ويروى أيضا : قال عليّ لعبيدالله بن عمر : ما ذنبُ بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها فكان رأي عليّ حين استشاره عثمان ورأيُ الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه .
    ويروى عن ابن جريح : ان عثمان استشار المسلمين فأجمعوا على ديتهما ولا يُقتل بهما عبيدالله بن عمر ، وكانا قد أسلما وفرض لهما عمر ، وكان علي بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيدالله بن عمر فهرب منه الى معاوية ، فلم يزل معه فقتل بصفين (1) .
    الاستيعاب : ان عبيدالله قتل الهُرمزان بعد أن أسلم ، وعفا عنه عثمان ، فلما وليّ عليّ خشي على نفسه فهرب الى معاوية فقتل بصفين (2) .
    أقول : قال الله تعالى ـ ان النفس بالنفس ـ ولا يجوز لحاكم أن يعفو عن قصاص وأن يترك قاتلا ، مع أن عليا « ع » حكم بقتله وهو مع الحق أين ما دار ، وهو أقضى الأمة .

« ومن الوقائع في زمانه »
    صلته لأقربائه وتوانيه في أمورهم وبذل الأموال لهم .
    الطبقات : عن الزهري : فلما وليهم عثمان لأن لهم ووصلهم ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّت الأواخر ، وكتب لمروان بخُمس مصر ، وأعطى أقرباءه المال ، وتأوّل في ذلك الصلة التي أمر بها ، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال ، وقال : أن ابابكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما واني أخذته فقسّمته في اقربائي ، فأنكر الناس عليه ذلك (3) .
    ويروى أيضا عن المسور : سمعت عثمان يقول : أيها الناس ان ابابكر وعمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما ، وإني تأولت فيه صلة رحمي .
1 ـ الطبقات ج 5 ص 17 .
2 ـ الاستيعاب ج 3 ص 1012 .
3 ـ الطبقات ج 3 ص 64 .



269
    أقول : الأموال التي تدّخر في بيت المال يجب أن تصرف في الله وفي فقراء المسلمين وفي حفظ نظامهم ، وليس للحاكم أن يصرفها كيف يشاء وفيما يشاء !
    مسند أحمد : عن سالم قال : دعا عثمان ناسا من أصحاب رسول الله « ص » فيهم عمار بن ياسر ، فقال : إني سائلكم وإني أحب أن تصدقوني ، نشدتكم الله أتعلمون أنّ رسول الله « ص » كان يُؤثر قريشا على سائرالناس ويُؤثر بني هاشم على سائر قريش ؟ فسكت القوم . فقال عثمان : لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم (1) .
    أقول : ان لأقرباء الرسول وذريته احكام وحقوق خاصة في القرآن ليست لغيرهم ، ولايقاس بهم أحد .

« ومن الوقائع في زمانه »
    انصراف المهاجرين والأنصار عنه ، وطعنهم فيه .
    الاستيعاب : كان اجتماع بني مخزوم الى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب ، حتى انفتق له فتق في بطنه ، ورغموا وكسروا ضلعا من أضلاعه ، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات ، لاقتلنا به أحدا غير عثمان (2) .
    البدء والتاريخ : فحنق بنو مخزوم لضربه عمار ، وحنق بنو زهرة لحال عبدالله بن مسعود وحنق بنوغفار لمكان أبي ذر الغفاري ، وكان أشد الناس طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وعائشة ، وخذلته المهاجرون والأنصار ، وتكلّمت عائشة في أمره وأطلعت شعرة من شعر رسول الله « ص » ونعله وثيابه وقالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم ؟ فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال وغضب حتى ما كاد يدري ما يقول ، فقال عمرو بن العاص : سبحان الله ! وهو يريد أن يحقق طعن الناس على عثمان ، فقال الناس : سبحان الله ! (3) .
1 ـ مسند أحمد ج 1 ص 62 .
2 ـ الاستيعاب ج 3 ص1136 .
3 ـ البدء والتاريخ ج 5 ص 205 .



270
    اقول : ومن العجب قيام طرحة والزبير وعائشة في البصرة ، قيام عمرو بن العاص في الشام ، يريدون ثار لعثمان من أميرالمؤمنين علي « ع » .
    انظر عدة روايات في قول عمرو بن العاص فيه :
    الاستيعاب : فلما ولّى عثمان عبدالله بن سعد مصر وعزل عنها عمرو بن العاص جعل عمرو يطعن على عثمان أيضا ويُؤلّب عليه ويسعى في إفساد امره فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال : إني اذا نكأتُ قرحة أدميتُها (1) .
    الطبقات : عن علقمة قال عمرو بن العاص لعثمان وهوعلى المنبر : يا عثمان ! انك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمر فتُب وليتوبوا معك ، قال فحوّل وجهه الى القبلة فرفع يديه فقال : اللهم اني استغفرك وأتوب اليك ، ورفع الناس أيديهم (2) .
    ويروى أيضا عن سعد قريبا منها .
    تاريخ الطبري : فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيُؤلبه على عثمان ويأتي الزبير مرة فيُؤلبه على عثمان ويأتي طلحة مرة فيُؤلبه على عثمان ، ويعترض الحاج فيُخبرهم بما أحدث عثمان ، فلما كان حضر عثمان ؛ الأول خرج من المدينة حتى انتهى الى ارض له بفلسطين ... حتى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو ما فُعل بالرجل يعني عثمان ؟ قال : قتل . قال : أنا ابوعبدالله اذا حككتُ قرحة نكأتها ان كنت لأحرض عليه حتى اني لاحرّض الراعي في غنمه في رأس الجبل ، فقال له سلامة بن روح : يا معشر قريش أنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه فما حملكم على ذلك ؟ فقال : اردنا أن نُخرج الحق من حافرة الباطل وأن يكون الناس في الحق شرعا سواء (3) .
1 ـ الاستيعاب ج 3 ص 919 .
2 ـ الطبقات ج 3 ص 69 .
3 ـ تاريخ الطبري ج 5 ص 108 .



271
    البدء والتاريخ : وانتقضت الاسكندرية في أيام عثمان فافتتحها عمرو بن العاص وبعث بسبيها الى المدينة ، فردّهم عثمان الى ذمتهم لأنهم كانوا صلحا ولأن الذريّة لم تنقض العهد ، فهذا بدؤ الشر بين عثمان وعمرو ، فانتزعه من مصر ، وأمّر عليها عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخاه لأمة (1) .
    احتقد عليه : أمسك عداوته ، يتربّص الفرصة . والتأليب : التجمع والفساد .

« وأما معونة علي « ع » في قتله »
    الاستيعاب : عن ابي جعفر الأنصاري قال : دخلت المسجد فاذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء ، فقال : ويحك ما وراءك ؟ قلت قد والله فُرغ من الرجل ( يريد عثمان ) ! فقال : تبا لكم آخر الدهر ! فنظرت فاذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (2) .
    عقد الفريد : وقال عليّ لابنيه : كيف قُتل اميرالمؤمنين وأنتما على الباب ؟ ورفع يده فلظم الحسين وضرب صدر الحسن وشتم محمد بن طلحة ولعن عبدالله بن الزبير ، ثم خرج علي وهو غضبان يرى أن طلحة أعان عليه ، فلقيه طلحة فقال : مالك يا اباالحسن ضربت الحسن والحسين ؟ فقال :عليك وعليهما لعنة الله ، يُقتل اميرالمؤمنين ورجل من أصحاب النبي « ص » بدّريّ ، ولم تقم بيّنة ولا حجّة فقال طلحة : لو دفع مروان لم يُقتل (3) .
    ويروى : قال عليّ بن أبي طالب على المنبر والله لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لادخلُتها أبدا ، ولئن لم يدخل النار إلا من قتل عثمان لادخلتها أبدا (4) .
    أقول : راجع في تأييد هذا الفصل الفصول الآتية .
    الطبقات : عن عمرو بن الأصم قال : كنت فيمن أرسلوا من جيش ذي
1 ـ البدء والتاريخ ج 5 ص 198 .
2 ـ الاستيعاب ج 3 ص 1047 .
3 ـ عقد الفريد ج 4 ص 291 .
4 ـ عقد الفريد ص 302 ج 4 .



272
خُشب ، قال : فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله « ص » واجعلوا آخر من تسألون عليا ، أنُقدم ؟ قال فسألناهم فقالوا : أقدِموا ، إلا عليا قال لا آمركم ، فإن أبيتم فبيض فليُفرخ (1) .
    ويروى أيضا : بعث عثمان الى عليّ يدعوه وهو محصور في الدار ، فأراد أن يأتيه فتعلّقوا به ومنعوه ، قال : فحلّ عمامة سوداء على رأسه وقال : هذا ، أو قال : اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به ، والله لا أرضى قتله ولا آمر به (2) .
    مستدرك الحاكم : عن قيس بن عباد قال : شهدت عليا « رض » يوم الجمل وانكرت نفسي ، وأرادوني على البيعة فقلت : والله إني لأستحيي من الله ان أبايع قوما قتلوا رجلا ... الحديث (3) .
    قال الحاكم : قد ذكرت الأخبار المسانيد في هذا الباب في كتاب مقتل عثمان ، فلم أستحسن ذكرها عن آخرها في هذا الموضع فإن في هذا القدر كفاية ، فأما الذي ادعته المبتدعة من معونة اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب على قتله فإنه كذب وزور فقد تواترت الأخبار بخلافه .
    ويروى : عن ميمون بن مهران : ان علي بن أبي طالب « ر ض » قال : ما يسرّني أن اخذت سيفي في قتل عثمان وان لي الدنيا ما فيها (4) .
    أقول : ما يستفاد من هذه الروايات ونظائرها ـ وهو أن عليا لم يكن يرضى بقتل عثمان ، بل كان مخالفا ومانعا ومنكرا .

« مشاورة عثمان مع عماله »
    تاريخ الطبري : فأرسل عثمان الى معاوية بن أبي سفيان والى عبدالله بن
1 ـ الطبقات ج 3 ص 65 .
2 ـ الطبقات ص 68 .
3 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 103 .
4 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 105 .



273
سعد بن أبي سرح والى سعيد بن العاص بن وائل السهمي والى عبدالله بن عامر ( ولم يزل واليا لعثمان على البصرة وكانابن عمته ـ الاستيعاب ) ، فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طُلب اليه وما بلغه عنهم ، فلما اجتمعوا عنده قال لهم : ان لكل امريء وزراء ونصحاء ، وانكم وزرائي ونصحائي واهل ثقتي ، وقد صنع الناس ما قد رأيتم وطلبوا اليّ ان أعزل عما لي وأن أرجع عن جميع ما يكرهون الى ما يحبون ، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا عليّ ! فقال له عبدالله بن عامر : رأيي لك يا اميرالمؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عن وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا تكون همّة أحدهم إلا نفسه وما هو في من دبرة دابته وقمل فروه . ثم أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال : ما رأيك ؟ قال يا أميرالمؤمنين ان كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء وأقطع عنك الذي تخاف واعمل برأيي تُصيب ، قال : وما هو ؟ قال : ان لكل قوم قادة متى يهلك يتفرقوا ولا يجتمع لهم أمر ، فقال عثمان : ان هذا الرأي لولا ما فيه ثم أقب على معاوية فقال : ما رأيك ؟ قال : أرى لك يا أميرالمؤمنين أن تردّ عمالك على الكفاية لما قِبلهم وأنا ضامن لك قِبلي . ثم أقبل على عبدالله بن سعد فقال : ما رأيك ؟ قال : أرى يا أميرالمؤمنين ان الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم . ثم أقبل على عمرو بن العاص فقال له : ما رأيك ؟ قال : أرى أنك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل ، فإن أبيت فاعتزم ان تعتزل ، فأن أبيت فاعتزم عزما وامض قُدما . فقال عثمان : ما لك قمل فروك أهذا الجد منك ، فأسكت عنه دهرا حتى اذا تفرق القوم ، قال عمرو : لا والله يا أميرالمؤمنين لأنت أعز عليّ من ذلك ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كل رجل منّا ، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود اليك خيرا أو أدفع عنك شرا (1) .
    ويروى : قريبا من هذه الأقوال ، وفيه فردّ عثمان عماله على أعمالهم وأمرهم
1 ـ تاريخ الطبري ج 5 ص 94 .


274
بالتضييق على من قبلهم وأمرهم بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم اعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه ، ورد سعيد بن العاص اميرا على الكوفة ، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقّوه فردّوه ، وقالوا : لا والله لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا (1) . ( التجمير = الجمع ) .
    أقول : وفي هذه الكلمات اعتبارات لمن اعتبر .
    1 ـ ينبغي ان يُلفّت النظر الى وُلاته وعماله بل ووزرائه ونصحائه وأن يُحقق في سوابقهم ولواحق حالاتهم وأعمالهم .
    2 ـ ارجاع البصر والنظر الى هذه الكلمات المتخالفة والأقوال السخيفة والآراء الباطلة المخالفة للحق والبعيدة عن الحقيقة في حق الرعية المسلمين من الصحابة والتابعين .
    3 ـ اتباع الخليفة من آرائهم الباطلة وأمرهم بالتضييق والتجمير في البعوث وتحريم اعطياتهم حتى يطيعوه ويحتاجوا إليه ، فهل ينبغي ممن يدّ عي خلافة الرسول « ص » أن يعمل هكذا .
    4 ـ العجب من هؤلاء النصحاء ووزرائه المسلمين ، حيث لم يتكلموا بكلمة تُرضي الله ورسوله ، ولم ينصحوا بما هو خير وصلاح له وللمسلمين ، ولم يتوجهوا الى واجب وظيفتهم في مقام النصيحة ! ونتعجّب كثيرا من عثمان حيث شاور هؤلاء الخائنين الفسّاق ، وترك مشاورة أفاضل الصحابة وأتقيأهم الصالحين المؤتمنين .
    الاستصحاب : عبدالله بن سعد بن أبي السرح أسلم قبل الفتح ثم ارتد مشركا وصار الى قريش بمكة ، فقال لهم : إني كنت أصرف محمدا حيث أريد ، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله « ص » بقتله ولو وُجد تحت أستار الكعبة ، ففرّ عبدالله الى عثمان وكان أخاه من الرضاعة ، فغيّبه عثمان حتى أتى به رسول الله « ص » بعد ما اطمأنّ أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله « ص » طويلا
1 ـ تاريخ الطبري ج 5 ص 95 .


275
ثم قال : نعم . فلما انصرف عثمان قال رسول الله « ص » لمن حوله : ما صمتُّ إلا ليقوم اله بعضكم فيضرب عنقه . ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر وعزل عنها عمرو بن العاص . وكان ذلك بدء الشر بين عثمان وعمرو بن العاص ... انتهى ملخصا (1) .
1 ـ الاستيعاب ج 3 ص 918 .