فتنة
« متعة النساء »
    مستدرك الحاكم : عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ، قال ابن عباس : فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى ، قال ابو نضرة : فقلت ما نَقرأها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك (1) .
    الفائق : اُذن في المتعة عام الفتح . قال سبرة الجهيني : فانطلقت أنا ورجل الى امرأة شابة كأنها بكرة عَيطاء . وروي : أذن لنا رسول الله « ص » في المتعة عام الفتح ، فخرجت أنا وابن عمّ لي ومعي بُرد قد بُسّ منه ، فلقينا فتاة مثل البكرة العَنَطنَطَة ، فجعل ابن عمي يقول لها : بردي اجود من برده ، قالت : برد هذا غير مفنوخ ، ثم قال برد كبرد (2) .
    وقال الزمخشري : العَيطاء والعنطنطة الطويلة العنق . وبُسّ منه : نيل منه ونهك بالبلى . المفنوخ : المنهوك ، وفنخه اذا ذلّله .
    تاريخ الطبري : عن عمران بن سوادة قال : صليت الصبع مع عمر ... قلت : نصيحة ، فقال : مرحبا بالناصح غدوّا وعشيا ، قلت عات امتك منك اربعا ! قال : فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع اسفلها على فخذه ثم قال : هات ، قلت : ذكروا أنك حرّمت العمرة في اشهر الحج ... وذكروا أنك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقُبضة ونفارق عن ثلاث ، قال : ان رسول الله « ص » احلّها في زمان ضرورة ثم رجع الناس الى السعة ، ثم لم اعلم
1 ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 305 .
2 ـ الفائق ج 2 ص 202 .



231
احدا من المسلمين عمل بها ولا عاد اليها ، فالآن من شاء نكح بقُبضة وفارق عن ثلاث بطلاق (1) .
    أقول : قراءة ابن عباس في الآية « فما استمتعتم به منهنّ الى اجل مسمى فآتوهن اجورهن » واحلافه بنزولها كذلك صريحة في نكاح المتعة ، ولا خلاف بين المسلمين في انها كانت مباحة في زمان رسول الله « ص » ، ومن يدّعي نسخها فعليه أن يُثبت ، وما ورد من الروايات في تحريمها فهي أخبار آحاد . وأما نهي عمر : فإن كان مراده نهيا في زمان معين أو في مكان أو بقيد مخصوص يلاحظ فيها صلاح المسلمين ـ فذلك لايبعد اصلاحه وتصحيحه ، وأما اذا كان المراد التحريم والنهي في مقابل تجويز الشرع فلا اشكال في كونه بدعة واحدوثة في الدين وخلافا للكتاب والسنة الثابتة ، فلا يعتنى بها بوجه . قال رسول الله « ص » كما في ابن ماجة : وسترون من بعدي اختلافا شديدا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعضّوا عليها بالنواجذ ، واياكم والامور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة (2) .
    وليعلم أن المراد من الخلفاء الراشدين خلفاؤه في العلم والعمل الذين أوصى بهم وجعلهم أئمة وهم أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة وخزّان العلم ، وأنهم يتّبعون الكتاب وسنة رسول الله « ص » ولا يخالفون ما جاء به بأي وجه .
    مسند أحمد : عن أبي نضرة ، قلت لجابر بن عبدالله : ان ابن الزبير ينهى عن المتعة ، وان ابن عباس يأمر بها ، قال : فقال لي : على يديّ جرى الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله « ص » ومع أبي بكر ، فلما ولي عمر خطب الناس فقال : ان القرآن هو القرآن وإن رسول الله « ص » هو الرسول ، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله « ص » احداهما متعة الحج والاخرى متعة النساء (3) .
    وفي سنن البيهقي : نظيرها ، وفيها : وانا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، احداهما متعة
1 ـ تاريخ الطبري ج 5 ص 32 .
2 ـ ابن ماجة ج 1 ص 20 .
3 ـ مسند أحمد ج 1 ص 52 .



232
النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة الى أجل الا غيّبته بالحجارة ، والاُخرى متعة الحج افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم واتمّ لعمرتكم (1) .
    ويروى : عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نتمتّع على عهد رسول الله « ص » بالثوب (2) .
    ويروى : عن جابر قال : تمتعّنا متعتين على عهد النبي « ص » الحج والنساء ، فنهانا عمر عنهما فانتهينا (3) .
    سنن البيهقي : يقول البيهقي بعد نقل روايات مختلفة كما في مسلم وغيره : قال الشيخ ـ ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله « ص » ، لكنا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الاذن فيه ، ثم لم نجده اذن فيه بعد النهي حتى مضى لسبيله « ص » فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله « ص » فأخذنا به ولم نجده « ص » نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه ووجدنا في قول عمر ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما ، فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه وعلى اختيار الإفراد على غيره لاعلى التحريم (4) .
    أقول : ينبغي التنبيه على امور :
    1 ـ ان المتعة هي النكاح المنقطع التي أحلها الله في كتابه المجيد واحلها رسوله « ص » وعمل بها الأصحاب الى زمان عمر .
    2 ـ المتعة هي عقد على شرائط لازمة في النكاح الدائم في الزوج والزوجة والمهر وانتفاء الموانع ولزوم العدة ، ويفارق الدائم في تعيين الأجل .
    3 ـ قد صرّح عمر في كلماته « كانتا في عهد رسول الله وأنا احّرمهما » بأن المتعتين كانتا في عهد رسول الله « ص » جائزتين وواقعتين ، فكيف يدّعي الشيخ بأن رسول الله « ص » لمي أذن فيها بعد .
1 ـ سنن البيهقي ج 7 ص 206 .
2 ـ مسند أحمد ج 3 ص 22 .
3 ـ نفس المصدر ص 356 .
4 ـ سنن البيهقي ج 3 ص 22 .



233
4 ـ ان حكم الجواز والنهي في المتعتين على السواء « متعتان كانتا في عهد رسول الله « ص » وأنا أحرّمهما » فيكف يجوز للشيخ ان يفصل بينهما بالتحريم في الأول والتنزيه في الثاني .
    5 ـ اذا قال عمر في خطبته : بأن القرآن هو القرآن والرسول هو الرسول لم يتغيروا فكيف يصح منه القول بالتحريم والنهي .
    مسلم : باسناده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادي رسول الله « ص » فقال : ان رسول الله « ص » قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء (1) .
    وبإسناد آخر عنهما : ان رسول الله « ص » أتانا فأذن لنا في المتعة .
    ويروى : قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة ؟ فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله « ص » وأبي بكر وعمر (2) .
    ويروى أيضا : عن جابر : كنا نستمتع القُضبة من التمر والدقيق الأيام . على عهد رسول الله « ص » وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
    ويروى أيضا : عن أبي نضرة : كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ! فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله « ص » ثم نهانا عنهما عمر فلم نُعدلهما .
    ويروى أيضا : عن سبرة ، قال : أذن لنا رسول الله « ص » بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل الى امرأة من بني عامر ... فمكثت معها ثلاثا ، ثم ان رسول الله « ص » قال : من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها .
    ويروى أيضا : عن سبرة ، قال : أذن لنا رسول الله « ص » عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها .
    أقول : في حاشية الكتاب ـ عام أوطاس هو عام الفتح وهو واد بديار هوازن ،
1 ـ مسلم ج 4 ص 130 .
2 ـ نفس المصدر ص 131 .



234
وقوله ثلاثا أي ثلاث ليال ـ انتهى . فالمراد من النهي عنها بقرينة لحن هذه الرواية وبصراحة روايات اخرى هو النهي ، عن جهة الزمان وعدم اقتضاء ايام الحرب الترخيص اكثر من ثلاث ليال ، فلادلالة فيها على النهي المطلق وتحريم اصل العمل ، كما لا يخفى .
    ويروى ايضا : باسناده عن قيس ، قال : سمعت عبد الله « هو ابن مسعود » يقول : كنّا نغزو مع رسول الله « ص » ليس لنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب الى أجل ، ثم قرأ عبدالله يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين (1) .
    سنن البيهقي : يروى روايات قريبة منها (2) .
    ويروى ان عبدالله بن الزبير قام بمكة فقال : ان اناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة ، يُعرّض برجل ، فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين « يريد رسول الله « ص » » فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك باحجارك (3) .
    قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله انه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة ؟ فأمره بها ، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : مهلا ! قال : ما هي والله لقد فعلت في عهد امام المتقين ، قال ابن أبي عمرة : انها كانت رخصة في أول الاسلام لمن اضطرّ اليها كالميتة والدم ولحمن الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها .
    أقول : لا يخفى على الخبير أن الترخيص ان كان متوقّفا على الاضطرار فلا يقيّد بزمان ولا معنى لتخصيصه بأول الاسلام .
    وايضا لا معنى للتحريم والنهي عن العمل الاضطراريّ فإنه يرتفع التكليف في
1 ـ نفس المصدر السابق ص 130 .
2 ـ سنن البيهقي ج 7 ص 200 .
3 ـ مسلم ج 4 ص 133 .



235
حال الاضطرار ، ويثبت اذا انتفى الموضوع ..
    ثم انه يلزم على هذا الفرض ان يثبت الحكم التحريميّ للموضوع أولا وبالذات كما في الميتة والدم ، ثم يستثنى منه مورد الاضطرار لا بالعكس .
    ورابعا ـ قد ثبت الجواز في زمان النبي « ص » فالتقييد بحال الاضطرار أو التحريم بعده يحتاج الى دليل قطعيّ ، ولم يثبت .
    ويروى : باسناد عن علي بن أبي طالب : ان رسول الله « ص » نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية (1) .
    ويروى : بمثلها بأسانيد أخرى .
    أقول : هذا النهي من جهة خصوصية زمان معين لا من جهة أصل الموضوع ، وقد ثبت التجويز في عام الفتح بعد عام خيبر .
    ابن ماجة : عن ابن عمر : قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : ان رسول الله « ص » أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرّمها ، والله لا أعلم احدا يتمتع وهو مُحصِن الا رجمته بالحجارة الا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله « ص » أحلها بعد إذ حرّمها (2) .
    أقول : يعترف الخطيب بأن رسول الله « ص » أحلها وحكم بحلّيتها ثلاث مرات أو ثلاث ليال ، فتثبت الحلية . وأما نفيها والتحريم بعد ، فيحتاج الى الاثبات . ثم ان غاية ما يمكن أن نقول هنا : ان حلية المتعة يتوقف على شرائط ، وإذا فقدت الشرايط المأخوذة فتلحقها الحرمة والممنوعية ، والا فلا معنى للتحليل ثم التحريم مرة بعد مرة .
    والحاصل من هذه الروايات الشريفة أن المتعة كانت واقعة في زمان رسول الله « ص » بل الى زمان عمر ، وتدل عليه الآية الشريفة ـ فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن ـ ولا سيما على قراءة ابن عباس .
    ولما كانت الأحكام الشرعية تعبّدية وتوقيفيّة صرفة لا يجوز لنا أن نصرف
1 ـ مسلم ج 4 ص 134 .
2 ـ ابن ماجة ج 1 ص 605 .



236
عنها ونبدلها بوجه من الوجوه ، وليس لأحد أن يغيّر حكم الله ويحرّف كلمات الله عن مواضعها بعقله الضعيف وادراكه المحدود وفهمه الناقص . ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين .
    ويلزم أن يتوجه المسلم الغيور المتعبد بأن تحليل المتعة ليس بمعنى التجويز على الاطلاق ، بل له شرائط وآداب لازمة ازيد من شرائط النكاح الدائم ، من رعاية حقوق المرأة وحفظ حرمتها والتوجه الى حياتها الاجتماعية ، وعدم ايجاب هذا الامر مضيقة لها في معاشها وابتلاء في امورها المستقبلة والتدبير في ما يرتبط بحمل المرأة ووضع الولد وتربيته ، وهذا ابتلاء ما أعظمه ، فاذا لم تراع هذه الشرائط : تكون حراما بالعنوان الثانويّ .