فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني(1) وثبوا بالمرأة على وأنا ولي أمرها، والوصي عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي(2) وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الاولى في حياة النبى صلى الله عليه وآله حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم عازبة آراؤهم، وهم جيران بدو ووراد بحر، فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالاعذار والانذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بينها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهدالله عزوجل في، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منه فكانت عليهم الدبرة،(3) وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الاغضاء والامساك ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بامساكي على ماصاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الاطراف، وسفك الدماء
(1) يعنى تلك الاماني والاطماع التي لهم في دولة الباطل من اعتقال الاموال و المرح في أرض الله.
ويعنى بالمرأة عائشة ام المؤمنين.
(2) خبط البعير الارض بيده خبطا: ضربها، ومنه قيل: خبط عشواء، وهى الناقة التى في بصرها ضعف اذا مشت لا تتوقى شيئا.
وخبطه: ضربه شديدا.
والقوم بسيفه: جلدهم.
والشجر: شدها ثم نفض ورقها.
والفيافى جمع الفيفى والفيفاء والفيفاة.
وهى المفازة لا ماءفيها، والمكان المستوى.
(3) الدبرة - بالتحريك - الادبار والهزيمة.