الصفحة الرئيسية  المكتبة  وصايا الرسول لزوج البتول  الجزء الثاني عشر
قبل

140

« إنّي أنا اللّهُ لا إلَه إلاّ أنا وَحْدي ، محمّدْ صفوتي من خلقي ، أيّدتُه بوزيره ، ونصرتُه بوزيره » فقلت لجبرئيل (عليه السلام) : مَن وزيري ؟ فقال : عليُّ بن أبي طالب ، فلمّا جاوزتُ سدرَة المنتهى انتهيتُ إلى عَرش ربِّ العالمين جلَّ جلالُه فوجدتُ مكتوباً على قوائمِه « إنّي أنا اللّهُ لا إلَه إلاّ أنا وَحْدي ، محمّدٌ حبيبي ، أيّدتُه بوزيره ، ونصرتُه بوزيره » .
    ياعلي : إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطاني فيك سبعَ خصال (380) : أنت أوّلُ من يَنشقُّ عنهُ القبرُ معي ،




    (380) وقد وردت إلى هنا أيضاً في الخصال(1)، وتلاحظ أنّه ليس فيه جميع الخصال السبعة ، ويستفاد مكمّلها من حديث محمّد بن العبّاس قال : حدّثنا أحمد ابن محمّد مولى بني هاشم ، عن جعفر بن عيينة ، عن جعفر بن محمّد ، عن الحسن بن بكر ، عن عبدالله بن عقيل ، عن جابر بن عبدالله قال : « قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأخذ بضبعي علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتّى رُأي بياض إبطيه وقال :
    إنّ الله ابتدأني فيك بسبع خصال ، قال جابر : فقلت : بأبي واُمّي يارسول الله وما السبع الذي ابتدأك بهنّ ؟ قال : أنا أوّل من يخرج من قبره وعلي معي ، وأنا أوّل من يجوز على الصراط وعلي معي ، وأنا أوّل من يقرع باب الجنّة وعلي معي ، وأنا أوّل من يسكن عليّين(2) وعلي معي ، وأنا أوّل من يُزَوَّج من الحور العين وعلي معي ، وأنا أوّل من يُسقى من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك وعلي معي »(3).



1 ـ الخصال : ص342 ، ح5 .
2 ـ تفسير البرهان : ج2 ، ص1179 .
3 ـ مجمع البيان : ج10 ، ص456 .



141

وأنتَ أوّلُ من يقفُ على الصراطِ معي ، وأنت أوّلُ من يُكسى إذا كُسيت ، ويحيى إذا حييتُ ، وأنت أوّلُ من يسكنُ معي في علّيّين (381) ، وأنت أوّلُ من يشربُ معي من الرحيقِ (382) المختومِ الذي ختامُه مِسك (383) (384) .



    (381) وهي المراتب العالية ، والدرجات السامية ، المحفوفة بالجلالة والرفعة في الجنّة .
    (382) الرحيق هي الخمر الصافية الخالصة من كلّ غشّ(1)، والمختوم بمعنى ختم أوانيها بالمسك ، وختامه مسك بمعنى أنّ آخر ما يجدون منها هي رائحة المسك .
    (383) أي إذا شربه الشارب وجد رائحة المسك فيه(2).
    أي انّه له ختامٌ وعاقبة إذا رفع الشارب فاه عن آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك .. فهي أفضل خمر خالصة خالية عن الغول والتأثيم .. مع أفضل رائحة عبقة بالمسك .. أوّل من يتهنّأ بها هو نبيّنا أفضل النبيّين وأفضل الخلق بعده أمير المؤمنين .
    وهي إشارة إلى قوله عزّ إسمه : ( إنَّ الأبرَارَ لَفِي نَعِيم * عَلَى الأرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيق مَخْتُوم * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنافِسُونَ )(3).
    وهذا مسك ختام هذه الوصيّة النبوية لمقام الولاية العليّة التي رواها الشيخ الصدوق (قدس سره) وغيره .



1 ـ مجمع البيان : ج10 ، ص456 .
2 ـ تفسير القمّي : ج2 ، ص411 .
3 ـ سورة المطفّفين : الآيات 22 ـ 26 .



142

    0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0



    (384) روى شيخ المحدّثين الصدوق (قدس سره) هذا الحديث كمسك الختام في آخر كتابه الجامع من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص352 ، باب النوادر ، الحديث 1 ، المسلسل 5762 . ورواه أيضاً الشيخ الطبرسي في مكارم الأخلاق : ج2 ، ص319، الفصل الثالث ، الحديث 1 ، المسلسل 2656 . ورواه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار: ج77، ص46 ، الباب 3 ، الحديث 3 . وشَرَحَهُ التقي المجلسي في روضة المتّقين : ج12 ، ص260 ، ذاكراً في أوّله أنّ الصدوق أعلى الله مقامه حكم بصحّته إمّا لتواتره عنده أو لتواتر مضمونه .. فإنّ أكثر مسائله ورد في الأخبار المتواترة أو المستفيضة أو الصحيحة المأثورة عن الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين ، وجاء كثير منها في الأبواب المعنونة في الأحاديث المسندة الواردة في كتاب الخصال .


143

   2
    رسالة الوصايا : روى الشيخ العالم علي بن أحمد المشهدي الغروي المعروف بابن القاساني في رسالة وصايا النبي (1) (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شيخه المولى أبي الفضل محمّد بن قطب الدين الراوندي ( ببلدة ريّ بمحلّ باب المصالح في شهور سنة ستّة وتسعين وخمسمائة ) قال : حدّثني والدي ( في سنة إثنتين وأربعين وخمسمائة ) ، قال : أخبرني الشيخ العفيف أبو عبدالله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس الدورسي ( في مسجد المأذنة في شهور سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ) ، عن الشيخ الحافظ جعفر بن علي ابن موسى القمّي عن مشايخه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) سمعته وأنا أكتب مخافة أن أنسى ، وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا سمع لا ينسى ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّة :




    (1) هذه النسخة خطيّة في مكتبة جامعة طهران مرقّمة برقم 10/1812 ضمن مجموعة ( ش ـ 2936 ) رسالة ـ رقم 14 من صفحة 333 إلى صفحة 338 في المجموعة .
    صدّرت أوّل الرسالة بقوله : الحمد لله حقّ حمده ، وصلاته على خير خلقه محمّد وصفوة ذرّيته الأئمّة الأطهار ، يقول العبد الضعيف المذنب الفقير إلى رحمة اللّه تعالى علي بن أحمد المشهدي الغروي المعبِّر المعروف بابن القاشاني أحسن الله عاقبته بمحمّد وآله الطاهرين .. حدّثني الشيخ المولى أبي الفضل ... الخ . =


144

    ياعلي : لا مروّةَ لكَذُوب (2) ، ولا راحةَ لحسُود (3) ، ولا صديقَ لنمّام (4) ،



    = ذكر المولى محمّد بن قطب الدين الراوندي إلى آخر السند المتقدّم ونقل به هذه الوصيّة الشريفة .
    (2) حيث إنّ الصدق أمانة والكذب خيانة ، والكذوب يكون كثير الخيانة فلا يتّصف بصفة المروّة التي تقتضي تنزيه النفس عن الدناءة والخيانة .
    (3) فإنّ الحسود يضرّ نفسه أكثر ممّا يضرّ المحسود فلا يكون في راحة ، ولذلك ورد في الحديث العلوي : « ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد ، نَفَس دائم ، وقلب هائم ، وحزن لازم »(1).
    وجاء في نهج البلاغة قوله (عليه السلام) : « صحّة الجسد من قلّة الحسد »(2).
    (4) النميمة هي نقل كلام الغير إلى المقول فيه على وجه السعاية والإفساد وإيقاع الفتنة .. ويقال لفاعله نمّام وقتّات .. ولو بأن يقول : فلان تكلّم فيك بكذا .
    والنميمة من المعاصي الكبائر المذمومة في الكتاب والسنّة كما تلاحظ بيانها في الروايات المباركة(3).
    منها ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال لأصحابه : « ألا اُخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله . قال : المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباغون للبُراء العيب » .
    ومنها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « ثلاثة لا يدخلون الجنّة : السفّاك =



1 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص256 ، باب 131 ، ح29 .
2 ـ نهج البلاغة : رقم الحكمة 256 .
3 ـ بحار الأنوار : ج75 ، ص263 ، باب 67 ، الأحاديث .



145

ولا أمانةَ لبخيل (5) ، ولا وفاءَ لشَحيح (6) ،



= للدم ، وشارب الخمر ، ومشّاء بالنميمة » . ومن مساوي هذه النميمة أنّها توجب عدم الصديق للنّمام كما في هذه الوصيّة .. من حيث أنّه سرعان ما ينكشف أمره ، ويتباعد عنه أصدقاؤه ، ويتركه أحبّاؤه ، وفي الحديث(1): « إنّ من أكبر السحر النميمة ، يُفَرَّق بها بين المتحابّين ، ويجلب العداوة على المتصافّين ، ويسفك بها الدماء ، ويهدم بها الدور ، ويكشف الستور ، والنمّام شرّ من وطىء الأرض بقدم » .
    (5) البخل هي صفة شحّ النفس المذمومة ، وهي صفة خسيسة قد تدعو إلى ترك الواجب ومنها ترك أداء الأمانة . فالبخيل يبخل حتّى عن ردّ مال الناس إليهم فلا أمانة له.
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « البخل جامع لمساوىء العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء »(2).
    وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال : « البخيل من بخل بما افترض الله عليه »(3).
    (6) الشحّ هو البخل مع الحرص فهو أشدّ من البخل .. لأنّ البخل في المال ، والشحّ يكون في المال والمعروف ، ومنه قوله تعالى : ( أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ )(4) ، فالشحّ هو اللؤم وأن تكون النفس حريصة على المنع(5).. =



1 ـ بحار الأنوار : ج10 ، ص169 ، باب 13 ، ح2 .
2 ـ نهج البلاغة : رقم الحكمة 378 .
3 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص305 ، باب 136 ، ح26 .
4 ـ سورة الأحزاب : الآية 19 .
5 ـ مجمع البحرين : مادّة شحح ، ص180 .



146

ولا كنزَ أنفعُ من العِلم (7) ،



= والشحّ بمعناه المعروف يكون مانعاً من الوفاء والأداء .. فلا يكون وفاء لشحيح .. وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، عن أبيه (عليه السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) سمع رجلا يقول : الشحيح أعذر من الظالم ، فقال (عليه السلام) : « كذبت ، إنّ الظالم يتوب ويستغفر الله ويردّ الظُلامة على أهلها ، والشحيح إذا شَحَّ منع الزكاة ، والصدقة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف . والنفقة في سبيل الله ، وأبواب البرّ ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح »(1).
    وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّما الشحيح من منع حقّ الله ، وأنفق في غير حقّ الله عزّوجلّ »(2).
    (7) الكنز في الأصل هو المال المدفون لعاقبة ، ثمّ اتّسع واستعمل في كلّ ما يتّخذه الإنسان ويدّخره .
    وخير ما يدّخره الإنسان لنفعه هو العلم ، إذ هو أشرف وأنفع من المال كما تلاحظ فضله كتاباً وسنّةً في كتب أحاديث فضل العلم .
    وقد أطلق الكنز في كتاب الله تعالى على صفحة العلم المذخورة في قضيّة موسى والخضر في سورة الكهف .
    ففي حديث علي بن أسباط قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول : « كان في الكنز الذي قال الله عزّوجلّ : ( وَكانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُما )(3) كان فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها ، وينبغي لمن عقل عن الله=



1 ـ قرب الإسناد : ص72 ، مسلسل الحديث 233 .
2 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص305 ، باب 136 ، ح25 .
3 ـ سورة الكهف : الآية 82 .



147

ولا مالَ أربحُ من الحِلم (8) ، ولا حَسَبَ أرفعُ من الأدَب (9) ،



= أن لا يتّهم الله في قضائه ولا يستبطئه في رزقه ) . فقلت : جعلت فداك اُريد أن أكتبه ، قال : فقرّب والله يده إلى الدواة ليضعها بين يدي ، فتناولتُ يده فقبّلتها وأخذتُ الدواة فكتبته »(1).
    (8) الحلم ـ بكسر وسكون اللام ـ : هو ضبط النفس عن هيجان الغضب(2)، أو الأناة والتثبّت في الاُمور(3).
    ومن المعلوم أنّ خلاف الحلم أي الغضب يوجب أكبر الخسران ، بل الغضب لغير الله تعالى مفتاح الشرّ والضرر ، فيكون الحلم الذي يكبحه موجباً لأكبر النفع والربح ..
    وفي حديث زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول : « إنّه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمُه عند غضبه »(4).
    (9) الحسب بفتحتين هي الشرافة بالآباء وما يُعد من مفاخرهم ..
    وهذه الشرافة تضيع فيمن قلّ أدبه .. بينما تزيد فيمن كثر أدبه .. وإن لم يعل حسبه .. فالأدب إذن أبلغ من الحسب .
    فإذا تأدّب الإنسان بالآداب الدينية والأخلاق المرضيّة نال أرفع الحسب لأنّ الأدب يغني عن الحسب ، وحسن الأدب ينوب عن الحسب كما في الحديث =



1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص59 ، ح9 .
2 ـ مجمع البحرين : ص512 .
3 ـ مرآة الأنوار : ص89 .
4 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص112 ، ح3 .



148

ولا نسبَ أوضعُ من الجَهل (10) ، ولا معيشةَ أهنأُ من العافية (11) ،



= العلوي الشريف(1).
    وقد بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) كلّ الأدب في كلمته الجامعة على وجازتها وإختصارها في قوله (عليه السلام) : « كفاك أدباً لنفسك إجتناب ما تكرهه من غيرك »(2).
    (10) النسب هو الإنتساب إلى ما يوضّح ويميّز المنسوب .. كالإنتساب إلى الأب أو الاُمّ أو القبيلة أو الصناعة وغيرها .
    وبما أنّ الجهل أوضع الأشياء تكون النسبة إليه أيضاً أوضع النسب ..
    ويدلّك على وضاعة الجهل .. الصفات الخسيسة التي تنشأ منه كالجور ، والقسوة ، والتكبّر ، والقطيعة ، والغَدر ، والخيانة ، والعصيان ونحوها من الصفات الذميمة .
    (11) العافية هي دفاع الله الأسقام أو البلايا عن العبد(3).
    وهي من النعم الإلهيّة التي يهنأ بها العيش ، بل لا معيشة أهنأ منها .
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « نعمتان مكفورتان : الأمن والعافية »(4).
    وفي حديث محمّد بن حرب الهلالي : سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول : « العافية نعمة خفيّة .. إذا وُجدت نُسيت ، وإذا فُقدت ذُكرت »(5).
    وتلاحظ أحاديث فضل العافية مجموعةً في البحار(6).



1 ـ بحار الأنوار : ج75 ، ص68 ، باب 44 ، ح8 .
2 ـ نهج البلاغة : رقم الحكمة 412 .
3 ـ مجمع البحرين : مادّة عفا ، ص62 .
4 ـ الخصال : ص34 ، ح5 .
5 ـ أمالي الصدوق : ص138 .
6 ـ بحار الأنوار : ج81 ، ص170 ، باب 1 ، الأحاديث .



149

ولا رفيقَ أزينُ من العَقل (12) ، ولا رسولَ أَعدلُ من الحَقّ (13) ، ولا حسنَة أعلى من الصَبر (14) ،



    (12) الزينة هي ما يتزيّن به الإنسان من حُلي ولباس ممّا يوجب زيادة جماله وحُسنه .. ولا حلية أغلى من العقل ولا زينة أغنى من هذا الجوهر النفيس .. فيكون العقل أزين شيء يرافق الإنسان ، بل لا رفيق أزين منه .
    لذلك ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : « عقول النساء في جمالهنّ ، وجمال الرجال في عقولهم »(1).
    وعن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال : « حسن الصورة جمالٌ ظاهر ، وحسن العقل جمالٌ باطن »(2).
    (13) فالرسول هو السفير المبعوث ، والسفير هو المصلح بين القوم .. والإصلاح يلزم أن يكون بعدل .. وأعدل مصلح هو الحقّ والكلمة الحقّة .. فلا رسول أعدل منه.
    وفي حديث أبي ذرّ قال : « أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أقول الحقّ وإنْ كان مُرّاً »(3).
    (14) الصبر : حبس النفس على المكروه إمتثالا لأمر الله تعالى(4).
    وهو يمنع الباطن عن الإضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة كما أفاده المحقّق الطوسي (قدس سره)(5). =



1 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص82 ، باب 1 ، ح1 .
2 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص95 ، باب 1 ، ح27 .
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص106 ، باب 48 ، ح3 .
4 ـ مجمع البيان : ص272 .
5 ـ سفينة البحار : ج5 ، ص15 .



150

ولا سيّئَة أسْرى من العُجب (15) ،



= وهو من مكارم الأخلاق ، ومعالي السجايا ، ومحاسن الصفات .
    وقد أمر به الكتاب الكريم ، وحثّت عليه أحاديث المعصومين (عليهم السلام) ، وجعلته رأس الإيمان ، وأنّ من لا يعدّ الصبر لنوائب الدهر يعجز ، وأنّ أهل الصبر يدخلون الجنّة بغير حساب ، وأنّ الصبر عند المصيبة حسنٌ جميل ، وأحسن منه الصبر على ما حرّم الله تعالى ، كما تلاحظها في أحاديث باب الصبر(1).
    بل بلغ الصبر من الأهميّة أنّه أُخذ عليه العهد والميثاق .. ففي حديث داود بن كثير الرقي ، عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) : « أنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق نبيّه ووصيّه وإبنته وإبنيه وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتّقوا الله .. وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك .. »(2).
    هذا بالإضافة إلى ما في الصبر من الفرج الدنيوي ، والأجر الاُخروي الذي يجعله أعلى حسنة ، بل لا حسنة أعلى منه .
    (15) العُجب هو إستعظام العمل الصالح وإستكثاره والإبتهاج له والإدلال به وأن يرى نفسه خارجاً عن حدّ التقصير ..
    وأمّا السرور بالعمل الصالح مع التواضع له تعالى والشكر له على التوفيق لذلك فهو حسن ممدوح(3).
    والعُجب من ذنوب القلب .. ويستفاد من بعض الأحاديث أنّه أشدّ من =



1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، باب 62 ، ص56 ـ 67 .
2 ـ اُصول الكافي : ج1 ، ص451 ، ح39 .
3 ـ سفينة البحار : ج6 ، ص152 .



151

ولا زهادةَ أقربُ من التَقاعد (16) ،



= ذنوب الجوارح .
    ففي حديث الحسين بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لولا أن الذنب خير للمؤمن من العُجب ما خلى الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً »(1). حيث إنّه يوجب ترك الذنب مطلقاً للمؤمن العُجب ، والعُجب سيّئة تسري إلى العمل الصالح فتُبطله وتحبطه ، وتفسد الطاعات ، ولا سيّئة أسرى إلى العمل الصالح لإفساده من العُجب .
    ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ثلاث مهلكات : شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرىء بنفسه .. وهو محبطٌ للعمل ، وهو داعية المقت من الله سبحانه »(2).
    وتلاحظ أحاديث مذمومية العُجب والأمر بتركه في اُصول الكافي(3)، والبحار(4)، والوسائل(5) فراجعها ، ونحيل إليها رعاية للإختصار .
    (16) التقاعد هو عدم الطلب يقال : تقعّد عن الأمر أي لم يطلبه ..
    والزهد هو الترك والإعراض .. يقال : زهد عن الدنيا أي تركها ، وزهد عن الحرام أي أعرض عنه ..
    وأقرب الزهد هو أن لا يطلب الإنسان الحرام . لا أن يتركها فحسب ..
    فإذا لم يطلبه أساساً تركه قطعاً وأعرض عنه يقيناً ..
    فيكون التقاعد عن الحرام أقرب زهادة .



1 ـ عدّة الداعي : ص221 .
2 ـ عدّة الداعي : ص221 .
3 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص313 .
4 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص228 ، باب 67 ، وج72 ، ص306 ، باب 117 .
5 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص73 ، باب 23 ، الأحاديث .



152

ولا غائبَ أقربُ من المَوت (17) ، ولا شفيعَ أنجحُ من التَّوبة (18) .



    (17) فإنّ الموت غائب يأتي لا محالة ، وأجَلٌ يعرض في كلّ حالة ..
    وقد يأخذ الإنسان بكلّ سرعة ، ويخطفه على حين غِرّة ..
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « الموت طالب ومطلوب ، لا يعجزه المقيم ، ولا يفوته الهارب ... »(1).
    فينبغي الإستعداد لهذا الغائب بتوفيق الله تعالى بما أمر به مولى الموحّدين (عليه السلام) في حديث الإمام العسكري ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : « ما الإستعداد للموت ؟ قال : أداء الفرائض ، وإجتناب المحارم ، والإشتمال على المكارم .. ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ... »(2).
    وتلاحظ مفصّل أحاديث الموت في البحار(3).
    (18) وردت هذه الفقرة في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً في تحف العقول(4).
    فالتوبة من الذنب أنجح وسيلة شافعة إلى الله تعالى للمؤمن .
    حيث أمر بها الله تعالى في مثل قوله عزّ إسمه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللّهِ تَوْبَةً نَّصُوحا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ )(5).
    ففي النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ليس شيء أحبّ إلى الله تعالى من مؤمن تائب ، أو مؤمنة =



1 ـ أمالي الشيخ الطوسي : ص216 ، مسلسل 378 .
2 ـ أمالي الصدوق : ص67 .
3 ـ بحار الأنوار : ج6 ، ص145 ، باب 6 ، و ج71 ، ص263 ، باب 79 ، الأحاديث .
4 ـ تحف العقول : ص93 .
5 ـ سورة التحريم : الآية 8 .



صلة