الصفحة الرئيسية  المكتبة  وصايا الرسول لزوج البتول  الجزء الرابع عشر
قبل

165

    ياعلي : وللمرائي ثلاثُ (37) خصال : يطوّلُ الركوعَ والسجودَ مع الناسِ في الصلاةِ ويخفِّفُ إذا كانَ وحدَه ، ويتواضعُ للناسِ ويتكبرُ على عيالِه وحدَه ، و ] أن [ يكثَر عيبَ الناس (38) .



= أصاب له موضعاً . فإذا اجتمع ] اجتمعت [ النيّة ، والقدرة ، والتوفيق ، والإصابة فهناك تجب السعادة »(1).
    (37) يستظهر من النسخة المخطوطة أن تكون كلمة العدد هنا (ثلاث) والمقروء ستّة ، فأثبتنا المستظهر .
    (38) يكثر تعييب الناس حتّى يحسّن سمت نفسه ..
    واعلم أنّ المرائي هو المتّصف بالرياء ، وأصل الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائتهم خصال الخير كما حكاه العلاّمة المجلسي(2) عن بعض المحقّقين ، ثمّ بيّن (قدس سره) أقسام المرائي على تفصيل فلاحظ .
    وحقيقة الرياء هو التقرّب إلى المخلوقين بإظهار الطاعة ، وطلب المنزلة في قلوبهم والميل إلى إعظامهم وتوقيرهم إيّاه ، وإستجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه والقيام بمهمّاته ، وهو الشرك الخفيّ كما أفاده المولى ابن فهد الحلّي(3).
    ثمّ ذكر أنّ علاج الرياء يكون أوّلا بالتدبّر في أحاديث مذمومية الرياء ومحبوبيّة الإخلاص ، وثانياً بتعويد النفس إخفاء العبادات والقناعة بإطلاع الله تعالى وعلمه ، ولا ينازع نفسه إلى طلب علم غير الله .. ولا دواء أنجح من ذلك .
    راوياً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه : « ما بلغَ عبدٌ حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن =



1 ـ بحار الأنوار : ج78 ، ص210 ، باب 23 ، ح87 .
2 ـ مرآة العقول : ج10 ، ص87 .
3 ـ عدّة الداعي : ص202 .



166

    ياعلي : وللمحسنِ (39) أربعُ (40) خصال : أن تكونَ سريرتُه أصلحَ من العَلانية (41) ،



= يُحمد على شيء من عمل الله ».
    وينبغي أن تلاحظ أحاديث ذمّ الرياء في الكافي(1)، والبحار(2).
    منها الحديث السابع من باب الرياء من الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزّوجلّ : إجعلوها في سجّين(3) إنّه ليس إيّاي أراد » .
    وعلى الجملة تعرف أنّ طلب المنزلة وإظهار الطاعة في المرائي تسوّل له هذه الخصال التي وردت في الحديث الإيصائي : تطويل الركوع والسجود إذا كان مع الناس ، وتخفيفهما إذا كان وحده ، ثمّ إظهار التواضع إذا كان مع الناس .. والتكبّر إذا كان وحده ، ثمّ إكثار تعييب الناس ليسيء سمعتهم لأجل تحسين حال نفسه ..
    وجاء في الحديث العلوي أيضاً : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « ثلاث علامات للمرائي : ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحبّ أن يُحمد في جميع اُموره »(4).
    (39) أي من يكون فعاله محاسن الأعمال ـ خلاف المسيء .
    (40) في النسخة هكذا ولعلّ في الأصل ثلاثة ، وهي المقدار المذكور .
    (41) وبهذه الصفة يكون خالياً عن النفاق والتدليس ، ومبطّناً للخير =



1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص293 .
2 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص265 ، باب 116 ، الأحاديث .
3 ـ وهو ديوان الفجّار والكتاب الجامع الذي دُوّن فيه أعمال الكفرة والفسقة من الجنّ والإنس .
4 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص295 ، ح8 .



167

وأن يُحسن إلى من عصى اللّه (42) ، وأن يستَر عيبَ الناس (43) .
    ياعلي : وللمنافقِ (44) أربعُ خصال : يُكثرُ عيوبَ جيرانِه ، وإذا غضبَ لم يَملْك نفسَه ، ولم يَعْفُ ، وأنْ يُسيءَ إلى من أحسَنَ إليه .




= والإخلاص فلابدّ وأن تصدر منه المحاسن دون المساوىء .
    (42) بإرشاده إلى طاعة الله وإنقاذه من معصية الله .
    (43) وستر العيوب من شيم الكرام ، ومعالي الاُمور العظام ، في سبيل اللطف والإحسان إلى نوع الإنسان .
    (44) المنافق يطلق على معان :
    منها : من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر وهو المعنى المشهور .
    ومنها : صاحب الرياء .. فيكون المرائي منافقاً .
    ومنها : من يظهر الحبّ ويكون في الباطن عدوّاً ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً .
    ومنها : من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فيكون باطنه مخالفاً لظاهره .
    ذكر هذا العلاّمة المجلسي بعد حديث « ثلاث مَنْ كنّ فيه كان منافقاً وإنْ صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّثَ كذب ، وإذا وعد أخلف » .
    ثمّ أفاد (قدس سره) : كأنّ المراد بالمنافق فيه هو المعنى الأخير(1).
    فالمنافق حين لم يعمل بمقتضى اُصول الإيمان يتّصف بتكثير عيوب الجيران ، وعدم إمتلاك الغضب ، وعدم العفو ، والإساءة إلى المحسن . =



1 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص108 .


168

    ياعلي : وللصادقِ (45) أربعُ خصال : أنَ يَصْدُقَ عند الرهبةِ ، وعند الرَغبةِ ، وعند الشَهوةِ ، وعندَ الرضا ، وعندَ الغضب ، وأن لا يُظهَر مصيبتَه للناس ، وأن لا يدعوَ على من ظَلَمه ، ولا يُظهرَ عبادتَه ولا يشكوَ مصيبَته .
    ياعلي : أحسِنْ طَهورَكَ يُباركُ اللّهُ لكَ في رزقِك (46) .




    = وقد عقد في الكافي(1) باباً في صفة النفاق والمنافق ، وفي غيره(2) أيضاً فلاحظ .
    (45) الصدق في اللغة هو خلاف الكذب ، وفسّر بمطابقة الخبر للواقع ونفس الأمر .
    إلاّ أنّ الصادق واقعاً هو من صدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا ـ كما أفاده الشيخ الطريحي(3) في تفسير قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ )(4).
    والصادق بهذا المعنى الجامع والصدق الإيماني الواقع يكون صادقاً في جميع حالاته في الرهبة والرغبة والرضا والغضب ، وبواسطة نيّة الصدق لا يظهر المصيبة ولا يشكوها ، ويتستّر في العبادة ، بل ينوي الخير ولا يدعو على من ظلمه ، إن كان قابلا للهداية ، أو إن لم يفعل ما يوجب الدعاء عليه .
    فلاحظ أخبار فضيلة الصدق في البحار(5)، إذا أردت إستقصاء الآثار .
    (46) الطهور ـ بفتح الطاء ـ : في أصل اللغة هو الطاهر المطهِّر ، وفسّر بالطاهر =



1 ـ اُصول الكافي : ج2 ، ص393 .
2 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص172 ، باب 103 ، الأحاديث .
3 ـ مجمع البحرين : ص437 .
4 ـ سورة التوبة : الآية 119 .
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص1 ـ 17 ، باب 60 ، الأحاديث .



169

    ياعلي : الطَهورُ نصفُ الإيمان (47) فإنّ الملائكةَ يستغفرونَ ويدعُون لمن يُحسِنُ طَهورَه .
    ياعلي : الصلاةُ عَمودُ الإسلام (48) ..




= في نفسه المطهّر لغيره أي الماء والأرض(1)، ويطلق على ما يطهّر النفس من الحدث أي الغسل والوضوء والتيمّم ، وتحسينها هو : إتيانها صحيحة كاملة حسنة ..
    والوضوء والغسل والتيمّم الحسن تقرّب إلى الله ، وطهارة للنفس ، ونقاء من الأدران ، فتوجب البركة في الرزق .. مضافاً إلى أنّها توجب إستغفار الملائكة لمن يحسّنها كما في الفقرة الآتية .. ومعلوم أنّ المغفرة توجب رزق السماء .. كما قال عزّ إسمه : ( وَيَاقَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً )(2).
    وقال عزّ إسمه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ جَنّات وَيَجْعَلْ لَّكُمْ أَنْهاراً )(3).
    (47) فإنّه لا يتمّ الإيمان إلاّ بالطهور ، ولا صلاة إلاّ بطهور .. فيكون الطهور شطراً وجزءاً من الإيمان .. ولعلّ التعبير بالنصف بلحاظ جزئه ونصفه الآخر وهي الصلاة ..
    وجاء في حديث الجعفريات أيضاً : « الوضوء نصف الإيمان »(4).
    (48) فمثلها كعمود الفسطاط .. إذا ثبت العمود ثبت الفسطاط ، وإذا زال العمود زال الفسطاط . =



1 ـ مجمع البيان : ج7 ، ص173 .
2 ـ سورة هود : الآية 52 .
3 ـ سورة نوح : الآيات 10 ـ 12 .
4 ـ مستدرك الوسائل : ج1 ، ص288 ، باب 1 ، ح9 .



170

إنّ اللّهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على مَن يُصلّي الصَّلَواتِ في أوقاتِها بتمامِ رُكوعِها وسُجودِها (49) .



    = ووجوب الصلاة من ضروريات الدين مع دليل الكتاب المبين ، ومتواتر سنّة سيّد المرسلين والأئمّة الهداة المهديين ، وإجماع المسلمين .
    وقد بُني عليها الإسلام ، وصارت من دعائم الدين كما تلاحظه في الأحاديث الواردة في فضل الصلاة(1).
    (49) أي مع تمامية ركوعها وسجودها وإتيانهما كاملين ، فإنّ الصلاة قد أُمر بالمحافظة عليها بأدائها في أوقاتها ، والمواظبة عليها بجميع شروطها وحدودها ، وإتمام أركانها .
    وذُمّ إضاعتها والإستخفاف والإستهانة بها ، كما تلاحظه في مفصّل الأحاديث(2).
    من ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إذا كان يوم القيامة يأتي الله بالعبد فأوّل شيء يسأله عنه الصلاة .. فإن جاء بها تامّة وإلاّ زُخّ ـ أي دفع ورمي ـ في النار .
    وإنّ مَنْ ضَيّعَ صلاته حشره الله تعالى مع قارون وفرعون وهامان .
    وإنَّ من ترك صلاةً لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها ، فلا أُبالي أيموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً .
    ومن ترك صلاته حتّى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله .
    ولا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه وأوقعه في العظائم »(3). =



1 ـ بحار الأنوار : ج82 ، ص188 ـ 236 ، باب 1 ، الأحاديث .
2 ـ بحار الأنوار : ج83 ، ص1 ـ 25 ، باب 6 ، الأحاديث .
3 ـ بحار الأنوار : ج82 ، ص202 .



171

    ياعلي : ركعتانِ باللَّيلِ أفضلُ من ألفِ ركعة في النهار ، صلاةُ الليلِ نورٌ لصاحبِها في الدنيا والآخرةِ .
    ياعلي : المصلّي بالليل يُحشرُ يومَ القيامةِ على ناقة من نُوقِ الجنّةِ .. وفي يمينِه براءةٌ لهُ من النارِ ، وأمانٌ من العقاب ..
    إنّ اللّهَ عزّوجلَّ وَعَدَ المصلّين باللّيلِ لكلّ ركعة قصرٌ في الجَنّةِ ، ولكلِّ سجود حوراء ، من كرامةِ المصلّي بالليل ، وانّ اللّه عزّوجلّ يُحبّهُ ويُحبْبهُ إلى جميعِ خَلقه ، ويَرزقُهُ دوامَ العافيةِ وسعةَ الرّزق (50) .




    = وليس منّي مَنْ استخفّ بصلاته ، لا يرد عليّ الحوض لا والله .
    وقوله صلوات الله عليه وآله في الحديث الذي روته مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام): « من تهاون بصلاته من الرجال والنساء إبتلاه الله بخمس عشرة خصلة ... »(1) ثمّ ذكر خصال السوء التي تصيب المتهاون ، في الدنيا ، وعند موته ، وفي قبره ، وعند القيامة فراجع .
    (50) فصلاة الليل هي النافلة العظيمة التي دعا إليها الله تعالى في آيات عديدة من كتابه الكريم كقوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً )(2).
    ورغّب فيها النبي وآله الطاهرون في أحاديث كثيرة منها ما تلاحظها في هذه الوصيّة الشريفة ، ومنها ما ورد من كونها تحسّن الوجه ، وتحسّن الخُلُق ، وتطيّب الريح ، وتدرّ الرزق ، وتقضي الدَين ، وتجلو البصر ، وتذهب بالهمّ ، وتصحّ البدنر



1 ـ بحار الأنوار : ج83 ، ص21 .
2 ـ سورة الإسراء : الآية 79 .



172

    ياعلي : مَن مشى إلى صلاةِ الجَماعة كتبَ اللّهُ له حجّة (51) ومن مشى إلى نافلة كَتَبَ اللّهُ لهُ عُمرة (52) .



= وغير ذلك ، كما تلاحظ ذلك في أحاديث فضلها(1) الآتية في وصيّة اُخرى رقم 117 .
    ولاحظ في بيان العترة الطاهرة آداب القيام إلى صلاة الليل ، والدعاء عند ذلك بالأدعية المأثورة(2)، وكيفيّة صلاة الليل والشفع والوتر وسننها وآدابها وأحكامها(3)، والله وليّ التوفيق .
    (51) وقد وردت أحاديث وافرة متظافرة في فضل صلاة الجماعة من البحار(4).
    منها الحديث الثامن من باب فضل الجماعة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «وأمّا الجماعة فإنّ صفوف اُمّتي في الأرض كصفوف الملائكة في السماء ، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة ، كلّ ركعة أحبّ إلى الله عزّوجلّ من عبادة أربعين سنة .
    وأمّا يوم القيامة يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين للحساب ، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلاّ خفّف الله عليه عزّوجلّ أهوال يوم القيامة ثمّ يأمر به إلى الجنّة » .
    واُفيد فقهاً أنّ الجماعة مستحبّة في الفرائض الحواضر اليوميّة كلّها بالدليل كتاباً ، وسنّة ، وإجماعاً ، بل ضرورة من الدين بحيث يدخل منكرها في سبيل الكافرين(5).
    (52) فإنّ النوافل قربان المؤمن إلى الله ، وطلب الخير من مظانّه ، فتوجب فضل الله تعالى بمثل هذا الثواب الكريم لمن مشى إلى إتيانها ، وهو ثواب العمرة التي =



1 ـ بحار الأنوار : ج87 ، ص116 ، باب 6 .
2 ـ بحار الأنوار : ج87 ، ص186 ، باب 11 .
3 ـ بحار الأنوار : ج87 ، ص194 ، باب 12 .
4 ـ بحار الأنوار : ج88 ، ص2001 ، باب 1 .
5 ـ جواهر الكلام : ج13 ، ص134 .



173

    ياعلي : مَن لم يُجالِس العلماءَ أربعينَ يوماً ماتَ قلبُه (53) .
    ياعلي : كنْ عالِماً أو مُتعلِّماً ولا تكُن الثالثَ فتَهلَك . قال (عليه السلام) : فمَن الثالِث يارسولَ اللّه ؟
    قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللاّهي الذي لا يَعْلَم ولا يَتعلّم ..




= هي سعيٌ إلى بيت الله الحرام .
    وتلاحظ فضل النوافل في أحاديث البحار(1).
    منها الحديث الخامس عشر من باب جوامع أحكام النوافل عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال :
    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال الله تعالى : « ما تحبّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليَّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ... » .
    (53) بواسطة حرمانه من العلم ، وعدم إستفادة قلبه من طرائف الحكمة ، والجهل موت القلب كما أنّ العلم حياته ، وجاء في حديث الإمام السجّاد (عليه السلام) فيما أوحى الله تعالى إلى دانيال : « ... وانّ أحب عبادي عندي التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء »(2).
    فيلزم مجالسة العالم الربّاني الذي يكون علمه محيياً للقلب ، ليستفاد من علمه حياة القلوب .



1 ـ بحار الأنوار : ج87 ، ص21 ، باب 1 وما بعده .
2 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص185 ، باب 1 ، ح109 .



174

فان قَتَل أو زَنى أو شَرِب فلا يؤمَن ، فإنّه قاسي القلب (54) .
    ياعلي : ركعتانِ من العالِم أفضلُ من سبعينَ ركعة من الجاهل (55) .
    ياعلي : العابدُ بلا علم مَثَلُه كمَثَلِ رجل يكيل المَاءَ في البَحرِ لا يَدري زيادتَه من نُقصانِه ، أم كمَثَل رجل يزرعُ السَبْخ (56) .
    ياعلي : عليكَ بالعلم ولو بالصين ، فإنّه ليسَ شيءٌ أحبُّ إلى اللّهِ تعالى من العالم أو المتعلِّم أو المستمِع (57) .




    (54) فإنّ الجاهل الذي لا يتعلّم يقسو قلبه ، وقسوة القلب هي غلظته وقلّة رحمته وصلابته عن قبول الحقّ وذكر الله والخوف والرجاء وغيرها من الصفات الحميدة .. لذلك يتأتّى منه فعال القسوة ، ولا يكون مأموناً من الشرّ كقتل الأنفس ، والزنا بالأعراض ، وشرب الخمور .
    (55) فصلاة العالم تكون مقرونة بمعرفته بالمعبود وتوجّهه إليه وخشوعه له .. ولا تكون صلاة الجاهل كذلك فتنقص من حيث الكيفيّة وإن زادت من حيث الكميّة .. كما تقدّم في وصيّة الفقيه .
    (56) السبخ هي الأرض المالحة التي يعلوها الملح ولا يكاد يثبت فيها إلاّ بعض الأشجار ، وعبادة العابد بلا علم لا تحصل منها النتيجة المطلوبة ، والأثر النافع مثل زراعة الأرض السبخة .
    (57) إذ لا خير في الدنيا إلاّ لمن علّم أو تعلّم ، فيلزم تعلّم العلم وعدم البقاء على الجهل فإنّ مَنْ لم يصبر على ذلّ السؤال ساعة يلزمه الصبر على ذلّ الجهل أبداً ..
    لذلك حثّت الروايات المتواترة على العلم .. وطلبه ولو كان في أقاصي البلاد ، وجعلت الأجر على تعليمه ، وتعلّمه ، وإستماعه .. بل حتّى على محبّة ذلك سَوْقاً للناس إلى نور العلم وإنقاذاً لهم من ظلمة الجهل . =


175

    ياعلي : مَن أكرمَ الضيفَ أكرمهُ اللّهُ ، ومَن أبغضَ الضيفَ أبغضُه اللّه (58) .
    ياعلي : ما أسرعَ الرحمَةَ والبركةَ ...




    = ففي حديث السكوني ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : «العلم خزائن ، والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله ، فإنّه يؤجر في العلم أربعة : السائل ، والمتكلّم ، والمستمع ، والمحبّ لهم »(1).
    بل في حديث الغوالي : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أُغْدُ عالماً أو متعلّماً أو مستمعاً أو محبّاً لهم ، ولا تكن الخامس فتهلك »(2).
    وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم »(3) ـ أي طُلاّبه ـ .
    (58) فإنّه قد ورد في الأمر بإكرام الضيف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : « مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه »(4).
    فيكون إكرام الضيف من شؤون الإيمان ـ لذلك يوجب إكرامه إكرام الله ، وبغضه بغض الله ، والضيف هديّة الله كما سيجيىء في الحديث العلوي الشريف .
    وتلاحظ أحاديث فضل إكرام الضيف وآداب الضيافة في أبوابها(5) الروائية .



1 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص196 ، باب 3 ، ح1 .
2 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص195 ، باب 2 ، ح13 .
3 ـ بحار الأنوار : ج1 ، ص172 ، باب 1 ، ح26 .
4 ـ بحار الأنوار : ج75 ، ص460 ، باب 93 ، ح14 .
5 ـ بحار الأنوار : ج75 ، ص450 ـ 463 ، باب 91 ـ 94 ، الأحاديث .



176

إلى بيت يدخُلهُ الضيفُ والبَعير (59).
    ياعلي : أطعِم الطعامَ ، وأفشِ السَّلام (60) ، وصَلِّ باللّيلِ والناسُ نِيام (61) ...




    (59) قيل الإبل إسم جنس يشمل الذكر والاُنثى .. إلاّ أنّ لفظ الإبل ملازم التأنيث ، والبعير مذكّر اللفظ ، ويقال للذكر جمل وللاُنثى ناقة .
    ولعلّ الرحمة والبركة في البعير من جهة كثرة منافعه الحاصلة منه وفوائده المترتّبة عليه ، فيؤكل لحمه ، ويشرب لبنه ، ويلبس صوفه ، ويُركب ظهره ، وتنقل الأمتعة عليه ، ويسافر إلى البلدان به ، وتقطع الصحارى به ، ويستفاد عند شدّة العطش من راويته ، ولا يحتاج إلى الإنفاق في علوفته لأنّه يرعى كلّ شيء نابت في البراري .
    (60) إفشاء السلام هو : إظهاره ونشره بين الناس .
    (61) وجُعلت هذه الثلاثة من المنجيات في حديث المكارم عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام »(1).
    وفي كلّ واحد من هذه الخصال فضل كثير مذكور في بابه فكيف إذا إجتمعت وجلبت نظر رحمة الله تعالى التي توجب البُعد عن العذاب ، بل الدخول في الجنّة.
    ففي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : « ما من مؤمن يحبّ الضيف إلاّ ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر ، فينظر أهل الجمع فيقولون : ما هذا إلاّ نبي مرسل ، فيقول مَلَك : هذا مؤمن يحبّ الضيف ويكرم الضيف ، ولا سبيل له إلاّ أن =



1 ـ مكارم الأخلاق : ج1 ، ص292 ، ح5 .


صلة