361
نال الاسلام وأهله من الخير.. منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً .
    وليس منكم الا لاعب بنفسه ، مأفون في عقله وتدبيره : إما مغن ، أو ضارب دف ، أو زامر . والله ، لو أن بي أُمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا ، فقيل لهم : لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها ، لما زادوا على ما صبرتموه لكم شعاراً ودثاراً ، وصناعة وأخلاقاً..
    ليس منكم الا من إذا مسه الشر جزع ، وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ، ولا ترجعون الا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوباً 1 ، ويصبح باثمه معجباً ، كأنه قد اكتسب حمداً ، غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل ، أو ملك مقرب . أحب الناس إليه من زيّن له معصية ، أو أعانه في فاحشة ، تنظفه المخمورة ، وتربده المطمورة ، فشتت الأحوال.. فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم.. والا فدونكم تعلموا بالحديد.. ولا قوة الا بالله ، وعليه توكلي ، وهو حسبي » .
المصادر : البحار 49/208 ، قاموس الرجال 10/356 ، ينابيع المودّة /484 ، الغدير 1/212 ، عبقات الانوار 1/147 .
1. تكشف هذه الفقرات و فقرات سابقة مستوى انحطاط العباسيين الاخلاقي .


362


363
الملحق رقم 3
نص الرسالة الجوابية التي بعث بها عبد الله بن
موسى بن جعفر الصادق من محلّ اختفائه الى
المأمون ؛ وكان الأخير قد عرض عليه ولاية العهد !
بسم الله الرحمن الرحيم
    « .. وصل كتابك ، وفهمته ، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص ، وتحتال على حيلة المغتال ، القاصد لسفك دمي..
    وعجبت مني بذلك العهد ، وولايته لي بعدك ؛ كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا !! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك ؟!. أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته ؟!. فوالله ، لأن أقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إليَّ من أن ألي أمراً بين المسلمين ، أو أشرب شربة من غير حلها ، مع عطش شديد قاتل..
    أم في العنب المسموم ، الذي قتلت به الرضا ؟!.


364
    أم ظننت أن الاستتار قد أملني ، وضاق به صدري ؟!. فوالله ، إني لذلك ، ولقد مللت الحياة ، وأبغضت الدنيا ، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك ، حتى تبلغ من قبلي مرادك ، لفعلت ذلك ، ولكنَّ الله قد حظر عليَّ المخاطرة بدمي ، وليتك قدرت علي ، من غير أن أبذل نفسي لك ، فتقتلني ، ولقيت الله عز وجل بدمي ، ولقيته قتيلاً مظلوماً ؛ فاسترحت من هذه الدنيا..
    وأعلم : أني رجل طالب النجاة لنفسي ، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عني ، وفي عمل أتقرب به إليه ؛ فلم أجد رأياً يهدي إلى شيء من ذلك ، فرجعت إلى القرآن ، الذي فيه الهدى والشفاء ، فتصفحته سورة سورة ، وآية آية ، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه ، من الشهادة في طلب مرضاته..
    ثم تتبعته ثانية ، أتأمل الجهاد أيَّه أفضل ، ولأي صنف ، فوجدته جل وعلا يقول : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً ) ، فطلبت أي الكفار أضرّ على الإسلام ، وأقرب من موضعي ، فلم أجد أضرّ على الاسلام منك ، لأن الكفار أظهروا كفرهم ، فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم.. وأنت ختلت المسلمين بالإسلام ، وأسررت الكفر ، فقتلت بالظنة ، وعاقبت بالتهمة ، وأخذت مال الله من غير حله ، فأنفقته في غير حله ، وشربت الخمر المحرمة صراحاً ، وأنفقت مال الله على الملهين ، وأعطيته المغنين ، ومنعته من حقوق المسلمين ، فغششت بالاسلام ، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله ، وحكمت فيه


365
للمشرك ، وخالفت الله ورسوله في ذلك ، خلافة المضاد المعاند 1 ، فان يسعدني الدهر ، وَيُعَنِّي الله عليك بأنصار الحق ، أبذل نفسي في جهادك ، بذلاً يرضيه مني ، وان يمهلك ، ويؤخرك ، ليجزيك بما تستحقه في منقلبك ، أو تخترمني الأيام قبل ذلك ، فحسبي من سعي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي ، والسلام.. » .
    وثمة نص آخر للرسالة أورده أبو الفرج الاصفهاني :
    « ... فبأي شيء تغرني ؟ ما فعلته بأبي الحسن ـ صلوات الله عليه ـ بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته .
    والله ، ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ، ولا كراهة له ، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي ، ولو لا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة .
    وجاء فيها أيضاً :
    هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا ، والآخذين حقنا ، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم ، وكنت ألطف حيلة منهم بما استعلمته من الرضى بنا والتستر لمحننا ، تختل واحداً فواحداً منها .
    ولكني كنت إمرءًً حبب إليّ الجهاد ، كما حبب إلى كل امرئٍ
1. يبدو أن تاريخ الرسالة في حدود سنة 208ـ210 هـ وفي تلك المدّة ظهر المأمون على حقيقته في كثير من سلوكه وسيرته الذاتية .


366
بغيته ، فشحذت سيفي ، وركبت سناني على رمحي ، واستفرهت فرسي ، لم أدر أي العدوِّ أشد ضراراً على الإسلام ، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء فقرأته ، فإذا فيه : ( يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً )..
    فما أدري من يلينا منهم ، فأعدت النظر ، فوجدته يقول : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم ، أو إخوانهم ، أو عشيرتهم ) ، فعلمت أن عليَّ أن أبدأ بما قرب مني..
    وتدبرت ، فإذا أنت أضرّ على الاسلام والمسلمين من كل عدو لهم ، لأن الكفار خرجوا منه ، وخالفوه ، فحذرهم الناس ، وقاتلوهم ، وأنت دخلت فيه ظاهراً ، فأمسك الناس ، وطفقت تنقض عراه عروة عروة ، فأنت أشد أعداء الإسلام ضرراً عليه.. » .
المصادر : مقاتل الطالبيين /630 .


367
الملحق رقم 4
نص قصيدة الشاعر دعبل الخزاعي
تجاوبـن بالأرنـان والزفرات يخبّرن بالانفاس عن سرِّ أنفس فاسعدن أو اسعفن حتى تقوّضت نوائـح عجـم اللفظ والنقطـات أسارى هوى ماض وآخـر آت صنوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المها فعهدي بـها خضر المعاهد مألفها ليـالي يعدّين الوصال على القلى وإذ هن يلحظن العيون سوافـرا وإذ كـل يوم لي بلحظي نشـوة فكـم حسرات هاجهـا بمحسر سلام شجٍ صب على العرصات من العطرات البيض والخفرات وبعـدي تدانينـا على الغربات ويسترن بالايدي على الوجنات يبيت لها قلبـي علـى نشوات وقوفي يوم الجمع من عرفات 1

1. محسر وعرفات : اسمان لموضعين في مكة المكرمة .


368
الم تـر للأيـام ما جر جورها ومن دول المستهترين ومن غدا فكيف ومـن أنّى يطالب زلفـة سـوى حب أبناء النبي ورهطه وهند وما أدت سميـة وابنـها هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه ولـم تك الا محنـة كشفتهـم تراث بلا قربى وملك بلا هدى على الناس من نقص وطول شتات بهم طلبـا للنـور فـي الظلمات 1 الـى الله بعد الصـوم والصلوات وبغض بنـي الزرقاء والعبلات 2 اولوا الكفر في الاسلام والفجرات 3 ومحكمـه بـالزور والشبهـات 4 بدعوى ضلال مـن هنٍ وهنات وحكـم بلا شـورى بغير هدات 5
رزايا ارتنا خضرة الأفق حمرة وما سهلت تلك المذاهب فيهـم وردّت أجاجاً طعم كل فرات على النـاس الا بيعة الفلتات 6

1. دول المستهترين : هي دول بني أمية ، ودول بني العباس الذين استهانوا بجميع الأعراف والقيم الاسلامية .
2. بنو الزرقاء : هم ابناء مروان طريد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والزرقاء أمه ، وهي من النساء الفاجرات في الجاهلية ، والعبلات احدى قبائل قريش .
3. هند : ام معاوية الصحابي المزعوم صاحب الاحداث والموبقات في الاسلام ، وسمية : اسم لأم زياد الارهابي المجرم .
4. يشير الى الحكم الأموي الذي نقض عهد الله ، وتنكّر لجميع القيم الاسلامية .
5. يشير الى إغتصاب الامويين الحكم .
6. يشير الى بيعة أبي بكر التي وصفها عمر بقوله : ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها .



369
ومـا نـال أصحاب السقيفة إمرة ولـو قلّـدوا الموصى إليه زمامها أخا خاتم الرسل المصفى من القذى فـان جحدوا كـان الغدير شهيده وآي مـن القرآن تتـلى بفضلـه وغـر خـلال أدركتـه بسبقهـا منـاقب لم تدرك بكيـد ولم تنـل نجـي لجبريـل الأميـن وأنتـم بدعوى تراث ، بل بأمر ترات 1 لُـزمت بمأمـون من العثرات 2 ومفترس الأبطال في الغمرات3 وبـدر وأحد شامخ الهضبات 4 وإيثـاره بالقوت في اللزبات منـاقب كانت فيـه مؤتنفات بشيء سوى حدِّ القنا الذربات عكوف على العزى معا ومناة 5
بكيت لرسـم الـدار مـن عـرفات وفكَّ عرى صبري وهاجت صبابتي وأذريت دمع العين بالعبرات رسول ديار أقفرت وعرات

1. سقيفة بني ساعدة التي تآمروا فيها على الخلافة ، والنبي مسجى لم يدفن ، وقد اسفر هذا المؤتمر عن اقصاء الامام أمير المؤمنين عن مركز الخلافة الأمر الذي جر على المسلمين الويلات والمآسي .
2. الوصي : هو الامام أمير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه ولو تقلد الخلافة لصان المسلمين من العثرات .
3. أخو خاتم الرسل : هو الامام أمير المؤمنين عليه السّلام فقد قال له النبي : يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة .
4. الغدير : المكان الذي توقف فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعقد البيعة للامام أمير المؤمنين ، وأصبحت الواقعة عيداً تاريخياً .
5. العزى ومناة : صنمان لقريش .



370
مدراس آيات خلت مـن تـلاوة لآل رسول اللّه بالخيف من منى ديـار علـي والحسيـن وجعفر ديـار لعبد اللّه والفضل صنوه منـازل وحـي اللّه ينزل بينها منـازل قـوم يُهتـدى بهداهم منـازل كانت للصـلاة وللتقى منازل جبريـل الأميـن يحلها منازل وحـي اللّه معدن علمـه ديـار عفاهـا جور كل منـابذٍ فيـا وارثـي علـم النبـي وآله ومنـزل وحي مقفر العرصات 1 وبالركـن والتعريف والجمرات 2 وحمـزة والسجـاد ذي الثفنات 3 نجيّ رسـول اللّه فـي الخلوات على أحمد المذكور في السورات فتؤمـن منـهم زلّـة العـثرات وللصـوم والتطهيـر والحسنات مـن اللّه بالتسليـم والرحمـات سبيل رشـاد واضح الطرقـات ولـم تعف للأيـام والسنـوات عليكـم سـلام دائـم النفحـات
قفا نسـأل الدار التي خف أهلهـا واين الألى شطّت بهم غربة النوى متى عهدها بالصوم والصلوات ؟ أفانيـن فـي الآفـاق مفترقات

1. يشير الى بيوت السادة ابناء النبي الذين حصدتهم سيوف الأمويين والعباسيين حتى أقفرت بيوتهم .
2. هذه المواضع المقدسة التي ذكرها الشاعر كان السادة العلويون يحيون لياليهم فيها بالعبادة .
3. ذو الثفنات : هو لقب سيد الساجدين والعابدين الامام زين العابدين فقد كانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة سجوه لله .