back page fehrest page next page

فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته فاجابني عن كل ما أردت ثم مرّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا نكترث لها فقال العمري : إذ أردت أن تسأل سل فانك لاتراه بعد ذا ، فذهبت لاَسأل فلم يسمع ودخل الدّار ، وما كلّمني بأكثر من أن قال : ملعون معلون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من اخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار.
25 ـ كال الدين : ج2 ص441

حدثنا أبي؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، قال : كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي الله عنه فقلت للعمري : إنّي أسألك عن مسألة كما قال الله عزّ وجل في قصة إبراهيم : « أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي » : هل رأيت صاحبي؟ فقال لي : نعم وله عنق مثل ذي ـ وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه قال : قلت : فالاسم؟ قال اياك أن تبحث عن هذا فان عند القوم ان هذا النسل قد انقطع.
26 ـ كمال الدين : ج2 ص465

حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : وجدت في كتاب أبي رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أحمد الطوال ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي الطبري ، عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن مهزيار قال : سمعت أبي يقول : سمعت جدي علي بن إبراهيم بن مهزيار يقول : كنت نائما في مرقدي إذ رأيت في ما يرى النائم قائلاً يقول لي : حجّ فانك تلقى صاحب زمانك. قال علي بن إبراهيم : فانتبهت وأن فرح مسرور ، فما زلت في الصلاة حتى انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاج فوجدت فرقة تريد الخروج ، فبادرت مع أول من خرج ، فمازلت كذلك حتى خرجوا وخرجت بخروجهم اريد


( 479 )

الكوفة ، فلما وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن آل أبي محمد عليه السلام ، فمازلت كذلك فلم أجد أثراً ، ولا سمعت خبراً ، وخرجت في أول من خرج أريد المدينة ، فلما دخلتها لم أتمالك أن نزلت على راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن الخبر وأقفوا الاَثر ، فلا خبراً سمعت ، ولا أثراً وجدت ، فلم أزل كذلك إلى أن نفر النّاس إلى مكة ، وخرجت مع من خرج ، حتى وافيت مكة ، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت أسأل عن آل أبي محمد عليه السّلام فلم أسمع خبراً ولا وجدت أثراً ، فمازلت بين الاياس والرجاء متفكراً في أمري وعائباً على نفسي ، وقد جن الليل. فقلت : ارقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لاطوف بها وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعرفني أملي فيها فبينما أنا كذلك وقد خلا لي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف ، فاذا أنا بفتى مليح الوجه ، طيّب الرائحة ، متّزر ببردة ، متشح باُخرى ، وقد عطف بردائه على عاتقه فرعته ، فالتفت إلى فقال : ممّن الرَّجل؟ فقلت : من الاَهواز ، فقال : أتعرف بها إبن الخصيب! فقلت : رحمه الله دعى فأجاب ، فقال : رحمه الله لقد كان بالنهار صائماً وبالليل قائما وللقرآن تالياً ولنا موالياً ، فقال : أتعرف بها عليّ بن إبراهيم بن مهزيار؟ فقلت : أنا عليَّ ، فقال : أهلا وسهلاً بك يا أبا الحسن. أتعرف الصريحين؟ قلت : نعم قال : ومن هما؟ قلت : محمد وموسى. ثم قال : ما فعلت العلامة التي بينك وبين أبي محمد عليه السلام فقلت : معي ، فقال : أخرجها إليَّ ، فاخرجتها إليه خاتماً حسناً على فصّه « محمّد وعلي » فلمّا رأى ذلك بكى [مليّاً ورن شجيّاً ، فأقبل يبكي بكاء] طويلاً وهو يقول : رحمك الله يا أبا محمد فلقد كنت إماماً عادلاً ، ابن ائمة وأبا إمام ، أسكنك الله الفردوس الاَعلى مع آبائك عليهم السلام.

ثم قال : يا أبا الحسن صر إلى رحلك وكن على أهبة من كفايتك حتى إذا ذهب الثلث من الليل وبقى الثلثان فالحق بنا فانّك ترى مناك [إن شاء الله]. قال ابن مهزيار : فصرت إلى راحلتي اطيل التفكر حتى اذا هجم الوقت ، فقمت الى رحلي ولصلحته ، وقدمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتى لحقت الشعب فاذا بالفتى هناك يقول : أهلا وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد اذن لك ، فسار وسرت


( 480 )

بسيره حتى جاز بي عرفات ومنى ، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف ، فقال لي : يا أبا الحسن إنزل وخذ في أهبة الصلاة ، فنزل ونزلت حتى فرغ وفرغت ، ثمَّ قال لي : خذ في صلاة الفجر وأوجز ، فأجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب ، ثمّ ركب وأمرني بالركوب فركبت ، ثم سار وسرت بسيره حتى علا الذروة فقال : المح هل ترى شيئاً؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء ، فقلت : يا سيّدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء ، فقال لي : هل ترى في أعلاها شيئاً؟ فلمحت فاذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقد نوراً ، فقال لي : هل رأيت شيئاً؟ فقلت : أرى كذا وكذا ، فقال لي : يا بن مهزيار طب نفساً وقرّ عيناً فانّ هناك أمل كل مؤمّل ، ثمَّ قال لي : انطلق بنا ، فسار وسرت حتى صار في أسفل الذروة ، ثمَّ قال : انزل فههنا يذل لك كل صعب ، فنزل ونزلت حتى قال لي : يا ابن مهزيار خل عن زمام الراحلة ، فقلت : على من أخلفها وليس ههنا أحد؟ فقال : إنّ هذا حرم لا يدخله إلا وليّ ، ولا يخرج منه إلا ولي ، فخلّيت عن الراحلة ، فسار وسرت فلما دنا من الخباء سبقني وقال لي : قف هناك إلى أن يؤذن لك ، فما كانت إلا هنيئة فخرج إليَّ وهو يقول : طوبى لك قد أعطيت سؤلك ، قال : فدخلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متكىء على مسورة أديم ، فسلّمت عليه ورد عليَّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر ، لا بالخرق ولا بالبزق ، ولا بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللاصق ، ممدود القامة ، صلت الجبين ، أزج الحاجبين ، أدعج العينين ، أقنى الاَنف سهل الخدين ، على خدّه الايمن خال فلما ان بصرت به حار عقلي في نعته ، وصفته فقال لي يا ابن مهزيار كيف خلفت إخوانك في العراق؟ قلت : في ضنك عيش وهناة ، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان فقال : قاتلهم الله أنّى يؤفكون ، كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً ، فقلت : متى يكون ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لاخلاق لهم والله ورسوله منهم براء ، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً ويخرج السروسي ، من إرمنيّة وأذربيجان يريد وراء الري الجبل الاَسود المتلاحم بالجبل الاَحمر ، لزيق جبل


( 481 )

طالقان ، فيكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم منها الكبير ، ويظهر القتل بينهما. فعندها توقّعوا خروجه إلى الزوراء ، فلا يلبث بها حتى يوافي باهات ، ثمّ يوافي واسط العراق ، فيقيم بها سنة أو دونها ، ثمَّ يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري وقعة شديدة تذهل منها العقول ، فعندها يكون بوار الفئتين ، وعلى الله حصاد الباقين.

ثم تلا قوله تعالى « بسم الله الرحمن الرحيم أتيها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كان لم تغن بالأمس » فقلت : سيّدي يا ابن رسول الله ما الاَمر؟ قال : نحن امر الله وجنوده. قلت : يا سيدي يا ابن رسول الله حان الوقت؟ قال : اقتربت السّاعة وانشق القمر.
27 ـ غيبة الشيخ : ص 152

جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبريّ ، عن أحمد بن علي الرازي قال : حدثني شيخ ورد الريّ على أبي الحسين محمد بن جعفر الاَسدي فروى له حديثين في صاحب الزمان وسمعتهما منه كما سمع وأظن ذلك قبل سنة ثلاث مائة أو قريباً منها قال : حدثني علي بن إبراهيم الفدكي قال : قال الاودي : بينا أنا في الطواف قد طفت ستة واُريد أن أطوف السابعة فاذا أنا بحلقه عن يمين الكعبة وشابّ حسن الوجه ، طيب الرائحة ، هبوب ، ومع هيبته متقرَّب إلى الناس فتكلم فلم أر أحسن من كلامه ، ولا أعذب من منطقة في حسن جلوسه ، فذهب اُكلّمه فزبرني النّاس فسألت بعضهم من هذا؟ فقال : إبن رسول الله يظهر للناس في كلّ سنة يوماً لخواصّه فيحدِّثهم [ويحدثونه] فقلت [يا سيّدي] مسترشد أتاك فأرشدني هداك الله ، قال : فناولني حصاة فحوَّلت وجهي ، فقال لي بعض جلسائه : ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت : حصاة فكشفت عن يدي ، فاذا أنا بسبيكة من ذهب.

فذهبت فاذا أنا به قد لحقني فقال : ثبتت عليك الحجّة ، وظهر لك الحق وذهب عنك العمى أتعرفني؟ فقلت : اللّهم لا ، قال : أنا المهدي أنا قائم الزمان أنا الذي


( 482 )

أمِّلاَها عدلاً كما ملئت [ظلماً و] جوراً إنَّ الاَرض لا تخلو من حجة ولا يبقى النّاس في فترة أكثر من تيه بنى إسرائيل وقد ظهر أيّام خروجي فهذه أمانة في رقبتك فحدِّث بها إخوانك من أهل الحقِّ.

ونقله في « البحار » ج52 ص1 ونقله أيضاً عن الخرائج ، وكمال الدين.
28 ـ كمال الدين : ج2 ص454

حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي ، المعروف بالكرماني ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي ، قال : حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال : حدثنا أحمد بن مسورو ، عن سعد بن عبدالله القمي قال : كنت إمرءاً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفاً باستظهار ما يصح لي من حقائقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومسغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصّباً لمذهب الامامية ، راغباً عن الاَمن والسلامة وفي إنتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمتهم ، هتّاكاً لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلاً ، وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً.

فقال ذات يوم ـ وأنا اناظره ـ : تبّا لك ولاَصحابك يا سعد إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والاَنصار بالطعن عليهم ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وامامتهما ، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما اخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علماً منه أنّ الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لاَمر التأويل والملقى إليه أزمّه الامة ، وعليه المعوَّل في شعب الصدع ، ولم الشعث ، سدّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّهاً إلى الانجحار ولم تكن الحال


( 483 )

توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله ، ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والردّ عليَّ ، ثم قال : يا سعد ودنهكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض الستم تزعمون أنّ الصديق المبرّأ من دنس الشكوك والفروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسرّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصديق والفروق أسلما طوعا أو كرهاً؟ قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الالزام وحذراً من أني إن أقررت له بطوعهما للاسلام احتج بأنّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى « فلما رأوا بأسنا قاولا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّابه مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا » وإن قلت : أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.

قال سعد : فصدرت عنه مزوراً قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب وكنت قد اتّخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرّ من رأى فلحقته في بعض المنازل فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثمّ العادة في الاَسولة قال : قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة ، فقد برّح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فانّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضى عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا.

فوردنا سرّ من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستاذنا فخرج علينا الاذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبريّ فيه مائة


( 484 )

وستون صرّة من الدنانير والدراهم ، على كل صرة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما سبّهت وجه مولانا أبي محمد عليه السّلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الاَيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردّها كيلا يضدّه عن كتابة ما أراد فسلّمنا عليه فالطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابة من طيِّ كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليه السلام إلى الغلام وقال له : يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا مولاي أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي : يا ابن إسحاق استخرج ما في الحراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها ، فأول صرّة بدأ أحمد باخراجها قال الغلام : « هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقم ، يشتمل على اثنين وستّين ديناراً ، فيها من تمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير فقال مولانا : صدقت يا بني دلّ الرجل على الحرام منها ، فقال عليه السلام : « فتش عن دينار رازي السّكة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضه آمليّة وزنها ربع دينا ، والعلّة تحريمها أنّ صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع من فأتت على ذلك مدّة وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذَّبه واستردّ منه بدل ذلك منّا ونصف من عزلاً أدق ممّا كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوباً ، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه« فلمّا فتح رأس الصرّة صادفق رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.


( 485 )

ثم أخرج صرّة أُخرى فقال الغلام : « هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا لمسها » . قال : وكيف ذاك ؟ قال : « لاَنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصّ الاكار بكيل بخس » فقال مولانا : صدقت يا بنيَّ.

ثم قال : يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها ، واتنا بثوب العجوز. قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد عليه السلام فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا. قال : والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي قال : فسل قرّة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ فقال لي الغلام : سل عمّا بدا لك منها ، فقلت له : مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل طلاق سنائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنّك قد أرهجت على الاسلام وأهلهبفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فان كففت عني غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان طلاقهن وفاته ، قال : ما لاطلاق؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فاذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خلّيت لهنَّ السبيل فلم لا يحل لهنَّ الازواج؟ قلت : لاَنّ الله تبارك وتعالى حرم الازواج عليهن ، قال : كيف وقد خلّى الموت سبيلهن؟ قلت : فأخبرني يا ابن صلى الله عليه وآله وسلم حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : إنّ الله تقدّس اسمه عظم شأن نساى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخصهنَّ بشرف الاُمهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن إنَّ هذا الشرف باق لهنَّ ما دمن لله على الطاعة ، فأيتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الاَزواج وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في عدّتها حل للزوج أن


( 486 )

يخرجها من بيته؟ قال : الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا فان المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن ارادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لاَجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله برجمة فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لاَحد أن يقر به.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى عليه السّلام «فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى » (1)فان فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ، فقال عليه السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لاَنة ما خلا الاَمر فيها من خطيئتين إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدّسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنّه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر.

قلت : فأٍّبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال : إنّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال : يا رب إنّي قد اخلصت لك المحبّة مني ، وغسلت قلبي عمّن سواك ـ وكان شديد الحب لاَهله ـ فقال الله تعالى : « اخلع نعليك » أي انزع حبّ أهلك من قبلك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل « كهيعص » قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أنّ زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعليّاً وفاطمة والحسن والاحسين سرى عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته ، وقال : «كهيعص » « فالكاف » اسم
____________

(1) سورة طه : الآية 12 .

( 487 )

كربلاء. و«الهاء » هلاك العترة. و«الياء » يزيد ، وهو ظالما للحسين عليه السلام. و«العين » عطشه. و«الصاد » صبره.

فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها النّاس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته « إلهي أتفجّع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما » ؟! ثم كان يقول : « اللهم ارزقني ولداً تقربه عيني على الكبر ، واجعله وارثاً وصيّاً ، واجعل محلّه منّي محل الحسين ، فاذا رزقتنيه فافتني بحبّه ، ثمَّ فجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده » فرزقه الله يحيى وفجّعه به. وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك ، وله قصّه طويلة.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لاَنفسهم ، قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاة أوفساد؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلّة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذي اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الام وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن ، قلت : لا ، فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المافقين ، قال الله تعالى : « واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا ـ إلى قوله ـ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم » فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعاً على الاَفسد دون الاَصلح وهو يظن أنّه الاَصلح دون الاَفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفى الصدور وما تكن الضمائر
____________

(1) الاعراف : 155 .

( 488 )

وتتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والاَنصار بعد وقع خيرة الاَنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.

ثم قال مولانا : يا سعد وحين أدعى خصمك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة إلى الغار إلا علماً منه أنّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد اُمور التأويل والملقى إليه أزمّة الامّة وعليه المعوَّل في لمَّ الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غير إلى مكان يستخفى فيه وإنّما أبات عليّاً على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إيّاه وعلمه أنّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الخلافة بعد ثلاثون سنة » فجعل هذه موقوفة على أعمار الاَربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدّاً من قوله لك : بلى ، قلت : فكيف تقول حينئذٍ : أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة من بعده لاَبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي فكان أيضاً لا يجد بداً من قوله لك : نعم ، ثمَّ كنت تقول له : فكان الواجب على رسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجهم جميعاً [على الترتيبج إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه من دونهم.

ولمّا قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لم لم تقل له : بل أسلما طمعاً وذلك بأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وفي صسائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن عواقب أِّره ، فكانت اليهود تذكر أنّ محمّداً يسلّط على العرب كما كان يختنصر سلط على بني إسرائيل ولا بدَّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل غير انّه كاذب في دعواه أنّه نبيَّ. فأتيا محمّداً فساعداه على


( 489 )

شهادة ألا إله إلا الله وبايعاه طمعاً في أن ينال كلُّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اُموره استتبّت أحواله فلمّا آيسا من ذلك تلثّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالها من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله تعالى كيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيراً كما أتى طلحة عليّاً عليه السلام فبايعاه وطمع كلُّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلمّا آيسانكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كلَّ واحد منها مصرع أشباههما من الناكثين.

قال سعد : ثمّ قال مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليهما السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت : ما أبطأك وأبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي على محمد وآل محمد ، فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.

قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أيّاماً ، فلا نرى الغلام بين يديه. فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال : ياابن رسول الله قد دنت الرّحلة واشتدّ المحنة ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على المصطفى جدّك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيّدة النساء امّك وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك وعلى الائمّة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوّك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال : فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتى استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال : يا ابن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططاً فانّك ملاق الله تعالى في صدرك هذا فخرّ أحمد مغشيّاً عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدّك إلا شرّفتني بخرقة أجعلها كفناً ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فانّك لن تعدم ما سألت ، وإنّ الله تبارك وتعالى


( 490 )

لن يضيع أجر من أحسن عملاً.

قال سعد : فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخم حمّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة ايس من حياته فيها ، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها ، ثم قال : تفرقوا عنّي هذه اللّيلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منّا إلى مرقده. قال سعد : فلمّا حان أن ينشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فاذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمد عليه السلام) وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيّتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه فانّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم. ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقّه ، وفرغنا من أمره ـ رحمه الله ـ.
29 ـ غيبة الشيخ : ص 153

بهذا الاسناد ، عن أحمد بن عليّ الرازي قال : حدثني محمد بن علي ، عن محمد بن أحمد بن خلف قال : نزلنا مسجداً في المنزل المعروف بالعباسيّة على مرحلتين من فسطاط مصر وتفرق غلمانية في النزول وبقية معي في المسجد غلام أعجمي فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح فلمّا زالت الشمس ركعت وصليت الظهر في أوّل وقتها ، ودعوت بالطعام وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني.

فلمّا طعمنا سألته عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ، فذكر أنّ اسمه محمد بن عبيدالله ، وأنه من أهل قم وذكر أنه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحق وينتقل في البلدان والسواحل وأنّه أوطن مكة والمدينة نحو عشرين سنة ، يبحث عن الاَخبار ويتتبع الآثار.

فلمّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ثمّ صار إلى مقام إبراهيم عليه السلام فركع وغلبته عينه فأنبه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله ، قال : فتأمّلت الدّاعي فاذا هو شابٌ أسمر لم أرقط في حسن صورته واعتدال قامته ثمّ صلّى


( 491 )

فخرج وسعى ، فاتّبعه وأوقع الله عزّ وجلّ في نفسي أنّه صاحب الزمان عليه السلام.

فلمّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره ، فلمّا قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه : ما تريد عافاك الله؟ فأُرعدت ووقفت وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّراً.

فلما طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الاَسود ، فخلوت بربّي عزّ وجلّ أدعوه وأسأله بحق رسوله وآله عليهم السلام أن لا يخيّب سعيي ، وأن يظره لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري.

فلمّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فبينا أنا في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني فاذا محرّك يحركني فاستيقظت فاذا أنا بالاَسود فقال : ما خبرك؟ وكيف كنت؟ فقلت : احمد الله وأذمك ، فقال : لا تفعل فانّي أمرت بما خاطبتك به ، وقد أدركت خيراً كثيراً فطب نفساً وازدد من الشكر لله عزّ وجلّ على ما أدركت وعاينت ، ما فعل فلان؟ وسمّى بعض إخواني المستبصرين ، فقلت : ببرقة ، فقال : صدقت ففلان؟ وسمّى رفيقاً لي مجتهداً في العبادة ، مستبصراً في الدّيانة ، فقلت : بالاسكندرية حتى سمّى لي عدّة من إخواني.

ثم ذكر اسماً غريباً فقال : ما فعل نقفور؟ قلت : لا أعرفه ، فقال : كيف تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصراً من قسطنطينية ثم سألني عن رجل آخر فقلت : لا أعرفه ، فقال : هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي عليه السلام امض إلى أصحابك ، فقل لهم : نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين ، وفي الانتقام من الظالمين ، وقد لقيت جماعة من أصحابي وأدّيت إليهم وأبلغتهم ما حمّلت وأنا منصرف وأشير عليك أن لا تتلبّس بما يثقل به ظهرك ، وتتعب به جسمك ، وأن تحبس نفسك على طاعة ربّك ، فانّ الامر قريب إن شاء الله.

فأمرت خازني فأحضرني خمسين ديناراً وسألته قبولها فقال : يا أخي قد حرّم الله عليّ أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه كما أحلّ لي أن آخذ منك الشيء إذا أحتجت إليه فقلت له : هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال :


( 492 )

نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بآذربيجان وقد استأذن للحجّ تأميلاً أن يلقى من لقيت فحج أحمد بن الحسين الهمداني في تلك السنة فقتله ركزويه بن مهرويه وافترقنا وانصرفت إلى الثغر.

ثم حججت فلقيت بالمدينة رجلاً اسمه طاهر من ولد الحسين الاَصغر يقال إنّه يعلم من هذا الاَمر شيئاً فثابرت عليه حتى أنس بي وسكن إليّ ووقف على صحّة عقدي فقلت له : يا ابن رسول الله بحق آبائك الطاهرين عليهم السلام لمّا جعلتني مثلك في العلم بهذا الاَمر ، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبيدالله بن سليمان بن وهب إياي لمذهبي واعتقادي وأنّه أغرى بدمي مراراً فسلّمني الله منه فقال : يا أخي اكتم ما تسمعت مني ، الخير في هذا الجبال ، وإنما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها ، وقد نهينا عن الفحص والتفتيش ، فودّعته وانصرفت عنه.

بيان : « الفنيق » الفحل المكرم من الابل لا يؤذي لكرامته على أهل ولا يركب ، والتشبيه في العظم والكبر ، ويقال « ثابر » أي واظب قوله « فقد شهد عندي » غرضه بيان أنه مضطر في الخروج خوفاً من القاسم لئلا يبطأ عليه بالخبر أو أنّه من الشيعة قد عرفه بذلك المخالف والمؤالف.
30 ـ ارشاد المفيد : ص 330

أخبرنا أبو القاسم ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي النيشابوري ، عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن أبي نصر عن طريف الخادم أنه رآه عليه السلام.
31 ـ ارشاد المفيد : ص 330

أخبرني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن حمدان القلانسي قال قلت لاَبي عمر العمري رحمه الله قد مضى أبو محمد عليه السلام فقال أبي قد مضى ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه.

back page fehrest page next page