مستدرك سفينة البحار ج4

قلت: كيف شبّهت السراب بما رأيت في منامك من أكلك الطعام الحلو والحامض وما رأيت من الفرح والحزن ؟ قال: لأنّ السراب حيث إنتهيت إلى موضعه صار لا شيء، وكذلك صار ما رأيت في منامي حين انتبهت .
قلت: فأخبرني إن أتيتك بأمر وجدت لذّته في منامك وخفق لذلك قلبك، ألست تعلم أنّ الأمر على ما وصفت لك؟ قال: بلى . قلت: فأخبرني هل احتلمت قطّ حتّى قضيت في امرأة نهمتك عرفتها أم لم تعرفها ؟ قال: بلى، مالا اُحصيه. قلت: ألست وجدت لذلك لذّة على قدر لذّتك في يقظتك فتنتبه وقد أنزلت الشهوة حتّى تخرج منك بقدر ما تخرج منك في اليقظة ؟ هذا كسر لحجتك في السراب. قال: ما يرى المحتلم في منامه شيئاً إلاّ ما كانت حواسّه دلّت عليه في اليقظة.
قلت: ما زدت على أن قويت مقالتي وزعمت أنّ القلب يعقل الأشياء ويعرفها بعد ذهاب الحواسّ وموتها، فكيف أنكرت أنّ القلب يعرف الأشياء وهو يقظان مجتمعة له حواسّه وما الّذي عرفه إيّاها بعد موت الحواسّ وهو لا يسمع ولا يبصر ـ إلى أن قال:
يعرف أنّ القلب مدبّر الحواسّ ومالكها ورأسها والقاضي عليها، فإنّه ما جهل الإنسان من شيء فما يجهل أنّ اليد لا تقدر على العين أن تقلعها، ولا على اللسان أن تقطعه وأنـّه ليس يقدر شيء من الحواسّ أن يفعل بشيء من الجسد شيئاً بغير إذن القلب ودلالته وتدبيره، لأنّ الله تبارك وتعالى جعل القلب مدبّراً للجسد، به يسمع، وبه يبصر، وهو القاضي والأمير عليه، لا يتقدّم الجسد إن هو تأخّر، ولا يتأخّر إن هو تقدّم، وبه سمعت الحواسّ وأبصرت، إن امرها ائتمرت، وإن نهاها انتهت وبه ينزل الفرح والحزن، وبه ينزل الألم، إن فسد شيء من الحواسّ بقي على حاله، وإن فسد القلب ذهب جميعاً حتّى لا يسمع ولا يبصر .
قال: لقد كنت أظنّك لا تتخلّص من هذه المسألة وقد جئت بشيء لا أقدر على ردّه. قلت: وأنا أعطيك تصاديق ما أنبأتك به وما رأيت في منامك في مجلسك

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه