محمد بن إسماعيل العلوي قال : دخل العباسيون على صالح بن رصيف عند ما حبس أبو محمد فقالوا له ضيق عليه قال وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه علي بن بارمش و أقتامش فقد صارا من العبادة و الصلاة إلى أمر عظيم يضعان خديهما له ثم أمر بإحضارهما فقال ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل فقالا ما نقول في رجل يقوم الليل كله و يصوم النهار لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا .
[430]
و روي : أنه سلم إلى يحيى بن قتيبة و كان يضيق عليه فقالت له امرأته اتق الله فإني أخاف عليك منه قال و الله لأرمينه بين السباع ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها و لم يشكوا في أكلها إياه فنظروا إلى الموضع فوجدوه قائما يصلي فأمر بإخراجه إلى داره .
و روي : أن يحيى بن قتيبة الأشعري أتاه بعد ثلاث مع الأستاذ فوجداه يصلي و الأسود حوله فدخل الأستاذ الغيل فمزقوه و أكلوه و انصرف يحيى في قومه إلى المعتمد فدخل المعتمد على العسكري و تضرع إليه و سأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة فقال (عليه السلام) مد الله في عمرك فأجيب و توفي بعد عشرين سنة .
أبو جعفر الطوسي قال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوسا مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي في هذه الليلة يبتر الله عمره فلما أصبحنا شغب الأتراك و قتل المهتدي و ولي المعتمد مكانه .
علي بن محمد بن زياد الصيمري قال : دخلت على أبي أحمد بن عبد الله بن طاهر و في يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) فيها أني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين و هو آخذه بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث خلع و كان من أمره ما كان إلى أن قتل .
أبو الحسن الموسوي الحيري عن أبيه قال : قدمت إلى أبي محمد (عليه السلام) دابة ليركب إلى دار السلطان و كان إذا ركب يدعو له عامي و هو يكره ذلك فزاد يوما في الكلام و ألح فسار حتى انتهى إلى مفرق الطريقين و ضاق على الرجل العبور فعدل إلى طريق يخرج منه و يلقاه فيه فدعا (عليه السلام) ببعض خدمه و قال له امض فكفن هذا فتبعه الخادم فلما انتهى (عليه السلام) إلى السوق خرج الرجل من الدرب ليعارضه و كان في الموضع بغل واقف فضربه البغل فقتله و وقف الغلام فكفنه .
علي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : كان لي فرس و كنت به معجبا أكثر ذكره فقال أبو محمد ما فعل فرسك فقلت هو على بابك الآن فقال استبدل به
[431]
قبل المساء فمضيت و نفست على الناس ببيعه و أمسينا فلما صلينا العتمة جاءني السائس فقال إنه نفق فرسك الساعة فدخلت على أبي محمد بعد أيام و أنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة فقال نعم تخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت ثم قال هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمرا .
علي بن زيد العلوي الزيدي قال : أعطاني أبو محمد (عليه السلام) دنانير و قال اشتر بهذه الدنانير جارية فإن جاريتك قد ماتت فأتيت داري و إذا بالجارية قد شرقت و ماتت .
الحسن بن ظريف قال : اختلج في صدري أن أكتب إلى أبي محمد أن القائم إذا قام بم يقضي و أين مجلسه للقضاء و أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت عنها فجاء الجواب سألت عن القائم إذا قام بالناس بم يقضي يقضي بعلمه كقضاء داود لا يسأل عن بينة و أردت أن تسأل عن حمى الربع فاكتب في ورقة و علقها على المحموم يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ .
أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد (عليه السلام) الحاجة فحك بسوطه الأرض فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمسمائة دينار فقال خذها يا أبا هاشم و اعذرنا .
أبو علي المطهري : كتب إليه من القادسية يعلمه انصراف الناس عن المضي إلى الحج و أنه يخاف العطش إن مضى فكتب امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله فمضوا و لم يجدوا عطشا .
علي بن الحسن بن الفضل اليماني قال : نزل بالجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم فكتب إلى أبي محمد يشكو ذلك فكتب إليه تكفونهم إن شاء الله تعالى قال فخرج إليهم في نفر يسير و القوم يزيدون على عشرين ألفا و هو في أقل من ألف فاستباحهم .
أبو طاهر قال محمد بن بلبل : تقدم المعتز إلى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد إلى
[432]
الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق فجاء توقيعه (عليه السلام) إلينا الذي سمعتموه تكفونه فخلع المعتز بعد ثلاث و قتل .
إسماعيل بن محمد العباسي قال : شكوت إلى أبي محمد الحاجة و حلفت أنه ليس عندي درهم فما فوقه فقال أ تحلف بالله كاذبا و قد دفنت مائتي دينار و ليس قولي لك هذا دفعا عن العطية أعطه يا غلام ما معك فأعطاني مائة دينار ثم أقبل علي فقال إنك تحرم الدنانير التي دفنتها في أحوج ما تكون إليها و ذلك أنني اضطررت وقتا ففتشت عنها فلم أجدها فنظرت فإذا ابن عم لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب .
أبو هاشم قال سمعت أبا محمد يقول : إن في الجنة بابا يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل بيت المعروف فحمدت الله تعالى في نفسي و فرحت مما أتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام) فقال نعم قد علمت ما أنت عليه و أن أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم و رحمك .
سفيان بن محمد الصيفي قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوليجة و هو قول الله عز و جل وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً قلت في نفسي لا في الكتاب من يرى المؤمن هاهنا فرجع الجواب الوليجة التي تقام دون ولي الأمر و حدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع فهم الأئمة الذين يؤمنون على الله فنحن إياهم .
أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد ضيق الحبس و كلب القيد فكتب إلي تصلي اليوم الظهر في منزلك فأخرجت وقت الظهر و صليت في منزلي .
أشجع بن الأقرع قال كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو الله لي من وجع عيني و كانت إحدى عيني ذاهبة و الأخرى على شرف هار فكتب إلي حبس الله عليك عينك و أقامت الصحيحة و وقع في آخر الكتاب أعزك الله آجرك الله و أحسن ثوابك فاغتممت بذلك و لم أعرف في أهلي أحدا مات فلما كان بعد أيام جاءني خبر وفاة ابني طيب فعلمت أن التعزية له .
عمر بن مسلم قال : قدم علينا بسرمنرأى رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظلم إلى المهتدي في ضيعة له غصبها شفيع الخادم و أخرجه منها فأشرنا إليه أن
[433]
يكتب إلى أبي محمد يسأله تسهيل أمرها فكتب إليه أبو محمد لا بأس عليك ضيعتك ترد عليك فلا تتقدم إلى السلطان و أت الوكيل الذي في يده الضيعة و خوفه بالسلطان الأعظم الله رب العالمين فلقيه فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كتب إلي عند خروجك أن أطلبك و أن أرد الضيعة عليك فردها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب و شهادة الشهود و لم يحتج أن يتقدم إلى المهتدي فصارت الضيعة له .
و قال سيف بن الليث : خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها و ابنا آخر أسن منه كان وصيي فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لابني العليل فكتب إلي قد عوفي ابنك العليل و مات الكبير وصيك و قيمك فاحمد الله و لا تجزع فيحبط أجرك فكان كما قال .
إسحاق قال حدثني يحيى القنبري قال : كان لأبي محمد وكيل قد اتخذ منه في الدار حجرة يكون فيها و خادم أبيض فراود الوكيل الخادم على نفسه فأبى إلا أن يأتيه بنبيذ فاحتال له نبيذا ثم أدخله عليه و بينه و بين أبي محمد ثلاثة أبواب مغلقة قال فحدثني الوكيل قال إني لمنتبه إذ أنا بالأبواب تفتح حتى جاء بنفسه فوقف على باب الحجرة ثم قال يا هؤلاء خافوا الله فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم و إخراجي من الدار .
أبو العيناء الهاشمي كنت : أدخل على أبي محمد (عليه السلام) فأعطش و أنا عنده و أجله أن أدعو بالماء ثم يقول يا غلام اسقه و ربما حدثتني نفسي بالنهوض فأفكر في ذلك فيقول يا غلام دابته .
و روى الكليني في الكافي : حديث الفصاد له (عليه السلام) مثل الذي ذكرناه في باب أبي جعفر الثاني (عليه السلام) .
علي بن محمد عن بعض أصحابنا قال : كتب محمد بن حجر إلى أبي محمد (عليه السلام) يشكو عبد العزيز بن دلف و يزيد بن عبد الله فكتب إليه أما عبد العزيز فقد كفيته و أما يزيد فإن لك و له مقاما بين يدي الله عز و جل فمات عبد العزيز و قتل يزيد محمد بن حجر .
أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمد فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد فقال نعم ثم قال يا أحمد إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن ثم دعا بالدواة فقلت في نفسي أستوهبه القلم الذي كتب به فلما
[434]
فرغ من الكتابة أقبل يحدثني و هو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال هاك يا أحمد فناولنيه الخبر .
غيبة الطوسي أبي علي بن همام عن شاكري أبي محمد (عليه السلام) قال : كان أستاذي صالحا من العلويين لم أر مثله قط و كان يركب إلى دار الخلافة في كل إثنين و خميس و كان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم و يغص الشارع بالدواب و البغال و الحمير و الضجة لا يكون لأحد موضع يمشي و لا يدخل بينهم و إذا جاء أستاذي سكنت الضجة و هدأ صهيل الخيل و نهاق الحمير و تفرقت البهائم حتى يصير الطريق واسعا ثم يدخل و إذا أراد الخروج و صاح البوابون هاتوا دابة أبي محمد سكن صياح الناس و صهيل الخيل و تفرقت الدواب حتى يركب و يمضي .
و فيها قال الشاكري و جاء أستاذي يوما إلى سوق الدواب فجيء له بفرس كبوس لا يقدر أحد أن يدنو منه قال فباعوه إياه بوكس فقال لي يا محمد قم فاطرح السرج عليه قال فقمت و علمت أنه لا يقول لي ما يؤذيني فحللت الحزام و طرحت السرج عليه فهدأ و لم يتحرك فجئت به لأمضي فجاء النخاس فقال لي ليس يباع فقال لي سلمه إليهم قال فجاء النخاس ليأخذه فالتفت إليه التفاتة ذهب منهزما قال فركبت و مضينا و جئت به إلى الإصطبل فما تحرك و لا آذاني ببركة أستاذي .
و من كتاب الكشي الفضل بن الحرث قال : كنت بسرمنرأى وقت خروج سيدي أبي الحسن (عليه السلام) فرأينا أبا محمد ماشيا قد شق ثيابه فجعلت أتعجب من جلالته و ما هو له أهل و من شدة اللون و الأدمة و أشفق عليه من التعب فلما كان الليلة رأيته (عليه السلام) في منامي فقال اللون الذي تعجبت منه اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء و إنها لعبرة في الأبصار لا يقع فيه غير المختبر و لسنا كالناس فنتعب كما يتعبون فاسأل الله الثبات و تفكر في خلق الله فإن فيه متسعا و اعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة .
[435]
و خرج أبو محمد (عليه السلام) في جنازة أبي الحسن (عليه السلام) و قميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون الأبرش في ذلك فقال (عليه السلام) : يا أحمق ما أنت و ذاك قد شق موسى على هارون ثم قال بعد كلام و إنك لا تموت حتى تكفر و يتغير عقلك فما مات حتى حجبه ابنه عن الناس و حبسوه في منزله في ذهاب العقل عما كان عليه .
و كان عروة الدهقان كذب على علي بن محمد بن الرضا و على أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) بعده ثم إنه أخذ بعض أمواله فلعنه أبو محمد فما أمهل يومه ذلك و ليلته حتى قبض إلى النار .
و قال محمد بن الحسن : لقيت من علة عيسى شدة فكتبت إلى أبي محمد أسأله أن يدعو لي فلما نفذت الكتاب قلت في نفسي ليتني كتبت إليه أن يصف لي كحلا أكحلها فوقع بخطه يدعو لي سلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة و كتب بعده أردت أن أصف لك كحلا عليك أن تصير مع الإثمد كافورا و توتيا فإنه يجلو ما فيها من الغشاء و ييبس من الرطوبة قال فاستعملت ما أمرني به فصحت .
محمد بن الحسن قال : كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي أ ليس قد قال أبو عبد الله الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا و القتل معنا خير من الحياة مع عدونا فرجع الجواب إن الله عز و جل يخص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر و قد يعفو عن كثير منهم و هو كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا و نحن كهف من التجأ إلينا و نور لمن استضاء بنا و عصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى و من انحرف عنا مال إلى النار .
العوني :
بهم بينات الأنبياء و صدقوا لما *** كان في كتب النبيين مصحف
ألا هم وعيد الله فينا و وعده *** فلا تحسبن الله للوعد مخلف
بهم قسم الله العظيم الذي به *** يرى الله في القرآن ما تاح محلف
هم ما هم هم كل ما قيل فيهم *** و زادوا سوى ما منهم زاد مسرف
هم الحق شاع الحق فيهم و عنهم *** يطف بهم وصافهم و المكيف
[436]
أبو عمرو عبد الملك البعلبكي :
يا أهل بيت محمد *** يا خير من ملك النواصي
أنتم وسيلتي التي *** أنجو بها يوم القصاص
و أنا المعير بما *** اكتسبت من القبائح و المعاصي
لكن بكم يا سادتي *** أرجو غدا عنها خلاصي
من حاز علما بالولاء *** فذاك للرحمن خاص
أبو الفتح البستي :
من لم يكن للنبي عبدا *** و لم يكن مخلصا لآله
فكل ما يخرج البرايا *** من السبيلين في سباله
عبد الرحمن بن حامد الخوافي :
سلام على نفس *** هي الآية الكبرى
و شخص هو المجد *** المنيف على الشعرى
هو الدين و الدنيا *** يرى نوره متى
تحصل لك الأولى *** و تحصل لك الأخرى
فصل في آياته (عليه السلام) :
سأل محمد بن صالح الأرميني لأبي محمد (عليه السلام) عن قوله تعالى : لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ فقال الأمر من قبل أن يأمر به و من بعد أن يأمر فقلت في نفسي هذا قوله أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ فنظر إلي و تبسم ثم قال له الخلق و الأمر .
قال أبو هاشم : خطر ببالي أن القرآن مخلوق أم غير مخلوق فقال أبو محمد (عليه السلام) يا أبا هاشم الله خالق كل شيء و ما سواه مخلوق .
و كتب محمد بن شمون البصري : فسأل أبا محمد عن الحال و قد اشتدت على الموالي من محمد المهتدي فكتب إليه عد من يومك خمسة أيام فإنه يقتل في اليوم السادس من بعد هوان يلاقيه فكان كما قال .
و في رواية أحمد بن محمد : أنه وقع (عليه السلام) بخطه ذاك اقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيام و يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف يمر به .
علي بن محمد بن إسماعيل قال : كتب أبو محمد (عليه السلام) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوما الزم بيتك حتى يحدث الحادث
[437]
فلما قتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني فكتب إليه ليس هذا الحادث الحادث الآخر فكان من المعتز ما كان .
قال و كتب (عليه السلام) إلى رجل آخر يقتل محمد بن عبد الله بن داود قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل .
أبو هاشم : دخلت على أبي محمد و أنا أريد أن أسأله فصا أصوغ به خاتما أتبرك به فجلست و أنسيت ما جئت له فلما ودعته و نهضت أومى إلي بخاتم و قال أردت فصا فأعطيناك خاتما و ربحت الفص و الكراء هنأك الله يا أبا هاشم .
و رأى أبو محمد و الحسن بن محمد العقيقي و محمد بن إبراهيم العمري في الحبس فقال (عليه السلام) : لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم و أومى إلى الجمحي أن يخرج فخرج فقال أبو محمد هذا الرجل ليس منكم فاحذروه و إن في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره ما تقولون فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجدوا القصة يذكرهم فيها بكل عظيمة .
أبو هاشم قال أبو محمد (عليه السلام) : إذا خرج القائم يأمر بهدم المنابر و المقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا فأقبل علي و قال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة .
و سأله الفهفكي : ما بال المرأة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين فقال أبو محمد إن المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنما ذلك على الرجال فقلت في نفسي قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب .
و في رواية : لما جعل لها من الصداق فأقبل أبو محمد علي فقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحد و أجري لآخرنا ما أجري لأولنا و أولنا و آخرنا في العلم و الأمر سواء و لرسول الله و لأمير المؤمنين فضلهما .
و كان سأل عمران الصابي الرضا : لم صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فقال (عليه السلام) من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة و أطعمت آدم حبتين فمن ذلك ورث الذكر مثل حظ الأنثيين .
و قال محمد بن إبراهيم لابن الكردي : ضاق بنا الأمر فقال أبي امض بنا إلى هذا
[438]
الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة فقلت تعرفه قال ما رأيته قط فقصداه فقال أبوه في طريقه ما أحوجنا أن يأمر لنا الخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة و مائتا درهم للدقيق و مائتا درهم للنفقة و قال محمد في نفسه ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة أشتري بها حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة فأخرج إلى الجبل فلما وافيا الباب خرج إليهما غلامه فقال يدخل علي بن إبراهيم و ابنه محمد فدخلا و جلسا فلما خرجا أتاهما غلامه فناول أباه صرة فيها خمسمائة درهم و قال مائتان للكسوة و مائتان للدقيق و مائة للنفقة و أعطى محمدا صرة فيها ثلاثمائة درهم و قال مائة في ثمن الحمار و مائة للكسوة و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سورا قال فصار إلى سورا و تزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألف دينار .
أحمد بن الحرث القزويني قال : كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا و كبرا و كان يمنع ظهره و اللجام و عجز الرواض عن ركوبه فقال بعضهم أ لا تبعث به إلى ابن الرضا فيجيء فإما أن يركبه أو يقتله فبعث إلى أبي محمد (عليه السلام) فلما أتاه وضع يده على كفله فعرق البغل حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم فرحب به و قربه و قال يا أبا محمد ألجم هذا البغل فقام فألجمه ثم قال أسرجه فأسرجه فرجع و قال نرى أن تركبه فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة فمشى أحسن مشي يكون ثم رجع فنزل فقال المستعين كيف رأيته فقال ما رأيت مثله حسنا و فراهة فقال إن أمير المؤمنين حملك عليه فقال يا غلام خذه .
شاهويه بن عبد ربه : كان أخي صالح محبوسا فكتبت إلى سيدي أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن أشياء أجابني عنها و كتب أن أخاك يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا و قد كنت أردت أن تسألني عن أمره فأنسيت فبينا أنا أقرأ كتابه إذا أناس جاءوني يبشرونني بتخلية أخي فتلقيته و قرأت عليه الكتاب .
[439]
أبو هاشم قال : كنا نفطر مع أبي الحسن (عليه السلام) فضعفت يوما عن الصوم و أفطرت في بيت آخر على كعكة فريدا ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه أطعم أبا هاشم شيئا فإنه مفطر فتبسمت فقال ما يضحكك يا أبا هاشم إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه .
أبو العباس و محمد بن القاسم قال : عطشت عند أبي محمد و لم تطب نفسي أن يفوتني حديثه و صبرت على العطش و هو يتحدث فقطع الكلام و قال يا غلام اسق أبا العباس ماء .
و قال أبو هاشم : كنت مضيقا فأردت أن أطلب منه معونة فاستحييت فلما صرت إلى منزل لي وجه إلي بمائة دينار و كتب إلي إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم و اطلبها فإنك ترى ما تحب إن شاء الله .
عبد الله بن جعفر قال أبو هاشم : قلت في نفسي و قد كتب الإمام يا أسمع السامعين إلى آخره اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك فأقبل علي أبو محمد فقال أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت بالله مؤمنا و لرسوله مصدقا و لأوليائه عارفا و لهم تابعا فأبشر ثم أبشر .
أبو هاشم قال : سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤاخذ إلا بهذا فقلت في نفسي إن هذا لهو الدقيق و قد ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شيء فأقبل علي أبو محمد فقال صدقت يا أبا هاشم فالزم ما حدثتك به نفسك فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء أو من دبيب الذر على المسح الأسود .
علي بن أحمد بن حماد قال : خرج أبو محمد في يوم مصيف راكبا و عليه تجفاف و ممطر فتكلموا في ذلك فلما انصرفوا من مقصدهم أمطروا في طريقهم و ابتلوا سواه .
[440]
محمد بن عياش قال : تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبي إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنه حق فكتبنا مسائل و كتب الرجل بلا مداد على ورق و جعل في الكتب و بعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا و كتب على ورقه اسمه و اسم أبويه فدهش الرجل فلما أفاق اعتقد الحق .
و كان بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد (عليه السلام) فدعاه أبو الحسن (عليه السلام) و كان يحدث ابنه أبا محمد فقال : يا بشر إنك من ولد الأنصار و هذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف و أنتم ثقاتنا أهل البيت و كتب كتابا لطيفا بخط رومي و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أخرج شقة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا و أنفذه إلى بغداد و قال له احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا و يأتي البيع فعند ذلك تعطيها الكتاب قال ففعلت كذا فلما نظرت إلى الكتاب بكت بكاء شديدا و قالت للنخاس بعني من صاحب هذا الكتاب فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر و استوفى مني الدنانير و تسلمت منه الجارية مستبشرة فكانت تلثم الكتاب و تضعه على خدها فقلت تعرفين صاحبه قالت أعرني سمعك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم و أمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون إن قيصرا أراد أن يزوجني من ابن أخيه فجمع من نسل الحواريين ثلاثمائة رجل و من الملوك و القواد أربعة آلاف و نصب عرشا مصوغا من أصناف الجواهر فوق أربعين مرقاة فلما استقام أمرهم للخطبة تسافلت الصلبان من الأعالي على وجوهها و انهارت الأعمدة و خر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة و قالوا أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال الدين المسيحي و المذهب الملكاني فتطير جدي من ذلك و أمر أن يزوج أخاه فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول فقام جدي و تفرق الناس فرأيت من تلك الليلة المسيح و شمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي و نصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوا و ارتفاعا فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع فئة فتقدم إليه المسيح فاعتنقه و خطب محمد و زوجني من ابنه و شهد بنو محمد و الحواريون فلما استيقظت كنت أشفق على نفسي مخافة القتل حتى مرضت و ضعفت نفسي و عجزت الأطباء عن دوائي .