|
|
|
|
|
|
|
||||||||||||||||||
|
الصفحة 19
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مُقدّمة الطّبعة الأُولى
الحمد لله ربّ العالمين، فاطر السّماوات والأرضين، وفاطم أولياءه الميامين ومحبّيهم
من النّار أجمعين، والمُنتقم من الظّالمين وأتباعهم، كما توعّدهم في مُحكم كتابه
المتين.
والصّلاة والسّلام على البشير النّذير، والسّراج المُنير، المُبلّغ رسالات ربّه،
مُحمّد الأمين.
وعلى آله، آل الله، وأمنائه، وسلالة الأنبياء، وصفوة المُرسلين، وعترة خيرة ربّ
العالمين. سيّما ابنته، اُمّ الأئمة، ووعاء الإمامة، وزوجها سيّد الوصيين، وعلى
الطّالب بثأر اُمّه، مهديّ الاُمم، وجامع الكلم، المذخور رحمة للعالمين.
واللعن الدّائم على أعدائهم وغاصبي حُقوقهم، والرّاضين بذلك إلى أبد الآبدين.
وبعد...
لايختلف اثنان ـ حكّما العقل والوجدان ـ في سرّ عظمة هذه الشّخصيّة الجليلة، الّتي
هي مدار بحثنا في هذا الكتاب، فقد فضّلها وسّيدها الله عزّ شأنه على نساء العالمين،
وأحبّها وأكرمها خاتم الأنبياء وسيّد المُرسلين (صلى الله عليه وآله)
الصفحة 20
وأجلّها
وقدّسها آله الطّاهرون المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، وكذا من والاهم وسار على
نهجهم وخطاهم إلى يوم الدّين.
وبغضها من أعمى الحسد بصيرته، وغلّف الحقد قلبه، فمسخ منهجه وعقيدته، فانحرف عن
جادّة الدّين القويم، شريعة سيّد المُرسلين، فضلّ وأضلّ.
أجل ـ عزيزي القاريء ـ إنّها فاطمة الزّهراء، بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وفلذة كبده، وروحه الّتي بين جنبيه، إنّها البتول الطّاهرة المُطهّرة، بعمرها
القصير، وسنيّاته الّتي لم تتجاوز العقدين من الزّمان، على أصحّ الرّوايات. فرغم
قُصر عُمرها كانت شخصيّتها قُطباً دارت ولا زالت تدور حوله الألسن والأقلام، كيف لا
وقد أخبر الإمام المعصوم بأنّها صلوات الله عليها قد دارت على معرفتها القُرون
الأولى؟ بل نصّ المعصوم (عليه السلام) بأنّها حُجّة على الحجج صلوات الله عليهم
أجمعين. فقد كُتب عنها العديد من المؤلّفات، ودوّن الكثير من الكُتب والرّسائل في
محاولة لاستقصاء بعض جوانب شخصيّتها العملاقة، وتبيان مظلوميّتها، وبيان حالها،
وعرض ما عانته من الآلام والمصاعب، وسرد المواقف الصّعبة الّتي واجهتها بصلابة
وشجاعة وإيمان مُطلق.
وأيضاً ذكر من تعرّض لها، وسلبها حقّها، وآذاها وأبغضها، وتحليل وشرح ما قالته
وأنشدته وأملته ممّا حدّثها به أبوها خاتم الأنبياء والمُرسلين (صلى الله عليه
وآله) أو زوجها سيّد الأوصياء أجمعين (عليه السلام) أو من علمها اللدنّي الذي خصّها
به البارئ جلّ جلاله. وما إلى ذلك ممّا يخصّ حياتها الكريمة، بما يتبادر معه لأوّل
وهلة بأنّها قد عمّرت دهراً طويلاً، وعاصرت العديد من المراحل والحُقب، وهذا بحـدّ
ذاته سرٌّ مـن أسرار هـذه الشّخصيّة العظيمـة المُباركـة،
فغدت حقّا من أطول النّاس عُمراً رغم قصر حياتها.
الصفحة 21
والحديث ـ أخي القارئ ـ عن شخصيّة سامية كشخصيّة فاطمة الزّهراء (عليها السلام)
حديث شاقّ، صعب، فيراع الأديب مهما سما وعلا، وقلم الكاتب وإن أجاد وأفاد، يتعثّر
ويتلكّأ ويتوقّف إجلالاً وهيبة لعظم حقّها، وكبر مكانتها، وجلال شخصيّتها؛ ترى فأيّ
عبارة سيختارها لتفي بمقام من اختارها الله ـ على علم ـ على نساء العالمين، وذكرها
في مُحكم كتابه الكريم، في آية المُباهلة على إجماع المُفسّرين(1)؟
وأيضاً قد بيّن سبحانه وتعالى منزلتها الرّفيعة الّتي تتألّق وتتجلّى في الحديث
القُدسي في خطابه جلّ جلاله لسيّد رُسله وأنبيائه (صلى الله عليه وآله):
«يا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتُك، ولولا فاطمة لما
خلقتُكما»(2)!!
وأيّ بيان سينتخبه لتوضيح حُرمتها ودرجتها، وأمامه قول من لا ينطق عن الهوى إن هو
إلاّ وحي يوحى (صلى الله عليه وآله):
«فاطمة اُمّ أبيها»؟(3).
________________________
(2) أخرجه البحراني في مُلتقى البحرين: 14، وابن العرندس في كشف اللآلي، عن الشّيخ إبراهيم بن الحسن، عن عليّ بن هلال الجزائري، عن أحمد بن فهد الحلّي، عن زين العابدين عليّ بن الحسن الخازن الحائري، عن الشّهيد مُحمّد بن مكّي العاملي، بطُرقه المتّصلة المعروفة إلى ابن بابويه القمّي، بطريق إلى جابر الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تبارك وتعالى...، عنه كتاب «فاطمة الزّهراء بهجة قلب المُصطفى (صلى الله عليه وآله) »: 9.(3) هذا القول عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشهور، بل متواتر نقله الخاصّ والعامّ. أُنظر، تفسير البصائر: 59 / 889.
الصفحة 22
وما عساه أن يقول فيمن يقف لها خاتم الأنبياء وسيّد المُرسلين وخير خلق الله
وأشرفهم إحتراماً وتقديراً، ويستأذن منها قبل الدّخول عليه(1)؟
وبماذا سيفوه وقد أبان ولدها الصّادق (عليه السلام) كنه الحقيقة، إذ قال:
«هي الصّدّيقة الكُبرى، وعلى معرفتها دارت القُرون الاُولى»(2)؟
وماذا سيكتب لبيان فضيلة ورفعة قدر وسموّ درجة هذه السيّدة العظيمة، والأحاديث
الشّريفة تُصرّح بفضلها وعظمتها وقُدسيّتها؟ روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام)، أنّه قال:
«نحن حُجج الله على خلقه، وجدّتنا حُجّة علينا»(3)؟
وبأيّ تعبير سيصف صبرها ومعاناتها وقد أطلقت صرخة ما زالت تدوّي في مسامع التّاريخ:
«ونصبر منكُم على مثل حزّ المدى، ووخز السّنان في الحشا»(4)؟!
وماذا سيدوّن وهو يُلاحظ قول الأوّل بعد تقمّصه الخلافة، يُخاطبها فيقول:
«أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهُدى والرّحمة، وركن الدّين، وعين الحجّة»؟
وأمام كُلّ هذا وذاك فاللسّان عاجز حتماً عن الإتيان بما يليق وشأن شخصيّتها الفذّة
الّتي تجلّت فيها القيم الإلهيّة، والقلم قاصر حقّاً عن إيـراد ما
ـــــــــــــــــــــــ
(2) رواه الشّيخ الطّوسي في أماليه: 668 ذح6.
(3)تفسير أطيب البيان: 13/235، عنه عوالم العُلوم: ج1/ المُقدّمة.
(4)
سوف يأتي تخريج هذه الأقوال، فترقب.
الصفحة 23
يناسب شأو ما حباها الله من فضائل جمّة، فكانت بحقّ سيّدة نساء العالمين.
والكتاب هذا ـ أيّها القارئ الفاضل ـ يُسلّط الأضواء كما سترى على جانب من جوانب
حياتها المُباركة الواسعة، ألا وهو الجانب المأساوي الحزين، الذي ما برح التّاريخ
يُردّده بأنين لا ينقطع، ويدوّنه بحُروف قاتمة على صفحات سوداء؛ لما جرى عليها من
غصب وهتك حُرمة، وما لحقها من تعسّف واضطهاد، واصفاً حال أعدائها الأرجاس، اُولئك
الذين تهافتوا على حطام الدّنيا البالية، وانقادوا للأباطيل الّتي منّتها بها
أنفسهم الأمّارة بالسّوء، واتّبعوا شهواتهم الفانية، وغرّهم بالله الغُرور.
فالتّاريخ يخبرنا بأسانيد صحيحة مُعتبرة رواها الخاصّ والعامّ، أنّ رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال: «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني»(1).
وقال (صلى الله عليه وآله): «إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها»(2).
ويحدّثنا التّاريخ أيضاً عن مُجاهد، أنّه قال: خرج النّبيّ (صلى الله عليه وآله)
وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت
مُحمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي الّتي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني،
ومن آذاني فقد آذى الله»(3).
___________________
(1) (2) رواه مُسلم في صحيحه: 7/141.(3) أورده الشّبلنجي في نور الأبصار: 52.أقول: أخرج التّستري في إحقاق الحقّ: 10/184-222 أحاديث جمّة في معنى هذا الحديث من مصادر العامّة، بأسانيد مُعتبرة وألفاظ مُختلفة يطول بنا المقام إذا أتينا عليها، فراجعها في مظانّها.
الصفحة 24
وأمام هذه الحقائق المُعتبرة تطالعنا حقيقة أُخرى أوضح وأهم، فقد أخبرنا سبحانه
وتعالى في مُحكم كتابه المجيد، فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1). وقال تبارك وتعالى
أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدّنيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(2). فاستحقّوا بهذا لعنة الأبد بما كسبت أيديهم، وما الله
بظلاّم للعبيد.
فهذه الآيات المُباركة الشّريفة ـ أخي القارئ ـ صريحة واضحة، قاطعة في معناها،
والتّاريخ صادق صائب فيما يقوله ويرويه، فالدّلائل والشّواهد موجودة ومعروفة لطلاب
الحقيقة وروّاد المعرفة، فليحيى من حيّ عن بيّنة، ويهلك من هلك عن بيّنة.
فالزّهراء ـ فديتها بنفسي ـ شخصيّة لا تشاكلها شخصيّة أُخرى، كما وأنّه ليس من
السّهولة لأحد الحديث عنها أو تقييمها، كيف وقد منحها الله جلّ جلاله الحظّ الأوفر
من العظمة والجلالة، ووهبها رسوله (صلى الله عليه وآله) النّصيب الأوفى من
القُدسيّة والوجاهة؟! بل إنّ التّاريخ بما عرف عنه من واقعيّة في سرد وتقصّي
الحقائق، وذكرها بتفاصيلها وجزئيّاتها، يخبرنا ويهيب بكُلّ مُسلم ضرورة تمجيدها
وتبجيلها وتعظيمها كما أمر الله تعالى بذلك، حيث قال جلّ وعلا:
{قُل لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي القُربى(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) التّوبة: 61.
(2) الأحزاب: 57.
(3)
الشّورى: 23. الصفحة 25
وكما
أراد لها سيّد الأنبياء والمُرسلين (صلى الله عليه وآله) الذي طالما قال لها: «فداك
أبوك»(1). وأيضاً يُنبئنا التّاريخ على ما يستفاد من بعض الرّوايات أنّ بعض
المؤمنين كان يستجير ويتعوّذ بالله ممّن ظلمها وآذاها، وينكر عليه عمله تقرّباً لله
تعالى، باعتبار أنّ أذاها مساس مُباشر بساحة وشخص الرّسول الأعظم (صلى الله عليه
وآله) وبالتّالي بذات البارئ المُقدّسة جلّ جلاله.
تعال معي ـ أخي القارئ ـ لنطالع معاً هذه الرّواية: قال الشّيخ المجلسي (رحمه
الله): وجدت في كتاب مزار لبعض قُدماء أصحابنا، وفي كتاب مقتل لبعض مُتأخّريهم
خبراً أحببت إيراده، واللفظ للأوّل، قال: حدّثنا جماعة، عن الشّيخ المُفيد، أبي
عليّ الحسن الطّوسي، وعن الشّريف أبي الفضل المُنتهى، ابن أبي زيد بن كيابكي، وعن
الشّيخ الأمين مُحمّد بن شهريار الخازن، وعن الشّيخ ابن شهرآشوب، عن المُقري عبد
الجبار الرّازي، وكلّهم يروون عن الشّيخ أبي جعفر مُحمّد بن عليّ الطّوسي (رحمه
الله) قال: حدّثنا الشّيخ أبو جعفر مُحمّد بن الحسن بن الحسن الطّوسي بالمشهد
المُقدّس بالغريّ، على صاحبه السّلام في شهر رمضان من سنة ثمّان وخمسين وأربعمئة،
قال: حدّثنا أبو الفضل مُحمّد بن عبد الله الشّيباني، قال: حدّثنا مُحمّد بن يزيد
بن أبي الأزهر البوشنجي، قال: حدّثنا مُحمّد بن عبد الله بن زيد النّهلي، قال:
أخبرني أبي، قال: حدّثنا الشّريف زيد بن جعفر
ـــــــــــــــــــــــ
(1)
رواه الخوارزمي في مقتل الحُسين (عليه السلام) 66 (ط. الغري)، ورواه الحاكم في المُستدرك: 3/156
(ط. حيدر آباد) بلفظ: فداك أبي واُمّي. الصفحة 26
العلوي، قال: حدّثنا مُحمّد بن وهبان الهناتي، قال: حدّثنا الحُسين بن عليّ ابن سفيان البزوفري، قال: حدّثنا أحمد
بن إدريس، عن مُحمّد بن أحمد العلوي، قال: حدّثنا مُحمّد بن جمهور العمّي، عن
الهيثمّ بن عبد الله النّاقد، عن بشّار المكّاري، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه
السلام) بالكوفة، وقد قدّم له طبق رطب طبرزد، وهو يأكل، فقال: يا بشّار، إدن فكُل.
فقلت: هنّاك الله، وجعلني فداك! قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي، أوجع قلبي
وبلغ منّي. فقال لي: بحقّي، لمّا دنوت فأكلت. قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك.
قُلت: رأيت جلوازاً يضرب رأس امرأة، ويسوقها إلى الحبس، وهي تُنادي بأعلا صوتها:
المُستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد! قال: ولِمَ فعل بها ذلك؟ قال: سمعت النّاس
يقولون: إنّها عثرت فقالت: «لعن الله ظالميك يا فاطمة». فارتكب منها ما ارتكب. قال:
فقطع الأكل، ولم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله ولحيته وصدره بالدّموع، ثمّ قال: يا
بشّار، قُمّ بنا إلى مسجد السّهلة، فندعوا الله عزّ وجلّ، ونسأله خلاص هذه المرأة.
قال: ووجّه بعض الشّيعة إلى باب السُلطان، وتقدّم إليه بأن لا يبرح إلى أنّ يأتيه
رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا. قال: فصرنا إلى مسجد السّهلة،
وصلّى كُلّ واحد منّا ركعتين، ثمّ رفع الصّادق (عليه السلام) يده إلى السّماء،
وقال:
أنت الله لا إله إلاّ أنت، مُبدئ الخلق ومُعيدهم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت، خالق
الخلق ورازقهم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت، القابض الباسط،
الصفحة 27
وأنت الله لا إله
إلاّ أنت، مُدبّر الأُمور، وباعث من في القُبور، وأنت وارث الأرض ومن عليها، أسألك
باسمك المخزون المكنون الحيّ القيّوم، وأنت الله لا إله إلاّ أنت، عالم السّر
وأخفى، أسألك باسمك الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، وأسألك بحقّ
مُحمّد وأهل بيته، وبحقّهم الذي أوجبته على نفسك أنّ تُصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد،
وأن تقضي لي حاجتي السّاعة السّاعة، يا سامع الدّعاء، يا سيّداه يا مولاه يا غياثاه. أسألك بكُلّ اسم سمّيت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أنّ
تُصلّي على مُحمّد وآل مُحمّد، وأن تعجّل خلاص هذه المرأة، يا مُقلّب القُلوب
والأبصار، يا سميع الدّعاء.
قال: فخرّ ساجداً لا أسمع منه إلاّ النّفس، ثمّ رفع رأسه، فقال: قُمّ، فقد أُطلقت
المرأة. قال: فخرجنا جميعاً، فبينما نحن في بعض الطّريق إذ لحق بنا الرّجل الذي
وجّهناه إلى باب السُلطان، فقال له (عليه السلام): ما الخبر؟ قال: قد أُطلق عنها.
قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنّني كنت واقفاً على باب السُلطان، إذ خرج
حاجب فدعاها، وقال لها: ما الذي تكلّمت؟ قالت: عثرت، فقُلت: لعن الله ظالميك يا
فاطمة! ففعل بي ما فُعل! قال: فأخرج مئتي درهم، وقال: خذي هذه، واجعلي الأمير في
حلّ. فأبت أن تأخذها، فلمّا رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك، ثمّ خرج فقال:
انصرفي إلى بيتك. فذهبت إلى منزلها. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أبت أن تأخذ
الصفحة 28
المئتي درهم؟ قال: نعم، وهي والله محتاجة إليها! قال: فأخرج من جيبه صرّة فيها
سبعة دنانير، وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فاقرأها منّي السّلام، وادفع إليها
هذه الدّنانير.
قال: فذهبنا جميعاً، فأقرأناها منه السّلام. فقالت: بالله أقرأني جعفر بن مُحمّد
السّلام؟ فقُلت لها: رحمك الله! والله، إنّ جعفر بن مُحمّد أقرأك السّلام. فشقّت
جيبها ووقعت مغشيّ عليها! قال: فصبرنا حتّى أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها
عليها حتّى فعلت ذلك ثلاثاً، ثمّ قُلنا لها: خُذي هذا ما أرسل به إليك، وأبشري
بذلك. فأخذته منّا، وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحداً أتوسّل به
إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده (عليهم السلام). قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله
(عليه السلام) فجعلنا نحدّثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو له(1).
ونتركك ـ أيها القارئ الفطن ـ لتستقري الحقائق والنّتائج من هذه الرّواية، وتصدر
حكمك المُنصف برويّة.
والكتاب هذا ـ والحقّ يقال ـ هو محاولة لكتابة التّاريخ بنحو يسهّل للقارئ تناوله
واستيعابه والتّعرّف عليه عن كثب، والمُحاولة هذه هي بمثابة استجابة لنداء المعصوم
(عليه السلام):
رحم الله عبداً أحيا أمرنا»
(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار:
47/381 وج 97/442.
(2)
المصدر السّابق: 2 / 30.
الصفحة 29
ولو أمعنت النّظر ـ أخي القارئ ـ في هذا الحديث لوجدته مليئاً باللطف والمودّة
والرّحمة لكُلّ المُسلمين، إذ أنّه يستوجب منهم، وفي كُلّ زمان ومكان حتّى قيام
السّاعة، عرض حال أهل بيت الرّسالة عليهم السّلام بلغة ذلك العصر ليعرف المُسلمون
جوهر الحقيقة، ويقفوا على صوابها، ويدركوا مغزاها، ليفوزوا بنعيم الدّنيا وثواب
الآخرة، وهذا ما أرادته الرّسالة المُحمّديّة للمُسلمين.
والكتاب هو خطوة جادّة في هذا السّبيل ـ لعرض وتصوير دراما مُفجعة صبّت أحداثها
المُمضّة على شخصيّة عظيمة مُباركة أحبّها الله ورسوله، مُستلاًّ أخبارها ممّا
تناقله الرّواة والمُحدّثون في بطون كُتب الخاصّة والعامّة، ومُنتزعاً أحداثها ممّا
رواه لنا التّاريخ بصدق وأمانة، لنضعها بين يديّ الأخوة المُسلمين، ليطّلعوا عليها
بصدر واسع رحب، ويُطالعوها بعلميّة وموضوعيّة، ثمّ ينتهجوا الصّراط المُستقيم،
ويتّبعوا الطّريق القويم باطمئنان ووثوق، فيكون الكتاب بمادّته إن شاء الله ممّن
سعى في تكريس وحدة المُسلمين، وتوحيد آرائهم، وتسديد نظراتهم؛ ويكون أيضاً ممّن رمى
عدوّهم بحجر الحقيقة الدّامغ ليتراجع القهقرى، ويكفّ من زعيقه، وان أراد أن يتحامق
كما هو ديدنه، ويبثّ سمومه بإعلانه التّخوّف من الفتنة، فسنلقمه حجراً آخراً
بتذكيره بقول اُمّ أبيها الزّهراء صلوات الله عليها:
«ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وانّ جهنّم لمُحيطة
بالكافرين»(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1)
يأتي تخريجه. في نصّ خطبتها صلوات الله عليها. |
|
||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
||||||||||||||||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|