[372]
يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا افتتن به الناس و خفنا كلنا على دمائنا فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا و لسنا نريد أن يلحقك أذى فارجع و ليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه و كان قد بلغ مسجد خركاه تراشان فدخل فيه و صلى تحت عباية فيه ثم لبس الموزج و ركب و انصرف فاختلف أمر الناس و لم ينضم في صلاتهم .
و قال البحري :
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا *** لما طلعت من الصفوف و كبروا
حتى انتهيت إلى المصلى لابسا *** نور الهدى يبدو عليك فيظهر
و مشيت مشية خاشع متواضع *** لله لا يزهي و لا يتكبر
و لو أن مشتاقا تكلف غير ما *** في وسعه لمشى إليك المنبر
و أنشأ الرضا (عليه السلام) :
إذا كان من دوني بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل
و إن كان مثلي في محلي من النهى *** أخذت بحلمي كي أجل عن المثل
و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى *** عرفت له حق التقدم و الفضل
و له (عليه السلام) :
و ذي غيلة سالمته فقهرته *** فأوقرته مني بعفو التحمل
و لم أر للأشياء أسرع مهلكا *** لغمر قديم من وداد معجل
مفروك فأما العنب فإنه يغمس بالسلك في السم و يجذبه بالخيط في العنب
[373]
ليخفى و أما الرمان فإنه يطرح السم في كف غلمته و يفرك الرمان بيده ليلطخ حبه في ذلك و أنه سيدعوني في يومي هذا المقبل و يقرب إلى الرمان و العنب و يسألني أكلهما فآكلهما ثم ينفذ الحكم و يحضر القضاة فإذا أنا مت فسيقول المأمون أنا أغسله بيدي ; فإذا قال ذلك , فقل له : عني بينك و بينه , إنه قال لي : قل له , لا تتعرض لغسلي , و لا لتكفيني , و لا لدفني , فإنه إن فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخر عنه , و حل به اليوم ما يحذر ; فإنه سينتهي .
قال : قلت نعم يا سيدي .
ثم قال لي : فإذا خلى بينك و بين غسلي فسيجلس في علو من أبنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لينظر , فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار أبيض ; فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها و ضعني من وراء الفسطاط و تراني فيها , فإنه سيشرف عليك , و يقول لك : يا هرثمة , أ ليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله ? فمن يغسل أبا الحسن و ابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز و نحن بطوس .
فإذا قال ذلك فأجبه و قل له ما يغسله أحد غير من ذكرته .
فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي و احملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري و لن يكون ذلك و الله أبدا ; فإذا ضربوا المعاول نبت من الأرض و لا ينحفر لهم منها و لا كقلامة الظفر , فإذا اجتهدوا في ذلك و صعب عليهم , فقل له عني : إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون , فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور و ضريح قائم ; فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني فيه حتى يفور من ضريحه ماء أبيض فيمتلئ به ذلك القبر حتى يصير الماء مع وجه القبر ; ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطربت فلا تنزلني في القبر حتى إذا غاب الحوت و غار الماء فأنزلني في ذلك القبر و ألحدني في ذلك الضريح ; و لا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فإن القبر ينطبق من نفسه و يمتلئ .
فكان كما قال (عليه السلام) .
قال : فلما انصرف فأخلي مجلسه , ثم قال لي : و الله لتصدقني يا هرثمة ما أسر إليك .
قلت : خبر العنب و الرمان .
قال : فأقبل يتلون ألوانا و يقول في غشيته : ويل للمأمون من فاطمة , ويل للمأمون من الحسن و الحسين , ويل للمأمون من علي بن أبي طالب , ويل للمأمون من رسول الله , ويل للمأمون من علي بن موسى , ويل للمأمون من موسى بن جعفر ; هذا و الله الخسران حقا .
ثم أخذ علي العهد أن لا أفشيه إلى أحد .
فلما وليت عنه , صفق بيده , و سمعته يقول : يستخفون من الله و هو معهم .
[374]
و في الإرشاد في خبر ... : أن المأمون أمر عبد الله بن بشير أن يطول أظفاره و أخرج إليه شيئا كالتمر و قال اعجن هذا بيدك جميعا ثم أمر للرضا (عليه السلام) بالرمان و أمر ابن بشير أن يعصره بيده ففعل و سقاه المأمون للرضا (عليه السلام) بيده .
و قال أبو الصلت الهروي : دخلت على الرضا (عليه السلام) و قد خرج المأمون من عنده فقال يا أبا الصلت قد فعلوها و جعل يوحد الله و يمجده .
و روى محمد بن الجهم أنه : كان الرضا (عليه السلام) يعجبه العنب فأخذ له شيء منه فجعل في موضع أقماعه الأبر المسمومة أياما ثم نزع منه و جيء به فأكل منه و مات .
السوسي :
بأرض طوس نائي الأوطان *** إذ غره المأمون بالأماني
حين سقاه السم في الرمان
و في روضة الواعظين عن النيسابوري روي عن أبي الصلت في خبر ... : أنه قال بينا أنا واقف بين يدي الرضا (عليه السلام) إذ قال لي يا أبا الصلت ادخل إلى هذه القبة التي فيها قبر هارون و ائتني بتراب من أربع جوانبها قال فأتيت به فأخذه و شمه ثم رمى به ثم قال سيحفر لي هاهنا قبر ثم أوصى بما أوصى و جلس في محرابه ينتظر إذ دعاه المأمون فلما أتاه وثب إليه و عانقه و قبل ما بين عينيه و أجلسه معه و ناوله عنقود عنب كان بيديه قد أكل بعضه و قال يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا فقال الرضا ربما كان عنبا حسنا فيكون في الجنة فقال له كل منه فقال تعفيني منه قال لا بد من ذلك ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشيء فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبات ثم رمى به و قام فقال إلى أين قال إلى حيث وجهتني و خرج حتى دخل الدار و أمر أن يغلق الباب و نام على فراشه فمكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فقلت له من أين دخلت و الباب مغلق قال الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت أدخلني
[375]
الدار فقلت و من أنت قال أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه فدخل و أمرني بالدخول معه فلما نظر إلى الرضا وثب إليه فعانقه و ضمه إلى صدره و قبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه و أكب عليه محمد يمينه و يساره و جعل يكلمه بشيء لم أفهمه و رأيت على شفتي الرضا زبدا أشد بياضا من الثلج و أبو جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه و صدره و استخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه و مضى الرضا فقال أبو جعفر قم يا أبا الصلت فائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغتسل و لا ماء فقال ائت بما آمرك به فأتيت بهما و شمرت ثيابي لأغسله معه فقال تنح فإن لي من يعينني غيرك فغسله ثم قال ادخل الخزانة فأخرج السفط الذي فيه كفنه و حنوطه ثم أمرني بالتابوت من الخزانة فأتيته به و لم أر ذلك في الخزانة قط فوضعه في التابوت و صلى عليه ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت و مضى فقلت فإن المأمون يطالبني به فقال اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما فما تم الحديث حتى انشق السقف و نزل التابوت فاستخرج من التابوت و وضعه على فراشه كأنه لم يغسل و لم يكفن قال يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت للمأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا قد شق جيبه و لطم رأسه و هو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي و أمر بتجهيزه و حفر قبره فحفروا الموضع فبدا نداوة فنبع الماء حتى امتلأ اللحد و بدا فيه حيتان صغار ففتت لها الخبز الذي كان أعطانيه الرضا (عليه السلام) لها فالتقطوا فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لم يبق فيها شيء ثم غابت فوضعت يدي على الماء و تكلمت بكلام علمنيه الرضا (عليه السلام) فنضب الماء فقال المأمون لم يزل الرضا يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته فقال له وزير كان معه أ تدري ما أخبرك به الرضا أنه أخبرك أن ملككم بني العباس مع كثرتكم مثل هذه الحيتان إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلط الله عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال صدقت
[376]
ثم قال يا أبا الصلت علمني الكلام قلت و الله نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت فأمر بحبسي و دفن الرضا (عليه السلام) فلما أضاق علي الحبس و سهرت الليالي دعوت الله بدعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد و سألت الله أن يفرج عني فما استتم الدعاء حتى دخل محمد بن علي فقال يا أبا الصلت ضاق صدرك قم فاخرج ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني و خرجت من باب الدار ثم قال امض في ودائع الله فإنه لن يصل يده إليك أبدا .
أبو فراس :
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته *** و أبصروا بعضهم من رشدهم و عموا
عصابة شقيت من بعد ما سعدوا *** و معشر هلكوا من بعد ما سلموا
لا بيعة ردعتهم عن دمائهم *** و لا يمين و لا قربى و لا رحم
و أكثر دعبل مراثيه (عليه السلام) منها :
يا حسرة تتردد *** و عبرة ليس تنفد
على علي بن موسى *** بن جعفر بن محمد
و منها :
يا نكبة جاءت من الشرق *** لم تترك مني و لم تبق
موت علي بن موسى الرضا *** من سخط الله على الخلق
و امسح الإسلام مستعبرا *** لثلمة باينة الرتق
سقى الغريب المبتنى قبره *** بأرض طوس سبل الودق
أصبح عيني مانعا للكرى *** و أولع الأحشاء بالخفق
و منها :
ألا ما لعين بالدموع استهلت *** و لو نفدت ماء الشئون لقلت
على من بكته الأرض و استرجعت *** له رءوس الجبال الشامخات و ذلت
[377]
و قد أعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمها ناحت عليه و كلت
فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا *** لمرزئة عزت لدينا و جلت
رزينا رضا الله سبط نبينا *** فأخلفت الدنيا له و تولت
و ما خير دنيا بعد آل محمد *** ألا لا نباليها إذا ما اضمحلت
تجلت مصيبات الزمان و لا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلت
و منها :
ألا أيها القبر الغريب محله *** بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما أدري أ مسقي شربة *** فأبكيك أم ريب الردى فيهون
أيا عجبا منهم يسمونك الرضا *** و يلقاك منهم كلحة و غضون
و منها :
و قد كنا نؤمل أن سيحيا *** إمام هدى له رأي طريف
ترى سكناته فيقول عنهم *** و تحت سكونه رأي ثقيف
له سمحاء تغدو كل يوم *** بنائله و سارية تطوف
فأهدى ريحه قدر المنايا *** و قد كانت له ريح عصوف
أقام بطوس تلحقه المنايا *** مزار دونه نأي قذوف
باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام)
فصل في المقدمات :
الحمد لله الملك الشكور القادر الغفور الذي بيده مفاتيح الأمور عالم السر و النجوى و كاشف الضر و البلوى أهل المغفرة و التقوى له الحمد في الآخرة و الأولى و له الحكم و إليه ترجعون له العزة و الجلال و القدرة و الكمال و الإنعام و الإفضال و هو الكبير المتعال سبحانه و تعالى عما يشركون له الحجة القاهرة و النعمة الزاهرة
[378]
و الآلاء المتظاهرة يرزق من في السماء و الأرض أ إله مع الله قليلا ما تذكرون يرجع الأمر كله إليه و ينطق الكتاب بالحق لديه و هو يجير و لا يجار عليه إن كنتم تعلمون يظهر بصنعه شرائف صفاته و يحق الحق بكلماته و يحشر الخلق لميقاته و يريكم آياته فأي آيات الله تنكرون و جعل السماء سقفا محفوظا و بناء مصنوعا و ممسكا بلا عمد ممنوعا و هم عن آياته معرضون بسط الأرض فأخرج نباتها و أسكنها أحياءها و أمواتها فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون بعث المصطفى داعيا إلى جناته خالصا في إسلامه و إيمانه و يبين آياته للناس لعلهم يتذكرون نصب عليا إماما إزاحة للعلة و تأكيدا للأدلة و إظهارا للملة ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون و اختار أولاده أوصياء خلفاء كما قال تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ .
الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال : النجم رسول الله و العلامات الأئمة من بعده .
أبو الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال هم آل محمد .
أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما السلام) في قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إنهم الأئمة من آل محمد .
زيد بن علي في قوله : وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا قال نحن هم .
الباقر (عليه السلام) في قوله : إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إلى قوله راجِعُونَ نزل في علي ثم جرت في المؤمنين و شيعته هم المؤمنون حقا .
مالك الجهني قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أن يكون إماما من آل محمد ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله : وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال هم الأوصياء (عليه السلام) .
حنان بن سالم الحناط : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقال أبو جعفر (عليه السلام) آل محمد لم يبق فيها غيرهم .
سلام بن المستنير عن أبي جعفر في قوله : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي قال ذلك رسول الله و أمير المؤمنين و الأوصياء من بعدهما .
أبو جعفر بن أبي الحسن بن أبي إبراهيم بن أبي عبد الله بن أبي جعفر بن أبي محمد
[379]
بن أبي عبد الله بن أبي الحسن بن أبي طالب (عليه السلام) .
اسمه : محمد .
و كنيته : أبو جعفر , و الخاص أبو علي .
و ألقابه : المختار و المرضي و المتوكل و المتقي و الزكي و التقي و المنتجب و المرتضى و القانع و الجواد و العالم الرباني ظاهر المعاني قليل التواني المعروف بأبي جعفر الثاني المنتجب المرتضى المتوشح بالرضا المستسلم للقضا له من الله أكثر الرضا ابن الرضا توارث الشرف كابرا عن كابر و شهد له بذا الصوامع استسقى عروقه من منبع النبوة و رضعت شجرته ثدي الرسالة و تهدلت أغصانه ثمر الإمامة .
و حساب الجمل و حساب الهند و طبقات الأسطرلاب تسعة تسعة و محمد بن علي تاسع الأئمة .
و لنا :
فديت إمامي أبا جعفر *** جوادا يلقب بالتاسع
و محمد بن علي الجواد ميزانه في الحساب إمام عادل زاهد وفي لاتفاقهما في ثلاثمائة ولد : بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان و يقال للنصف منه .
و قال ابن عياش : يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس و تسعين و مائة .
و قبض : ببغداد ; مسموما ; في آخر ذي القعدة و قيل يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين .
و دفن : في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر (عليه السلام) .
و عمره : خمس و عشرون سنة قالوا و ثلاثة أشهر و اثنان و عشرون يوما .
و أمه : أم ولد تدعى درة و كانت مريسية ثم سماها الرضا (عليه السلام) خيزران و كانت من أهل بيت مارية القبطية و يقال إنها سبيكة و كانت نوبية و يقال ريحانة و تكنى أم الحسن .
و مدة ولايته : سبع عشرة سنة .
و يقال , أقام مع أبيه : سبع سنين و أربعة أشهر و يومين .
و بعده : ثماني عشرة سنة إلا عشرين يوما .
فكان في سني إمامته : بقية ملك المأمون ثم ملك المعتصم و الواثق و في ملك الواثق استشهد .
[380]
قال ابن بابويه : سم المعتصم لمحمد بن علي (عليه السلام) .
و أولاده : علي الإمام , و موسى , و حكيمة , و خديجة , و أم كلثوم .
و قال أبو عبد الله الحارثي : خلف فاطمة , و أمامة فقط ; و قد كان زوجه المأمون ابنته , و لم يكن له منها ولد .
و سبب وروده بغداد : إشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين من المحرم سنة عشرين و مائتين و أقام بها حتى توفي في هذه السنة .
و الدليل على إمامته : اعتبار القطع على العصمة و وجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة و اعتبار القول بإمامة الاثني عشر و تواتر الشيعة .
و أما قول الكيسانية و الفطحية و غيرهم فكلهم قد انقرضوا و لو كانوا محقين لما جاز انقراضهم لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أمة محمد .
و قد ثبت بقول الثقات إشارة أبيه إليه : منهم : عمه علي بن جعفر الصادق و صفوان بن يحيى و معمر بن خلاد و ابن أبي نصر البزنطي و الحسين بن يسار و الحسن بن جهم و أبو يحيى الصنعاني و يحيى بن حبيب الزيات .
و كان بابه : عثمان بن سعيد السمان .
و من ثقاته : أيوب بن نوح بن دراج الكوفي و جعفر بن محمد بن يونس الأحول و الحسين بن مسلم بن الحسن و المختار بن زياد العبدي البصري و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي .
و من أصحابه : شاذان بن الخليل النيسابوري و نوح بن شعيب البغدادي و محمد بن أحمد المحمودي و أبو يحيى الجرجاني و أبو القاسم إدريس القمي و علي بن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب و إسحاق بن إسماعيل النيسابوري و أبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي و أبو علي بن بلال و عبد الله بن محمد الحضيني و محمد بن الحسن بن شمون البصري .
ريان بن شبيب و يحيى الزيات و غيرهما : أن المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لما رأى من فضله مع صغر سنه فعزم أن يزوجه بابنته أم الفضل فغلظ ذلك على العباسيين فاجتمعوا عنده و قالوا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد
[381]
عزمت فتخرج به عنان أمر قد ملكناه الله و تنزع منا عزا قد ألبسناه الله و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء من التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا حتى أنه مات فأجابهم المأمون لكل كلمة جوابا ثم قال و أما أبو جعفر فقد برز على كافة أهل الفضل مع صغر سنه فقالوا إن هذا الفتى و إن راقك منه هديه لا معرفة له فأمهل ليتأدب ثم افعل ما تراه فقال المأمون ويحكم إني أعرف به منكم و إن أهل هذا البيت علمهم من الله و مواده و إلهامه فإن شئتم فامتحنوه فقالوا قد رضينا بذلك و اجتمع رأيهم على أن يسأله قاضي القضاة يحيى بن أكثم مسألة لا يعرف الجواب فيها و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك .
فجلس المأمون في دست و أبو جعفر في دست فسأله يحيى ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا فقال (عليه السلام) قتل في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا عمدا كان أو خطأ حرا كان أو عبدا صغيرا كان أم كبيرا مبتدئا أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها من ذوات الظلف من صغار الصيد كان أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد أم نهارا محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحج كان محرما فانقطع يحيى فسأله المأمون عن بيانه فأجابه بما هو مسطور في كتب الفقه ثم التمس منه أن يسأل يحيى فقال (عليه السلام) رجل نظر أول النهار إلى امرأة فكان نظره إليها حراما فلما ارتفع النهار حلت له و عند الزوال حرمت و عند العصر حلت و عند الغروب حرمت و عند العشاء حلت و عند انتصاف الليل حرمت و عند الفجر حلت و عند ارتفاع النهار حرمت و عند الظهر حلت .
تفسيره : هذا رجل نظر إلى أمة غيره ثم ابتاعها ثم أعتقها ثم تزوجها ثم ظاهرها ثم كفر عن الظهار ثم طلقها طلقة واحدة ثم راجعها ثم خلعها ثم استأنف العقد و ذلك بالإجماع و في رواية أنه ارتد عن الإسلام ثم تاب .
[382]
و قد أتاه ابن أكثم جدلا فانصاع لما يعلمه قطعه
فقال المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقال الحمد لله إقرارا بنعمته و لا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته و صلى الله على محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد و هو خمسمائة درهم جياد فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور قال نعم زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح قال قد قبلت .
الخطيب في تاريخ بغداد عن يحيى بن أكثم : أن المأمون خطب فقال الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته و لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته و صلى الله على محمد عبده و خيرته أما بعد فإن الله جعل النكاح الذي رضيه لكما سبب المناسبة ألا و إني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم .
و يقال : إنه كان (عليه السلام) ابن تسع سنين و أشهر و لم يزل المأمون متوفرا على إكرامه و إجلال قدره .
و قد روى الناس : أن أم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر و تقول إنه يتسرى علي و يغيرني إليها فكتب إليها المأمون يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها .
الجلاء و الشفاء في خبر ... : أنه لما مضى الرضا جاء محمد بن جمهور العمي و الحسن بن راشد و علي بن مدرك و علي بن مهزيار و خلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة و سألوا عن الخلف بعد الرضا فقالوا بصريا و هي قرية أسسها موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة فجئنا و دخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد الله بن موسى و هو شيخ فقال الناس هذا صاحبنا
[383]
فقال الفقهاء قد روينا عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين و ليس هذا صاحبنا فجاء حتى جلس في صدر المجلس فقال رجل ما تقول أعزك الله في رجل أتى حمارا فقال تقطع يده و يضرب الحد و ينفى من الأرض سنة ثم قام إليه آخر فقال ما تقول أصلحك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال بانت منه بصدر الجوزاء و النسر الطائر و النسر الواقع فتحيرنا في جرأته على الخطإ إذ خرج علينا أبو جعفر و هو ابن ثمان سنين فقمنا إليه فسلم على الناس و قام عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه و جلس أبو جعفر في صدر المجلس ثم قال سلوا رحمكم الله فقام إليه الرجل الأول و قال ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة قال يضرب دون الحد و يغرم ثمنها و يحرم ظهرها و نتاجها و تخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها ثم قال بعد كلام يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة فيسرق كفنها و يفجر بها يوجب عليه القطع بالسرق و الحد بالزنى و النفي إذا كان عزبا فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم فقال الرجل الثاني يا ابن رسول الله ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال تقرأ القرآن قال نعم قال اقرأ سورة الطلاق إلى قوله وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ يا هذا لا طلاق إلا بخمس شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بإرادة عزم ثم قال بعد كلام يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء قال لا الخبر .