التالي

السابق

ظلامات فاطمة الزهراء عليها السلام ـ ط 4

 

 

 

الصفحة 117

الفصل الثّاني

ظلامتها (عليها السلام) في الهجوم على دارها وإحراق بابها

 


الصفحة 118


الصفحة 119

أقوال العُلماء من الفريقين في الهجوم

على بيت فاطمة (عليها السلام) وإحراق بابها

أخي القاريء، إذا استعرت نيران الحسد، وتأجّج اُوار الحقد والضّغينة لدى شخص ما ـ والعياذ بالله ـ احترقت كُلّ القيم والمعايير والالتزامات بلهيب الحمق والطّيش، وسقط في هاوية الكُفر، واندفع لإتيان أخسّ الأعمال; وكان مع الشّياطين، وهذا عين ما فعل أولئك الأرجاس، عندما هجموا على دار فاطمة (عليها السلام) وجمعوا الحطب الجزل لحرق تلك الباب المُباركة، والتي طالما شرّفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده المُقدّسة، وكثيراً ما وقف أمامها مُسلّماً على أهلها مُحيّيهم، وداعياً لهم {في بُيُوت أذن اللهُ أن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيها اسمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوّ وَالآصال}(1).

فإذا كانت هذه حُرمة الدّار والباب، وتلك مكانة أصحابها، فما سيكون تقييمك -أخي القارئ- لمن أحرق تلك الباب، وروّع من احتجب خلفها، وذلك بعد أن تقف على الأخبار الآتية الّتي رواها الخاصّ والعامّ؟!

ـــــــــــــــــــــــ

(1) النّور: 36.


الصفحة 120

وإليك بعض المصادر النّاقلة لتلك الحادثة المؤلمة ـ والّتي أحدثت شرخاً بالغاً، ساهم هذا وغيره بحدوث الويلات والويلات في ضمير الأمّة الإسلاميّة، وأورثها الهوانِ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ.

 1- الشّافي للسيّد المُرتضى.

روى إبراهيم بن سعيد الثّقفي، قال: حدّثنا أحمد بن عمرو البجليّ، قال: حدّثنا أحمد بن حبيب العامريّ، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله جعفر بن مُحمّد (عليهما السلام) قال: والله، ما بايع عليّ حتّى رأى الدّخان قد دخل بيته.(1)

 2- تلخيص الشّافي للشّيخ الطّوسي.

مثله.(2)

 3- تفسير العيّاشي.

عن الصّادقين (عليهما السلام):... فقامت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحول بينه ـ أي قُنفذ ـ وبين عليّ (عليه السلام) فضربها، فانطلق قُنفذ وليس معه عليّ (عليه السلام) فخشي أن يجمع عليّ (عليه السلام) النّاس. فأمر بحطب، فجُعل حوالي بيته، ثمّ انطلق عمر بنار، فأراد أن يحرق على عليّ (عليه السلام) بيته، وعلى فاطمة والحسن والحُسين صلوات الله عليهم.(3)

ــــــــــــــــــــــــ

(1) يأتي في الباب الثّاني في كلمة السيّد علم الهُدى. وإبراهيم بن سعيد الثّقفي ـ الرّاوي لهذا الحديث ـ هو المحدّث الكبير صاحب كتاب الغارات، رواه في كتاب آخر له هو كتاب السّقيفة، وأسفاً إذ لم يصلنا هذا الكتاب

(2) تلخيص الشّافي: 3 / 76.

(3) تفسير العيّاشي: 2 / 307 عنه البحار: 28/231.


 الصفحة 121

 4- الهداية الكُبرى للخصيبي.

حدّثني مُحمّد بن إسماعيل، وعليّ بن عبد الله الحسنيّان، عن أبي شعيب مُحمّد بن نصير، عن عمر بن فُرات، عن مُحمّد بن المفضّل، عن المفضّل ابن عمر، قال: سألت سيّدي، أبا عبد الله، جعفر بن مُحمّد الصّادق (عليه السلام) - في حديث - إلى أن قال الصّادق (عليه السلام): ثمّ تبتدئ فاطمة (عليها السلام) وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر، وأخذ فدك منها... وتقصّ عليه قصّة أبي بكر، وإنفاذه خالد بن الوليد، وقنفذ، وعمر بن الخطاب، وجمع النّاس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة... وجمع الحطب الجزل على الباب، لإحراق بيت أمير المؤمنين والحسن والحُسين وزينب واُمّ كلثوم وفضّة (عليهم السلام) وإضرامهم النّار على الباب، وخُروج فاطمة (عليها السلام) إليهم، وخطابها من وراء الباب، وقولها: ويحك ياعمر! ماهذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! تريد أن تقطع نسله من الدّنيا وبقيّته، وتطفئ نور الله، والله مُتمّ نوره؟!

وانتهاره لها، وقوله لها: يا فاطمة، كفّي فليس مُحمّد حاضراً، ولا الملائكة تأتيه بالأمر والنّهي والوحي من عند الله، وما عليّ إلاّ كأحد المُسلمين، فاختاري إن شئت خُروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً!! فقالت ـ وهي باكية ـ: اللهمّ! إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد اُمّته علينا، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المُنزل على نبيّك المُرسل. فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقات النّساء! فلم


الصفحة 122

يكن الله ليجمع لكم النّبوّة والخلافة!! فأخذت النّار في خشب الباب، وأدخل قُنفذ ـ لعنه الله ـ يده، يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسّوط على عضدها، حتّى صار كالدّملج الأسود، وركل الباب برجله حتّى أصاب الباب بطنها، وهي حامل بمُحسن لستّة أشهر، وإسقاطها إيّاه، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقه خدّها حتّى بدا قرطها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: يا أبتاه! يا رسول الله! ابنتك فاطمة تُكذّب، وتُضرب ويُقتل جنين في بطنها... الخبر.(1)

 5- علم اليقين في اُصول الدّين للفيض الكاشاني.

ثمّ إنّ عمر جمع جماعة من الطّلقاء والمُنافقين، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) فوافوا بابه مُغلقاً، فصاحوا به: أخرج يا عليّ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك. فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب، وجاءوا بالنّار ليضرموه، فصاح عمر، وقال: والله، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنّّار! فلمّا عرفت فاطمة (عليها السلام) أنّهم يحرقون منزلها، قامت وفتحت الباب... الخبر.(2)

 6- بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي.

أجاز لي بعض الأفاضل في مكّة زاد الله شرفها رواية هذا الخبر، وأخبرني أنّه أخرجه من الجزء الثّاني من كتاب دلائل الإمامة، وهذه

ــــــــــــــــــــــــ

(1) الهداية الكُبرى: 392، عنه حلية الأبرار: 5 / 390 ضمن ح 1، وأخرجه المجلسي في البحار: 53 / 17 - 19 عن بعض مؤلّفات أصحابنا.

(2) يأتي الحديث بتمامه في باب أقوال العُلماء والفُقهاء المُتقدّمين، في كلمة الفيض الكاشاني.


الصفحة 123

صورته: حدّثنا أبو الحُسين مُحمّد بن هارون بن موسى التّلعكبري، قال: حدّثنا أبي (رحمه الله) قال: حدّثنا أبو عليّ مُحمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن مُحمّد بن مالك الفزاريّ الكُوفي، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن سنان الصّيرفي، عن جعفر بن عليّ الجواد، عن الحسن بن مسكان، عن المفضّل ابن عمر الجعفي، عن جابر الجُعفي، عن سعيد بن المُسيّب، قال- في حديث طويل يذكر فيه وصيّة عمر بن الخطاب، وفيها -: أتيت دار عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحُسين، وابنتيهما زينب واُمّ كلثوم، والأمة المدعوّة بفضّة، ومعي خالد بن الوليد وقُنفذ، مولى أبي بكر، ومن صحب من خواصّنا، فقرعت الباب عليهم قرعاً شديداً، فأجابتني الأَمة، فقُلت لها: قولي لعليّ دع الأباطيل... فقالت: إنّ أمير المؤمنين عليّاً مشغول، فقُلت: خلّي عنك هذا، وقولي له يخرج، وإلاّ دخلنا عليه وأخرجناه كُرهاً. فخرجت فاطمة، فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيّها الضآلّون المُكذّبون! ماذا تقولون؟! وأيّ شيء تريدون؟ فقُلت: يافاطمة! فقالت فاطمة: ماتشاء يا عمر؟! فقُلت: ما بال ابن عمّك قد أوردك للجواب، وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت لي: طغيانك ياشقيّ أخرجني، وألزمك الحجّة وكُلّ ضالّ غويّ!! فقُلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النّساء، وقولي لعليّ يخرج لا حبّ ولا كرامة. فقالت: أبحزب الشّيطان تخوّفني ياعمر؟! وكان حزب الشّيطان ضعيفاً.


الصفحة 124

فقُلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل، وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت، وأحرق من فيه، أو يقاد عليّ إلى البيعة! وأخذت سوط قُنفذ فضربتها، وقُلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلمّوا في جمع الحطب، فقُلت: إنّي مضرمها. فقالت: يا عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ أمير المؤمنين. فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته فتصعّب عليّ، فضربت كفّيها بالسّوط، فآلمها. فسمعت لها زفيراً وبُكاءً، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب!! فذكرت أحقاد عليّ وولوغه في دماء صناديد العرب، وكيد مُحمّد وسحره!!! فركلت الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترّسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه! يارسول الله! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك؟! آه، يافضّة! إليكِ فخذيني، فقد والله، قتل ما في أحشائي من حمل. وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب، ودخلت، فأقبلت إليّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض. وخرج عليّ، فلمّا أحسست به أسرعت إلى خارج الدّار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم! ـ وفي رواية اُخرى: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي ـ وهذا عليّ قد برز من البيت ومالي ولكم جميعاً به طاقة. فخرج عليّ، وقد ضربت يديها إلى ناصيتها، لتكشف عنها، وتستغيث بالله العظيم مانزل بها، فأسبل عليّ عليها ملاءتها وقال لها: يا بنت رسول الله، إنّ الله بعث أباك


الصفحة 125

رحمة للعالمين، وأيم الله، لئن كشفت عن ناصيتك سائلةً إلى ربّك ليهلك هذا الخلق لأجابك، حتّى لا يبقي على الأرض منهم بشراً؛ لأنّك وأباك أعظم عند الله من نوح الذي غرق من أجله بالطّوفان جميع من على وجه الأرض وتحت السّماء، إلاّ من كان في السّفينة، وأهلك قوم هود بتكذيبهم له، وأهلك عاداً بريح صرصر، وأنت وأبوك أعظم قدراً من هود. وعذّب ثمّود وهي اثنا عشر ألفاً بعقر النّاقة والفصيل، فكوني يا سيّدة النّساء، رحمةً على هذا الخلق المنكوس، ولا تكوني عذاباً.

واشتدّ بها المخاض، ودخلت البيت، فأسقطت سقطاً سمّاه عليّ مُحسناً. وجمعت جمعاً كثيراً لا مكاثرة لعليّ، ولكن ليشدّ بهم قلبي، وجئت وهو مُحاصر، فاستخرجته من داره مُكرهاً مغصوباً، وسقته إلى البيعة سوقاً. وإنّي لأعلم علماً يقيناً لاشكّ فيه، لو اجتهدت أنا وجميع من على الأرض جميعاً على قهره ما قهرناه، ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها ولا أقولها...(1)

 7- نوائب الدّهور للعلاّمة السّيّد الميرجهاني.

لمّا اُوقف عليّ (عليه السلام) ـ بعد إخراجه من داره تكلّم ـ فقال:

أيّتها الغدرة الفجرة، والنّطفة المذرة، والبهيمة السّائمة، نهضتم على أقدامكم، وشمّرتم للضّلال عن ساعدكم، تبغون بذلك النّفاق، وتحبّون مراقبة الجهل والشّقاق، افظننتم أنّ سيوفكم ماضية ونفوسكم واعية؟!

ــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: 8 / 220، عنه كتاب فاطمة الزّهراء بهجة قلب المُصطفى (صلى الله عليه وآله): 553.


 الصفحة 126

ألا ساء ماقدّمتم لأنفسكم أيّتها الأوْقة! المُتشتّتة بعد اجتماعها، والمُلحدة بعد انتقاعها، وأنتم غير مُراقبين ولا من الله بخائفين، أجل والله، ذلك أمر أبرزته ضمائركم، وأضربت عن محصنه خبث سرائركم، فاستبقوا أنتم الجزل بالباطل فتندموا، ونستبق نحن الحقّ فيهدينا ربّنا سواء السّبيل، وينجز لنا ماوعدنا من الصّبر الجميل، وما ربّك بظلاّم للعبيد. فدحضاً دحضاً! وشوهةً شوهةً لنفوسكم! الّتي رغبت بدنيا طالما حذّركم رسول الله عنها، فعلقتم بأطراف قطيعتها، ورجعتم مُتسالمين دون جديعتها، زهدت نفوسكم الأمّارة في الآخرة الباقية، ورغبت نفوسنا فيما زهدتم فيه، والموعد قريب، والرّبّ نعم الحاكم، فاستعدّوا للمسألة جواباً، ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً. أو تضرب الزّهراء نهراً! ويؤخذ منّا حقّنا قهراً وجبراً! فلا نصير ولا مُجير، ولا مَسعَد ولا منجد؟! فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه، فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطّاهرة البرّة. فتبّاً تبّاً! وسحقاً سحقاً! ذلك أمر إلى الله مرجعه، وإلى رسول الله مدفعه، فقد عزّ على ابن أبي طالب أن يسودّ متن فاطمة ضرباً، وقد عرف مقامه وشوهدت أيّامه، فلا يثور إلى عقيلته، ولا يصرّ دون حليلته، فالصّبر أيمن وأجلّ، والرّضا بما رضي الله أفضل، لكيلا يزول الحقّ عن وقره، ويظهر الباطل من وكره، حتّى ألقى ربّي، فأشكو إليه مارتكبتم من غصبكم حقّي، وتماطلكم صدري، وهو خير الحاكمين وأرحم الرّاحمين، وسيجزي الله الشّاكرين، والحمد لله ربّ العالمين.(1)

ــــــــــــــــــــــــ

(1) نوائب الدّهور: 3 / 157 نقلاً عن كتاب الصّوارم الحاسمة في تاريخ أحوال الزّهراء فاطمة (عليها السلام) لمحمّد الرّضا الحُسيني الكمالي الاسترابادي. 


الصفحة 127

8- روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشّحنة.

قال: إنّ عمر جاء إلى بيت عليّ ليحرّقه على من فيه، فلقيته فاطمة، فقال: ادخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة!(1)

 9- كتاب سُليم بن قيس الهلالي.

عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي، قال:...فقال عمر لأبي بكر: مايمنعك أن تبعث إليه فيُبايع، فإنّه لم يبق أحد إلاّ قد بايع غيره، وغير هؤلاء الأربعة؟ وكان أبو بكر أرقّ الرّجلين، وأرفقهما، وأدهاهما، وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما، وأجفاهما. فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قُنفذاً ـ وهو رجل فظّ، غليظ، جاف، من الطّلقاء، أحد بني عديّ بن كعب ـ فأرسله إليه، وأرسل معه أعواناً. وانطلق، فاستذن على عليّ (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قُنفذ إلى أبي بكر وعمر ـ وهما جالسان في المسجد والنّاس حولهما ـ فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن إذن لكم وإلاّ فادخلوا عليه بغير إذن!! فانطلقوا فاستأذنوا. فقالت فاطمة (عليها السلام): اُحرّج عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن. فرجعوا، وثبت قُنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر، وقال: مالنا وللنّساء!. ثمّ أمر اُناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب، وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل عليّ وفاطمة وابناهما. ثمّ نادى عمر حتّى

ــــــــــــــــــــــــ

(1) روضة المناظر (مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير) عنه مظلوميّة الزّهراء (عليها السلام) للسيّد عليّ الميلاني: 64.


الصفحة 128

 أسمع عليّاً وفاطمة (عليهما السلام): والله، لتخرجنّ ياعليّ، ولتبايعنّ خليفة رسول الله! وإلاّ أضرمت عليك النّار!! فقالت فاطمة (عليها السلام): ياعمر! ما لنا ولك؟! فقال: افتحي الباب، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم!! فقالت: ياعمر! أما تتّقي الله! تدخل عليّ بيتي!!! فأبى أن ينصرف، ودعا عمر بالنّار، فأضرمها في الباب، ثمّ دفعه فدخل... الخبر.(1)

وكذا نقل أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال:

كنت عند عبد الله بن عبّاس في بيته، ومعنا جماعة من شيعة عليّ (عليه السلام) فحدّثنا، فكان فيما حدّثنا أن قال: يا إخوتي، توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم توفّي فلم يوضع في حفرته حتّى نكث النّاس وارتدّوا، وأجمعوا على الخلاف... فانطلق قُنفذ، فأخبر أبا بكر، فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً، فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب، قد عصّبت رأسها، ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل عمر حتّى ضرب الباب، ثمّ نادى: يابن أبي طالب، افتح الباب. فقالت فاطمة (عليها السلام): ياعمر! أما تتّقي الله عزّ وجلّ، تدخل عليَّ بيتي وتهجم على داري؟! فأبى أن ينصرف. ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثمّ دفعه فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه! يا رسول الله!....(2)

ــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2 / 584 ضمن ح 4.

(2) المصدر السّابق: 2 / 864 ضمن ح 48.


الصفحة 129

10- الغرر لابن خيزرانة(1).

قال زيد بن أسلم: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت، وإلاّ أحرقته ومن فيه! قال: وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحُسين وجماعة من أصحاب النّبيّ (صلى الله عليه وآله) فقالت فاطمة: تحرق عليّ ولدي؟! فقال: أي والله! أو ليخرجنّ وليبايعنّ.(2)

 11- إثبات الوصيّة للمسعودي.

إنّ العباس «رضي الله عنه» صار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فأقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)...توجّهوا إلى منزله، فهجموا عليه وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيّدة النّساء بالباب...الخبر.(3)

 12- المجموعة الكاملة ـ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ لعبد الفتّاح عبد المقصود.

قال: سبقت الشّائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النّهار، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحمل ابن عمّ رسول

ــــــــــــــــــــــــ

(1) أُنظر ترجمته في باب أقوال العُلماء والفُقهاء المُتقدّمين في كلمة الشّهيد الثّالث، القاضي التّستري.

(2) أخرجه عنه العلاّمة الحلّي في نهج الحقّ وكشف الصّدق: 271، وأخرجه المجلسي في البحار: 28 / 339 ضمن ح59، والنّيسابوري في تشييد المطاعن وكشف الضّغائن: 234، والقزويني في كتاب فاطمة الزّهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد: 322.

(3) إثبات الوصيّة: 123.


الصفحة 130

الله ـ طوعاً وإن كرهاً ـ على إقرار ما أباه حتّى الآن. وتحدّث اُناس بأنّ السّيف سيكون وحده متن الطّاعة!...وتحدّث آخرون بأنّ السّيف سوف يلقى السّيف!...ثمّ تحدّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ النّار هي الوسيلة المُثلى إلى حفظ الوحدة، وإلى الرّضا والإقرار!...وهل على ألسنة النّاس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب، أمر به ابن الخطاب، فأحاط بدار فاطمة وفيها عليّ وصحبه، ليكون عدّة الإقناع، أو عدّة الإيقاع؟...على أنّ هذه الأحاديث جميعها، ومعها الخطط المُدبّرة أو المُرتجلة كانت كمثل الزّبد، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطاب!!! أقبل الرّجل، محنقاً مندلع الثّورة، على دار عليّ، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها، أو أوشكوا على اقتحام. فاذا وجه كوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبدو بالباب حائلاً من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر، وحنق ثائر... وتوقّف عمر من خشية، وراحت دفعته شعاعاً، وتوقف خلفه ـ أمام الباب ـ صحبه الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرّسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزّهراء، وغضّوا الأبصار، من خزي أو من استحياء... ثمّ ولّت عنهم عزمات القُلوب، وهم يشهدون فاطمة تتحرّك كالخيال، وئيد وئيداً، بخطوات المحزونة الثُكلى، فتقرب من ناحية قبر أبيها... وشخصت منهم الأنظار، وأرهفت الأسماع إليها، وهي ترفع صوتها الرّقيق الحزين النّبرات، تهتف بمُحمّد الثّاوي بقُربها، تناديه باكية مرير البُكاء: «يا أبت [يا] رسول الله! يا أبت [يا] رسول الله!...»

 

 

 

 

التالي

السابق