357
35
أمالي الشيخ الصدوق : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا عبدالرحمن ابن محمّد الحسني ، قال : أخبرنا أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن زياد العزرمي ، قال : حدّثنا علي بن حاتم المنقري ، قال حدّثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) :
ياعلي : شيعتُك هم الفائزونَ يومَ القيامة ، فمن أهانَ واحداً منهم فقد أهانَك ومن أهانَك فقد أهانني ومن أهانني أدخله اللّهُ نارَ جهنَّمَ خالداً فيها وبئسَ المصير .
ياعلي : أنتَ منّي وأنا منك روحُك من روحي وطينتُك من طينتي وشيعتُك خُلقوا من فضلِ طينتِنا ، فَمن أحبَّهم فقد أحبَّنا ، ومن أبغضُهم فقد أبغضَنا ، ومن عاداهُم فقد عادانا ، ومن وَدّهُم فقد ودَّنا .
ياعلي : إنّ شيعتُك مغفورٌ لهم على ما كان فيهم من ذنوب وعيوب .
ياعلي : أنا الشفيعُ لشيعتِك غداً إذا قمتُ المقامَ المحمود (1)
(1) وهو المقام أي يثني عليه الله تعالى ويحمده به جميع الخلائق ، الذي بشّره الله تعالى به في كتابه الكريم فقال تعالى :
( عَسى أَنْ يَبعثَكَ رُبُّكَ مَقاماً =
358
فبشِّرْهُم بذلك .
ياعلي : شيعتُك شيعةُ اللّهِ ، وأنصارُك أنصارُ اللّه ، وأولياؤُك أولياءُ اللّه وحزُبك حزبُ اللّه ، ياعلي سَعَدَ من تولاّك ، وشَقِيَ من عاداك ... (2) .
=
مَحمُوداً )(1) وهو مقام الشفاعة فيُغفر لمذنبي الشيعة ببركة شفاعة سيّد المرسلين وآله الطاهرين (عليهم السلام) .
(2) الأمالي : ص23 ، المجلس الرابع ، ح8 . وورد في بشارة المصطفى : ص18 .
1 ـ سورة الإسراء : الآية 79 .
359
36
أمالي الشيخ الصدوق : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله) قال أخبرنا أحمد ابن محمّد الهمداني ، قال حدّثنا أحمد بن صالح ، عن حكيم بن عبدالرحمن ، قال حدّثني مقاتل بن سليمان ، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) ، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) :
ياعلي : أنتَ منّي بمنزلةِ هبةِ اللّهِ من آدم ، وبمنزلةِ سام من نوح وبمنزلة إسحاق من إبراهيم ، وبمنزلةِ هارونَ من موسى ، وبمنزلة شمعونَ من عيسى (1) إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي .
ياعلي : أنتَ وصيّي وخليفتي ، فمن جَحَد وصيّتَك وخلافتَك فليس منّي ولستُ منه وأنا خصمُه يومَ القيامة .
ياعلي : أنت أفضلُ أُمّتي فضلا ، وأقدمُهم سلماً ، وأكثرُهم علماً ، وأوفرُهم حلماً ، وأشجعُهم قلباً ، وأسخاهُم كفّاً .
ياعلي : أنت الإمامُ بعدي والأميرُ ، وأنت الصاحبُ بعدي والوزيرُ ، وما لَكَ في اُمّتي من نظير .
ياعلي : أنتَ ...
(1) وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء الكرام المذكورين .
360
قسيمُ الجنّةِ والنار (2) بمحبّتِك يُعرَفُ الأبرارُ من الفُجّار ، ويُميّزُ بين الأشرارِ والأخيارِ ، وبينَ المؤمنينَ والكفّار (3) .
(2) أي المقسّم من قبل الله تعالى للجنّة والنار بين أهلهما فيُدخل أولياءه الجنّة ، وأعداءه النار كما تواتر بين الفريقين من أحاديثهما الواردة من طرق الخاصّة في ثمانية عشر حديثاً ، ومن طرق العامّة في ثمانية وعشرين حديثاً تلاحظها في غاية المرام
(1).
(3) الأمالي : ص47 ، المجلس الحادي عشر ، ح4 .
1 ـ غاية المرام : ص682 ـ 685 ، ب139 ـ 140 .
361
37
أمالي الشيخ الصدوق : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، قال حدّثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، قال حدّثنا جعفر بن سلمة الأهوازي ، قال حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إبراهيم بن موسى ابن اُخت الواقدي ، قال حدّثنا أبو قتادة الحراني عن عبدالرحمن بن العلاء الحضرمي ، عن سعيد بن المسيّب ، عن ابن عبّاس قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)فقال :
اللّهمَّ انّكَ تعلمُ إنّ هؤلاء أهلُ بيتي وأكرمُ الناسِ عليّ ، فأحبَّ من أحبَّهم وأبغضْ من أبغضَهم ، ووالِ من والاهُم وعادِ من عاداهم ، وأعِن من أعانَهم ، واجعلْهم مطهَّرين من كلِّ رجس (1) معصومين من كلِّ ذنب وأيّدْهم بروحِ القُدُس (2) منك ، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
(1) أي من كلّ عمل قبيح وإثم ووسوسة وقذارة ونجاسة .
(2) روح القُدس هو الروح النوري الملكوتي المقدّس الذي لا يغفل ولا يلهو ولا يزهو بل يكون مع المعصوم (عليه السلام) يسدّده ويؤيّده وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ مع الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين كما تلاحظ تفصيله في أحاديثنا الشريفة
(1).
1 ـ اُصول الكافي : ج1 ، ص273 و 282 .
362
ياعلي : أنتَ إمامُ اُمّتي وخليفتي عليها بَعدي ، وأنت قائدُ المؤمنينَ إلى الجنّةِ وكأنّي أنظرُ إلى إبنتي فاطمة قد أقبلَتْ يومَ القيامةِ على نجيب (3) من نور عن يمينِها سبعونَ ألف ملك ، وعن يسارِها سبعونَ ألف ملك ، وبين يديها سبعونِ ألف ملَك ، وخلفها سبعونَ ألفَ مَلَك ، تقود مؤمناتِ اُمّتي إلى الجنّةِ (4) .
فأيُّما امرأة صَلَّت في اليومِ والليلةِ خمسَ صلَوات ، وصامَت شهرَ رمضان ، وحجَّت بيتَ اللّهِ الحرام ، وزكّت مالَها وأطاعَت زوجَها ، ووالَت علياً ، بعدي دَخَلَت الجنّةَ بشفاعةِ إبنتي فاطمة (5) وإنّها لسيّدةُ نساءِ العالمين ، فقيل يارسولَ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أهي سيّدةٌ لنساءِ عالمِها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذاك لمريمَ بنتِ عِمران ، فأمّا إبنتي فاطمةُ فهي سيّدةُ نساءِ العالمينَ من الأوّلينَ والآخرِين ، وإنّها لتقومُ في محرابها فيُسلّم عليها سبعونَ ألفِ مَلَك من الملائكةِ المقرّبين وينادونَها بما نادَت به الملائكةُ مريمَ فيقولونَ ، يافاطمةُ إنّ اللّهَ إصطفاكِ وطهّركِ وإصطفاكِ على نساءِ العالمين ، ثمّ التفت إلى علي (عليه السلام) ، فقال :
(3) النجيب هو الفاضل من كلّ حيوان والنفيس منه ، ونجائب الإبل هي الإبل القويّة الخفيفة السريعة .
(4) وهذا موكب الجلالة لها ، حتّى يعرف الناس قدرها ، بعد أن كانت في الدنيا مجهولة القدر والقبر معاً .
(5) فانّها صاحبة المقام السامي للشفاعة من الله الغفّار ، فتشفع لشيعتها =
363
ياعلي : إنّ فاطمَة بضعةٌ منّي وهي نورُ عيني وثمرةُ فؤادي يَسوءُني ما ساءَها ويَسرُّني ما سرَّها ، وإنّها أوّلُ من يلحقني من أهلِ بيتي فأحسِنْ إليها بعدي .
وأمّا الحسنُ والحسين فهما إبنايَ وريحانتايَ ، وهما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ ، فَليْكُرما عليكَ كسمعِكَ وبصرِك .
ثمّ رفع (صلى الله عليه وآله وسلم) يدَه إلى السماء فقال : اللّهم إنّي أُشهدُكَ إنّي محبٌ لمن أحبَّهم ، ومبغضٌ لمن أبغضَهم ، وسلمٌ لمن سالَمهُم ،
وحربٌ لمن حاربَهم ، وعدوٌ لمن عاداهم ، ووليٌّ لمن والاهم (6) .
= الأبراركما تلاحظه في الأحاديث المعتبرة من الخاصة والعامة
(1).
(6) الأمالي : ص393 ، المجلس الثالث والسبعون ، ح18 ، وقد وردت فقراتها في الأحاديث المتظافرة .
1 ـ بحار الأنوار : ج8 ، ص51 ، ب21 ، ح58 . وج43 ، ص64 ، ب3 ، ح57 . وإحقاق الحقّ : ج10 ، ص367 .
364
38
أمالي الشيخ الصدوق : حدّثنا أبي ، قال حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عيسى بن عبدالله العلوي ، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي (عليه السلام) قال سألتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربّما كانت حقّاً وربّما كانت باطلا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
ياعلي : ما من عَبد ينام إلاّ عُرج بروحِه إلى ربِّ العالمين (1) ، فما رأى عند ربِّ العالمين فهو حقّ ، ثمّ إذا أمرَ اللّه العزيزُ الجبّار بِرَدّ روحِه إلى جسدِه فصارت الروحُ بين السماءِ والأرض ، فما رأته فهو أضغاثُ أحلام (2) (3) .
(1) وقد قال تعالى :
(اللّهُ يَتَوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها )(1) .
(2) أضغاث أحلام : أي أخلاطها يعني الأحلام المختلطة .
(3) الأمالي : ص125 ، المجلس التاسع والعشرون ، ح17 .
1 ـ سورة الزمر : الآية 42 .
365
39
أمالي الشيخ الصدوق : ابن الوليد ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه (عليهم السلام) قال بلغ أُمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ مولىً لها ينتقصُ عليّاً (عليه السلام)ويتناوله (1) . فأرسلَتْ إليه فلمّا أنْ صارَ إليها قالت له : يابُنيّ ! بلغَني أنّك تتنقّصُ علياً وتتناولُه . قال لها : نعم يااُمّاه قالت : اُقعُدْ ثكلتك أُمّك حتّى اُحدّثك بحديث سمعتُه من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ اختَرْ لنفسِك :
إنّا كنّا عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعُ نسوة وكانت ليلتي ويومي من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متهلّل (2) ، أصابعُه في أصابعِ علي واضعاً يدَه عليه ، فقال يااُمّ سلمة أُخرجي من البيت وأخليه لنا فخرجتُ ، وأَقبلا يتناجيان أسمعُ الكلامَ وما أدري ما يقولان ، حتّى إذا ]قلت قد انتصف النهار [ قمتُ فأتيتُ الباب (3) فقلتُ : أدخلُ يارسولَ اللّه ؟ قال لا ،
(1) أي يتناوله بالسبّ وسوء القول فيه والعياذ بالله تعالى كما يظهر من آخر الحديث .
(2) أي مسرور ، يقال : تهلّل وجه الرجل من فرحه : أي إستنار وظهرت عليه أمارة السرور .
(3) أثبتناه من البحار .
366
فكبوتُ كَبوةً شديدة (4) مخافة أنْ يكونَ ردّني من سخطه أو نزلَ فيَّ شيءٌ من السماء ، ثمّ لم ألبثْ أنْ أتيتُ الباب الثانية فقلت : أدخلُ يارسولَ اللّه ؟ فقال : لا . فكبوتُ كبوةٌ أشدَّ من الاُولى ، ثمّ لم ألبثْ حتّى أتيتُ الباب الثالثة فقلتُ : أدخلُ يارسولَ اللّه ؟ فقال ادخلي يااُمّ سلمة . فدخلتُ وعلي (عليه السلام) جَاث بين يَديه (5) وهو يقولُ : فداك أبي واُمّي يارسولَ اللّه إذا كان كذا وكذا فما تأمرُني ؟ قال : آمرك بالصّبر ، ثمّ أعادَ عليه القولَ الثانية ، فأمره بالصبر ، فأعادَ عليه القولُ الثالثة فقال له :
ياعلي ! ياأخي ! إذا كان ذاك منهُم فسُلَّ سيفَك وضَعْهُ على عاتقِك واضرِبْ به قِدْماً قِدْماً حتّى تلقاني وسيفُك شاهرٌ يقطرُ من دمائِهم ، ثمّ التفتَ (صلى الله عليه وآله وسلم) إليّ فقال لي : واللّهِ ما هذه الكآبةُ يااُمّ سلمة ؟ قلت : للذي كانَ من ردّك لي يارسولَ اللّه . فقال لي : واللّهِ ما رددتُكِ من مَوْجدِة (6) وإنّك لعلى خير من اللّهِ ورسولِه ، لكن أتيتيني وجبرئيلُ عن يميني وعليٌ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداثِ التي تكونُ من بعدي وأمرني أنْ اُوصي بذلك علياً ، يااُمُّ سلمة ! إسمعي وإشهدي ، هذا علي ابن أبي طالب أخي في الدنيا وأخي في الآخرة ، يااُمّ سملة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة يااُمّ سلمة إسمعي وإشهدي ،
(4) يقال كبا لوجهه يكبو كبواً أي سقط .
(5) من الجثو بمعنى الجلوس على الركبة وأطراف الأصابع .
(6) أي من غضب ، يقال وجد عليه مَوْجدة أي غضب عليه .
367
هذا علي بن أبي طالب حاملُ لوائي في الدنيا وحاملُ لوائي غداً في القيامةِ ، يااُمَّ سلمة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وصيّي ، وخليفتي من بَعدي ، وقاضي عِداتي والذائدُ (7) عن حوضي ، يااُمّ سلمة إسمعي وإشهدي ، هذا علي بن أبي طالب سيّدُ المسلمينَ ، وإمامُ المتّقينَ ، وقائدُ الغرِّ المحجّلينَ ، وقاتلُ الناكثينَ (8) والقاسطينَ (9) والمارقينَ (10) . قلتُ يارسولَ اللّه : مَن الناكثُون ؟ قال : الذين يبايعونَه بالمدينةِ وينكثُون بالبصرةِ قلتُ : مَن القاسطون ؟ قال معاويةُ وأصحابُه مِنْ أهلِ الشام ، قلت : مَن المارقوُن ؟ قال : أصحابُ النهروان . فقال مولى اُمّ سلَمة : فرّجتِ عنّي فرّجَ اللّهُ عنكِ ، واللّهِ لا سَبَبْتُ علياً أبداً (11).
(7) من الذَّود وهو الطرد ، أي يطرد الأعداء عن الحوض يوم القيامة .
(8) الذين نكثوا البيعة ، وهم أصحاب الجمل .
(9) أي الجائرين ، وهم أصحاب صفّين .
(10) أي الخارجين عن الدين ، وهم أهل النهروان ذو الثدية وابن وهب وأصحابهما .
(11) الأمالي : ص311 ، المجلس الستّون ، ح10 . وعنه البحار : ج22 ، ص221 ، ب3 ، ح1 . وجاء في أمالي الشيخ الطوسي : ص424 ، المجلس الخامس عشر ، ح9 ، المسلسل 952 .
368
40
الخصال : عن الدقّاق والمكتب والسناني ، عن الأسدي ، عن النخعي ، عن عمّه النوفلي ، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي والسكوني جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام) قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان فيما أوصى به أنْ قال له :
ياعلي : مَن حفظ من اُمّتي أربعينَ حديثاً (1) يطلبُ بذلكَ وجهَ اللّهِ عزَّوجلّ والدارَ الآخرة (2) ، حشرهُ اللّهُ يومَ القيامةِ مع النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ اُولئكَ رفيقاً .
فقال علي (عليه السلام) : يارسولَ اللّه ! أخبِرْني ما هذه الأحاديث ؟
(1) حَفِظَ يحفَظُ على وزن عِلمَ يعلَم ومصدره الحفظ بكسر الحاء بمعنى الحفاظة عن الإندراس ، ولعلّه أراد بالحِفظ هنا ما يعمّ الحفظ عن ظهر القلب ، والكتابة ، والنقل بين الناس ولو من الكتاب ، وهذا أظهر الوجوه المحتملة في المقام ، وقيل أراد بالحفظ ما كان عن ظهر القلب
(1).
(2) أي قربة إلى الله تعالى وطلباً لثواب الآخرة لا للأغراض الدنيوية .
1 ـ مجمع البحرين : ص368 .
369
فقال (3) : أنْ تؤمنَ باللّهِ وحدَه لا شريك له ، وتعبده ولا تعبد غيرَه ، وتقيمَ الصلاة بوضوء سابغ (4) في مواقيتِها ولا تؤخرَها فإنّ في تأخيرِها مِن غيرِ علّة غضبُ اللّهِ عزّوجلّ ، وتؤدّيَ الزكاةَ ، وتصومَ شهرَ رمضان ، وتحجَّ البيتَ إذا كان لك مالٌ وكنتَ مستطيعاً ، وأنْ لا تَعُقَّ والدَيك (5) ، ولا تأكلَ مالَ اليتيمِ ظُلماً ، ولا تأكلَ الرّبا ، ولا تشربَ الخَمرَ ولا شيئاً من الأشربةِ المسكرة ، ولا تزني ، ولا تلُوطَ ، ولا تمشي بالنميمة ، ولا تَحلفَ باللّهِ كاذباً ، ولا تسرقَ ، ولا تشهدَ شهادةَ الزُّور لأحد قريباً كان أو بعيداً ، وأنْ تقبلَ الحقَّ ممّن جاء بهِ صغيراً كان أو كبيراً ، وأنْ لا تركَنَ إلى ظالمِ ...
(3) بَيّن صلوات الله عليه وآله لأمير المؤمنين أربعين حديث حكمة وموعظة في العقيدة والعمل للدنيا والآخرة .
واعلم أنّه عقد العلاّمة المجلسي باباً في فضل حفظ أربعين حديثاً تلاحظه في البحار
(1) من ذلك انّه يبعثه الله تعالى يوم القيامة عالماً فقيهاً وتشمله الشفاعة .
والحديث الجامع للأربعين حديث هو حديث الوصيّة هذه التي ينبغي حفظها ليُعدّ الإنسان من حفظة الأربعين .
(4) إسباغ الوضوء هو إتمامه وإكماله وإفاضة الماء فيه كاملا ، وإيصاله إلى مواضعه شاملا ، وإيفاء كل عضو حقّه .
(5) يقال : عقّ الولد أباه : إذا آذاه ، وعصاه ، وترك الإحسان إليه ، وأصله من العقّ وهو الشقّ والقطع كما تقدّم .
1 ـ بحار الأنوار : ج2 ، ص153 ، ب20 ، الأحاديث .
370
وإنْ كان حميماً (6) قريباً ، وأنْ لا تعملَ بالهَوى ، ولا تقذفَ المحصِنةَ(7)، ولا تُرائي فإنّ أيسرَ الرّياءِ شركٌ باللّهِ عزّوجلّ ، وأنْ لا تقولَ لقصير ياقصير ولا لطويل ياطويل تريدُ بذلكَ عيبَه ، وأنْ لا تسخرَ من أحد من خَلقِ اللّه ، وأنْ تصبرَ على البلاءِ والمصيبة ، وأنْ تشكرَ نعمَ اللّهِ التي أنعمَ بها عليكَ ، وأنْ لا تأمنَ عقابَ اللّهِ على ذنب تصيبه ، وأنْ لا تقنطَ من رحمةِ اللّه ، وأنْ تتوبَ إلى اللّه عزّوجلّ من ذنوبِك فإنَّ التائبَ من ذنوبِه كمَن لا ذنبَ له ، وأنْ لا تُصرَّ على الذنوبِ (8) مع الإستغفارِ فتكون كالمستهزىءِ باللّهِ وآياتِه ورسِله ، وأنْ تعلمَ أنّ ما أصابك لم يكنْ ليخطئك وأنّ ما أخطأك لم يكُ ليصيبك ، وأنْ لا تطلب سخطَ الخالقِ برضى المخلوق ، وأنْ لا تُؤثر الدنيا (9) على الآخرةِ لأنّ الدنيا فانيةٌ والآخرةُ باقية ، وأنْ لا تبخلَ على إخوانِكَ بما تقدرُ عليه ، وأنْ تكونَ سريرتُك كعلانيتِك ، وأن لا تكونَ علانيتُك حسنةً وسريرتُك قبيحة ، فإنْ فعلتَ ذلكَ كنتَ من المنافقين ، وأنْ لا تكذبَ ،
(6) الحميم هو القريب في النسب .
(7) قذف المحصنة هي رمي المرأة ذات البعل بالفحشاء ، وأصل الإحصان : المنع ، وأحصنت المرأة : إذا تزوّجت فهي مُحصِنة .
(8) الإصرار على الذنب هي مداومته والإقامة عليه ، والإصرار على الذنب ذنبٌ آخر .
(9) أي لا تقدّم ولا تفضّل الدنيا على الآخرة خصوصاً فيما دار الأمر بينهما ، وحصل في عمل تعارضهما .
371
وأنْ لا تخالطَ الكذّابين ، وأنْ لا تغضب إذا سمعتَ حقّاً ، وأنْ تؤدِّبَ نفسَك وأهلَك وولدَك وجيرانَك على حسب الطّاقة ، وأنْ تعملَ بما علمتَ ، ولا تعاملنّ أحداً من خلقِ اللّه عزّوجلّ إلاّ بالحقّ ، وأنْ تكونَ سهلا (10) للقريبِ والبعيد ، وأن لا تكونَ جبّاراً عنيداً وأنْ تُكثِرَ من التسبيحِ ، والتهليلِ ، والدعاءِ ، وذِكْرِ الموت ،وما بعدَه من القيامةِ والجنّةِ والنار ، وأنْ تُكثرَ من قراءةِ القرآنِ وتعمل بما فيه ، وأن تستغنِمَ البِرَّ والكرامةَ بالمؤمنينَ والمؤمنات ، وأنْ تنظرَإلى كلِّ ما لا ترضى فعلَه لنفسِك فلا تفعلْه بأحد من المؤمنين (11) ، ولا تملَّ من فعلِ الخير ، وأنْ لا تُثقلَ على أحَد ، وأن لا تمنَّ على أحد إذا أنعمتَ عليه ، وأنْ تكونَ الدّنيا عندَك سجْناً حتّى يجعلَ اللّهُ لك جنّة (12) .
فهذه أربعون حديثاً (13) مَنْ استقامَ عليها وحفِظها عنّي من اُمّتي دخلَ الجنّةَ برحمةِ اللّه ،
(10) سَهُل الشيء خلاف صَعُب ، وأرضٌ سهلة أي لا صلابة فيها .
(11) وهذه الحكمة كأخواتها من أبلغ المواعظ الجامعة التي إنْ عُمل بها انتشر الخير والصلاح والسداد ، وارتفع الشرّ والشقاق والفساد ، بالنسبة إلى كلّ جماعة وعائلة ، بل كلّ اُمّة ودولة ، بل كلّ البشرية جمعاء .
(12) فإنّ الدنيا بالنسبة إلى الاُخرى وبلحاظ نعيم الآخرة تُعد سجناً للمؤمن وإنْ كانت جنّةً للكافر وجميلةً في الظاهر .
(13) أي أربعون رواية مجموعة ، وقد إشتمل بعضها على حِكَم متعدّدة وأحكام عديدة .
372
وكانَ من أفضلِ النّاس وأحبّهم إلى اللّه عزّوجلّ بعد النبيينَ والوصيّين ، وحشرهُ اللّهُ يومَ القيامةِ مع النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ اُولئكَ رفيقاً (14) .
(14) الخصال للشيخ الجليل الأقدم الصدوق (قدس سره) : ص543 ، باب الأربعين ، ح19 . وعنه بحار الأنوار : ج2 ، ص154 ، ب20 ، ح7 .