الجلاء و الشفاء قال محمد بن عيسى اليقطيني : لما اختلف الناس في أمر أبي
[351]
الحسن الرضا (عليه السلام) جمعت من مسائله مما سئل عنه و أجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة .
و قد روى عنه جماعة من المصنفين منهم أبو بكر الخطيب في تاريخه و الثعلبي في تفسيره و السمعاني في رسالته و ابن المعتز في كتابه و غيرهم .
و ذكر أبو جعفر القمي في عيون أخبار الرضا : أن المأمون جمع علماء سائر الملل مثل الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين منهم عمران الصابي و الهربذ الأكبر و أصحاب زرادشت و نسطاس الرومي و المتكلمين منهم سليمان المروزي ثم أحضر الرضا (عليه السلام) فسألوه فقطع الرضا واحدا بعد واحد .
و كان المأمون أعلم خلفاء بني العباس و هو مع ذلك كله انقاد له اضطرارا حتى جعله ولي عهده و زوجه ابنته .
و روى ابن جرير بن رستم الطبري عن أحمد الطوسي عن أشياخه في حديث ... : أنه انتدب للرضا (عليه السلام) قوم يناظرونه في الإمامة عند المأمون فأذن لهم فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي فقال سل يا يحيى قال يحيى بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشرفني بذلك فقال (عليه السلام) يا يحيى ما تقول في رجل ادعى الصدق لنفسه و كذب الصادقين أ يكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا فلم يحر جوابا ساعة فقال المأمون أجبه يا يحيى فقال قطعني يا أمير المؤمنين فالتفت إلى الرضا فقال ما هذه المسألة التي أقر يحيى بالانقطاع فيها فقال (عليه السلام) إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول وليتكم و لست بخيركم و الأمير خير من الرعية و إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسه على منبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لي شيطان يعتريني و الإمام لا يكون فيه شيطان و إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فصاح المأمون عليهم فتفرقوا ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم أ لم أقل لكم أن لا تفاتحوه و لا تجمعوا عليه فإن هؤلاء علمهم من علم رسول الله .
و في كتاب الصفواني أنه : قال الرضا (عليه السلام) لابن قرة النصراني ما تقول في المسيح قال يا سيدي إنه من الله فقال ما تريد بقولك من و من على أربعة أوجه لا خامس لها أ تريد بقولك من كالبعض من الكل فيكون مبعضا أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل
[352]
الاستحالة أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة أو كالصنعة من الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق أو عندك وجه آخر فتعرفناه فانقطع .
ياسر الخادم قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) رأيت في النوم كأن قفصا فيه سبع عشرة قارورة إذ وقع القفص فتكسرت القوارير فقال إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات .
و كان الجاثليق يناظر المتكلمين فيقول نحن نتفق على نبوة عيسى و كتابه و أنه حي في السماء و نختلف في بعثة محمد و نتفق في موته فما الذي يدل على نبوته فيحيرهم فأحضر عند الرضا و المأمون فقال ما تقول في نبوة عيسى و كتابه هل تنكر منهما شيئا فقال الرضا (عليه السلام) أنا مقر بنبوة عيسى و كتابه و ما بشر به أمته و أقر به الحواريون و كافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد و كتابه و لم يبشر به أمته فانقطع ثم قال الرضا يا نصراني و الله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد و ما ننقم على عيساكم إلا ضعفه و قلة صيامه و صلاته فقال و الله ما زال عيسى صائم النهار قائم الليل قال (عليه السلام) لمن كان يصلي و يصوم فخرس و قال الجاثليق من أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص مستحق أن يعبد فقال الرضا (عليه السلام) فإن اليسع صنع ما صنع مشى على الماء و أبرأ الأكمه و الأبرص و حزقيل أحيا خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة و قوم من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة فأوحى الله إلى نبي مر على عظامهم بعد سنين أن نادهم فقال أيتها العظام البالية قومي بإذن الله فقاموا و ذكر (عليه السلام) حديث إبراهيم و الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ و حديث موسى و اختار موسى لما قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فاحترقوا فأحياهم الله من بعد قول موسى لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ و سؤال قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يحييهم ثم قال و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به فإن كان من أحيا الموتى يتخذ ربا من دون الله فاتخذوا هؤلاء كلهم أربابا فأسلم النصراني .
[353]
الفضل بن سهل قال الرضا (عليه السلام) لرأس الجالوت : هل تنكر أن التوراة تقول جاء النور من جبل طور سيناء و أضاء للناس من جبل ساعير و استعلن لنا من جبل فاران قال رأس الجالوت أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها قال الرضا (عليه السلام) أنا أخبرك أما قوله جاء النور من طور سيناء فذلك وحي الله الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء و أما قوله و أضاء للناس من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحي إلى عيسى و هو عليه و أما قوله و استعلن لنا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة و بينهما يوم .
الأشعث بن حاتم : سئل الرضا (عليه السلام) بمرو على مائدة عليها المأمون و الفضل النهار خلق قبل أم الليل قال (عليه السلام) أ من القرآن أم من الحساب فقال الفضل من كليهما فقال (عليه السلام) قد علمت أن طالع الدنيا السرطان و الكواكب في موضع شرفها فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و الشمس في الحمل و القمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشرة في وسط السماء و يوجب ذلك أن النهار خلق قبل الليل و أما دليل ذلك من القرآن فقوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ .
كافي الكليني أنه : سئل الرضا (عليه السلام) عن وقت التزويج بالليل فقال لأن الله تعالى جعل الليل سكنا و النساء إنما هن سكن .
و سئل (عليه السلام) عن طعم الخبز و الماء فقال : الماء طعم الحياة و طعم الخبز طعم العيش .
و مما أجاب (عليه السلام) بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهندي و عمران الصابي عن مسائلهما .
قال عمران : العين نور مركبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها ?
قال (عليه السلام) : العين شحمة و هو البياض و السواد ; و النظر للروح .
دليله : أنك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه و الإنسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة و ما أشبه ذلك .
قال صباح : فإذا عميت العين , كيف صارت الروح قائمة و النظر ذاهب ?
قال (عليه السلام) : كالشمس طالعة يغشاها الظلام .
قال : أين تذهب الروح ?
قال : أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدت الكوة ?
قال : أوضح لي ذلك .
قال (عليه السلام) : الروح مسكنها في الدماغ و شعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء و شعاعها منبسط على
[354]
الأرض فإذا غابت الدائرة فلا شمس و إذا قطع الرأس فلا روح .
قالا : فما بال الرجل يلتحي دون المرأة ?
قال (عليه السلام) : زين الله الرجال باللحى و جعلها فضلا يستدل بها على الرجال من النساء .
قال عمران : ما بال الرجل إذا كان مؤنثا و المرأة إذا كانت مذكرة ?
قال (عليه السلام) : علة ذلك أن المرأة إذا حملت و صار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا , و إذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكره ; و ذلك أن موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها , و الجارية مما يلي مياسرها .
و ربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد , فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين , و إن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنه تلد واحدا , لا أنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكرا و إذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى .
و إذا كانت حاملا فضمر ثديها الأيمن فإنها , تسقط غلاما . و إذا ضمر ثديها الأيسر , فإنها تسقط أنثى , و إذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا .
قالا : من أي شيء الطول و القصر في الإنسان ?
فقال (عليه السلام) : من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر , و إن استطالت جاء الطول .
قال صباح : ما أصل الماء ?
قال (عليه السلام) : أصل الماء خشية الله , بعضه من السماء و يسلكه في الأرض ينابيع , و بعضه ماء عليه الأرضون و أصله واحد عذب فرات .
قال : فكيف منها عيون نفط و كبريت و منها قار و ملح و أشبه ذلك ?
قال (عليه السلام) : غيره الجوهر و انقلبت كانقلاب العصير خمرا , و كما انقلبت الخمر فصارت خلا , و كما يخرج من بين فرث و دم لبنا خالصا .
قال : فمن أين أخرجت أنواع الجواهر ?
قال : انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة , ثم مضغة , ثم خلقة مجتمعة مبنية على المتضادات الأربع .
قال عمران : إذا كانت الأرض خلقت من الماء و الماء البارد رطب فكيف صارت الأرض باردة يابسة ?
قال (عليه السلام) : سلبت النداوة فصارت يابسة .
قال : الحر أنفع أم البرد ?
قال : بل الحر أنفع من البرد ; لأن الحر من حر الحياة , و البرد من برد الموت , و كذلك السموم القاتلة : الحار منها أسلم و أقل ضررا من السموم الباردة .
و سألاه عن علة الصلاة ?
فقال : طاعة أمرهم بها , و شريعة حملهم عليها , و في الصلاة توقير له و تبجيل و خضوع من العبد إذا سجد , و الإقرار بأن فوقه ربا يعبده و يسجد له .
[355]
و سألاه : عن الصوم .
فقال (عليه السلام) : امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده الدرجات ليعرفهم فضل ما أنعم عليهم من لذة الماء و طيب الخبز و إذا عطشوا يوم صومهم ذكروا يوم العطش الأكبر في الآخرة و زادهم ذلك رقبة في الطاعة .
و سألاه : لم حرم الزنى ?
قال : لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب ; لا تعلم المرأة في الزنى من أحبلها , و لا المولود يعلم من أبوه , و لا أرحام موصولة و لا قرابة معروفة .
أبو إسحاق الموصلي : أن قوما مما وراء النهر سألوا الرضا (عليه السلام) عن الحور العين مم خلقن و عن أهل الجنة إذا دخلوها أول ما يأكلون و عن معتمد رب العالمين أين كان و كيف كان إذ لا أرض و لا سماء و لا شيء فقال (عليه السلام) أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران و التراب لا يفنين و أما أول ما يأكل أهل الجنة فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الأرض و أما معتمد الرب عز و جل فإنه أين الأين و كيف الكيف و إن ربي بلا أين و لا كيف و كان معتمده على قدرته سبحانه و تعالى .
و فيما كتب (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في علة الوضوء : أنه لقيامه بين يدي الله عز و جل و استقباله إياه بجوارحه الطاهرة و ملاقاته بها الكرام الكاتبين فغسل الوجه للسجود و الخضوع و غسل اليد ليقبلهما و يرقب بهما و يرهب و يبتهل بهما و مسح الرأس و القدمين لأنه ظاهر مكشوف مستقبل بهما في حالاته و ليس فيها من الخضوع و التبتل ما في الوجه و الذراعين .
و قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأي علة تغسل هذه المواضع الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد فقال النبي (عليه السلام) : لما أن وسوس الشيطان إلى آدم (عليه السلام) دنا من الشجرة و نظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام و مشى إليها و هي أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل و طار الحلي و الحلل عن جسده فوضع آدم يده على أم رأسه و بكى فلما تاب الله عليه فرض عليه و على ذريته غسل هذه الجوارح الأربعة فأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بيده منها و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه و أمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة .
و فيما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان علة غسل الجنابة النظافة و تطهير الإنسان
[356]
نفسه مما أصابه من أذى و تطهير سائر جسده : لأن الجنابة خارج من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله و علة التخفيف في البول و الغائط لأنه أكثر و أدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته و مشقته و مجيئه بغير إرادة منه و لا شهوة و الجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منه و الإكراه لأنفسهم .
و كان (عليه السلام) قال في جواب الصابي : الجنابة بمنزلة الحيض و ذلك أن النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلا بحركة شديدة و شهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن فوجد له الرجل من نفسه رائحة كريهة مع دم قد ينشق عن النطفة فوجب الغسل لذلك و غسل الجنابة مع ذلك أمانة امتحنهم الله بها فأمر الله عبيده ليختبرهم بها .
و قال في علة غسل الميت : لأنه تطهر و تنظف من أدناس أمراضه و لأنه يلقى الملائكة و يباشر أهل الآخرة و في رواية أنه يخرج منه الأذى الذي منه خلق .
قال و علة غسله العيد و يوم الجمعة : تعطيف العبد ربه و استقباله الجليل الكريم و طلبه المغفرة لذنوبهم و ليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله و ليكون ذلك طهارة لهم من الجمعة إلى الجمعة .
و في رواية عن بعضهم (عليهم السلام) : أنه كان الناس يتأذون من روائح من يسقي بالنواضح فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالغسل في يوم الجمعة .
قال (عليه السلام) : و العلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي و اليمين على المدعى عليه ما خلا الدم لأن المدعى عليه جاحد و لا يمكنه إقامة البينة على الجحود لأنه مجهول و صارت البينة في الدم على المدعى عليه و اليمين على المدعي لأنه حوط يحتاط به المسلمون لئلا يبطل دم امرئ مسلم و ليكون ذلك زاجرا و ناهيا للقاتل لشدة إقامة البينة عليه لأن من شهد عليه أنه لم يفعل قليل و أما علة القسامة أن جعل خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ و التشديد و الاحتياط لئلا يهدر دم امرئ مسلم .
قال (عليه السلام) : و علة شهادة امرأتين شهادة رجل واحد لأنها نصف رجل في سهم المواريث و لأن المرأة لا تحفظ حفظ الرجل فتذكر إحداهما الأخرى .
قال : و علة شهادة أربعة في الزنى و اثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لأن فيه القتل فجعل الشهادة فيه مضاعفة و مغلظة و لأن الزنى يقام على اثنين فاحتيج لكل
[357]
واحد منهما شاهدين لأنهما حدان و سئل الصادق عن ذلك فقال إن الله تعالى أحل لكم المتعة و علم أنها ستنكر عليكم فجعل الأربعة الشهود احتياطا لكم .
و فيما كتب الرضا (عليه السلام) : و حرم سباع الطير و الوحش كلها لأكلها الأقذار من الجيف و لحوم الناس و العذرة و ما أشبه ذلك .
قال : و حرم الله الميتة لما فيها من الإفساد للأبدان و الآفة و لما أراد الله أن يجعل التسمية سببا للتحليل و فرقا بينها و بين الحلال و الحرام و حرم الدم كتحريم الميتة لأنه يورث القساوة و يعفن البدن و يغيره .
قال : و علة تحليل مال الولد للوالد بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ مع أنه المأخوذ بمئونته صغيرا و كبيرا و المنسوب إليه و المدعو به لقول الله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنت و مالك لأبيك و ليست الوالدة كذلك فلا يحل لها أن تأخذ من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها .
و سئل (عليه السلام) عن علة وجوب المهر على الرجال قال : لأن على الرجل مئونة المرأة و لأن المرأة بائعة نفسها و الرجل مشتر و لا يكون البيع بلا ثمن و لا الشراء بغير إعطاء الثمن مع أن النساء محصورات عن التعامل و الذهاب و المجيء مع علل كثيرة .
قال (عليه السلام) : و علة تزويج الرجل أربع نسوة و التحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لأن الرجل إذا تزوج أربعة كان الولد منسوبا إليه و المرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو إذ هم مشتركون في نكاحها و في ذلك فساد الأب و المواريث و التعارف قال و تحليل أربع نسوة لرجل واحد لأنهن أكثر من الرجال .
قال (عليه السلام) : و علة تزويج العبد اثنتين لا أكثر منه لأنه نصف رجل في النكاح و الطلاق لا يملك نفسه .
قال (عليه السلام) : و علة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضب إن كان و ليكون ذلك تخفيفا و تأديبا للنساء و زاجرا
[358]
لهن عن معصية أزواجهن فإذا مضت المرأة على معصية زوجها استحقت الفرقة و المباينة لدخولها فيما لا ينبغي و معصية زوجها .
قال (عليه السلام) : و علة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلأجل عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق و لا يستضعف المرأة و ليكون ناظرا في أموره متعظا معتبرا و إياسا لهم من الاجتماع بعد تسع تطليقات .
قال (عليه السلام) : و علة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف جعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض كذلك في الفرق عند عدة المتوفى عنها زوجها .
قال (عليه السلام) : حرم الله الزنى لما فيه من الفساد و من ذهاب الأنساب و ترك التربية للأطفال و فساد المواريث و ما أشبه ذلك .
قال (عليه السلام) : و علة ضرب الزاني مائة على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنى و استلذاذ الجسد كله فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره و هو أعظم الجنايات .
قال (عليه السلام) : و حرم قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب و نفي الولد و إبطال المواريث و ترك التربية و ذهاب المعارف و لما فيه من التعاير و العلل التي ترد إلى فساد الخلق .
قال (عليه السلام) : و علة قطع اليمين من السارق لأنه يباشر الأشياء بيمينه و هي أفضل أعضائه و أنفعها له فجعل قطعها نكالا له و عبرة للخلق ليمتنعوا من أخذ الأموال من غير حلها و لأنه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه .
قال (عليه السلام) : و حرم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوقير لله و التوقير للوالدين و كفر النعمة و إبطال الشكر و ما يدعو من ذلك إلى قلة النسل .
قال (عليه السلام) : و حرم لحم البغال و الحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها و استعمالها و الخوف من فنائها لقلتها لا لقذر خلقها و لا لقذر غذائها .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : و ليست الحمر بحرام ثم قرأ قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... الآية .
و سئل عن علة الخنثى في الناس و البهائم قال : علة ذلك أن الله أراد أن يعرف قدرته فيهم أنه قادر يعني على الزيادة و النقصان .
امتحان الفقهاء : رجل حضرته الوفاة فقال عند موته لفلان عندي ألف درهم
[359]
إلا قليلا ; كم القليل ?
قال : القليل هو النصف لقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ بالأثر عن الرضا (عليه السلام) .
دعبل :
أربع بطوس على قبر الزكي بها *** إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس خير الناس كلهم *** و قبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي و لا *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر
محمد بن حبيب الضبي :
قبران في طوس الهدى في واحد *** و الغي في لحد ثراه ضرام
قرب الغوي من الزكي مضاعف *** لعذابه و لأنفه الإرغام
علي بن أحمد الحوافي :
يا أرض طوس سقاك الله رحمته *** ما ذا حويت من الخيرات يا طوس
طابت بقاعك في الدنيا و طيبها *** شخص زكي بسناباذ مرموس
شخص عزيز على الإسلام مصرعه *** في رحمة الله مغمور و مغموس
يا قبر أنك قبر قد تضمنه *** علم و حلم و تطهير و تقديس
فافخر بأنك مغبوط بجثته *** و بالملائكة الأبرار محروس
المشيع :
يا بقعة مات بها سيد *** ما مثله في الناس من سيد
مات الهدى من بعده و الندى *** و شمر الموت به يقتدي
لا زال غيث الله يا قبره *** عليك منه رائحا يغتدي
إن عليا بن موسى الرضا *** قد حل و السؤدد في ملحد
الحميري :
فطوبى لمن أمسى لآل محمد *** وليا إماماه شبير و شبر
و قبلهما الهادي وصي محمد *** علي أمير المؤمنين المطهر
[360]
و من نسله طهر فروع أطايب *** أئمة حق أمرهم يتنظر
بعض البصريين :
خذا بيدي يا أهل بيت محمد *** إذا زلت الأقدام في غدوة الغد
أبى القلب إلا حبكم و ولاءكم *** و ما ذاك إلا من طهارة مولدي
فصل في مكارم أخلاقه و معالي أموره (عليه السلام) :
كان (عليه السلام) يختم القرآن في كل ثلاث و يقول لو أردت أن أختم في أقل من ثلاث لختمت و لكن ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها و في أي شيء أنزلت و في أي وقت فلذلك صرت أختمه في ثلاث .
و قال إبراهيم بن العباس : ما رأيت و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما جفا أحدا و لا قطع على أحد كلامه و لا رد أحدا عن حاجة و ما مد رجليه بين يدي جليس و لا اتكأ قبله و لا شتم مواليه و مماليكه و لا قهقه في ضحكه و كان يجلس على مائدة مماليكه و مواليه قليل النوم بالليل يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها كثير الصوم كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك في الليالي المظلمة .
محمد بن عباد قال : كان جلوس الرضا (عليه السلام) على حصير في الصيف و على مسح في الشتاء و لبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيا .
و لقيه سفيان الثوري في ثوب خز : فقال يا ابن رسول الله لو لبست ثوبا أدنى من هذا فقال هات يدك فأخذ بيده و أدخل كمه فإذا تحت ذلك مسح فقال يا سفيان الخز للخلق و المسح للحق .
يعقوب بن إسحاق النوبختي قال : مر رجل بأبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له أعطني على قدر مروءتك قال (عليه السلام) لا يسعني ذلك فقال على قدر مروءتي قال إذا فنعم ثم قال يا غلام أعطه مائتي دينار .