الحسين بن محمد الأشعري قال حدثني شيخ من أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال : كنت مجاورا بالمدينة مدينة الرسول و كان أبو جعفر (عليه السلام) يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل على الصخرة و يسير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يسلم عليه و يرجع إلى بيت فاطمة و يخلع نعله فيقوم فيصلي فوسوس إلي الشيطان فقال إذا نزل
[396]
فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا فلما أن كان في وقت الزوال أقبل (عليه السلام) على حمار له فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه و جازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ثم دخل فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلي فيه ففعل ذلك أياما فقلت إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصى الذي يطأ عليه بقدميه فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل على الصخرة ثم دخل على رسول الله و جاء إلى الموضع الذي كان يصلي فيه و لم يخلعها ففعل ذلك أياما فقلت في نفسي لم يتهيأ لي هاهنا و لكن أذهب إلى الحمام فإذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه فلما دخل الحمام دخل في المسلخ بالحمار و نزل على الحصير فقلت للحمامي في ذلك فقال و الله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم فانتظرته فلما خرج دعا بالحمار فأدخل المسلخ و ركب فوق الحصير و خرج فقلت و الله آذيته و لا أعود أروم ما رمت منه أبدا فلما كان وقت الزوال نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه .
الكليني بإسناده إلى محمد بن الريان قال : احتال المأمون على أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة فلم يمكنه فيه شيء فلما أراد أن يثني عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكون إلى كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر إذا قعد في موضع الأختان فلم يلتفت إليهن و كان رجل يقال له مخارق صاحب صوت و عود و ضرب طويل اللحية فدعاه المأمون فقال يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار و جعل يضرب بعوده و يغني فلما فعل ساعة و إذا أبو جعفر لا يلتفت إليه و لا يمينا و لا شمالا ثم رفع رأسه و قال اتق الله يا ذا العثنون قال فسقط المضراب من يده و العود فلم ينتفع بيده إلى أن مات .
أبو هاشم الجعفري : قال صليت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد المسيب و صلى بنا في موضع القبلة سواء و ذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق فدعا بماء و تهيأ تحت السدرة فعاشت السدرة و أورقت و حملت من عامها .
[397]
و قال ابن سنان : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال يا محمد حدث بآل فرج حدث فقلت مات عمر فقال الحمد لله على ذلك أحصيت له أربعا و عشرين مرة ثم قال أ فلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي قال قلت لا قال خاطبه في شيء قال أظنك سكران فقال أبي اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الخرب و ذل الأسر فو الله ما إن ذهبت الأيام حتى خرب ماله و ما كان له ثم أخذ أسيرا فهو ذا مات الخبر .
أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قال أبو زينبة : و في حلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخط كأنه أثر الذبح فسألته عن ذلك فقال كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني فغاب عنا الحكم عند العصر و لم يرجع تلك الليلة فلما كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر (عليه السلام) إن صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا و كذا فاذهبوا فداووه بكذا و كذا فذهبنا فحملناه و داويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك .
إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتب أبو جعفر إلي كتابا و أمرني أن لا أفكه حتى يموت يحيى بن عمران قال فمكث الكتاب عندي سنين فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران فككته فإذا فيه قم بما كان يقوم به أو نحو هذا من الأمر قال فقرأ إبراهيم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران و كان إبراهيم يقول كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى حيا .
ابن الهمداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير ذيله على تجارب الأمم أنه : لما حرقوا القبور بمقابر قريش حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي و إخراج رمته و تحويلها إلى مقابر أحمد فحال تراب الهدم و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره .
شاعر :
سيحبر من جمع المكارم كلها *** و العلم أجمع للإمام محمد
[398]
يميز الخلائق فضله و جلاله *** و هو ابن سيدنا النبي محمد
الشريف المرتضى :
أقلني ربي بالذين اصطفيتهم *** و قلت لنا هم خير من أنا خالق
و إن كنت قد قصرت سعيا إلى التقى *** فإني بهم ما شئت عندك لاحق
هم أنقذوا لما فزعت إليهم *** و قد صممت نحوي السنون العوارق
و هم جدبوا صنعي إليهم من الأذى *** و قد طرقت باب الخطوب الطوارق
و لولاهم ما زلت في الدين خطوة *** و لا اتسعت فيه علي المضايق
و لا سيرت فضلي إليها مغارب *** و لا طيرته بينهن مشارق
و لا صيرت قلبي من الناس كلهم *** لها وطنا تأوي إليه الحقائق
ابن حماد :
ما اتكالي إلا على عفو ربي *** و ولائي للطاهرين الطياب
آل طاها و آل ياسين صفو الصفو *** من ذا الورى و لب اللباب
خير من كان أو يكون من الخلق *** و أزكى من حل فوق التراب
من إليهم يوم الإياب إيابي *** و عليهم يوم الحساب حسابي
من زكاتي بهم زكت و صلاتي *** قبلت إذ جعلتهم محرابي
أهل بيت الإله طهرهم من *** كل رجس و ريبة و معاب
و البيوت التي تأذن أن ترفع *** فاسأل بها ذوي الألباب
و معاني الأسماء قال له الرحمن *** فليرتقوا إلى الأسباب
خلفاء الإله يقضون بالحكمة *** بين الورى و فصل الخطاب
الحصكفي الخطيب :
إني جعلت في الخطوب مؤملي *** محمدا و الأنزع البطينا
أحببت ياسين و طاسين و من *** يلزم في ياسين أو طاسينا
سفن النجاة و المناجاة و من *** آوى إلى الفلك و طور سينا
[399]
و العلم في الصين و لكن كشفه *** في قصدهم لا أن ترون الصينا
ذروا الغبا فإن أصحاب العبا *** هم النبأ إن شئتم التبيينا
قوموا ادخلوا الباب و قولوا حطة *** يغفر لنا الذنوب أجمعينا
محمد بن أبي النعمان :
سلام على آل النبي محمد *** و رحمة ربي دائما أبدا يجري
و صلى عليهم ذو الجلال معظما *** و زادهم في الفضل فخرا على فخر
فهم خير خلق الله أصلا و محتدا *** و أكرمهم فرعا على الفحص و السدر
و أوسعهم علما و أحسنهم هدى *** و أتقاهم لله في السر و الجهر
و أفضلهم في الفضل في كل مفضل *** و أقولهم بالحكم في محكم الذكر
و أشجعهم في النازلات و في الوغى *** و أجودهم لله في العسر و اليسر
أناس علوا كل المعاني بأسرها *** فدقت معانيهم على كل ذي فكر
الحميري :
بيت الرسالة و النبوة و *** الذين نعدهم لذنوبنا شفعاء
الطاهرين الصادقين العالمين *** العارفين السادة النجباء
إني علقت بحبلهم مستمسكا *** أرجو بذاك من الإله رضاء
أ سواهم أبغي لنفسي قدوة *** لا و الذي فطر السماء سماء
باب إمامة أبي الحسن علي بن محمد النقي (عليه السلام)
فصل في المقدمات :
الحمد لله الذي لم يحتج في صنعه إلى الآلة و العلة و الحيلة الرحمن الذي قدر لأهل البيت بفضله كل فضيلة الرحيم الذي أزال من المؤمن بلطفه من الذلة كل ذليلة عرف الخلائق بأن جعلها شعبا و قبيلة وعد في كتابه للمؤمنين الموقنين عدة جميلة و جعل الفردوس للمشتاقين مثوبة جزيله فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ .
سعيد بن طريف عن علي (عليه السلام) قال : في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش إحداهما بيضاء و الأخرى صفراء في كل واحدة منها سبعون ألف غرفة أبوابها و أكوابها من عرق
[400]
واحد فالبيضاء الوسيلة لمحمد و أهل بيته و الصفراء لإبراهيم و أهل بيته .
الصادق (عليه السلام) : نحن السبب بينكم و بين الله .
يزيد بن معاوية عن الصادق (عليه السلام) في قوله : وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ إيانا عنى و علي أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي (عليه السلام) .
و سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله : سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كلماته قال هي عين الكبريت و عين اليمن و عين البرهوت و عين الطبرية و حمة ماسيدان و حمة إفريقية و عين باحوران و نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصى .
عروة بن أذينة سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله : وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ فقال إيانا عنى .
زيد بن علي في قوله : أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى نزلت فينا .
زيد الشحام قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قوله : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ رحم الله الذي يرحم لله و نحن و الله الذين استثنى الله عز و جل لكنا نغني عنهم .
علي بن عبد الله قال سأله رجل عن قوله : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى قال من قال بالأئمة و تبع أمرهم و لم يجز طاعتهم .
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قوله : وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ قال هم الأئمة و إن الله تعالى جعل على عهدة الأمة شهداء قال وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ و قال في النبي لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ و في علي (عليه السلام) وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ و في الأئمة وَ تَكُونُوا شُهَداءَ آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
هو النقي بن التقي بن الصابر بن الوفي بن الصادق بن السيد بن السجاد بن الشهيد بن
[401]
حيدر بن عبد مناف .
اسمه : على .
و كنيته : أبو الحسن لا غيرها .
و ألقابه : النجيب المرتضى الهادي النقي العالم الفقيه الأمين المؤتمن الطيب المتوكل العسكري و يقال له أبو الحسن الثالث و الفقيه العسكري .
و كان أطيب الناس بهجة و أصدقهم لهجة و أملحهم من قريب و أكملهم من بعيد إذا صمت علته هيبة الوقار و إذا تكلم سماه البهاء و هو من بيت الرسالة و الإمامة و مقر الوصية و الخلافة شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة و ثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين .
ابن عياش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة و قبض بسرمنرأى الثالث من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و قيل يوم الإثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار .
و ليس عنده إلا ابنه : أبو محمد , و له يومئذ أربعون سنة و قيل واحد و أربعون و سبعة أشهر .
أمه : أم ولد يقال لها سمانة المغربية و يقال إن أمه المعروفة بالسيدة أم الفضل فأقام مع أبيه ست سنين و خمسة أشهر و بعده مدة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و يقال و تسعة أشهر .
و مدة مقامه بسرمنرأى : عشرون سنة .
و توفي : فيها ; و قبره في داره .
و كان في سني إمامته : بقية ملك المعتصم ثم الواثق و المتوكل و المنتصر و المستعين و المعتز و في آخر ملك المعتمد .
استشهد : مسموما . و قال ابن بابويه : و سمه : المعتمد .
و قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) ما لمن زار أحدا منكم ?
قال : كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
دعبل :
قبور بكوفان و أخرى بطيبة *** و أخرى بفخ نالها صلواتي
و آخر من بعد التقي مبارك *** زكي أرى بغداد في الحفرات
[402]
علي بن محمد النقي في الحساب يوافق لكونهما خمسا و أربعمائة .
و أولاده : الحسن الإمام و الحسين و محمد و جعفر الكذاب .
و ابنته : علية .
بوابه : محمد بن عثمان العمري .
و من ثقاته : أحمد بن حمزة بن اليسع و صالح بن محمد الهمداني و محمد بن جزك الجمال و يعقوب بن يزيد الكاتب و أبو الحسين بن هلال و إبراهيم بن إسحاق و خيران الخادم و النضر بن محمد الهمداني .
و من وكلائه : جعفر بن سهيل الصيقل .
و من أصحابه : داود بن زيد و أبو سليم زنكان و الحسين بن محمد المدائني و أحمد بن إسماعيل بن يقطين و بشر بن بشار النيسابوري الشاذاني و سليمان بن جعفر المروزي و الفتح بن يزيد الجرجاني و محمد بن سعيد بن كلثوم و كان متكلما و معاوية بن حكيم الكوفي و علي بن معد بن محمد البغدادي و أبو الحسن بن رجاء العبرتائي .
و رواة النص عليه : جماعة , منهم : إسماعيل بن مهران و أبو جعفر الأشعري و الخيراني .
و الدليل على إمامته : إجماع الإمامية على ذلك و طريق النصوص و العصمة و الطريقان المختلفان من العامة و الخاصة من نص النبي على إمامة الاثني عشر و طريق الشيعة النصوص على إمامته عن آبائه (عليه السلام) .
و قال أبو عبد الله الزيادي : لما سم المتوكل نذر لله أن يرزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير فلما عوفي اختلف العلماء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك قال عشرة آلاف درهم و إلا ضربتك مائة مقرعة قال قد رضيت فأتى أبا الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك فقال قل له يتصدق بثمانين درهما فأخبر المتوكل فسأله ما العلة فأتاه فسأله قال إن الله تعالى قال لنبيه لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ فعددنا مواطن رسول الله فبلغت ثمانين موطنا فرجع إليه فأخبره ففرح فأعطاه عشرة آلاف درهم .
[403]
و قال المتوكل لابن السكيت اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي : فسأله , فقال : لم بعث الله موسى بالعصا و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى و بعث محمدا بالقرآن و السيف ?
فقال أبو الحسن (عليه السلام) : بعث الله موسى بالعصا و اليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم و بهرهم و أثبت الحجة عليهم و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن الله فقهرهم و بهرهم و بعث محمدا بالقرآن و السيف في زمان الغالب على أهله السيف و الشعر فأتاهم من القرآن الزاهر و السيف القاهر ما بهر به شعرهم و قهر سيفهم و أثبت الحجة عليهم فقال ابن السكيت فما الحجة الآن قال العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب فقال يحيى بن أكثم ما لابن السكيت و مناظرته و إنما هو صاحب نحو و شعر و لغة و رفع قرطاسا فيه مسائل فأملى علي بن محمد (عليه السلام) على ابن السكيت جوابها و أمره أن يكتب سألت عن قول الله تعالى قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف و لكنه أحب أن يعرف أمته من الجن و الإنس أنه الحجة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته و ولايته من بعده و لتأكيد الحجة على الخلق و أما سجود يعقوب لولده فإن السجود لم يكن ليوسف و إنما كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله تعالى و تحية ليوسف كما أن السجود من الملائكة لم يكن لآدم فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكرا لله تعالى بإجماع الشمل أ لم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ... الآية و أما قوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ فإن المخاطب بذلك رسول الله و لم يكن في شك مما أنزل الله إليه و لكن قالت الجهلة كيف لم يبعث نبيا من الملائكة و لم لم يفرق بينه و بين الناس في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق فأوحى الله إلى نبيه فاسأل الذين يقرءون الكتاب بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبيا قبلك إلا و هو يأكل الطعام و الشراب و لك بهم أسوة يا محمد و إنما قال فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ و لم يكن للنصفة كما قال فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ و لو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة و قد علم الله أن نبيه مؤد عنه رسالته .
[404]
و ما هو من الكاذبين و كذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأنه صادق فيما يقول و لكن أحب أن ينصف من نفسه و أما قوله وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ... الآية فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام و البحر مداد يمده سبعة أبحر مدا حتى انفجرت الأرض عيونا كما انفجرت في الطوفان ما نفدت كلمات الله و هي عين الكبريت و عين اليمن و عين برهوت و عين الطبرية و حمة ماسيدان تدعى لسان و حمة إفريقية تدعى سيلان و عين باحوران و نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصى و أما الجنة ففيها من المأكل و المشرب و الملاهي ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين و أباح الله ذلك لآدم و الشجرة التي نهى الله آدم عنها و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد الله إليهما أن لا ينظرا إلى من فضله الله عليهما و إلى خلائقه بعين الحسد فنسي و لم يجد له عزما و أما قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فإن الله تعالى زوج الذكران المطيعين و معاذ الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبست على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المحارم و من يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا إن لم يتب فأما شهادة امرأة و حسدها التي جازت فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا فإن لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها فأما قول علي (عليه السلام) في الخنثى فهو كما قال يرث من المبال و ينظر إليه قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة و يقوم الخنثى خلفهم عريانة و ينظرون إلى المرآة فيرون الشيء و يحكمون عليه و أما الرجل الناظر إلى الراعي و قد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسمها الإمام نصفين و ساهم بينهما فإن وقع السهم على أحد القسمين فقد أقسم النصف الآخر ثم يفرق الذي وقع عليهم السهم نصفين و يقرع بينهما فلا يزال كذلك حتى تبقى اثنتان فيقرع بينهما فأيتهما وقع السهم عليها ذبحت و أحرقت و قد نجا سائرهما و سهم الإمام سهم الله لا يجب
[405]
و أما صلاة الفجر و الجهر فيها بالقراءة لأن النبي كان يغلس بها فقراءتها من الليل و أما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) بشر قاتلك ابن صفية بالنار لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان و أما قولك إن عليا قاتل أهل صفين مقبلين و مدبرين و أجهز على جريحهم و أنه يوم الجمل لم يتبع موليا و لم يجهز على جريحهم و كل من ألقى سيفه و سلاحه آمنه فإن أهل الجمل قتل إمامهم و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها و إنما رجع القوم إلى منازلهم غير متحاربين و لا محتالين و لا متجسسين و لا متبارزين فقد رضوا بالكف عنهم و كان الحكم فيه رفع السيف و الكف عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا و أهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة و إمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح و الدروع و السيوف و يستعد لهم و يسني لهم العطاء و يهيئ لهم الأموال و يعقب مريضهم و يجبر كسيرهم و يداوي جريحهم و يحمل راجلهم و يكسو حاسرهم و يردهم فيرجعون إلى محاربتهم و قتالهم فإن الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها و الحكم في أهل صفين أن يتبع مدبرهم و يجهز على جريحهم فلا يساوي بين الفريقين في الحكم و لو لا أمير المؤمنين و حكمه في أهل صفين و الجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد فمن أبى ذلك عرض على السيف و أما الرجل الذي أقر باللواط فإنه أقر بذلك متبرعا من نفسه و لم تقم عليه بينة و لا أخذه سلطان و إذا كان الإمام الذي من الله أن يعاقب في الله فله أن يعفو في الله أ ما سمعت الله يقول لسليمان هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ فبدأ بالمن قبل المنع فلما قرأ ابن أكثم قال للمتوكل ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه و أنه لا يرد عليه شيء بعدها إلا دونها و في ظهور علمه تقوية للرافضة .
جعفر بن رزق الله قال : قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيى بن أكثم الإيمان يمحو ما قبله و قال بعضهم يضرب ثلاثة حدود و كتب المتوكل إلى علي بن محمد النقي يسأله فلما قرأ الكتاب كتب يضرب حتى يموت فأنكر الفقهاء ذلك فكتب إليه يسأله عن العلة فقال بسم الله الرحمن الرحيم
[406]
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ... السورة قال فأمر المتوكل فضرب حتى مات .
علي بن محمد النوفلي قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا و إنما كان عند آصف حرف واحد فتكلم به فانخرق له الأرض فيما بينه و بين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا و حرف واحد عند الله مستأثر به في علم الغيب .