فوجدتها قاعدة تأكل و بين يديها طبق عليه تمر و زبيب .
و فيه عن جميل بن دراج قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخلت عليه امرأة فذكرت أنها تركت ابنها ميتا مسجى بالملحفة فقال لها لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك و اغتسلي و صلي ركعتين و ادعي الله و قولي يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدد
[240]
لي هبته ثم حركيه و لا تخبري بذلك أحدا فجاءت فحركته فإذا هو قد بكى .
علي بن أبي حمزة قال : كان لي صديق من كبار بني أمية فقال لي استأذن لي على أبي عبد الله فاستأذنت له فلما دخل سلم و جلس ثم قال جعلت فداك أني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه فقال أبو عبد الله لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم و يجبي لهم الفيء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم فقال الفتى جعلت فداك فهل لي من مخرج منه قال إن قلت لك تفعل قال أفعل قال اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به و أنا أضمن لك على الله الجنة قال فأطرق الفتى طويلا فقال قد فعلت جعلت فداك قال ابن أبي حمزة فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه قال فقسمنا له قسمة و اشترينا له ثيابا و بعثنا له بنفقة قال فما أتى عليه أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال فدخلت عليه يوما و هو في السياق ففتح عينيه ثم قال يا علي وفى و الله صاحبك قال ثم مات فولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما نظر إلي قال يا علي وفينا لصاحبك قال فقلت صدقت جعلت فداك هكذا قال لي و الله عند موته .
سليمان بن خالد قال : خرجنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) فانتهينا إلى نخلة خاوية فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أيتها النخلة السامعة المطيعة لربها أطعمينا مما جعل الله فيك فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه فأكلنا حتى تضلعنا فقال أبو عبد الله البلخي سنة فيكم كسنة مريم فقال (عليه السلام) نعم يا أبا عبد الله .