[318]
يلعب .
اليوناني : كانت لموسى بن جعفر بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال .
و كان (عليه السلام) أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن و بكى السامعون لتلاوته و كان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع .
أحمد بن عبد الله عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع و هو جالس على سطح فقال لي أشرف على هذا البيت و انظر ما ترى فقلت ثوبا مطروحا فقال انظر حسنا فتأملت فقلت رجل ساجد فقال لي تعرفه هو موسى بن جعفر أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس و قد وكل من يترصد أوقات الصلاة فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء و هو دأبه فإذا صلى العتمة أفطر ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر .
و قال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه اللهم إنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد .
و كان (عليه السلام) يقول في سجوده قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو و التجاوز من عندك .
و من دعائه : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب .
و كان يتفقد فقراء أهل المدينة فيحمل إليهم في الليل العين و الورق و غير ذلك فيوصله إليهم و هم لا يعلمون من أي جهة هو و كان (عليه السلام) يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار و كانت صرار موسى مثلا .
و شكا محمد البكري إليه : فمد يده إليه فجعل إلى صرة فيها ثلاثمائة دينار .
و حكي : أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل إليه فقال (عليه السلام) إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم
[319]
أجد لهذا خبرا و إنه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام فقال المنصور إنما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس و دخلت عليه الملوك و الأمراء و الأجناد يهنونه و يحملون إليه الهدايا و التحف و على رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له يا ابن بنت رسول الله إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي (عليه السلام) :
عجبت لمصقول علاك فرنده يوم الهياج و قد علاك غبارو لا سهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك و الدموع غزارأ لا تقضقضت السهام و عاقها عن جسمك الإجلال و الإكبار
قال قبلت هديتك اجلس بارك الله فيك و رفع رأسه إلى الخادم و قال امض إلى أمير المؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به فمضى الخادم و عاد و هو يقول كلها هبة مني له يفعل به ما أراد فقال موسى للشيخ اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك .
و كان عمري يؤذيه و يشتم عليا (عليه السلام) فقال له بعض حاشيته دعنا نقتله فنهاهم عن ذلك فركب يوما إليه فوجده في مزرعة فجالسه و باسطه و قال له كم عزمت في زرعك هذا قال مائة دينار قال و كم ترجو أن تصيب قال مائتي دينار قال فأخرج له صرة فيها ثلاثمائة دينار فقال هذا زرعك على حاله يرزقك الله فيه ما ترجو فاعتذر العمري إليه و قال الله أعلم حيث يجعل رسالاته و كان يخدمه بعد ذلك .
موسى بن جعفر (عليه السلام) قال دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي قال فأجلسني أبي بين يديه و قال يا بني اكتب .
تنح عن القبيح و لا ترده
ثم قال آجزه فقلت :
و من أوليته حسنا فزده
ثم قال :
ستلقى من عدوك كل كيد *** ...
فقلت :
إذا كاد العدو فلا تكده
قال : فقال ذرية بعضها من بعض .
[320]
ابن عمار أنه : استقبل الرشيد على بغلة فاستنكر ذلك فقال أ تركب دابة إن طلبت عليها لم تلحق و إن طلبت لم تسبق و في رواية أنه قال إن طلبت عليها لم تدرك و إن طلبت لم تفت فقال (عليه السلام) لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أطلب و إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل و ارتفعت عن ذلة العير و خير الأمور أوساطها .
و حج هارون فلما دخل المدينة تقدم إلى التربة فقال السلام عليك يا ابن العم مفتخرا بذلك على غيره فتقدم أبو الحسن و قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة فتغير وجه هارون و أمر به فأخذ من المسجد .
داود بن كثير الرقي قال : أتى أعرابي إلى أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال توفي جعفر الصادق فشهق شهقة و أغمي عليه فلما أفاق قال هل أوصى إلى أحد قال نعم أوصى إلى ابنه عبد الله و موسى و أبي جعفر المنصور فضحك أبو حمزة و قال الحمد لله الذي هدانا إلى المهدي و بين لنا عن الكبير و دلنا على الصغير و أخفى عن أمر عظيم فسئل عن قوله فقال بين عيوب الكبير و دل على الصغير لإضافته إياه و كتم الوصية للمنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل أنت .
و دعا أبو جعفر المنصور في جوف الليل أبا أيوب الخوزي فلما أتاه رمى كتابا إليه و هو يبكي و قال هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأن جعفر بن محمد قد مات فإنا لله و إنا إليه راجعون و أين مثل جعفر ثم قال له اكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه و اضرب عنقه فكتب و عاد الجواب قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور و محمد بن سليمان و عبد الله و موسى و حميد قال المنصور ما إلى قتل هؤلاء سبيل .
و في كتاب أخبار الخلفاء : أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر خذ فدكا حتى أردها إليك فيأبى حتى ألح عليه فقال (عليه السلام) لا آخذها إلا بحدودها قال و ما حدودها قال إن حددتها لم تردها قال بحق جدك إلا فعلت قال أما الحد الأول فعدن فتغير وجه الرشيد و قال إيها قال و الحد الثاني سمرقند فأربد
[321]
وجهه و الحد الثالث إفريقية فاسود وجهه و قال هيه قال و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية قال الرشيد فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي قال موسى قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله و في رواية ابن أسباط أنه قال أما الحد الأول فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال هذا كله هذه الدنيا فقال هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل و لا ركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة (عليه السلام) .
يزيد بن أسباط قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في مرضته التي مات فيها فقال لي يا يزيد أ ترى هذا الصبي إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند إخوته حتى طرحوه في الجب الحسد له حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر و هم له ساجدون و كذلك لا بد لهذا الغلام من أن يحسد ثم دعا موسى و عبد الله و إسحاق و محمدا و العباس و قال لهم هذا وصي الأوصياء و عالم علم العلماء و شهيد على الأموات و الأحياء ثم قال يا يزيد ستكتب شهادتهم و يسألون .
و لما نص الصادق على موسى و هو غلام قال فيض بن المختار جعلت فداك أخبر به أحدا قال نعم أهلك و ولدك و رفقاءك قال فأخبرت يونس بن ظبيان فقال لا و الله حتى أسمع ذلك منه فلما انتهى إلى الباب سمعت الصادق (عليه السلام) يقول له الأمر كما قال لك فيض ثم دخلت فقال لي يا فيض رزقه رزقه أي احتفظ به بالنبطية .
و روى : صريح النص عليه بالإمامة من أبيه ثقات , منهم : أخوه علي و إسحاق و المفضل بن عمر الجعفي و معاذ بن كثير و عبد الرحمن بن الحجاج و الفيض بن المختار و يعقوب السراج و سليمان بن خالد و صفوان بن مهران الجمال و حمران بن أعين و أبو بصير و داود الرقي و يزيد بن سليط و يونس بن ظبيان و قطع عليه العصابة إلا طائفة عمار الساباطي .
[322]
اعتبار القطع على عصمة الإمام و وجوب النص عليه , يوجب إمامته , و يبطل إمامة كل من يدعي له الإمامة , لأنهم بين من لم يكن مقطوعا على عصمته , و بين من يدعي له العصمة و لم يكن مقطوعا , و عليه في ثبوت الأمرين ; ثبوت إمامته خلفا عن سلف بالنص عليه من أبيه و عن آبائه و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
قال بعض شعراء أهل مصر :
يا ابن النبي المصطفى *** و خليفة الرحمن ربك
و صلاتنا و صيامنا *** لا يقبلان بغير حبك
داود بن سالم :
يا ابن بنت النبي زارك زور *** لم يكن ملحفا و لا سوالا
ذاك خير الأنام أبا و أما *** و الذي يمنح الندا و السؤالا
و إذا مر عابر ابن سبيل *** يجمع الفاضلين و العقالا
بهت الناس ينظرون إليه *** مثل ما ترقب العيون الهلالا
عبد المحسن :
عرفت فضلكم ملائكة الله فدانت *** و قومكم في شقاق
يستحقون حقكم زعموا إذا *** مستحقا لهم من استحقاق
و استشاروا السيوف فيكم فقمنا *** نستشير الأقلام في الأوراق
السوسي :
يلومني في هوى أبناء فاطمة قوم *** و ما عدلوا بالله إذ عدلوا
واليت قوما تميد الأرض إن ركبوا *** و تطمئن و تهدأ إن هم نزلوا
قوم بهم تكشف الأمراض و العلل *** و فيهم يستقر الحر و النعل
بحور جود فلا غاضوا و لا جهلوا *** بدور فخر فلا غابوا و لا أفلوا
إن يغضبوا صفحوا أو يسألوا سمحوا *** أو يوزنوا رجحوا أو يحكموا عدلوا
يوفون إن نذروا يعفون إن قدروا *** و إن يقولوا نعم من وقتهم فعلوا
و إن سألت بهم أعطى الذي أسل *** و هم غناي إذا ضاقت بي الحيل
[323]
إن خفت في هذه الدنيا بحبهم *** فما علي غدا خوف و لا وجل
فصل في أحواله و تواريخه (عليه السلام) :
موسى بن جعفر الكاظم الإمام العالم .
كنيته : أبو الحسن الأول و أبو الحسن الماضي و أبو إبراهيم و أبو علي .
و يعرف : بالعبد الصالح و النفس الزكية و زين المجتهدين و الوفي و الصابر و الأمين و الزاهر و سمي بذلك لأنه زهر بأخلاقه الشريفة و كرمه المضي التام .
و سمي الكاظم : لما كظمه من الغيظ و غض بصره عما فعله الظالمون به حتى مضى قتيلا في حبسهم و الكاظم الممتلي خوفا و حزنا و منه كظم قربته إذا شد رأسها و الكاظمة البئر الضيقة و السقاية المملوة .
و قال الربيع بن عبد الرحمن : كان و الله من المتوسمين فيعلم من يقف عليه بعد موته و يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فلذلك سمي الكاظم .
و كان (عليه السلام) أزهر إلا في الغيظ لحرارة مزاجه ربع تمام خضر حالك كث اللحية .
و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب الله و أحسنهم صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن و بكى و بكى السامعون لتلاوته .
و كان أجل الناس شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أسخاهم بنانا و أفصحهم لسانا و أشجعهم جنانا قد خص بشرف الولاية و حاز إرث النبوة و بوئ محل الخلافة سليل النبوة و عقيد الخلافة .
أمه : حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري و يقال إنها أندلسية أم ولد تكنى لؤلؤة .
ولد (عليه السلام) : بالأبواء موضع بين مكة و المدينة يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة .
و كان في سني إمامته : بقية ملك المنصور ثم ملك المهدي عشر سنين و شهرا و أياما ثم ملك الهادي سنة و خمسة عشر يوما ثم ملك الرشيد ثلاث و عشرين سنة و شهرين و سبعة عشر يوما .
و بعد مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد : استشهد ; مسموما في حبس الرشيد
[324]
على يدي السندي بن شاهك , يوم الجمعة لست بقين من رجب .
و قيل لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و قيل سنة ست و ثمانين .
و كان مقامه مع أبيه : عشرين سنة , و يقال تسع عشرة سنة و بعد أبيه أيام إمامته خمس و ثلاثون سنة .
و قام بالأمر : و له عشرون سنة .
و دفن : ببغداد بالجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين فصارت باب الحوائج .
و عاش : أربعا و خمسين سنة .
أولاده : ثلاثون فقط و يقال سبعة و ثلاثون فأبناؤه ثمانية عشر علي الإمام و إبراهيم و العباس و القاسم و عبد الله و إسحاق و عبيد الله و زيد و الحسن و الفضل من أمهات أولاد و إسماعيل و جعفر و هارون و الحسن من أم ولد و أحمد و محمد و حمزة من أم ولد و يحيى و عقيل و عبد الرحمن .
المعقبون منهم ثلاثة عشر علي الرضا (عليه السلام) و إبراهيم و العباس و إسماعيل و محمد و عبد الله و عبيد الله و الحسن و جعفر و إسحاق و حمزة .
و بناته تسع عشرة خديجة و أم فروة و أم أبيها و علية و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و نزيهة و كلثوم و أم كلثوم و زينب و أم القاسم و حكيمة و رقية الصغرى و أم وحية و أم سلمة و أم جعفر و لبابة و أسماء و أمامة و ميمونة من أمهات أولاد .
و كان تولى حبسه : عيسى بن جعفر ثم الفضل بن الربيع ثم الفضل بن يحيى البرمكي ثم السندي بن شاهك سقاه سما في رطب أو طعام آخر و لبث ثلاثا بعده موعوكا ثم مات في اليوم الثالث .
و كانت وفاته : في مسجد هارون الرشيد و هو المعروف بمسجد المسيب و هو في الجانب الغربي من باب الكوفة لأنه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه .
و كان بين وفاة موسى (عليه السلام) إلى وقت حرق مقابر قريش مائتان و ستون سنة .
[325]
بابه : المفضل بن عمر الجعفي .
و في اختيار الرجال عن الطوسي أنه اجتمع أصحابنا على تصديق ستة نفر من فقهاء الكاظم و الرضا (عليهما السلام) , و هم : يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى بياع السابري و محمد بن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة و الحسن بن محبوب السراد و أحمد بن محمد بن أبي نصر .
و من ثقاته : الحسن بن علي بن فضال الكوفي مولى لتيم الرباب و عثمان بن عيسى و داود بن كثير الرقي مولى بني أسد و علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) .
و من خواص أصحابه : علي بن يقطين مولى بني أسد و أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي و إسماعيل بن مهران و علي بن مهزيار من قرى فارس ثم سكن الأهواز و الريان بن الصلت الخراساني و أحمد بن محمد الحلبي و موسى بن بكير الواسطي و إبراهيم بن أبي البلاد الكوفي .
الكوفي :
سادتي عدتي عمادي ملاذي *** خمسة عندهم تحط رحال
سادتي سادة بهم ينزل الغيث *** علينا و تقبل الأعمال
سادة حبهم يحط الخطايا *** و لديهم تصدق الآمال
سادة قادة إليهم إذا *** ما ذكر الفضل تضرب الأمثال
و بهم تدفع المكاره *** و الخيفة عنا و تكشف الأهوال
و بهم طابت المواليد *** و امتاز لنا الحق و الهدى و الضلال
و بهم حرم الحرام و زال *** الشك في ديننا و حل الحلال
و له :
يا آل أحمد أنتم خير مشتمل *** بالمكرمات و أنتم خير معترف
خلافة الله فيكم غير خافية *** يفضي بها سلف منكم إلى خلف
طبتم فطاب مواليكم لطيبتكم *** و باء أعداؤكم بالخبث في النطف
رأيت نفعي و ضري عندكم فإذا *** ما كان ذاك فعنكم أين منصرفي
[326]
العوني :
فقالت إلى أين انصرافك نبني *** فقلت إلى أولاد فاطمة الزهرا
إلى آل وحي الله عند نزوله *** على المصطفى أعلى به عنده قدرا
إلى شفعاء الخلق في يوم بعثهم *** إلى المرتضى للنار يزجرها زجرا
ابن طباطبا :
في كل يوم للفخار بنية *** ما بيننا تبنى و مجد يبدع
أو جحفل يقتاد أو سيف على *** أعداء دين الله فينا يطبع
أو ليث غاب نرفع الجلي به *** أو كوكب من أهلنا يستطلع
أو منبر يرقى على أعواده *** منا لخطبته خطيب مصقع
فينا النبوة و الإمامة و الهدى *** و الآي و السنن التي لا تدفع
إن المعالي إن أطعن معاشرا *** لتقى فهن لآل أحمد أطوع
فصل في وفاته (عليه السلام) :
كان محمد بن إسماعيل بن الصادق (عليه السلام) عمه موسى الكاظم (عليه السلام) يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق فلما ورد الرشيد إلى الحجاز سعى بعمه إلى الرشيد فقال أ ما علمت أن في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج فقال الرشيد ويلك أنا و من قال موسى بن جعفر و أظهر أسراره فقبض عليه و حظي محمد عند الرشيد و دعا عليه موسى الكاظم بدعاء استجابه الله فيه و في أولاده .
و في رواية : أنه جاء محمد بن إسماعيل إليه (عليه السلام) و استأذن منه فأذن له فقال يا عم أحب أن توصيني فقال أوصيك أن تتقي الله في دمي و أعطاه صرة أخرى و صرة أخرى و أمر له بألف و خمسمائة درهم فجاء محمد بن إسماعيل إلى الرشيد فدخل عليه و سعى بعمه فأمر له بمائة ألف درهم فلما قبضها دخل إلى منزله فأخذته الذبحة في جوف ليلته فمات .
[327]
و روي : أنه لما دخل الرشيد إلى المدينة أمر بقبض موسى بن جعفر و كان قائما يصلي عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول إليك أشكو يا رسول الله و قيد و استدعى قبتين فجعله في إحداهما و خرج البغلان من داره و مع كل واحد منهما خيل فأخذوا واحدة على طريق البصرة و الأخرى على طريق الكوفة و كان أبو الحسن (عليه السلام) في التي على طريق البصرة و أمرهم بتسليمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فحبسه عنده سنة فكتب عيسى إلى الرشيد قد طال أمر موسى و مقامه في حبسي و قد اختبرت حاله و وضعت من يسمع منه ما يقول فما دعا عليك و لا علي بسوء ما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة فإن أنفذت إلي من يتسلمه مني و إلا خليت سبيله فإنني متحرج من حبسه فوجه الرشيد من يتسلمه من عيسى و صير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل بن الربيع يقتله فأبى فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فوسع عليه الفضل و أكرمه فوجه إليه مسرور الخادم ليتعرف حاله فحكى كما كان فأمر السندي و عباس بن محمد بضرب الفضل فضربه السندي بين يديه مائة سوط و أخبر الرشيد بذلك فقال أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني و خالف طاعتي فالعنوه فلعنه الناس من كل جانب فاستدبر يحيى بن خالد و قال إن الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد فقال الرشيد ألا إن الفضل قد تاب و أناب إلى طاعتي فتولوه ثم خرج يحيى إلى بغداد فدعا السندي فأمره بأمره فامتثله و جعل سما في طعام فقدمه إليه .
و قال أحمد بن عبد الله : لما نقل الكاظم (عليه السلام) من دار الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى البرمكي كان ابن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة و منع أن يدخل من عند غيره حتى مضى ثلاثة أيام فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة البرمكي قال فرفع رأسه إلى السماء فقال يا رب إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت على نفسي قال فأكل فمرض فلما كان من الغد بعث إليه بالطبيب فقال (عليه السلام) هذه علتي و كانت خضرة في وسط راحته تدل على أنه سم فانصرف إليهم و قال و الله لهو أعلم بما فعلتم به و منكم ثم توفي .
و في رواية الحسن بن محمد بن بشار : أن السندي بن شاهك جمع ثمانين رجلا من الوجوه و أدخلهم على موسى بن جعفر و قال يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث
[328]
به حدث و هذا منزله و فرشه موسع عليه .
فقال (عليه السلام) أما ما ذكرت من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني سقيت السم في تسع تمرات و أنا أخضر غدا و بعد غد أموت و في رواية غيره أنه قال (عليه السلام) يا فلان و فلان إني سقيت السم في يومي هذا و في غد يصفر بدني و بعد غد يسود و أموت .
و في كتاب الأنوار أنه قال (عليه السلام) للمسيب : إذا دعا لي بشربة من ماء فشربتها و رأيتني قد انتفخ بطني و اصفر لوني و تلون أعضائي فهي وفاتي .
و روي أنه (عليه السلام) قال للمسيب : ذا الرجس ابن شاهك يقول إنه يتولى أمري و يدفنني هيهات أن يكون ذلك أبدا .
و وجدت شخصا جالسا على يمينه ; فلما قضى , غاب الشخص .
ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد .
فوافى السندي , يظن أنه يفعل ذلك ; و هو مغسل مكفن محنط فحمل حتى دفن في مقابر قريش .
و لما مات (عليه السلام) : أخرجه السندي و وضعه على الجسر ببغداد و نودي هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه و إنما قال ذلك لاعتقاد الواقفة أنه القائم و جعلوا حبسه غيبة القائم فنفر بالسندي فرسه نفرة و ألقاه في الماء فغرق فيه و فرق الله جموع يحيى بن خالد .
و قيل : إن سليمان بن جعفر بن أبي جعفر المنصور كان ذات يوم جالسا في دهليزه في يوم مطر إذ مرت جنازته (عليه السلام) فقال سلوا هذه جنازة من فقيل هذا موسى بن جعفر مات في الحبس فأمر الرشيد أن يدفن بحاله فقال سليمان موسى بن جعفر يدفن هكذا فإن في الدنيا من كان يخاف على الملك في الآخرة لا يوفى حقه فأمر سليمان غلمانه بتجهيزه و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار مكتوب عليها القرآن كله و مشى حافيا و دفنه في مقابر قريش .
القاضي :
و هارونكم أردى بغير جريرة *** نجوم تقى مثل النجوم الكواكب
و مأمونكم سم الرضا بعد بيعة *** فأدت له شم الجبال الرواسب
أ تقتل يا ابن الشفيع المطاع *** و يا ابن المصابيح و ابن الغرر
و يا ابن الشريعة و ابن الكتاب *** و يا ابن الرواية و ابن الأثر
[329]
مناسب ليست بمجهولة *** ببدو البلاد و لا بالحضر
مهذبة من جميع الجهات *** و من كل شائبة أو كدر
ربيع اليتامى و الأرامل كلهم *** مداريس للقرآن في كل سحرة
مصابيح أعلام نجوم هداية *** مراجيح أحلام لقوا كل كربة
و أعلام دين المصطفى و ولاته *** و أصحاب قرآن و حج و عمرة
أ آل رسول الله صبرا على الذي *** أضيم به فالصبر أوثق عروة
ابن سنان : قلت للرضا (عليه السلام) ما لمن زار أباك قال له الجنة فزره .
زكريا بن آدم عن الرضا أن الله نجا بغداد بمكان قبر أبي الحسن .
و قال (عليه السلام) :
و قبر بغداد لنفس زكية *** تضمنها الرحمن بالغرفات
و قبر بطوس يا لها من مصيبة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
أبو الحسن المعاذ :
زر بغداد موسى بن جعفر *** قبر موسى مديحه ليس ينكر
هو باب إلى المهيمن تقضى *** منه حاجاتنا و تحبى و تجبر
هو حصني و عدتي و غياثي *** و ملاذي و موئلي يوم أحشر
صائم القيظ كاظم الغيظ في *** الله مصفى به الكبائر تغفر
كم مريض وافى إليه فعافاه *** و أعمى أتاه صح و أبصر
الناشي :
ببغداد و إن ملئت قصورا *** قبور أغشت الآفاق نورا
ضريح السابع المعصوم موسى *** إمام يحتوي مجدا و خيرا
بأكناف المقابر من قريش *** له جدث غدا بهجا نضيرا
و قبر محمد في ظهر موسى *** يغشى نور بهجته الحضورا
هما بحران من علم و حلم *** تجاوز في نفاستها البحورا