153 ياعلي : وللعاقلِ سِتُّ خصال : الصبرُ على البَلاء ، والإحتمالُ للظُّلم (19) ، والعطاءُ من القليل (20) ، والرضا باليَسير (21) ، والإخلاصُ بالعَمَل (22) ، وطلبُ العلم (23) . ياعلي : وللمؤمن أربعُ خصال : طولُ السُكوت (24) ، = تائبة »(1). وتلاحظ تفصيل بيان أحاديث التوبة في البحار(2) فراجع ، وسيأتي معنى التوبة وحقيقتها في نفس هذه الوصيّة عند ذكر خصال التائب . (19) أي تحمّله والصبر عليه بواسطة إحتسابه عند الله تعالى . (20) بأن يكون له عطيّة الخير ، وإن كان قليل ذات اليد . (21) أي القناعة باليسير من الحلال ، ومن رضى باليسير من الحلال خفّت مؤونته ، وتنعّم في أهله ، وبصّره الله داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام(3). (22) إذ هو الذي يوجب قبول العمل وفوز العامل . (23) فبطلب العلم يكون عارفاً بالحلال والحرام ، وسالكاً طريق الله العلاّم ، وناجياً في الدنيا والآخرة .. وهو من كمال العقل ، والعقل الكامل . فتكون هذه الصفات الستّة الحسنة من مميّزات العقلاء .. ومن كان جامعاً لهذه الخصال كان عاقلا في نفسه ، ومسترشداً بعقله . (24) فإنّ السكوت في محلّه نجاة من الشرّ ، وإحتراز عن الذنب ، وتفكّر في = 1 ـ سفينة البحار : ج1 ، ص476 . 2 ـ بحار الأنوار : ج6 ، ص11 ـ 48 ، باب 20 . 3 ـ مجمع البحرين : مادّة رضا ، ص38 . 154 ودَوامُ العَمل (25) ، وحسنُ الظنِّ باللّهِ عزَّ وجلّ (26) ، = الآيات ، وحفظ للنفس ، وسلامة للإنسان . بل في الحديث أنّه لا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه(1). بل ورد أنّ شيعتنا الخرس ..(2). أي لا يتكلّمون بالباطل واللغو وعدم العلم ، أو مع التقيّة ، فكلامهم قليل كأنّهم خرس . ولاحظ أحاديث فضل الصمت في بابه(3). (25) أي المداومة على عمل الخير ، فإنّه المحبوب المطلوب للمؤمن . وفي حديث جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « إنّ أبا جعفر (عليه السلام)كان يقول : إنّي اُحبّ أن اُداوم على العمل إذا عوّدته نفسي ، وإنْ فاتني من الليل قضيته بالنهار ، وإنْ فاتني بالنهار قضيته بالليل ، وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما ديم عليها ، فإنّ الأعمال تُعرض كلّ خميس وكلّ رأس شهر ، وأعمال السنة تعرض في النصف من شعبان ، فإذا عوّدت نفسك عملا فدُم عليه سنة »(4). (26) فيرجو المؤمن ربّه لقبول عمله بفضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله .. وفي الحديث : « حسن الظنّ بالله أن لا ترجو إلاّ الله ولا تخاف إلاّ ذنبك»(5). = 1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص114 ، ح7 . 2 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص113 ، ح2 . 3 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص274 ـ 308 ، باب 78 . 4 ـ بحار الأنوار : ج87 ، ص37 ، باب 1 ، ح25 . 5 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص72 ، ح4 . 155 والاحتمالُ للمكرُوه (27) . ياعلي : وللتائبِ سِتُّ خصال : تركُ الحرام ، وطلبُ الحلال ، وطلبُ العلم ، وطولُ السكوت ، وكثرةُ الاستغفار ، وأنْ يذيقَ نفسَه مرارَةَ الطّاعةِ كما أذاقَها حلاوةَ المعصية (28) . = والأحاديث كثيرة في حسن الظنّ بالله ، وتفضّل الله على عبده بحسن ظنّه . ففي حديث بريد بن معاوية ، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : « وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : وهو على منبره ـ : والذي لا إله إلاّ هو ما اُعطي مؤمن قطّ خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ، ورجائه له ، وحسن خُلُقه والكفّ عن إغتياب المؤمنين . والذي لا إله إلاّ هو لا يُعذِّبُ اللهُ مؤمناً بعد التوبة والإستغفار إلاّ بسوء ظنّه بالله، وتقصيره من رجائه ، وسوء خُلُقه ، وإغتيابه للمؤمنين . والذي لا إله إلاّ هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلاّ كان الله عند ظنّ عبده المؤمن ، لأنّ الله كريم بيده الخيرات ، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه ، فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه »(1). وينبغي ملاحظة مفصّل أحاديث حسن الظنّ بالله تعالى في محلّه(2). (27) أي تحمّل المكاره والاُمور التي لا يستسيغها الإنسان . (28) فالتوبة هو الرجوع عن الذنب .. والراجع عن الذنب حقيقةً يترك الحرام ، ويطلب الحلال ، ويطلب العلم حتّى يعرفهما ، ويطيل السكوت حذراً من الزلاّت ، ويكثر الإستغفار محواً للسيّئات .. ويزيل حلاوة المعصية بمرارة الطاعة .. حتّى = 1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص71 ، ح2 . 2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص323 ـ 401 ، باب 59 ، الأحاديث . 156 ياعلي : وللمسلمينَ ] وللمسلمِ ظ [ أربعُ خصال : أن يَسلَمَ الناسُ من لسانِه ، وعينِه ، ويدِه ، وفَرْجِه (29) . = تكمل توبته .. وفي حديث النهج الشريف(1) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « ... الإستغفار درجة العلّيين وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها : الندم على ما مضى . والثاني : العزم على ترك العود إليه أبداً . والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة . والرابع : أن تَعْمدَ إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها . والخامس : أن تَعْمدَ إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد . والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية . فعند ذلك تقول : أستغفر الله »(2). (29) فإنّ الإسلام في أصله مأخوذ من التسليم والإنقياد ، والسلم وعدم الأذى .. فيلزم على المسلم أن يكفّ أذاه عن الناس بلسانه بمثل الكذب عليهم أو سبّهم ، وبعينه بمثل النظر إلى أعراضهم ، وبيده بمثل التطاول عليهم ، وبفرجه بمثل الخيانة بهم ، فيسلَم الناس من جميع هذه الزلل منه . 1 ـ نهج البلاغة : رقم الحكمة 417 ، الجزء3 ، ص252 ، طبعة الإستقامة بمصر . 2 ـ نهج البلاغة : رقم الحكمة 417 ، الجزء 3 ، ص252 ، طبعة الإستقامة بمصر . 157 ياعلي : وللجاهِل خمسُ خصال : أن يثقَ بكلِّ أَحد ، وأن يُفشي سرَّه إلى كلِّ أَحد ، وأن يغضَبَ بأدنى شيء ، ويَرضى بأدنى شَيء ، وأن يضحكَ من غيرِ عَجَب (30) . ياعلي : وللمتوكّلِ أربعُ خصال: لا يخافُ المخلوقَ ، ولا يتّكلُ على مخلوق ، ويحسنُ الظنَّ بالناس ، (30) فالجاهل بواسطة عدم علمه لا يكمل فيه التروّي والتفكير في عواقب الاُمور ، وتطبيق أعماله مع الحكمة والمناسبة ، فتراه يثق بكلّ أحد حتّى بالخائن ، ويُفشي سرّه إلى كلّ أحد حتّى المذيع ، ويغضب بأدنى شيء غير موجب للغضب ، ويرضى بشيء لا يوجب الرضا ، ويضحك ويمتلأ بالضحك بدون أن يكون الشيء موجباً للتعجّب والضحك . وفي جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لشمعون بن لاوي من حواريي عيسى (عليه السلام) ذكر علامات الجاهل ومميّزاته بقوله : « إنْ صَحِبْتَه عنّاك ـ أي أتعبك ـ ، وإن اعتزلته شتمك ، وإن أعطاك مَنَّ عليك ، وإن أعطيته كفَّرَك ، وإن أسررت إليه خانك ، وإن اُسرَّ إليك اتّهمك ـ أي بالإفشاء ـ ، وإنْ استغنى بَطَر ـ أي طغى ـ ، وكان فظّاً غليظاً ، وإن افتقر جحد نعمة الله ولم يتحرّج ، وإن فرح أسرف وطغى ، وإن حزن أيس ، وإن ضحك فهق ـ أي امتلأ من الضحك ـ وإنْ بكى خار ـ أي جزع وصاح ـ يقع في الأبرار ـ أي يعيبهم ويذمّهم ـ ولا يحبّ الله ولا يراقبه ، ولا يستحيي من الله ولا يذكره ، إنْ أَرْضيتَه مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك ، وإنْ سخط عليك ذهبت مدحته ووقع فيك من السوء ما ليس فيك ، فهذا مجرى الجاهل »(1). 1 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص119 ، باب 4 ، ح11 . 158 ولا يستكثرُ عمَلَه (31) . ياعلي : وللقانعِ أربعُ خصال : أن لا يفرَح بالغناء ، ولا يخافَ من الفقر (32) ، ولا يهتمَّ للرزق ، ولا يحرِصَ على الدنيا (33) . (31) إذ المتوكّل على الله تعالى يعتمد في جميع اُموره على الله تعالى وينقطع إليه .. فلا يخاف إلاّ الله ، ولا يتّكل على غيره ، ويكون أمله بالله لا بالمخلوقين فلا يسيء الظنّ إليهم بل يحسن الظنّ بهم ، وهو يعتمد على سعي نفسه فلا يستكثر عمله .. فتكون الاُمور المتقدّمة علاماته . قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) : « ثمّ إنّ التوكّل ليس معناه ترك السعي في الاُمور الضرورية ، وعدم الحذر عن الاُمور المحذورة بالكليّة . بل لابدّ من التوسّل بالوسائل والأسباب على ما ورد في الشريعة من غير حرص ومبالغة فيه ، ومع ذلك لا يعتمد على سعيه وما يحصّله من الأسباب ، بل يعتمد على مسبّب الأسباب » . ثمّ حكى (قدس سره) عن المحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف تفسيره التوكّل بقوله : « المراد بالتوكّل أن يَكِلَ العبد جميع ما يصدرُ عنه ويَرِدُ عليه إلى الله تعالى ، لعلمه بأنّه أقوى وأقدر ، ويضع ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل ، ثمّ يرضى بما فعل ، وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكَّلَه إليه ... »(1). (32) فانّه حيث يكتفي القانع بما رزقه الله تعالى وقسمه له لا تكون الزيادة له موجبة للفرح ، ولا إحتمال الإعواز فيه موجباً للخوف . (33) القناعة ـ بالفتح ـ : هو الرضا بالقِسَم .. والقانع هو الذي يقنع بما يصيبه = 1 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص127 . 159 ياعلي : وللأحمقِ أربعُ خصال : أن ينازعَ مَنْ فَوقَه ، ويتكبَّر على من دونَه ، وأن يجمعَ من الحرامِ ، وأن يبْخلَ على عيالِه (34) . = من الدنيا وإنْ كان قليلا ويشكر على اليسير(1). وهذه القناعة إذا وُجدت في الإنسان كانت كنزاً باقياً ، وملكاً لا يزول ، واستغناءً في النفس . لذلك لا يكون صاحبها مع هذا الإستغناء النفسي فَرِحاً بالغنى ، أو خائفاً من الفقر ، أو مهتّماً بالرزق ، أو حريصاً على الدنيا .. بل تكون حياته طيّبة هنيئة . وقد حُثّ على هذه الخصلة الشريفة في الكتاب والسنّة ، ووردت فيها الأحاديث الحجّة .. من ذلك ما في الكافي قال أبو جعفر (عليه السلام) : « إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك ، فكفى بما قال الله عزّوجلّ لنبيّه : ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ )(2) وقال : ( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ... )(3) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السَّعف إذا وجده »(4). ويحسن ملاحظة أحاديث فضل القناعة في المقام(5). (34) الحمق هي قلّة العقل وفساده .. والأحمق هو من اتّصف بذلك . وهو محذور المجالسة ومذموم المصاحبة . = 1 ـ مجمع البحرين : مادّة قنع ، ص390 . 2 ـ سورة التوبة : الآية 85 . 3 ـ سورة طه : الآية 131 . 4 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص137 ، باب القناعة ، الأحاديث أو غيره . 5 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص168 ، باب 129 ، الأحاديث . 160 وللشقيّ ثلاثُ خِصال : التّواني في أوقاتِ الصّلاةِ ، وكثرةُ الكلامِ في غيرِ ذكرِ اللّهِ ، وقلَّما يرغبُ في طاعةِ اللّه (35) . = وفسّر في حديث أبي الربيع الشامي بأنّه هو : « المعجب برأيه ونفسه ، والذي يرى الفضل كلّه له لا عليه ، ويوجب الحقّ كلّه لنفسه ولا يوجب عليها حقّاً »(1). وفي الحديث الصادقي : « إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدّثه في خلال حديثك بما لا يكون ، فإن أنكره فهو عاقل ، وإنْ صدّقه فهو أحمق »(2). ومن كانت هذه صفته فطبيعي أنّه ينازع مَنْ فوقه ، ويتكبّر على من دونه ، ويجمع المال من غير الحلال ، وبالرغم من جمعه المال .. لا ينفقه على عياله حتّى يكون كرامةً له ، بل يمسكه حتّى يكون وبالا عليه . (35) مرّ في وصيّة الفقيه أنّ هناك أربع خصال تنشأ من الشقاوة : جمود العين ، وقساوة القلب ، وبُعْد الأمل ، وحبّ البقاء .. وبيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا أنّ ثلاث خصال يتّصف بها الشقيّ .. غير السعيد ، فتلك فروع الشقاء ، وهذه صفات الشقي : أحدها : أنّه يتواني في إتيان الصلاة في أوقاتها .. والتواني هو التقصير في العمل وعدم الإهتمام به . ثانيها : أنّه يكون كثير الكلام .. وكلامه في غير ذكر الله تعالى . ثالثها : أنّه قليل الرغبة في إطاعة الله سبحانه . وتلاحظ أخبار السعادة والشقاوة في البحار(3) بالتفصيل .. ويحسن أن نشير = 1 ـ الإختصاص : ص221 . 2 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص131 ، باب 4 ، ح28 . 3 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص152 ، باب 6 ، الأحاديث . 161 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 = إلى جانب توضيحي في هذه المسألة ، بياناً للشقاوة وآثارها السيّئة ، لما لها من الأهميّة . فاعلم أنّه ليست الشقاوة ذاتية للإنسان وغير قابلة للتغيير حتّى يكون البشر مجبوراً على التقصير كما توهمّته الفرقة الجبرية .. بل هي إختيارية من الإنسان وحاصلة له باختيارها لنفسه .. فيمكن للشقيّ أن يعدل إلى طريق السعداء ، ويختار لنفسه حُسن البقاء .. بعزم إرادته ، والتفكير في عاقبته ، وإرادة الخير لنفسه .. وهذا أمر ثابت دليلا ووجداناً ، نقلا وعقلا بوجوه عديدة نختار منها ما يلي : أوّلا: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر قال : « من قرأ ( قُلْ يَاأَيُّهَا الكَافِرُونَ ) و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا ، وإن كان شقيّاً مُحي من ديوان الأشقياء ، وأُثبت في ديوان السعداء ، وأحياه الله سعيداً ، وأماته شهيداً ، وبعثه شهيداً »(1). وروى أيضاً بسنده إلى زرارة بن أعين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إنّ الله يمجّد نفسه في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، فمن مجّد الله بما مجّد به نفسه ثمّ كان في حال شقوة حُوِّل إلى سعادة ، فقلت له : كيف هذا التمجيد ؟ قال : تقول : ( أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الرحمن الرحيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت العلي الكبير ، أنت الله لا إله إلاّ أنت مالك يوم الدين ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرحيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت العزيز الحكيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت منك بدء كلّ شيء وإليك يعود ، أنت الله لا إله إلاّ أنت لم = 1 ـ ثواب الأعمال : ص155 . 162 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 = تزل ولا تزال ، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ ، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الجنّة والنار ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون ، أنت الله الخالق البارىء المصوّر ، لك الأسماء الحسنى ، يسبّح لك ما في السماوات والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الكبير ] المتعال [ والكبرياء رداؤك »(1). ثانياً : إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية لم يمكن تبديلها بالسعادة حتّى يؤمر بالدعاء لتبديلها في مثل دعاء ليلة القدر المباركة : ( وإنْ كنتُ من الأشقياء فامحُني من الأشقياء واكتبني من السعداء )(2). ثالثاً : إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية والمعاصي صادرة عن تلك الشقاوة اللاّ إختيارية لم يكن وجهٌ لتوقيف العباد في موقف الحساب يوم المعاد والسؤال منهم ، مع أنّ ذلك الموقف قطعي بصريح الكتاب الكريم في قوله عزّ إسمه : (وَقِفُوهُمْ إنَّهُم مَّسْؤُولُونَ )(3). رابعاً : إنّ الشقاوة الذاتية لا يمكن أن تكون أبداً لا فيما يتعلّق باُصول الدين ولا فيما يتعلّق بفروع الدين . أمّا في الاُصول فلأنّ الإنسان مفطور على التوحيد ( فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )(4). = 1 ـ ثواب الأعمال : ص28 . 2 ـ مفاتيح الجنان : ص235 . 3 ـ سورة الصافات : الآية 24 . 4 ـ سورة الروم : الآية 30 . 163 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 = وأمّا في الفروع فلأنّ الشقاوة فيها تعرض بكثرة الذنوب ، وإسوداد القلب ، ولا تكون من ذات الإنسان كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة مثل حديث زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنّه قال : ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج من النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض ، فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً ، وهو قول الله عزّوجلّ : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(1)»(2). خامساً : إنّ الذاتية في الشقاء خلاف الدليل العقلي في تعريف الذاتي .. وذلك لأنّ الذاتي إمّا أن يكون ذاتياً من باب الكليّات كالجنس والفصل والنوع مثل حيوانية الحيوان وإنسانية الإنسان وناطقيّته .. وإمّا أن يكون ذاتياً في باب البرهان وهو ما ينتزع من نفس الذات من دون حاجة إلى ضمّ ضميمة كزوجيّة الأربعة .. ومن المعلوم أنّ الشقاوه ليست منهما في شيء بالضرورة ، بل هي من الصفات العارضة على النفس كسائر الأوصاف النفسيّة .. فلا تكون من سنخ ماهيّة الإنسان حتّى تكون ذاتيةً له . بل يتوغّل العبد بإختياره في المعاصي فيصير شقيّاً ، كما يتواجد في الطاعات بإختياره فيكون سعيداً . وقد خلقه الله تعالى ليرحمه ، وهداه السبيل ليُسعده ، ومنحه القيوميّة والإختيار .. فكان هو الإنسان بنفسه يختار لنفسه الخير أو الشرّ ، بعد أنْ هداه الله تعالى إلى سبيل الخير والأخيار ، ونهاه عن طريق الشرّ والأشرار ( إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمَّا = 1 ـ سورة المطفّفين : الآية 14 . 2 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص273 ، باب الذنوب ، ح20 . 164 وللسّعيدِ خمسُ خصال : ] أن [ يقولَ الحقَّ ولو عليه ، وأن يحبَّ للناسِ كما يُحبُّ لنفسِه ، وأن يُعطي الحقَّ من نفسِه ، وأن يُحبَّ ذِكَر اللّهِ ، وأن يَحرِصَ في طاعةِ اللّه (36) . = شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً )(1). ومن المعلوم أنّه لا يرضى الله تعالى لعباده الكفر والعصيان ، ولم يخلقهم للشقاوة والطغيان حتّى يجبرهم عليها بل خلقهم للعبادة والسعادة . ( وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ )(2). لكن العبد لسوء الإختيار ، قد يمتهن المعصية ويستلذّ بفعل الأشرار ، ويتّصف بالشقاوة ، من دون جبر أو إجبار فيصير شقيّاً . وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنَا )(3) قال (عليه السلام) : بأعمالهم شقوا(4). وبهذا تعرف أنّ مقولة الجبريّة باطلة ، والشقاوة ليست ذاتية . (36) السعادة خلاف الشقاوة .. فيتّصف السعيد بخلاف ما يتّصف به الشقي .. فإذا التزم الإنسان بالطاعة وإجتمعت أسباب السعادة في شخص كان سعيداً . فيقول الحقّ ولو على نفسه ، ويحبّ الخير للناس كما يحبّه لنفسه ، ويعطي الحقّ لصاحبه ولو كان من نفسه ، ويحبّ ذكر الله ، ويحرص في طاعته .. وأمّا أسباب السعادة فهي ما في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال : « ما كلُّ من أراد شيئاً قدر عليه ، ولا كلُّ من قدر على شيء وُفّق له ، ولا كلُّ من وفّق = 1 ـ سورة الإنسان : الآية 3 . 2 ـ سورة الذاريات : الآية 56 . 3 ـ سورة المؤمنون : الآية 106 . 4 ـ كتاب التوحيد للصدوق : ص356 ، الباب 58 ، الحديث 2 . |