أبو محمد الفحام قال : سأل المتوكل ابن الجهم من أشعر الناس فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام ثم إنه سأل أبا الحسن فقال الجماني حيث يقول :
لقد فاخرتنا من قريش عصابة *** بمد خدود و امتداد أصابع
فلما تنازعنا المقال قضى لنا *** عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا *** عليهم جهير الصوت في كل جامع
فإن رسول الله أحمد جدنا *** و نحن بنوه كالنجوم الطوالع
قال و ما نداء الصوامع يا أبا الحسن قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله جدي أم جدك فضحك المتوكل ثم قال هو جدك لا ندفعك عنه .
ابن حماد :
لا يستوي من وفى يوما و من نكثا *** و ليس من طاب أصلا كالذي خبثا
قد شرف الله خلقا من بريته *** لولاهم ما بدا نفسا و لا نفثا
قوم أبوهم علي خير منتجب *** و جدهم في البرايا خير من بعثا
و أمهم فاطم الطهر التي طهرت *** فلا نفاسا رأت يوما و لا طمثا
رمتهم نائبات الدهر عن لبث *** فلا تدع منهم كهلا و لا حدثا
فصل في معجزاته (عليه السلام) :
أبو محمد الفحام بالإسناد عن سلمة الكاتب قال : قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد فلا في الدار إلا من يخدمه و لا يتعبونه يشيل الستر لنفسه فأمر المتوكل بذلك فرفع صاحب الخبر أن علي بن محمد دخل الدار فلم
[407]
يخدم و لم يشل أحد بين يديه الستر فهب هواء فرفع الستر حتى دخل و خرج فقال شيلوا له الستر بعد ذلك فلا نريد أن يشيل له الهواء .
و في تخريج أبي سعيد العامري رواية عن صالح بن الحكم بياع السابري قال : كنت واقفيا فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به إذ خرج أبو الحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني و بينه و قال يا صالح إن الله تعالى قال في سليمان فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ و نبيك و أوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان قال و كأنما انسل من قلبي الضلالة فتركت الوقف .
الحسين بن محمد قال : لما حبس المتوكل أبا الحسن و دفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن (عليه السلام) أنا أكرم على الله من ناقة صالح تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ قال فلما كان من الغد أطلقه و اعتذر إليه فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه باغز و تامش و معلون فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة .
و في رواية أبي سالم : أن المتوكل أمر الفتح بسبه فذكر الفتح له ذلك فقال قل له تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ... الآية فأنهى ذلك إلى المتوكل فقال أقتله بعد ثلاثة أيام فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل و الفتح .
أبو الحسين سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح قال : دلني أبو الحسن و كنت واقفيا فقال لي إلى كم هذه النومة أ ما لك أن تنتبه منها فقدح في قلبي شيئا و غشي علي و تبعت الحق .
محمد بن الحسن الأشتر العلوي : كنت مع أبي على باب المتوكل في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي و جعفري فتحالفوا لا نترجل لهذا الغلام فما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا يعنون أبا الحسن (عليه السلام) فما هو إلا أن أقبل و بصروا حتى ترجل له الناس كلهم فقال لهم أبو هاشم أ ليس زعمتم أنكم لا تترجلون له فقالوا و الله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا .
أبو يعقوب قال : رأيت أبا الحسن مع أحمد بن الخصيب يتسايران و قد قصر أبو الحسن عنه فقال له ابن الخصيب سر جعلت فداك فقال له أبو الحسن أنت المقدم
[408]
فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الوهق على ساق ابن الخصيب و قتل قال و قد ألح عليه ابن الخصيب قبل هذا في الدار التي كان نزلها و طالبه بالانتقال عنها و تسليمها إليه فبعث إليه أبو الحسن لأقعدن بك من الله مقعدا لا تبقى لك معه باقية فأخذه الله في تلك الأيام .
إسماعيل بن مهران : لما خرج أبو جعفر من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه قلت له جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك قال فكر بوجهه إلي ضاحكا و قال لي ليس حيث ما ظننت في هذه السنة فلما استدعى به المعتصم صرت إليه و قلت له جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر بعدك فبكى حتى خضب لحيته ثم التفت إلي و قال عند هذه يخاف علي الأمر من بعدي إلى علي ابني .
زيد بن علي بن الحسين بن زيد : مرضت فدخل الطبيب علي ليلا و وصف لي دواء آخذه في السحر كذا و كذا يوما فلم يمكني تحصيله من الليل و خرج الطبيب من الباب و قد ورد صاحب أبي الحسن في الحال و معه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فأخذته فشربت فبرأت .
أبو هاشم الجعفري قال : مر بأبي الحسن تركي فكلمه أبو الحسن بالتركية فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته قال فحلفت التركي أنه ما قال لك الرجل قال هذا تكناني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلا الساعة .
و عنه قال دخلت عليه فكلمني بالهندية فبهت فلم أحسن أن أرد عليه و كان بين يديه ركوة ملأى حصى فتناول حصاة واحدة فوضعها في فيه فمصها ثلاثا ثم رمى بها إلي فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا أولها الهندية .
علي بن مهزيار قال : أرسلت إلى أبي الحسن الثالث غلامي و كان صقلبيا فرجع الغلام إلي متعجبا فقلت له ما لك يا بني فقال و كيف لا أتعجب ما زال يكلمني
[409]
بالصقلبية كأنه واحد منا و إنما أراد بهذا الكتمان عن القوم .
أبو هاشم قال : شكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه كفا و قال اتسع بهذا فقلت لصائغ اسبك هذا فسبكه و قال ما رأيت ذهبا أشد منه حمرة .
داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت عليه بسرمنرأى و أنا أريد الحج لأودعه فخرج معي فلما انتهى إلى آخر الحاجز نزل و نزلت معه فخط بيده الأرض خطة شبيهة بالدائرة ثم قال لي يا عم خذ ما في هذه يكون في نفقتك و تستعين به على حجك فضربت بيدي فإذا سبيكة ذهب فكان منها مائتا مثقال .
دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد و أحمد بن إسحاق الأشعري و علي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري فشكا إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال : يا أبا عمرو و كان وكيله ادفع إليه ثلاثين ألف دينار و إلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار و خذ أنت ثلاثين ألف دينار فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك و ما سمعنا بمثل هذا العطاء .
النوفلي : أنه كتب علي بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يشاوره فكتب إليه اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات .
عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي أنه : شكا أبو هاشم إلى أبي الحسن ما لقي من السوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد و قال له يا سيدي ادع الله لي فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه قال قواك الله يا أبا هاشم و قوى برذونك قال و كان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد و الظهر بسرمنرأى و المغرب ببغداد إذا شاء .
الحسين بن الحسن الحسني قال حدثني أبو الطيب المديني قال : كان المتوكل يقول أعياني ابن الرضا فلا يشاربني فقيل له فهذا أخوه موسى قصاف عزاف فأحضره و أشهره فإن الخبر يسمع عن ابن الرضا و لا يفرق في فعلهما و أمر بإحضاره
[410]
و استقباله و أمر له بصلات و أقطاع و بنى له فيها من الخمارين و القينات فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف فسلم عليه ثم قال إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط و اتق الله يا أخي أن تركب محظورا فقال موسى و إنما دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدرك و لا تعص ربك و لا تفعل ما يشينك فما غرضه إلا هتكك فأبى عليه موسى و كرر أبو الحسن عليه القول و الوعظ و هو مقيم على خلافه فلما رأى أنه لا يجيب قال أما أن الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت و هو أبدا قال فأقام ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل و يروح فيقال له قد سكر أو قد شرب دواء حتى قتل المتوكل .
خيران الأسباطي قال : قدمت على النقي (عليه السلام) فقال ما خبر الواثق قلت في عافية قال إن أهل المدينة يقولون إنه قد مات قلت إنني أقرب الناس به عهدا منذ عشرة أيام فقال إن الناس يقولون إنه مات فعلمت أنه نعى نفسه ثم قال ما فعل جعفر قلت تركته في السجن فقال أما أنه صاحب الأمر ثم قال ما فعل ابن الزيات قلت الناس معه و الأمر أمره فقال إنه شؤم عليه ثم قال لا بد أن تجري مقادير الله و أحكامه يا خيران مات الواثق و قد قعد المتوكل جعفر و قد قتل ابن الزيات قلت متى جعلت فداك قال بعد خروجك بستة أيام .
ابن سهلويه : وقع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مرارا يسأله أن يقدمه على ابن أخيه و يقول إنه قد حدث و أنا عم أبيه فقال عمر ذاك له فقال افعل فلما كان من الغد أجلسه و جلس في الصدر ثم أحضر أبا الحسن (عليه السلام) فدخل فلما رآه زيد قام من مجلسه و أقعده في مجلسه و جلس و قعد بين يديه فقيل له في ذلك فقال لما رأيته لم أتمالك نفسي .
أبو محمد الفحام بالإسناد عن أبي الحسن محمد بن أحمد قال حدثني عم أبي قال : قصدت الإمام يوما فقلت إن المتوكل قطع رزقي و ما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك فينبغي أن تتفضل علي بمسألته فقال تكفى إن شاء الله فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولا فجئت إليه فوجدته في فراشه فقال يا أبا موسى يشتغل
[411]
شغلي عنك و تنسينا نفسك أي شيء لك عندي فقلت الصلة الفلانية و ذكرت أشياء فأمر لي بها و بضعفها فقلت للفتح وافى علي بن محمد إلى هاهنا أو كتب رقعة قال لا قال فدخلت على الإمام فقال لي يا أبا موسى هذا وجه الرضا فقلت ببركتك يا سيدي و لكن قالوا إنك ما مضيت إليه و لا سألت قال إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه و لا نتوكل في الملمات إلا عليه و عودنا إذا سألناه الإجابة و نخاف أن نعدل فيعدل بنا .
صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) يوم وروده بسرمنرأى فقلت له جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك فقال هاهنا أنت يا ابن سعيد ثم أومى بيده فإذا أنا بروضات آنقات و أنهار جاريات و جنات بينها خيرات عطرات و ولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون فحار بصري و كثر عجبي فقال لي حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك .
و قال إسحاق الجلاب : اشتريت لأبي الحسن (عليه السلام) غنما كثيرة يوم التروية فقسمتها في أقاربه ثم استأذنته في الانصراف فكتب إلي تقيم غدا عندنا ثم انصرف فبت ليلة الأضحى في رواق له فلما كان وقت السحر أتاني فقال يا أبا إسحاق قم فقمت ففتحت عيني و أنا على بابي ببغداد فدخلت على والدي فقلت عرفت بالعسكر و خرجت ببغداد إلى العيد .
أبو الأسود الكندي :
أ مفندي في حب آل محمد *** حجر بفيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم مستمسكا *** فليعرفن بولادة لم تشهد
الصاحب :
حبي محض لبني المصطفى *** بذاك قد تشهد إضماري
[412]
و لامني جاري في حبهم *** فقلت بعدا لك من جار
و الله ما لي عمل صالح *** أرجو به العتق من النار
إلا موالاة بني المصطفى *** آل رسول الخالق الباري
ابن حماد :
بني مريم الكبرى بني خيرة الورى *** بني الحجة العظمى بني خاتم النذر
بني العلم و الأحكام و الزهد و التقى *** و آل الندا و الجود و المجد و الفخر
بني التين و الزيتون في محكم الذكر *** أجل و بني طوبى بني ليلة القدر
زيد المرزبي :
قوم رسول الله جدهم *** و علي الأب فانتهى الشرف
غفر الإله لآدم بهم *** و نجا بنوح هلكة القذف
أمناء قد شهدت بفضلهم *** التوراة و الإنجيل و الصحف
أبو علي البصير :
بنفسي و مالي من طريف و تالد *** كذا الأهل أنتم يا بني خاتم الرسل
بحبكم ينجو من النار من نجا *** و يزكو لدى الله اليسير من العمل
أواصل من واصلتموه و إن جفا *** فأقاطع من قاطعتموه و إن وصل
عليه حياتي ما حييت و إن أمت *** فلست على شيء سوى ذاك أتكل
محمد بن علي بن هرمة :
و مهما ألام على حبهم *** بأني أحب بني فاطمة
بني بنت من جاء بالمحكمات *** و بالدين و السنة القائمة
و لست أبالي بحبي لهم *** سواهم من النعم السائمة
بعض المغاربة :
إن كنت تمدح قوما *** لله لا لتعله
فاقصد بمدحك قوما *** هم الهداة الأدله
إسنادهم عن أبيهم *** عن جبرئيل عن الله
[413]
فصل في آياته (عليه السلام) :
الفتح بن خاقان قال : قد ذكر عند المتوكل خبر مال يجيء من قم و قد أمرني أن أرصده لأخبره به فقلت لأبي موسى من أي طريق يجيء به حتى أجتنبه فجئت إلى الإمام فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم و قال لا يكون إلا خيرا يا أبا موسى لم لم تعد الرسالة الأولة فقلت أجللتك يا سيدي فقال المال يجيء الليل و ليس يصلون إليه فبت عندي فلما كان من الليل قام إلى ورده فقطع الركوع بالسلام و قال لي قد جاء الرجل و معه المال و قد منعه الخادم الوصول إلي فاخرج فخذ ما معه فخرجت فإذا معه زنفيلجة فيها المال فدخلت بها إليه فقال قل له هات الجبة التي قالت القمية إنها ذخيرة جدتها فخرجت إليه فأعطانيها فدخلت بها عليه فقال قل له الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا فخرجت إليه فقلت له ذلك فقال نعم كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة و أنا أمضي و أجيء بها فقال اخرج فقل له إن الله يحفظ لنا و علينا هاتها من كتفك فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه فخرج إليه (عليه السلام) فقال له قد كنت شاكا فتيقنت .
و وجه المتوكل عتاب بن أبي عتاب إلى المدينة يحمل علي بن محمد (عليه السلام) إلى سرمنرأى : و كان الشيعة يتحدثون أنه يعلم الغيب فكان في نفس عتاب من هذا شيء فلما فصل من المدينة رآه و قد لبس لبادة و السماء صاحية فما كان أسرع من أن تغيمت و أمطرت و قال عتاب هذا واحد ثم لما وافى شط القاطول رآه مقلق القلب فقال له ما لك يا أبا أحمد فقال قلبي مقلق بحوائج التمستها من أمير المؤمنين قال له فإن حوائجك قد قضيت فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه قال الناس يقولون إنك تعلم الغيب و قد تبينت من ذلك خلتين .
المعتمد في الأصول قال علي بن مهزيار : وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف
[414]
و على أبي الحسن لباد و على فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب الفرس و الناس يتعجبون منه و يقولون أ لا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه فقلت في نفسي لو كان هذا إماما ما فعل هذا فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر و عاد (عليه السلام) و هو سالم من جميعه فقلت في نفسي يوشك أن يكون هو الإمام ثم قلت أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب فقلت في نفسي إن كشف وجهه فهو الإمام فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة .
كافور الخادم : قال لي الإمام علي بن محمد اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة و أنفذني في حاجة فنسيت ذلك حتى انتبه ليصلي و كانت ليلة باردة ثم إنه ناداني فقال ما ذاك أ ما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد سخنت لي الماء و تركته في السطل فقلت و الله يا سيدي ما تركت السطل و لا الماء قال الحمد لله و الله ما تركنا رخصة و لا رددنا منحة الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته و وفقنا للعون على عبادته ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن الله يغضب على من لا يقبل رخصته .
محمد بن الفرج الرخجي قال : كتب أبو الحسن أجمع أمرك و خذ حذرك فبينا أنا في حذري إذ صفد بي و ضرب على كل ما أملك فمكثت في السجن ثمان سنين ثم ورد علي كتاب منه في السجن يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي ففرج عني بعد يوم فكتبت إليه أن يسأل الله أن يرد علي ضيعتي فكتب إلي سوف يرد إليك و ما يضرك ألا يرد عليك قال النوفلي كتب له برد ضياعه فلم يصل الكتاب حتى مات .
أبو يعقوب : رأيت محمد بن الفرج ينظر إليه أبو الحسن نظرا شافيا فاعتل من الغد فدخلت عليه فقال إن أبا الحسن قد أنفذ إليه بثوب فأرانيه مدرجا تحت رأسه قال فكفن فيه و الله .
سعيد بن سهل البصري قال : كان لبعض أولاد الخلافة وليمة فدعا أبا الحسن فيها
[415]
فلما رأوه أنصتوا إجلالا له و جعل شاب في المجلس لا يوقره و جعل يلفظ و يضحك فقال له ما هذا الضحك ملء فيك و تذهل عن ذكر الله و أنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور فكف عما هو عليه و كان كما قال .
سعيد الملاح : اجتمعنا في وليمة فجعل رجل يمزح فأقبل أبو الحسن على جعفر بن القاسم بن هاشم البصري فقال أما إنه لا يأكل من هذا الطعام و سوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عليه عيشه فلما قدمت المائدة أتى غلامه باكيا أن أمه وقعت من فوق البيت و هي بالموت فقال جعفر و الله لا وقفت بعد هذا و قطعت عليه .
و في كتاب البرهان عن الدهني أنه : لما ورد به سرمنرأى كان المتوكل برا به و وجه إليه يوما بسلة فيها تين فأصاب الرسول المطر فدخل إلى المسجد ثم شرهت نفسه إلى التين ففتح السلة و أكل منها فدخل و هو قائم يصلي فقال له بعض خدمه ما قصتك فعرفه القصة قال له أ و ما علمت أنه قد عرف خبرك و ما أكلت من هذا التين فقامت على الرسول القيامة و مضى مبادرا حتى إذا سمع صوت البريد ارتاع هو و من في منزله بذلك الخبر .
إبراهيم بن محمد الطاهري أنه : مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على الموت فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن بأموال نفيسة و قال الفتح بن خاقان لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته ربما كان عنده شيء فسأل عن الإمام (عليه السلام) فقال خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد و ضعوه على الخراج و فعل ذلك فنعش المتوكل و خرج منه ما كان فيه فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت ختمها ثم إنه سعى إليه أن عنده أموالا و سلاحا فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا و يأخذ ما يجد عنده فصعد سعيد سقف داره و لم يهتد أن ينزل فنادى أبو الحسن يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلما دخل الدار قال دونك و البيوت فما وجد إلا كيسا مختوما و بدرة مختومة و سيفا تحت مصلاه فأتى به المتوكل فلما رأى ختم
[416]
أمه سألها عنها فحكت نذرها فخجل و ضاعف بذلك و رد إليه فقال الحاجب أعزز علي بدخولي دارك بغير إذنك و لكنني مأمور فقال يا سعيد وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
أبو الهلقام و عبد الله بن جعفر الحميري و الصقر الجبلي و أبو شعيب الحناط و علي بن مهزيار قالوا : كانت زينب الكذابة تزعم أنها بنت علي بن أبي طالب فأحضرها المتوكل و قال اذكري نسبك فقالت أنا زينب بنت علي و أنها كانت حملت إلى الشام فوقعت إلى بادية من بني كلب فأقامت بين ظهرانيهم فقال لها المتوكل إن زينب بنت علي قديمة و أنت شابة فقالت لحقتني دعوة رسول الله بأن يرد شبابي في كل خمسين سنة فدعا المتوكل وجوه آل أبي طالب فقال كيف يعلم كذبها فقال الفتح لا يخبرك بهذا إلا ابن الرضا فأمر بإحضاره و سأله فقال (عليه السلام) إن في ولد علي علامة قال و ما هي قال لا تعرض لهم السباع فألقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة فقالت يا أمير المؤمنين الله الله في فإنما أراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي ألا إنني زينب الكذابة و في رواية أنه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسباع فأكلتها قال علي بن مهزيار فقال علي بن الجهم جرب هذا على قائله فأجيعت السباع ثلاثة أيام ثم دعي بالإمام (عليه السلام) و أخرجت السباع فلما رأته لاذت به و بصبصت بأذنابها فلم يلتفت الإمام إليها و صعد السقف و جلس عند المتوكل ثم نزل من عنده و السباع تلوذ به و تبصبص حتى خرج و قال قال النبي حرم لحوم أولادي على السباع .
الحسين بن علي أنه : أتى النقي (عليه السلام) رجل خائف و هو يرتعد و يقول إن ابني أخذ بمحبتكم و الليلة يرمونه من موضع كذا و يدفنونه تحته قال فما تريد قال ما يريد الأبوان فقال (عليه السلام) لا بأس عليه اذهب فإن ابنك يأتيك غدا فلما أصبح أتاه ابنه فقال يا بني ما شأنك فقال لما حفر القبر و شدوا لي الأيدي أتاني عشر أنفس مطهرة عطرة و سألوا عن بكائي فذكرت لهم فقالوا لو جعل الطالب مطلوبا تجرد نفسك و تخرج و تلزم تربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قلت نعم فأخذوا الحاجب فرموه من شاهق الجبل و لم يسمع أحد جزعه و لا رآني الرجال و أوردوني إليك و هم ينتظرون خروجي إليهم
[417]
و ودع أباه و ذهب فجاء أبوه إلى الإمام و أخبره بحاله فكان الغوغاء تذهب و تقول وقع كذا و كذا و الإمام يتبسم و يقول إنهم لا يعلمون ما نعلم .
قال أبو جعفر الطوسي في المصباح و الأمالي قال إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي : اختلف أبي و عمومتي في الأربعة الأيام التي تصام في السنة فركبوا إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) و هو مقيم بصرياء قبل مصيره إلى سرمنرأى فقالوا جئناك يا سيدنا لأمر اختلفنا فيه فقال جئتم تسألونني عن الأيام التي تصام في السنة و ذكرنا أنها يوم مولد النبي و يوم بعثه و يوم دحيت الأرض من تحت الكعبة و يوم الغدير و ذكر فضائلها .
و قال المنصوري حدثني عم أبي قال : دخلت يوما على المتوكل و هو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت يا سيدي ما شربت قط قال أنت تشرب مع علي بن محمد قال فقلت له إنه ليس يعرف من في يديك أنه يضرك و لا يضره و لم أعد ذلك عليه .
و كان شخوصه (عليه السلام) من المدينة إلى سرمنرأى : سعاية عبد الله بن محمد إلى المتوكل فكتب الإمام إلى المتوكل يحامل عبد الله و يكذبه لؤمه فيما سعى به فدعاه المتوكل بأحسن كتاب و أجل خطاب و أوفر موعود و خرج معه يحيى بن هرثمة ثم كان منه ما كان و أقام بسرمنرأى حتى مضى .
أبو محمد الفحام عن المنصوري عن عمه عن أبيه قال : قال يوما الإمام علي بن محمد يا أبا موسى أخرجت إلى سرمنرأى كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها قال قلت و لم يا سيدي فقال لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلة دائها ثم قال تخرب سرمنرأى حتى يكون فيها خان وقفا للمارة و علامة خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي .