علي بن يقطين و عبد الله بن أحمد الوضاح قال : لما حمل رأس صاحب فخ إلى موسى بن المهدي أنشأ يقول :
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما *** دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه *** فيقبل قيلا أو يحكم قاضيا
و لكن حد السيف فيكم مسلط *** فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
[307]
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن *** ظلمنا و لكنا أسأنا التقاضيا
فقد ساءني ما جرت الحرب بيننا *** بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
ثم أخذ في ذكر الطالبيين و جعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر و حلف الله بقتله .
فتكلم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه .
و أنهي الخبر إلى الإمام (عليه السلام) و عنده جماعة من أهل بيته , فقال لهم : ما تشيرون ?
قالوا : نشير عليك بالابتعاد عن هذا الرجل , و أن تغيب شخصك عنه فإنه لا يؤمن شره .
فتبسم أبو الحسن (عليه السلام) و تمثل :
زعمت سخينة أن ستقتل ربها *** و ليغلبن مغلب الغلاب
ثم أنشد :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا *** أبشر بطول سلامة يا مربع
ثم رفع رأسه إلى السماء , و قال : إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته , و أرهف لي شبا حده , دفع لي قواتل سمومه و لم تنم عني عين حراسته , فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح , و عجزي عن ملمات الجوائح , صرفت ذلك بحولك و قوتك ... إلى آخر الدعاء
ثم أقبل على أصحابه , فقال لهم : يفرج روعكم فإنه لا يأتي أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن المهدي .
قالوا : و ما ذاك أصلحك الله ?
قال : و حرمة صاحب القبر , قد مات من يومه هذا , و الله إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون .
ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتب الواردة بموت موسى بن المهدي .
و قال بعض أهل بيته شعرا منه :
يمر وراء الليل و الليل ضارب *** بجثمانه فيه سمير و هاجع
تفتح أبواب السماء و دونها *** إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا وردت لم يردد الله وفدها *** على أهلها و الله راء و سامع
[308]
و إني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما هو صانع
و لما أمر هارون موسى بن جعفر (عليه السلام) أن يحمل إليه أدخل عليه و علي بن يقطين على رأسه متوكئ على سيفه فجعل يلاحظ موسى (عليه السلام) ليأمره فيضرب به هارون ففطن له هارون فقال قد رأيت ذلك فقال يا أمير المؤمنين سللت من سيفي شبرا رجاء أن تأمرني فيه بأمرك فنجا منه بهذه المقالة .
و يقال إن بعض الأسباب في أخذه (عليه السلام) : أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد الأشعث و كان يقول بالإمامة فحسده يحيى البرمكي حتى داخله فأنس به و كان يكثر غشيانه في منزله و يقف على أمره و يرفعه إلى الرشيد ثم قال يوما لبعض ثقاته تعرفون طالبيا معدما يعرفني ما يحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليه السلام) فحمل إليه يحيى مالا و كان موسى (عليه السلام) يبر علي بن إسماعيل و يصله ثم أنفذ إليه يحيى يرغبه في قصد الرشيد فدعاه موسى (عليه السلام) فقال له إلى أين يا ابن الأخ فقال إلى بغداد فقال و ما تصنع قال علي دين و أنا مملق منه قال أنا أقضي دينك و أصنع فلم يلتفت إلى ذلك فاستدعاه أبو الحسن فقال له أنت خارج انظر يا ابن أخي و اتق الله و لا تؤتم أولادي و أمر له بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال و الله ليسعين في دمي و يؤتمن أولادي فقالوا فتعطيه و تصله قال نعم .
حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله .
قالوا فلما أتى علي إلى يحيى رفعه إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به فقال إن الأموال تحمل إليه من الآفاق و إنه اشترى ضيعة سماها اليسيرة بثلاثين ألف دينار فقال له صاحبها و قد أحضر المال إني أريد نقد كذا فأعطاه ذلك فسمع ذلك منه الرشيد فأمر له بمائتي ألف درهم تسبيبا على النواحي فاختار بعض كور المشرق فلما أتي بها زحر زحرة خرجت عنه حشاشة كلها فسقط فقال ما أصنع بالمال و أنا في الموت ثم إنه زال ملك البرامكة و اجتث أصلهم
[309]
عبد الله بن المغيرة قال : مر العبد الصالح (عليه السلام) بامرأة يمنية تبكي و صبيانها حولها يبكون و قد ماتت بقرة لها فدنا منها فقال ما يبكيك يا أمة الله فقالت يا عبد الله إن لي صبية أيتاما و كانت لي بقرة و كانت معيشتي و معيشة صبياني منها فقد ماتت و بقيت منقطعة بي و بولدي لا حيلة لها فتنحى (عليه السلام) فصلى ركعتين ثم رفع يده و قلب يمينه و حرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا أو صدمها برجله فاستوت على الأرض قائمة فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت قالت عيسى ابن مريم و رب الكعبة و خالط الناس و مضى (عليه السلام) .
ابن حماد :
و أنفع أعمال الفتى صدق وده *** لآل رسول الله أكرم شافع
لأكرم خلق الله حيا و ميتا *** و أفضلهم من بين كهل و يافع
بهم أوضح الله الهدى و بنورهم *** أنارت لنا سبل التقى و الشرائع
الشريف المرتضى :
قوم ولاؤهم حصن و ودهم *** لمن أعد نجاة أوثق العدد
أبو الرضا الحسني الراوندي :
أرادكم الحسود بكيد سوء *** فلا يك ما أراد عليه غمه
يريد ليطفئ النور المصفى *** و يأبى الله إلا أن يتمه
الحيري :
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى *** و العروة الوثقى لدى استمساك
و هم الصراط المستقيم و نورهم *** يجلو عمى المتحير الشكاك
و هم الأئمة لا إمام سواهم *** فدعي لتيم و غيرها دعواك
العبدي :
علي و الأئمة من بنيه هم *** سادوا الأولى عربا و عجما
نجوم نورها يهدي إذا ما *** مضى نجم أتى و الله نجما
[310]
الحميري :
رضيت بالرحمن ربا و بالإ *** سلام دينا أتوخاه
و بالنبي المصطفى هاديا *** و كل ما قال قبلناه
ثم الإمام ابن أبي طالب *** الطاهر الطهر و ابناه
و العالم الصامت و الناطق *** الباقر علما كان أخفاه
و جعفر المخبر عن جده *** بأول العلم و أخراه
ثم ابنه موسى و من بعده *** وارثه علم وصاياه
فصل في علمه (عليه السلام) :
الريان بن شبيب قال المأمون : استأذن الناس على الرشيد فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر فلما نظر إليه الرشيد تحرك و مد بصره و عنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه و عانقه ثم أقبل يسأل عن أحواله و أبو الحسن يقول خير خير فلما قام عانقه و ودعه فقلت يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما عملته مع أحد قط فمن هذا الرجل فقال يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد إن أردت العلم الصحيح فعند هذا قال المأمون فعند ذلك انغرس في قلبي حبهم .
هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر (عليه السلام) لأبرهة النصراني : كيف علمك بكتابك قال أنا عالم به و بتأويله قال فابتدأ موسى (عليه السلام) يقرأ الإنجيل فقال أبرهة و المسيح لقد كان يقرؤها هكذا و ما قرأ هكذا إلا المسيح و أنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة فأسلم على يديه .
كافي الكليني : أن رجلا افتض جارية معصرا لم تطمث فسال الدم نحوا من عشرة أيام فاختلف القوابل أنه دم الحيض أم دم العذرة و سألوا أبا حنيفة عن ذلك فقال هذا شيء قد أشكل فلتتوضأ و لتصل و ليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض فسأل خلف بن حماد لموسى بن جعفر فقال (عليه السلام) تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة و إن كان مستنقعا
[311]
في القطنة فهو من الحيض فبكى خلف و قال جعلت فداك من يحس هذا غيرك قال فرفع يده إلى السماء و قال إني و الله ما أخبرك إلا عن رسول الله عن جبرئيل عن الله تعالى .
و دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له : رأيت ابنك موسى يصلي و الناس يمرون بين يديه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ادعو إلي موسى فدعاه فقال له في ذلك فقال نعم يا أبة إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فضمه أبو عبد الله إلى نفسه ثم قال بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار .
و قال الكليني : هذا تأديب منه إلا أنه ترك الأفضل .
حج المهدي فلما صار في فتق العبادي ضج الناس من العطش فأمر أن يحفر بئرا فلما بلغوا قريبا من القرار هبت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء و منعت من العمل فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطئا ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر فقالا إنا رأينا آثارا و أثاثا و رأينا رجالا و نساء فكلما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء فصار المهدي يسأل عن ذلك و لا يعلمون فقال موسى بن جعفر (عليه السلام) هؤلاء أصحاب الأحقاف غضب الله عليهم فساخت بهم و ديارهم و أموالهم .
دخل موسى بن جعفر (عليه السلام) بعض قرى الشام متنكرا هاربا فوقع في غار و فيه راهب يعظ في كل سنة يوما فلما رآه الراهب دخله منه هيبة فقال يا هذا أنت غريب قال نعم قال منا أو علينا قال لست منكم قال أنت من الأمة المرحومة قال نعم قال أ فمن علمائهم أنت أم من جهالهم قال لست من جهالهم فقال كيف طوبى أصلها في دار عيسى و عندكم في دار محمد و أغصانها في كل دار فقال (عليه السلام) الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان و كل موضع و هي في السماء قال و في الجنة لا ينفد طعامها و إن أكلوا منه و لا ينقص منه شيء قال السراج في الدنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شيء قال و في الجنة ظل ممدود فقال (عليه السلام) الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود قوله أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ قال ما يؤكل و يشرب في الجنة لا يكون بولا و لا
[312]
غائطا قال (عليه السلام) الجنين في بطن أمه قال أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر فقال (عليه السلام) إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك و يفعلون بمراده من غير أمر قال مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة قال مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله قال صدقت و أسلم و الجماعة معه .
الفضل بن الربيع و رجل آخر قالا : حج هارون الرشيد و ابتدأ بالطواف و منعت العامة من ذلك لينفرد وحده فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت و جعل يطوف معه و قال الحجاب تنح يا هذا عن وجه الخليفة فانتهرهم الأعرابي و قال إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ فأمر الحاجب بالكف عنه فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه و التثمه ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه فلما فرغ الرشيد من صلاته استدعى الأعرابي فقال الحجاب أجب أمير المؤمنين فقال ما لي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال صدق فمشى إليه و سلم عليه فرد عليه السلام فقال هارون أجلس يا أعرابي فقال ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس إنما هو بيت الله نصبه لعباده فإن أحببت أن تجلس فاجلس و إن أحببت أن تنصرف فانصرف فجلس هارون و قال ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك قال نعم و في مستمع قال فإني سائلك فإن عجزت آذيتك قال سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت قال بل متعلم قال اجلس مكان السائل من المسئول و سل و أنت مسئول فقال أخبرني ما فرضك قال إن الفرض رحمك الله واحد و خمسة و سبعة عشر و أربع و ثلاثون و أربع و تسعون و مائة و ثلاثة و خمسون على سبعة عشر و من اثني عشر واحد و من أربعين واحد و من مائتين خمس و من الدهر كله واحد و واحد بواحد قال فضحك الرشيد و قال ويحك أسألك عن فرضك و أنت تعد علي الحساب قال أ ما علمت أن الدين كله الحساب و لو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ثم قرأ وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ قال فبين لي ما قلت و إلا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة فقال الحاجب تهبه لله و لهذا المقام قال فضحك الأعرابي من قوله فقال الرشيد مما ضحكت يا
[313]
أعرابي قال تعجبا منكما إذ لا أدري من الأجهل منكما الذي يستوهب أجلا قد حضر أو الذي استعجل أجلا لم يحضر فقال الرشيد فسر ما قلت قال أما قولي الفرض واحد فدين الإسلام كله واحد و عليه خمس صلوات و هي سبع عشرة ركعة و أربع و ثلاثون سجدة و أربع و تسعون تكبيرة و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة و أما قولي من اثني عشر واحد فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا و أما قولي من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا و أما قولي مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم و أما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الإسلام و أما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فقال الرشيد لله درك و أعطاه بدرة فقال فبم أستوجب منك هذه البدرة يا هارون بالكلام أو بالمسألة قال بل بالكلام قال فإني مسائلك عن مسألة فإن أنت أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف فإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحي من قومي فأمر بإيراد أخرى و قال سل عما بدا لك فقال أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها فخرد هارون و قال ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة فقال سمعت ممن سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم و أنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شيء من أمر دينك و من الفرائض إلا و أجبت عنها فهل عندك له الجواب قال هارون رحمك الله لا فبين لي ما قلته و خذ البدرتين فقال إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض من غير فرث و لا دم خلقها من التراب و جعل رزقها و عيشها منه فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب فقال هارون و الله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج فتبعه بعض الناس و سأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد (عليه السلام) فأخبر هارون بذلك فقال و الله لقد ركنت أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة .
و روى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : أن أبا يوسف أمره الرشيد بسؤال موسى بن جعفر (عليه السلام) قال ما تقول في التظليل للمحرم قال لا يصلح قال فيضرب الخباء في
[314]
الأرض و يدخل البيت قال نعم قال فما الفرق بين الموضعين قال أبو الحسن ما تقول في الطامث أ تقضي الصلاة قال لا قال فتقضي الصوم قال نعم قال و لم قال هكذا جاء قال أبو الحسن و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا قال رماني من حجر دامغ و روي من وجه آخر أن محمد بن الحسن سأله عنها فأجابه بما أجاب قال فتضاحك محمد من ذلك فقال أبو الحسن (عليه السلام) أ تعجب من سنة رسول الله و تستهزئ أن رسول الله كشف ظلاله في إحرامه و مضى تحت الظلال و هو محرم إن أحكام الله لا تقاس من قاس بعضها على بعض فقد ضل عن سواء السبيل .
و قال أبو حنيفة : رأيت موسى بن جعفر و هو صغير السن في دهليز أبيه فقلت أين يحدث الغريب منكم إذ أراد ذلك فنظر إلي ثم قال يتوارى خلف الجدار و يتوقى أعين الجار و يتجنب شطوط الأنهار و مساقط الثمار و أفنية الدور و الطرق النافذة و المساجد و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها و يرفع و يضع بعد ذلك حيث شاء قال فلما سمعت هذا القول منه نبل في عيني و عظم في قلبي فقلت له جعلت فداك ممن المعصية فنظر إلي ثم قال اجلس حتى أخبرك فجلست فقال إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولى بإنصاف الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجه النهي و له حق الثواب و العقاب و وجبت الجنة و النار فقلت ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ... الآية .
و سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) : عن المحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد أو الميتة فقال يأكل الصيد فقلت إن الله عز و جل حرم الصيد فقال إن الله عز و جل حرم الصيد و أحل له الميتة فقال (عليه السلام) يأكل الصيد و يفديه فإنما يأكل من ماله .
و قال علي بن جعفر : و سألته عن رمي الجمار لم جعل قال لأن إبليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم (عليه السلام) في موضع الجمار فرجمه إبراهيم (عليه السلام) فجرت السنة بذلك .
و سأل هشام بن الحكم موسى بن جعفر (عليه السلام) : لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات و لأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم و بحمده و في السجود
[315]
سبحان ربي الأعلى و بحمده قال (عليه السلام) إن الله تعالى خلق السماوات سبعا و الأرضين سبعا فلما أسري بالنبي (عليه السلام) و صار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح فلما رفع الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى رفع سبع حجب و كبر سبع تكبيرات فلذلك العلة يكبر في الافتتاح سبع تكبيرات فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول سبحان ربي العظيم و بحمده فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إلى تلك العظمة في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه و هو يقول سبحان ربي الأعلى و بحمده فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة .
جمع المأمون المتكلمين على رجل من ولد الصادق (عليه السلام) فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي و كلفوا العلوي سؤاله في الإمامة فقال العلوي يا يحيى أخبرني عمن ادعى الصدق لنفسه و كذب الصادقين عليه ليكون محقا صادقا أو كاذبا فأمسك يحيى فقال له المأمون أجبه فقال يحيى لا جواب يا أمير المؤمنين فقد قطعني فقال له المأمون ما هذه المسألة فقال له يا أمير المؤمنين لا يخلو يحيى من ثلاثة أجوبة إن زعم أنه صدق و كذب الصادقين على أنفسهم فلا إمامة لكذاب لقول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم أقيلوني و قوله إن لي شيطان يعتريني فإذا ملت فسددوني لئلا أوثر في أشعاركم و أبشاركم و إن زعم يحيى أنه كذب و صدق الصادقين على أنفسهم فلا إمامة لمن أقر على رءوس الأشهاد بمثل ما أقر به الصادق عند أصحابنا المقتدين به الموقنين بإمامته و لا إمامة لمن أقر بالعجز على نفسه و لا إمامة لمن قال صاحبه بعده كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه و لا تصح الإمامة من بعده لأنه عقدها له من كانت بيعته فلتة و إن قال يحيى لا أدري ففي أي الأحزاب أ يعد في العلماء أم من الجهال فقبل المأمون في وجهه و قال ما يحسن يتكلم بهذا غيرك .
و قال بعض خواص موسى بن جعفر له : إن فلانا ينافقك في الدين لأنه قال له صاحب المجلس أنت تزعم أن موسى بن جعفر إمام فقال إن لم أكن أعتقد أنه غير إمام فعلي و على من يعتقد ذلك لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين فقال موسى (عليه السلام)
[316]
إنما قال موسى عنى غير إمام أي أن الذي هو غير إمام فموسى غيره فهو إذا إمام فإنما أثبت بقوله هذا إمامتي و نفى إمامة غيري .
الشريف المرتضى في الغرر عن أبي عبد الله (عليه السلام) بإسناده عن أيوب الهاشمي أنه : حضر باب الرشيد رجل يقال له نفيع الأنصاري و حضر موسى بن جعفر على حمار له فتلقاه الحاجب بالإكرام و عجل له بالإذن فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر من هذا الشيخ قال شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد هذا موسى بن جعفر قال ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أ ما إن خرج لأسوءه فقال له عبد العزيز لا تفعل فإن هؤلاء أهل بيت قل ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر قال و خرج موسى و أخذ نفيع بلجام حماره و قال من أنت يا هذا قال يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين إن كنت منهم الحج إليه و إن كنت تريد المفاخرة فو الله ما رضوا مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءهم حتى قالوا يا محمد أخرج إلينا أكفاء من قريش و إن كنت تريد الصيت و الاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول اللهم صل على محمد و آل محمد فنحن آل محمد خل عن الحمار فخلى عنه و يده ترتعد و انصرف مخزيا فقال له عبد العزيز أ لم أقل لك .
ابن المعاذ :
سل بحال الإمام يوم نفيع *** كيف أخزاه للعين و كفر
هو للأولياء اسم و معنى *** و هو في القلب للمحق مصور
و أخذ عنه العلماء ما لا يحصى كثرته .
و ذكر عنه الخطيب في تاريخ بغداد و السمعاني في الرسالة القوامية و أبو صالح أحمد المؤذن في الأربعين و أبو عبد الله بن بطة في الإبانة و الثعلبي في الكشف و البيان .
و كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت (عليهم السلام) لما روي عنه ,قال : حدثني موسى بن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد قال حدثني أبي محمد بن علي
[317]
قال حدثني أبي علي بن الحسين قال حدثني أبي الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
ثم قال أحمد : و هذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق .
و لقيه أبو نواس فقال :
إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** و عارض فيه الشك أثبتك القلب
و لو أن ركبا أمموك لقادهم *** نسيمك حتى يستدل بك الركب
جعلتك حسبي في أموري كلها *** و ما خاب من أضحى و أنت له حسب
العوني :
نعم آل طه خير من وطئ الحصى *** و أكرم أبصارا على الأرض تطرف
هم الكلمات الطيبات التي بها *** يتاب على الخاطي فيجبى و يزلف
هم البركات النازلات على الورى *** تعم جميع المؤمنين و تكنف
هم الباقيات الصالحات بذكرها *** لذاكرها خير الثواب المضعف
هم الصلوات الزاكيات عليهم *** يدل المنادي بالصلاة و يعكف
هم الحرم المأمون آمن أهله *** و أعداؤه من حوله تتخطف
هم الوجه وجه الله و الجنب جنبه *** و هم فلك نوح خاب عنه المخلف
هم الباب باب الله و الحبل حبله *** و عروته الوثقى توارى و تكتف
و أسماؤه الحسنى التي من دعا بها *** أجيب فما للناس عنها تحرف
هم الآية الكبرى بهم صارت العصا *** لموسى الكليم حية تتلقف
غيره :
وسيلتي يوم المحشر مولاي *** موسى بن جعفر
و جده و أبيه و *** السيدان و حيدر
فصل في معالي أموره (عليه السلام) :
صفوان الجمال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر فقال صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب فأقبل موسى بن جعفر و هو صغير و معه عناق مكية و هو يقول لها اسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله فضمه إليه و قال بأبي و أمي لا يلهو و لا