التالي

السابق

ظلامات فاطمة الزهراء عليها السلام ـ ط 4

 

 

 

الصفحة 69

الاحتجاجات في أمر فدك

1- الاختصاص للشّيخ المُفيد.

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة صلوات الله عليها فأخرجه من فدك. فأتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر، ادّعيت أنّك خليفة أبي، وجلست مجلسه، وأنت بعثت وكيلي فأخرجته من فدك، وقد تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصدّق بها عليّ، وأنّ لي بذلك شهوداً. فقال: إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يورث!! فرجعت إلى عليّ (عليه السلام) فأخبرته، فقال: ارجعي إليه وقولي له: زعمت أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يورث {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}(1) وورث يحيى زكريّ(2)، وكيف لا أرث أنا أبي؟! فقال عمر: أنت معلّمة! قالت: وإن كنت معلّمة، فإنّما علّمني ابن عمّي وبعلي. قال أبو بكر: فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «إنّ النّبيّ لا يورث». فقالت: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها، وإنّ لي بذلك شهوداً بها في الإسلام، ثمّ قالت: فإنّ فدكاً إنّما هي تصدّق بها عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولي بذلك بيّنة. فقال لها: هلمّي ببيّنتك. قال: فجاءت باُمّ أيمن وعليّ (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) النّمل: 16.

(2) مُقتبس من قوله تعالى في سورة مريم الآيات 6 ـ 5.


الصفحة 70

 فقال أبو بكر: يا اُمّ أيمن، إنّك سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في فاطمة؟ فقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»(1). ثمّ قالت اُمّ أيمن: فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة تدّعي ما ليس لها؟! وأنا امرأة من أهل الجنّة ما كنتُ لأشهد بما لم أكن سمعتُ من رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال عمر: دعينا يا اُمّ أيمن من هذه القصص! بأيّ شيء تشهدين؟ فقالت: كنتُ جالسة في بيت فاطمة (عليها السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس حتّى نزل عليه جبرئيل، فقال: يا مُحمّد، قُمّ فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أخطّ لك فدكاً بجناحي. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع جبرئيل (عليه السلام) فما لبث أن رجع، فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبه! أين ذهبت؟ فقال: خطّ جبرئيل (عليه السلام) لي فدكاً بجناحه، وحدّ لي حُدودها. فقالت: يا أبه! إنّي أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فتصدّق بها عليّ. فقال: هي صدقة عليك. فقبضتها، قالت: نعم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أُمّ أيمن! اشهدي، ويا عليّ! اشهد. فقال عمر: أنتِ امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأمّا عليّ فيجرّ إلى نفسه. قال: فقامت مُغضبة، وقالت: اللّهم! إنّهما ظلما ابنة مُحمّد نبيّك حقّها، فاشدد وطأتك عليهما. ثمّ خرجت وحملها عليّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المُهاجرين والأنصار والحسن والحُسين (عليهما السلام) معها، وهي تقول:

يا معشر المُهاجرين والأنصار، انصروا الله، فإنّي ابنة نبيّكم، وقد بايعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه أن تمنعوه وذرّيته ممّا تمنعون

ـــــــــــــــــــــــ

(1) راجع صحيح البُخاري: 5 / 29 (باب مناقب فاطمة) والحديث مرويّ بألفاظ مُختلفة وأسانيد عديدة في كُتب الفريقين، يطول بنا المقام إذا أتينا على ذكرها، راجع إحقاق الحقّ: 10 / 27 ـ 42 و ص 97 ـ 98 و ص 103 ـ 113.


الصفحة 71

 منه أنفسكُم وذراريكُم، فأوفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتكم. قال: فما أعانها أحد، ولا أجابها، ولا نصرها!!!

قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل، فقالت: يا معاذ بن جبل، إنّي قد جئتك مُستنصرة، وقد بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصره وذرّيته، وتمنع ممّا تمنع منه نفسك وذرّيتك، وإنّ أبا بكر قد غصبني على فدك، وأخرج وكيلي منها. قال: فمعي غيري؟ قالت: لا، ما أجابني أحد. قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك؟! قال: فخرجت من عنده. ودخل ابنه، فقال: ما جاء بابنة مُحمّد إليك؟ قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر، فإنّه أخذ منها فدكاً. قال: فما أجبتها به؟ قال: قُلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي. قال: فأبيتَ أن تنصرها؟ قال: نعم. قال: فأيّ شيء قالت لك؟ قال: قالت لي: والله، لا نازعتك الفصيح(1) من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فقال: أنا والله، لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ لم تجب ابنة مُحمّد. قال: وخرجت فاطمة (عليها السلام) من عنده وهي تقول: والله، لا اُكلّمك كلمة حتّى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثمّ انصرفت.

فقال عليّ (عليه السلام) لها: ائتي أبا بكر وحده فإنّه أرقّ من الآخر، وقولي له: ادّعيت مجلس أبي، وأنّك خليفته وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك، ثمّ استوهبتها منك لوجب ردّها عليّ. فلمّا أتته وقالت له ذلك، قال: صدقتِ. قال: فدعا بكتاب، فكتبه لها بردّ فدك. فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: يا بنت مُحمّد، ما هذا الكتاب الّذي معك؟ فقالت:

ـــــــــــــــــــــــ

(1) المُراد بالفصيح: اللسان، والمعنى: لا اُكلّمك.


الصفحة 72

 كتاب، كتب لي أبو بكر بردّ فدك. فقال: هلمّيه إليّ. فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله ـ وكانت (عليها السلام) حاملة بابن اسمه: المُحسن ـ فأسقطت المُحسن من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نُقِفَ(1). ثمّ أخذ الكتاب فخرقه. فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضةً ممّا ضربها عمر، ثمّ قُبضت. فلمّا حضرتها الوفاة دعت عليّاً صلوات الله عليه، فقالت: إمّا تضمن وإلاّ أوصيتُ إلى الزّبير(2)، فقال عليّ (عليه السلام): أنا أضمن وصيّتك يا بنت مُحمّد. قالت: سألتك بحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أنا مُتّ أن لا يشهداني، ولا يصلّيا عليّ قال: فلك ذلك(3). فلمّا قُبضت (عليها السلام) دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، وأبو بكر وعمر كذلك، فخرج إليهما عليّ (عليه السلام) فقالا له: ما فعلت بابنة مُحمّد؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟ فقال عليّ (عليه السلام): قد ـ والله ـ دفنتها. قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟ قال: هي أمرتني. فقال عمر: والله، لقد هَممتُ بنبشها والصّلاة عليها. فقال عليّ (عليه السلام): أما والله، ما دام قلبي بين جوانحي(4) وذو الفقار في يدي، فإنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم. فقال أبو بكر: اذهب، فإنّه أحقّ بها منّا، وانصرف النّاس.(5)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) يأتي معناها في باب إسقاط جنينها (عليها السلام)، فترقّب.

(2) في المصدر: ابن الزّبير، وهذا بعيد، ولعله اشتباه من النّاسخ.

(3) راجع في ذلك حلية الأولياء: 2/43، مُستدرك الحاكم: 3 / 163، اُسد الغابة: 5/254، الاستيعاب: 2/751، المقتل للخوارزمي: 1/83، إرشاد السّاري للقسطلاني: 6/362، الإصابة: 4/378، تاريخ الخميس: 1/313، الإمامة والسّياسة: 1/14، الجاحظ في رسائله: 300،وغيرها من المصادر ففيها ما يفي بالغرض.

(4) الجوانح: الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي الصّدر.

(5) الاختصاص: 183، عنه البحار: 29/189 ح39.


الصفحة 73

2 ـ قرب الإسناد للحميري. 

عن حنّان بن سدير، قال: سأل صدقة بن مُسلم أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده، فقال: من الشّاهد على فاطمة بأنّها لا ترث أباها؟ فقال: شهدت عليها عائشة وحفصة ورجل من العرب يقال له: أوس بن الحدثان، من بني نضر، شهدوا عند أبي بكر بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا اُورث!! فمنعوا فاطمة (عليها السلام) ميراثها من أبيها (صلى الله عليه وآله).(1)

 3 ـ الاحتجاج للطّبرسي.  

احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر وعمر لمّا منعا فاطمة الزّهراء (عليها السلام) فدكاً بالكتاب والسنّة. 

عن حمّاد بن عثمّان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا بويع أبو بكر، واستقام له الأمر على المُهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها، فجاءت فاطمة الزّهراء (عليها السلام) إلى أبي بكر، ثمّ قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى؟!

فقال: هاتي على ذلك بشهود! فجاءت بأُمّ أيمن، فقالت له اُمّ أيمن: لا أشهد يا أبا بكر، حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُنشدك بالله! ألست تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة؟! فقال: بلى. قالت: فأشهد أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): {وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ}(2) فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله. فجاء عليّ (عليه السلام) فشهد بمثل

ـــــــــــــــــــــــ

(1) قرب الإسناد: 47، عنه البحار: 29/156 ح31.

(2) الإسراء: 26.


الصفحة 74

 ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر، فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إنّ فاطمة (عليها السلام) ادّعت في فدك، وشهدت لها اُمّ أيمن وعليّ (عليه السلام) فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة، فتفل فيه ومزّقه!! فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي، فلمّا كان بعد ذلك جاء عليّ (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد، وحوله المُهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر لِمَ منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فقال أبو بكر: هذا فيء للمُسلمين، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول الله جعله لها وإلاّ فلا حقّ لها فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر! تحكم فينا بخلاف حكم الله في المُسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المُسلمين شيء يملكونه، ثمّ ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك أسأل البيّنة. قال: فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يديها، وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده، ولم تسأل المُسلمين بيّنة على ما ادّعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟! فسكت أبو بكر، فقال عمر: يا عليّ، دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلاّ فهو فيء للمُسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر، تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) فيمن نزلت؟ فينا أم غيرنا؟ قال: بل فيكم. قال: فلو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أُقيم عليها الحدّ، كما اُقيمه على نساء المُسلمين. قال: إذن كنت عند الله من الكافرين. قال: ولِمَ؟ قال: لأنّك رددت شهادة الله  لها بالطّهارة، وقبلت شهادة النّاس عليها، كما رددت حُكم الله وحُكم

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الأحزاب: 33.


الصفحة 75

 رسوله، أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته، ثمّ قبلت شهادة اعرابي، بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنّه فيء للمُسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على المدّعي، واليمين على المدّعى عليه» فرددت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أدّعي عليه». قال: فدمدم النّاس وأنكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق ـ والله ـ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). ورجع إلى منزله. قال: ثمّ دخلت فاطمة المسجد، وطافت بقبر أبيها، وهي تقول:

 قـد كـان بـعدك أنباء وهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر iiالخطب
إنّـا فـقدناك فقد الأرض iiوابلها      واختلّ  قومك فاشهدهم ولا iiتغب
قـد  كان جبريل بالآيات يؤنسنا      فـغاب  عنّا لكُلّ الخير iiمُحتجب
وكـنت بدراً ونوراً يستضاء iiبه      عليك ينزل من ذي العزّة iiالكُتب
تـجهّمتنا  رجـال واستخفّ iiبنا      إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا وما iiبقيت      من  العيون بتهمال لها iiسكب(1)

 قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه، ثمّ قال له: أما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم؟ والله، لئن قعد مقعداً آخر مثله ليفسدنّ علينا أمرنا، فما الرّأي؟ فقال عمر: الرّأي أن تأمر بقتله! قال: من يقتله؟ قال: خالد بن الوليد. فبعثوا إلى خالد، فأتاهما، فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم. قال: احملاني على ما شئتما، ولو عـلى قتـل عليّ بن أبي طالب!! قالا: فهو ذلك. قال خالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: احضر المسجد، وقم بجنبه في الصّلاة، فإذا سلّمت فقم إليه واضرب عنقه!! قال:  نعم. فسمعت أسماء بنت عميس، وكانت تحت أبي بكر، فقالت لجاريتها:

ـــــــــــــــــــــــ

(1) سوف يأتي في باب ما اُنشد في ظلامتها من الأشعار. فترقب


الصفحة 76

اذهبي إلى منزل عليّ وفاطمة (عليهما السلام) واقرئيهما السّلام، وقولي لعليّ: {إِنَّ الْمَلأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}(1) فجاءت، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون. ثمّ قام وتهيّأ للصّلاة، وحضر المسجد، وصلّى خلف أبي بكر، وخالد بن الوليد يصلّي بجنبه ومعه سيفه. فلمّا جلس أبو بكر في التشهّد، ندم على ما قال، وخاف الفتنة، وعرف شدّة عليّ وبأسه، فلم يزل مُتفكّراً لا يجسر أن يسلّم حتّى ظنّ النّاس أنّه قد سها، ثمّ التفت إلى خالد، فقال: يا خالد، لا تفعلنّ ما أمرتك!! والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته!! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا خالد، ما الّذي أمرك به؟ فقال: أمرني بضرب عنقك! قال: أو كنت فاعلاً؟ قال: إي والله، لولا أنّه قال لي: لا تقتله، قبل التّسليم، لقتلتك!! قال: فأخذه عليّ (عليه السلام) فجلد به الأرض، فاجتمع النّاس عليه، فقال عمر: يقتله وربّ الكعبة. فقال النّاس: يا أبا الحسن، الله الله، بحقّ صاحب القبر. فخلّى عنه، ثمّ التفت إلى عمر، فأخذ بتلابيبه وقال: يا بن صهاك، والله، لولا عهد من رسول الله، وكتاب من الله سبق، لعلمت أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً. ودخل منزله.(2)

ونقل الطّبرسي في الاحتجاج أيضاً رسالة لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أبي بكر لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزّهراء (عليها السلام) فدك:

شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النّجاة، وحطّوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر، واستضاؤا بنور الأنوار، واقتسموا مواريث الطّاهرات الأبرار، واحتقبوا ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النّبيّ المُختار، فكأنّي بكم تتردّدون في العمى، كما يتردّد البعير في الطّاحونة. أما والله،

ـــــــــــــــــــــــ

(1) القصص: 20.

(2) الاحتجاج: 1 / 119، عنه البحار: 29 / 127 ح 27.


الصفحة 77

 لو إذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحبّ الحصيد، بقواضب من حديد، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أُقرح به آماقكم، واُوحش به محالكم، فإنّي ـ مذ عرفت ـ مُردي العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمل ضوضائكم، وجرّار الدّوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، وإنّي لصاحبكم بالأمس. لعمر أبي واُمّي، لن تحبّوا أن يكون فينا الخلافة والنّبوّة، وأنتم تذكرون أحقاد بدر، وثارات اُحد، أما والله، لو قُلت ما سبق من الله فيكم، لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم... إلى آخر الرّسالة. فلمّا أن قرأ أبو بكر الكتاب، رعب من ذلك رعباً شديداً، وقال: يا سبحان الله! ما أجرأه عليّ، وأنكله عن غيري! معاشر المُهاجرين والأنصار، تعلمون أنّي شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقُلتم: إنّ الأنبياء لا يورثون! وإنّ هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفيء، وتصرف في ثمّن الكراع والسّلاح، وأبواب الجهاد، ومصالح الثّغور فأمضينا رأيكم، ولم يمضه من يدّعيه، وهو ذا يبرق وعيداً، ويرعد تهديداً، إيلاءً بحقّ مُحمّد (صلى الله عليه وآله) أن يمضحه(1) دماً ذعاقاً. والله، لقد استقلت منها فلم أُقل، واستعزلتها عن نفسي فلم اُعزل، كُلّ ذلك كراهيّة منّي لابن أبي طالب، وهرباً من نزاعه، مالي ولابن أبي طالب! أهل نازعه أحد ففلج(2) عليه؟! فقال  له عمر: أبيت أن تقول إلاّ هكذا؟! فأنت ابن من لم يكن مُقداماً في الحروب ولا سخيّاً في الجدوب! الخبر.(3)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) مضح ـ كمنع ـ : لطّخ الجسد بالطّيب.

(2) أي ظفر.

(3) الاحتجاج: 1/127، عنه البحار: 29/140 ح30. قال العلاّمة المجلسي&: روي في نهج البلاغة تلك الفقرات في موضع آخر يناسبها، حيث قال: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة، قال: أيّها النّاس، شقّوا أمواج الفتن...


 الصفحة 78

وذكر الطّبرسي في الاحتجاج أيضاً: إنّه مرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة، وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه، فقال لصاحب كان معه: والله، لا أبرح أو اُخجل أبا حنيفة. فقال صاحبه الّذي كان معه: إنّ أبا حنيفة ممّن قد علت حالته، وظهرت حجّته. قال: مه! هل رأيت حجّة ضالّ علت على حجّة مؤمن؟! ثمّ دنا منه فسلّم عليه فردّها، وردّ القوم السّلام بأجمعهم. فقال: يا أبا حنيفة إنّ أخاً لي يقول: إنّ خير النّاس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأنا أقول: أبو بكر خير النّاس وبعده عمر، فما تقول أنت رحمك الله؟ فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه، فقال: كفى بمكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرماً وفخراً، أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره، فأيّ حجّة تريد أوضح من هذا! فقال له فضّال: إنّي قد قُلت ذلك لأخي، فقال: والله، لئن كان الموضع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) دونهما، فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما، ونسيا عهدهما؟! فأطرق أبو حنيفة ساعة، ثمّ قال له: لم يكُن له ولا لهما خاصّة، ولكنهما نظرا في حقّ عائشة وحفصة، فاستحقّا الدّفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما. فقال له فضّال: قد قُلت له ذلك، فقال: أنت تعلم أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع نساء، ونظرنا فإذا لكُلّ واحدة منهنّ تسع الثمّن، ثمّ نظرنا في تسع الثمّن فإذا هو شبر في شبر، فكيف يستحقّ الرّجلان أكثر من ذلك؟! وبعد ذلك فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنته تمنع الميراث؟ فقال أبو حنيفة: يا قوم، نحّوه عنّي، فإنّه رافضيّ خبيث.(1)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الاحتجاج: 207، عنه البحار: 47/400 ح2.


الصفحة 79

4 ـ مصباح الأنوار لبعض عُلمائنا رضوان الله عليهم. 

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) بنت مُحمّد (صلى الله عليه وآله) على أبي بكر، فسألته فدكاً. قال: النّبيّ لا يورث! فقالت: قد قال الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}(1). فلمّا حاجّته أمر أن يكتب لها، وشهد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) واُمّ أيمن، قال: فخرجت فاطمة (عليها السلام) فاستقبلها عمر، فقال: من أين جئتِ يا بنت رسول الله؟ قالت: من عند أبي بكر في شأن فدك، قد كتب لي بها. فقال عمر: هاتي الكتاب. فأعطته، فبصق فيه ومحاه!! عجّل الله جزاه. فاستقبلها عليّ (عليه السلام) فقال: ما لكِ يا بنت رسول الله غضبى؟! فذكرت له ما صنع عمر، فقال: ما ركبوا منّي ومن أبيك أعظم من هذا! فمرضت فجاءا يعودانها فلم تأذن لهما، فجاءا ثانية من الغد، فأقسم عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأذنت لهما، فدخلا عليها، فسلّما، فردّت ضعيفاً، ثمّ قالت لهما: سألتكما بالله الّذي لا إله إلا هو، أسمعتما قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّي: «مَن آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(2)؟ قالا: اللّهُمَّ نعم. قالت: فأشهد أنّكما قد آذيتماني.(3)

5 ـ الكشكول فيما جرى على آل الرّسول (صلى الله عليه وآله) للعاملي.

عن المفضّل بن عمر، قال: قال مولاي جعفر الصّادق (عليه السلام): لمّا ولي أبو بكر بن أبي قحافة، قال له عمر: إنّ النّاس عبيد هذه الدّنيا، لا يرون(4)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) النّمل: 16.

(2) الحديث مشهور وفي كتب الفريقين بأسانيد شتى مذكور، راجع الغدير: 7/229. وروى ابن قتيبة الدّينوري في الإمامة والسّياسة: 1 / 13 (ط. مُصطفى الحلبي مصر) نحوه، راجع إحقاق الحقّ: 10 / 217 وما بعدها.

(3) مصباح الأنوار: 246، عنه البحار: 29/257 ح32.

(4) في البحار: لا يريدون.


الصفحة 80

غيرها، فامنع عن عليّ وأهل بيته الخمس، والفيء، وفدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّاً، وأقبلوا إليك رغبة في الدّنيا وإيثاراً ومحاباةً عليها. ففعل أبو بكر ذلك، وصرف عنهم جميع ذلك. فلمّا قام أبو بكر ابن أبي قحافة أمر مناديه: من كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) دَين أو عدّة فليأتني حتّى أقضيه. وأنجزَ لجابر بن عبد الله، ولجرير بن عبد الله البجلي. قال عليّ (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام): صيري إلى أبي بكر وذكّريه فدكاً. فصارت فاطمة إليه وذكرت له فدكاً مع الخمس والفيء، فقال لها: هاتي بيّنة يا بنت رسول الله، فقالت: أمّا فدك، فإنّ الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه قُرآناً يأمر فيه بأن يؤتيني وولدي حقّي، قال الله تعالى: {فَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ}(1) فكنت أنا وولدي أقرب الخلائق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنحلني وولدي فدكاً. فلمّا تلا عليه جبرئيل (عليه السلام):{وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبيل}(2)

 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما حقّ المسكين وابن السّبيل؟ فأنزل الله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فإنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبيل}(3). فقسّم الخمس على خمسة أقسام، فقال: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبيل}(4). فما لله فهو لرسوله، وما لرسول الله فهو لذي القُربى، ونحن ذو القُربى، قال الله تعالى: {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي القُربى}(5).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الرّوم: 38.

(2) الرّوم: 38.

(3) الأنفال: 41.

(4) الحشر: 7.

(5) الشّورى: 23.


الصفحة 81

فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطاب وقال: ما تقول؟ فقال عمر: من ذو القُربى؟ ومن اليتامى والمساكين وأبناء السّبيل؟ فقالت فاطمة (عليها السلام): اليتامى الّذين يأتمّون(1) بالله وبرسوله وبذي القُربى، والمساكين الّذين أُسكنوا معهم في الدّنيا والآخرة، و ابن السّبيل الّذي يسلك مسلكهم. قال عمر: فإذاً الخمس والفيء كلّه لكم ولمواليكم وأشياعكم؟! فقالت فاطمة (عليها السلام): أمّا فدك فأوجبها الله لي ولولدي دون موالينا وشيعتنا، وأمّا الخمس فقسّمه الله لنا ولموالينا وأشياعنا كما يقرأ في كتاب الله. قال عمر: فما لسائر المُهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان؟ قالت فاطمة: إن كانوا موالينا ومن أشياعنا فلهم الصّدقات الّتي قسّمها الله وأوجبها في كتابه، فقال الله عزّ وجلّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ}(2)... قال عمر: فدك لك خاصّة، والفيء لكم  ولأوليائكم؟! ما أحسب أنّ أصحاب رسول الله يرضون بهذا!! قالت فاطمة (عليها السلام): فإنّ الله عزّ وجلّ رضي بذلك، ورسوله رضي به، وقسّم على الموالاة والمُتابعة لا على المُعاداة والمُخالفة، ومن عادانا فقد عادى الله، ومن خالفنا فقد خالف الله، ومن خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم والعقاب الشّديد في الدّنيا والآخرة. فقال عمر: هاتي بيّنة يا بنت مُحمّد على ما تدّعين؟ فقالت فاطمة (عليها السلام): قد صدّقتم جابر بن عبد الله، وجرير بن عبد الله، ولم تسألوهما البيّنة! وبيّنتي في كتاب الله. فقال عمر: إنّ جابراً وجريراً ذكرا أمراً هيّناً، وأنتِ تدّعين أمراً عظيماً يقع به الرّدة من المُهاجرين

ـــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر: يؤمنون.

(2) التّوبة: 60.


الصفحة 82

 والأنصار! فقالت (عليها السلام): إنّ المُهاجرين برسول الله وأهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه، والأنصار بالإيمان بالله ورسوله وبذي القُربى أحسنوا، فلا هجرة إلاّ إلينا، ولا نصرة إلاّ لنا، ولا اتّباع بإحسان إلاّ بنا، ومن ارتدّ عنّا فإلى الجاهليّة. فقال لها عمر: دعينا من أباطيلكِ!! أحضرينا من يشهد لكِ بما تقولين!! فبعثت إلى عليّ والحسن والحُسين، واُمّ أيمن وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادّعته. فقال عمر: أمّا عليّ فزوجها، وأمّا الحسن والحُسين فابناها، وأمّا اُمّ أيمن فمولاتها، وأمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدم فاطمة، وكُلّ هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم! فقال عليّ (عليه السلام): أمّا فاطمة فبضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن آذاها فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) ومن كذّبها فقد كذّب رسول الله، وأمّا الحسن والحُسين فابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيّدا شباب أهل الجنّة(2)، من كذّبهما فقد كذّب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ كان أهل الجنّة صادقين؟! وأمّا أنا فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنتَ منّي وأنا منك، وأنتَ أخي في الدّنيا والآخرة، والرادّ عليك هو الرادّ عليّ، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني»(3)، وأمّا اُمّ أيمن فقد شهد لها رسول

ـــــــــــــــــــــــ

(1) إشارة إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشهور المُتواتر، وقد تقدّمت الإشارة إليه.

(2) إشارة إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشهور:

«الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة» وقد رواه العامّ والخاصّ بأسانيد شتى، راجع إحقاق الحقّ: 10/544-595 ففيه ما يغني.

(3) إشارة إلى أحاديث مشهورة، رواها الفريقان بأسانيد عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطول بنا المقام إذا أتينا على درجها واستقصائها.


الصفحة 83

الله (صلى الله عليه وآله) بالجنّة(1)، ودعا لأسماء بنت عميس وذرّيتها. فقال عمر: أنتم كما وصفتم به أنفسكم، ولكن شهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل.

فقال عليّ (عليه السلام): إذا كنّا نحن كما تعرفون ولا تنكرون، وشهادتنا لأنفسنا لا تُقبل، وشهادة رسول الله لا تُقبل، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، إذا ادّعينا لأنفسنا تسألنا البيّنة؟! فما من معين يُعين، وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة ولا حجّة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون}(2). ثمّ قال لفاطمة: إنصرفي حتّى يحكُم الله بيننا وهو خير الحاكمين. قال المفضّل: قال مولاي جعفر الصّادق (عليه السلام):  كُلّ ظلامة حدثت في الإسلام أو تحدث، وكُلّ دم مسفوك حرام، ومُنكر مشهود(3)، وأمر غير محمود، فوزره في أعناقهما وأعناق من شايعهما أو تابعهما ورضي بولايتهما إلى يوم القيامة.(4)

 6- صحيح البخاري. 

بإسناده عن عائشة: إنّ فاطمة (عليها السلام) بنت النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر؟ فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا نورث ما تركناه صدقة.(5)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الإصابة: 4/415، تهذيب التهذيب: 12/459، أعلام النّساء: 1/107، اُسد الغابة: 5/567 وغيرها.

(2) الشّعراء: 227.

(3) في البحار: مشهور.

(4) الكشكول فيما جرى على آل الرّسول (صلى الله عليه وآله): 203، عنه البحار:29/194ح4.

(5) صحيح البُخاري: 5 / 177. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ صحيح البُخاري يعتبر من أهمّ المصادر والمراجع عند أبناء العامّة، وقد جاء فيه وفي عدّة مواضع حديث إيذاء الزّهراء(عليها السلام) ومنع الأوّل إرثها في فدك، فقد جاء في كتاب الخمس والوصايا والمواريث وفي المغازي ـ في باب غزوة خيبرـ فراجع وانصف.


الصفحة 84

وورد في صحيح البخاري أيضاً، بإسناده عن عروة بن الزّبير: إنّ عائشة أخبرته: إنّ فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقسّم لها ميراثها، ما ترك رسول الله ممّا أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله قال: لا نورث ما تركناه صدقة! فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة ـ إلى أن قال ـ: فأمّا خيبر وفدك فأمسكهما عمر.(1)

7ـ مُسند أحمد بن حنبل.

بإسناده عن أبي سلمة: إنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا متّ؟ قال: ولدي وأهلي. قالت: فما لنا لا نرث النّبيّ (صلى الله عليه وآله)؟!(2)

 8- مُسند فاطمة (عليها السلام) للسّيوطي. 

عن عمر بن الخطّاب، قال: لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم ; فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر معها عليّ، فقالت: ميراثي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي. فقال أبو بكر: من الرّثة، أو من العقد؟ قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك

ـــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البُخاري: 4 / 96 (دار إحياء التّراث العربي) صحيح مُسلم: 5/25 وجامع الاُصول: 10 / 386.

(2) مسند أحمد.: 1 / 13.


الصفحة 85

 إذا متّ. فقال أبو بكر: أبوك ـ والله ـ خير منّي، وأنت خير من بناتي، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا نورث!(1)

9- السّنن الكُبرى للبيهقي. 

بإسناده عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة (مثله).(2)

10- تاريخ الطّبري.

بإسناده عن عروة، عن عائشة: إنّ فاطمة (عليها السلام) والعبّاس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: أما أنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا نورث، ما تركناه فهو صدقة، إنّما يأكل آل مُحمّد من هذا المال وإنّي ـ والله ـ لا أدع أمراً رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنعه إلاّ صنعته. قال: فهجرته فاطمة، فلم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت. فدفنها عليّ ليل(3)، ولم يؤذن بها أبا بكر.(4)

 11 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المُعتزلي.  

بإسناده عن أبي صالح، عن مولى اُمّ هانئ، قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استُخلف، فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها، فقالت له: لئن مُتّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي وأهلي. قالت: فلمَ وَرثتَ أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون ولده وأهله؟! قال: فما فعلتُ يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالــت: بلى، إنّك عـمدت

ـــــــــــــــــــــــ

(1) مسند فاطمة(عليها السلام) للسّيوطي: ص 15 ح 15، وروى ابن سعد في الطّبقات الكُبرى: 2 / 315 (مثله).

(2) السّنن الكُبرى: 6 / 300.

(3) أُنظر موضوع وصيّتها (عليها السلام) بأن تدفن ليلاً وإخفاء قبرها الشّريف.

(4) تاريخ الطّبري: 3 / 208.


الصفحة 86

إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من السّماء فرفعته عنّا.(1)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة: 16 / 232، ورواه الجوهري في السّقيفة وفدك: 116.

أقول: وسؤالها صلوات الله عليها الأوّل فدكاً، وردّه بذريعة مُختلقة من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا نورث مرويّ في كتب الفريقين بأسانيد وألفاظ مُختلفة، ونكتفي بهذا العدد من الأحاديث ففيه كفاية لاُولي الألباب. ولعلّ من الطّريف أيضاً أن نذكر ما رواه الجوهري في السّقيفة وفدك: 10، عنه شرح النّهج: 16 / 218 بإسناده عن أبي الطّفيل، قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله؟! قال: بل أهله. وهذه شهادة كبيرة يدان بها الأوّل. فهو أقرّ بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يورث وأنّ ما افتراه وأدعاه أوّلاً ـ بإنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله) لا يورث ـ باطل

 

 

 

 

التالي

السابق