إذا غارت جواهر كل بحر *** فجوهرها ينزه أن يغورا
يلوح على السواحل من بغاة *** تحصل كفه الدر الخطيرا
[330]
باب إمامة أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
فصل في المقدمات :
الحمد لله الذي لكل أحد في كل لحظة من صنعه لطيفة الرحمن الذي لكل حيوان من خزائن امتنانه وظيفة الرحيم الذي ستر القبائح و الفضائح بنظرته الشريفة أقبل كل مدبر لقبول حضرته المنيفة و أدبر كل مقبل لورود ضربته العنيفة إن عاقب فلا طاقة لعقوبته للنفس الضعيفة قرب المؤمن فصار بين أرجى الرجاء و أخوف الخيفة خلق آدم فهيأه تهيئة طريفة و صوره في صورة نظيفة و ناظر عنه ملائكة الملكوت حتى أبرزوا آراءهم سخيفة فذلك قوله وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .
يحيى بن محمد الفارسي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قال أنزلت في الأئمة الأوصياء من آل محمد (عليه السلام) .
عبد العظيم الحسني بإسناده إلى جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً يقول لأشربنا قلوبهم الإيمان و الطريقة هي ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) و الأوصياء .
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال استقاموا على الأئمة واحدا بعد واحد تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ .
إدريس بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ قال عنى بها لم نك من أتباع الأئمة الذين قال فيهم وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ إنا نرى أن الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة المصلي فذلك الذي عنى حيث قال لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ قالوا لم نك من أتباع السابقين .
عبد الله بن خليل عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى : وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قال نزلت فينا .
و روي عن الأئمة في قوله تعالى : وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ و عنهم (عليهم السلام) في قوله تعالى وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ إنهما نزلتا فينا .
زيد بن علي في قوله تعالى : وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ قال سبيلنا أهل البيت القصد السبيل الواضح .
ابن عباس في قوله تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ عنى بني المطلب .
[331]
سليمان بن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) في قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً قال المودة لآل محمد (عليه السلام) .
ابن عباس في قوله : إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ... الآيات نزلت في أهل البيت (عليه السلام) .
سئل أبو الحسن (عليه السلام) عن الواقفة فقال ملعونون أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا و الله إن الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم و قال (عليه السلام) لمحمد بن عاصم لا نجالسهم فإن الله عز و جل يقول فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ... الآيات يعني الأوصياء الذين كفر بهم الواقفة .
و متابعة ثمانية أورثت ثمانية ففي متابعة النفس الندامة كما في قصة قابيل فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ و في متابعة الهوى الخساسة كما في قصة بلعام وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ و في متابعة الشهوات الكفر كما في قصة الكفرة وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ و في متابعة الشيطان النار إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ... الآيات و في متابعة الفراعنة الغرق في الدنيا و الحرق في العقبى فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ و في متابعة الضالين الكون معهم يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ و في متابعة الرسول محبة الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و في متابعة أهل البيت الحشر معهم الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ .
و قد وضع الله أشياء على ثمانية العرش قوله وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ و أبواب الجنة لقوله وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها قالوا أثبت الواو لزيادة الباب الثامن و أرباب الصدقات لقوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ و قوله ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ... الآية و قوله سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ و قوله عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ .
و المولود تتكامل حركته و قواه و خلقته فيها و قد كان خاتم سليمان (عليه السلام) مثمن الشكل و جميع من حوت سفينة نوح و سلموا من الغرق كانوا ثمانين و سمي منزلهم سوق الثمانين و الأفلاك سبعة و فلك البروج المحيط بها الثامن و القفيز ثمانية مكاكيك و الدانق من الدرهم ثماني حبات و الإعراب و البناء ثمانية و العروض
[332]
مبناها على ثمانية أجزاء و يشتق من المصدر ثمانية مجاري و الجسم من ثمانية جواهر و مدار سائر الأعداد على ثمانية درج و هي آحاد و عشرات و أوتار البربط ثمانية و قولهم بهدل في أعداد النرد ليس كما يزعمون لأن تفسيره نفس أجود أ لا ترى أن به أجود و دل نفس و علي الرضا ثمانية أحرف و هو ثامن الأئمة .
الصولي :
ألا إن خير الناس نفسا و والدا *** و رهطا و أجدادا علي المعظم
أتينا به للحلم و العلم ثامنا *** إماما يؤدي حجة الله يكتم
و علي بن موسى (عليه السلام) ميزانه في الحساب أمين الله على عباده و وليه في بلاده لاستوائهما في خمسمائة و ثلاثة و خمسين اعتبار العصمة و وجوب النص و كون الإمام عالما بجميع أحكام الشريعة تدل على إمامة الرضا (عليه السلام) لأن كل من ادعيت إمامته فهذه الصفات عنه منفية و يدل أيضا على إمامته تواتر الشيعة بالنص من أبيه (عليه السلام) .
محمد بن أبي النعمان :
معادن العلم و الآيات و الحكم *** و موضع الجود و الإفضال و الكرم
قوم بهم فتح الله الهدى و بهم *** ختامه عند درس الحق في الأمم
إن كان دين إله الخلق أذلهم *** سوالف في الورى من خالص النعم
كانوا لدى العرش أنوارا تضيء بهم *** طرف السماء لما فيها من الظلم
و ملجئا لأبينا عند توبته *** من ذنبه في قبول التواب و الندم
لما دعا الله إذعانا بحقهم *** أجابه معظما للحق في القسم
ابن العوذي :
هم التين و الزيتون آل محمد *** هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد *** هم اللوح و السقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج و النساء *** هم سبأ و الذاريات و مريم
هم آل ياسين و طه و هل أتى *** هم النمل و الأنفال لو كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن و الصفا *** هم الحجر و البيت العتيق و زمزم
[333]
هم في غد سفن النجاة لمن وعى *** هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله و اليد في الورى *** هم العين لو قد كنت تدري و تفهم
هم السر فينا و المعالي هم الأولى *** نيمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى المنى *** سل النص في القرآن يخبرك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم إذا *** وردوا و الحوض بالماء مفعم
هم شفعاء الناس في يوم عرضهم *** إلى الله فيما أسرفوا و تجرموا
هم ينقذونا من لظى النار في غد *** إذا ما غدت في وقدها تتضرم
فصل في إنبائه بالمغيبات و معرفته باللغات (عليه السلام) :
الجلاء و الشفاء محمد بن عبد الله بن الحسن في خبر طويل ... : قال المأمون قلت للرضا (عليه السلام) الزاهرية خطيتي و من لا أقدم عليها أحدا من جواري و قد حملت غير مرة كل ذلك تسقط و هل عندك في ذلك شيء ينتفع به فقال لا تخش من سقطها ستسلم و تلد غلاما صحيحا مليحا أشبه الناس بأمه و قد زاده الله مزيدتين في يده اليمنى خنصر و في رجله اليمنى خنصر فقلت في نفسي هذه و الله فرصة إن لم يكن الأمر على ما ذكر خلعته فلم أزل أتوقع أمرها حتى أدركها المخاض فقلت للقيمة إذا وضعت فجيئيني بولدها ذكرا كان أو أنثى فما شعرت إلا و القيمة قد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد و الرجل كأنه كوكب دري فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ و أسلم ما في يدي إليه فلم تطاوعني نفسي لكني دفعت إليه الخاتم فقلت دبر الأمر فليس عليك مني خلاف و أنت المقدم .
أبو الصلت الهروي قال : كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم فقلت له في ذلك فقال يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه و ما كان الله ليتخذ حجة على قوم و هو لا يعرف لغاتهم أ و ما بلغك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) أوتينا فصل الخطاب و هل هو إلا معرفته للغات .
و في حديث طويل عن علي بن مهران : أن أبا الحسن (عليه السلام) أمره أن يعمل له مقدار الساعات قال فحملناه إليه فلما وصلنا إليه نالنا من العطش أمر عظيم فما قعدنا حتى
[334]
خرج إلينا بعض الخدم و معه قلال من ماء أبرد ما يكون فشربنا فجلس (عليه السلام) على كرسي فسقطت حصاة فقال مسرور هشت أي ثمانية ثم قال (عليه السلام) لمسرور در ببند أي أغلق الباب .
محمد بن جندل عن ياسر الخادم قال : كان لأبي الحسن (عليه السلام) في البيت صقالبة و روم و كان أبو الحسن قريبا منهم فسمعهم بالليل يتراطنون بالصقلبية و الرومية و يقولون إنا كنا نفصد كل سنة في بلادنا ثم ليس نفصد هاهنا فلما كان من الغد وجه أبو الحسن إلى بعض الأطباء فقال له افصد فلانا عرق كذا و افصد فلانا عرق كذا ثم قال يا ياسر لا تفصد أنت ذاك فافتصدت فورمت يدي و اخضرت فقال يا ياسر ما لك فأخبرته فقال لي أ لم أنهك عن ذلك هلم يدك فمسح يده عليها و تفل عليها ثم أوصاني أن لا أتعشى فكنت بعد ذلك كلما أغفل فأتعشى تضرب علي .
محمد بن عبيد الله الأشعري قال : كنت عند الرضا (عليه السلام) فأصابني عطش شديد فكرهت أن أستسقي في مجلسه فدعا بماء فذاقه ثم قال يا محمد اشرب فإنه بارد .
هارون بن موسى في خبر قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في مفازة فحمحم فرسه فخلى عنه عنانه فمر الفرس يتخطى إلى أن بال و راث و رجع فنظر إلى أبو الحسن و قال إنه لم يعط داود شيئا إلا و أعطي محمد و آل محمد أكثر منه .
سليمان بن جعفر الجعفري قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) في حائط له و أنا معه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه و أخذ يصيح و يكثر الصياح و يضطرب فقال لي يا سليمان تدري ما يقول العصفور قلت لا قال إنه يقول إن حية تريد تأكل أفراخي في البيت فقم فخذ النبعة في يدك يعني العصا و ادخل البيت و اقتل الحية فأخذت النبعة و دخلت البيت فإذا حية تجول في البيت فقتلتها .
سليمان الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و البيت مملوء من الناس يسألونه و هو يجيبهم فقلت في نفسي ينبغي أن يكونوا أنبياء فترك الناس ثم التفت إلي فقال يا سليمان إن الأئمة حلماء علماء يحسبهم الجاهل أنبياء و ليسوا
[335]
أنبياء .
ابن بابويه عن الحسن بن موسى بن جعفر قال : مر علينا جعفر بن عمر العلوي و هو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض فقال (عليه السلام) سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع فما مضى إلا شهر حتى ولي المدينة .
الحسين بن بشار قال الرضا (عليه السلام) : إن عبد الله يقتل محمدا قلت عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون قال نعم عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد فقتله و كان (عليه السلام) يتمثل :
و إن الضغن بعد الضغن يفشو عليك و يخرج الداء الدفينا
خالد بن نجيح قال لي أبو الحسن (عليه السلام) : تنزع فيما بينك و بين من كان له عمل معك في سنة أربع و سبعين و مائة حتى يجيئك كتابي و اخرج و انظر ما عندك فابعث به إلي و لا تقبل من أحد شيئا و خرج إلى المدينة و بقي خالد بمكة قال الراوي فلبث خالد بعده خمسة عشر يوما ثم مات .
و عنه قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن أصحابنا قدموا من الكوفة فذكروا أن المفضل شديد الوجع فادع الله له فقال (عليه السلام) قد استراح و كان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيام .
و عنه قال دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال لي من هاهنا من أصحابكم مريض فقلت عثمان بن عيسى من أوجع الناس فقال قل له يخرج ثم قال من هاهنا فعددت عليه ثمانية فأمر بإخراج أربعة و كف عن أربعة فما أمسينا من الغد حتى دفنا الأربعة الذي كف عن إخراجهم و خرج عثمان بن عيسى .
و دخل أبو الحسن على عمه محمد بن جعفر يعوده و إسحاق بن جعفر يبكي عليه ثم قام فقال لأخيه الحسين بن موسى أ رأيت هذا الباكي سيموت و يبكي ذاك عليه قال فبرأ محمد بن جعفر و اشتكى إسحاق فمات و بكى محمد بن جعفر .
موسى بن مهران قال : رأيت الرضا (عليه السلام) و قد نظر إلى هرثمة بالمدينة فقال كأني به و قد حمل إلى مرو فضربت عنقه فكان كما قال .
أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : بعثني الرضا (عليه السلام) في حاجة فأركبنى دابته و بيتني في منزله فلما دخلت في فراشي رددت الباب و قلت من أعظم منزلة مني بعثني في حاجة
[336]
و أركبني دابته و بيتني في منزله قال فلم أشعر إلا بخفق نعليه حتى فتح الباب و دخل علي و قال يا أحمد إن أمير المؤمنين (عليه السلام) عاد صعصعة بن صوحان و قال لا تتخذن عيادتي فخرا على قومك .
و ذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة أنه : مات أبو إبراهيم (عليه السلام) و كان عند زياد القندي سبعون ألف دينار و عند حمزة بن بزيع سبعون ألفا و عند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألفا و عند أحمد بن أبي بشر السراج عشرة آلاف و كان ذلك سبب وقفهم فكتب الرضا (عليه السلام) إليهم يطلب المال فأنكروا و تعللوا فقال الرضا :
هم اليوم شكاك لا يموتون *** غدا إلا على الزندقة .
قال صفوان : بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته هو كافر برب أماته و قال ابن فضال قال لي أحمد بن حماد السراج كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر فقلت إن أباه لم يمت فالله الله خلصوني من النار و سلموها إلى الرضا ثم قال و رجع جماعة عن القول بالوقف مثل عبد الرحمن بن الحجاج و رفاعة بن موسى و يونس بن يعقوب و جميل بن دراج و حماد بن عيسى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و الحسن بن علي الوشاء و غيرهم و التزموا الحجة .
و قال أحمد بن محمد : كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كتابا و أضمرت في نفسي أني متى دخلت عليه أسأله عن قوله تعالى أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ و قوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ و قوله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فأجابني عن كتابي و كتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي فقلت أي شيء هذا من جوابي ثم ذكرت أنه ما أضمرته .
و قال الحسن بن علي الوشاء : بعث إلي الرضا يطلب مني حبرة و كانت بين ثيابي قد خفي علي أمرها فقلت ما معي منها شيء فرد الرسول و ذكر علامتها و أنها في سفط كذا فطلبتها فكان كما قال فبعثت بها إليه ثم كتبت مسائل أسأله عنها فلما وردت بابه خرج إلي جواب المسائل التي أردت أن أسأله عنها من غير أن أظهرها .
و قال أحمد بن محمد بن أبي نصر قال لي ابن النجاشي : من الإمام بعد صاحبك
[337]
فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته فقال الإمام بعدي ابني ثم قال هل يجترئ أحد أن يقول ابني و ليس له ولد .
و قال محمد بن عبد الله بن الأفطس : دخلت على المأمون فقربني و حباني ثم قال رحم الله الرضا ما كان أعلمه لقد أخبرني بعجب سألته ليلة و قد بايع له الناس فقلت له جعلت فداك أرى لك أن تمضي إلى العراق و أكون خليفتك بخراسان فتبسم ثم قال لا لعمري و لكنه من دون خراسان بدرجات إن لنا هاهنا مسكنا و لست بنازح حتى يأتيني الموت و منها المحشر لا محالة فقلت له جعلت فداك و ما علمك بذلك قال علمي بمكاني كعلمي بمكانك قلت و أين مكاني أصلحك الله فقال لقد بعدت الشقة بيني و بينك أموت بالمشرق و تموت بالمغرب فجهدت الجهد كله و أطمعته في الخلافة فأبى .
الحسن بن علي الوشاء قال : دعاني سيدي الرضا (عليه السلام) بمرو فقال يا حسن مات علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم و أدخل في قبره الساعة و دخلا عليه ملكا القبر فسألاه من ربك فقال الله ثم قالا من نبيك فقال محمد فقالا من وليك فقال علي بن أبي طالب قالا ثم من قال الحسن قالا ثم من قال الحسين قالا ثم من قال علي بن الحسين قالا ثم من قال محمد بن علي قالا ثم من قال جعفر بن محمد قالا ثم من قال موسى بن جعفر قالا ثم من فلجلج فزجراه و قالا ثم من فسكت فقالا له أ فموسى بن جعفر أمرك بهذا ثم ضرباه بمقمعة من نار فألهبا عليه قبره إلى يوم القيامة فخرجت من عند سيدي فأرخت ذلك اليوم فما مضت الأيام حتى وردت كتب الكوفيين بموت البطائني في ذلك اليوم و أنه دخل قبره في تلك الساعة .
و في الروضة قال عبد الله بن إبراهيم الغفاري في خبر طويل ... : إنه ألح علي غريم لي
[338]
و آذاني فلما مضى عني مررت من وجهي إلى صريا ليكلمه أبو الحسن (عليه السلام) في أمري فدخلت عليه فإذا المائدة بين يديه فقال لي كل فأكلت فلما رفعت المائدة أقبل يحادثني ثم قال ارفع ما تحت ذاك المصلى فإذا هي ثلاثمائة دينار و تزيد فإذا فيها دينار مكتوب عليه ثابت فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و على أهل بيته من جانب و في الجانب الآخر إنا لم ننساك فخذ هذه الدنانير فاقض بها دينك و أنفق ما بقي على عيالك .
و في كتاب الشعر إنه كان (عليه السلام) يتمثل :
تضيء كضوء السراج السليط *** لم يجعل الله فيه نحاسا
و لما دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (عليه السلام) و أنشده :
مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات
قيل له لم تركت التشبيب ?
قال استحييت من الإمام .
فلما بلغ إلى قوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسما *** و أيديهم من فيئهم صفرات
بكى (عليه السلام) , و قال له : صدقت يا خزاعي .
فلما بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات
جعل الرضا يقلب كفيه , و يقول : أجل و الله منقبضات .
فلما بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا و أيام سعيها *** و إني لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال الرضا (عليه السلام) : آمنك الله يوم الفزع الأكبر .
فلما انتهى إلى قوله :
و قبر ببغداد لنفس زكية *** ...
قال الرضا (عليه السلام) : أ فلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ?
قال : بلى يا ابن رسول الله .
فقال (عليه السلام) :
و قبر بطوس يا لها من مصيبة *** ألحت على الأحشاء بالزفرات
[339]
فقال دعبل : يا ابن رسول الله , هذا الذي بطوس قبر من هو ?
قال : قبري ; و لا تنقضي الأيام و الليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي و زواري .
فلما انتهى إلى قوله :
خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله و البركات
يميز فينا كل حق و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات
قال الرضا (عليه السلام) : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين .
و في رواية : رزقك الله رؤيته و حشرك في زمرته .
قال فحباه بمائة دينار فرد الصرة و سأل ثوبا من ثياب الرضا (عليه السلام) ليتبرك به و يتشرف فأنفذ إليه بجبة خز مع الصرة و قال للخادم قل له خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها .
فانصرف دعبل و سار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص و أخذوا القافلة و كتفوا أهلها و جعلوا يقسمون أموالهم فتمثل رجل منهم بقوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسما *** ...
فقال دعبل : لمن هذا البيت ?
فقال : لرجل من خزاعة .
قال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة ; فخلوا كتافه و كتاف جميع القافلة و ردوا إليهم جميع ما أخذوا منهم و سار دعبل حتى وصل إلى قم و أنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير و سألوه أن يبيع الجبة منهم بألف دينار فأبى .
و سار عن قم فلحقه قوم من أحداثهم و أخذوا الجبة منه فرجع دعبل و سألهم ردها عليه فقالوا لا سبيل لك إليها فخذ ثمنها ألف دينار فقال على أن تدفعوا إلي شيئا منها فأعطوه و انصرف إلى وطنه ; فوجد اللصوص أخذوا جميع ما في منزله .
فباع المائة دينار التي كان الرضا (عليه السلام) وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم و تذكر قول الرضا (عليه السلام) إنك ستحتاج إليها .
هشام : لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمد بن جعفر قال لي الرضا اذهب إليه و قل له لا تخرج غدا فإنك إن خرجت هزمت و قتل أصحابك فإن سألك من أين عرفت هذا فقل رأيت في النوم قال فأتيته و قلت له ذلك فقال لي من أين علمت هذا فقلت رأيت في النوم قال فقال نام العبد و لم يغسل استه ثم خرج فهزم و قتل أصحابه .
محمد بن سنان : قيل للرضا (عليه السلام) إنك قد شهرت نفسك بهذا الأمر و جلست مجلس أبيك و سيف هارون يقطر دما فقال جوابي هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنني لست بنبي و أنا أقول لكم إن أخذ هارون