381
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) 1 .
    ثم أن المأمون برَّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد ألفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم وأذهب الله به الضغائن والأحن بينهم ، واسكن التناصر ، والتواصل والمودة ، والمحبة قلوبهم ، فاصبحت بيمنه وحفظه ، وبركته ، وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة ، ورعى الحقوق لأهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، وحفظ بلاء المبتلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل ، والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرياستين فضل بن سهل ، إذ رآه له موازراً ، وبحقه قائماً ، وبحجته ناطقاً ، ولنقبائه نقيبا ، ولخيوله قائداً ، ولحروبه مدبراً ولرعيته سائساً ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب الى طاعته مكافياً ، ولمن عدل عنها منابذاً ، وبنصرته متفرداً ، ولمرضى القلوب والنيات مداويا ، لم ينهه عن ذلك قلة مال ولا عواز رجال ولم يمل به الطمع ، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل ، بل عندما يهول المهولون ، ويرعد ويبرق له المبرقون والمرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين ، من المجاهدين والمختالين أثبت ما يكون عزيمة ، وأجرأ جنانا ، وانفذ مكيدة ، واحسن تدبيراً ، واقوى في تثبيت حق المأمون ، والدعاء إليه حتى غصم انياب الضلالة ، وفلّ حدّهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم ، وصرعهم مصارع الملحدين في دينهم ، والناكثين
1. سورة الاحزاب : آية 33 .


382
لعهده ، الوانين في أمره ، والمستخفين بحقه الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه مع آثار ذي الرياستين في صنوف الأمم من المشركين ، وما زاد الله به في حدود دار المسلمين ، مما قد وردت انباؤه عليكم ، وقرئت به الكتب على منابركم ، وحملة أهل الآفاق إليكم الى غيركم فانتهى شكر ذي الرياستين بلاء امير المؤمنين عنده ، وقيامه بحقه ، وابتذاله مهجته ، ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة ، المحمود السياسة الى غاية تجاوز بها الماضين ، وفاز بها الفائزين .
    وانتهت مكافأة امير المؤمنين إياه الى ما حصل له من الأموال والقطايع ، والجواهر ، وان كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه ، ولا بمقام من مقاماته ، فتركه زهداً فيه ، وارتفاعاً من همته عنه ، وتوفيراً له على المسلمين ، واطراحاً للدنيا ، واستصغاراً لها ، وايثاراً للآخرة ومنافسة فيها .
    وسأل امير المؤمنين ما لم يزل له سائلا ، وإليه فيه راغبا من التخلي والتزهد ، فعظم ذلك عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله عزّ وجلّ في مكانه الذي هو به من العز للدين والسلطان ، والقوة على صلاح المسلمين ، وجهاد المشركين ، وما أرى الله به من تصديق نيته ، ويمن نقيبه ، وصحة تدبيره ، وقوة رأيه ، ونجح طلبته ، ومعاونته ، على الحق والهدى ، والبر والتقوى ، فلما وثق أمير المؤمنين وثقنا منه ، بالنظر للدين ، وإثار ما فيه صلاحه ، وأعطيناه سؤاله الذي يشبه قدره ، وكتبنا له كتاب حباء وشرط ، قد نسخ في أسفل كتابي هذا ، وأشهدنا الله عليه ، ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد ، والصحابة ، والقضاة والفقهاء


383
والخاصة والعامة .
    وأمر أمير المؤمنين بالكتاب الى الآفاق ليذيع ، ويشيع في أهلها ويقرأ على منابرها ، ويثبت عند ولاتها وقضاتها ، فسألني أن أكتب بذلك ، وأشرح معانيه وهي على ثلاث ابواب :
    ففي الباب الأول :
    البيان عن كل آثاره التي أوجب الله بها حقه علينا ، وعلى المسلمين .
    الباب الثاني :
    البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر ، ودخل فيه ولا سبيل عليه ، فيما ترك وكره ، وذلك لما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة الا له وحده ولأخيه ، ومن إزاحة العلة تحكيمها في كل من بغى عليهما وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى أوليائنا لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما ، ولا معصية لهما ، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينكم .
    الباب الثالث :
    البيان عن عطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد ، وحجة التحقيق لما سعى فيه من ثواب الآخرة بما يتقرر في قلب من كان شاكّاً في ذلك منه ، وما يلزمنا له من الكرامة والعز والحباء الذي بذلناه له ولأخيه في منعهما ما نمنع منه أنفسنا ، وذلك محيط بكل ما


384
يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا.. » 1 .
توقيع المأمون :
    بسم الله الرحمن الرحيم : « قد أوجب أمير المؤمنين على نفسه جميع ما هذا الكتاب ، واشهد الله تعالى ، وجعله عليه داعيا وكفيلا » وكتب بخطه في صفر سنة (202) تشريفا للحباء ، وتوكيداً للشروط .
توقيع الامام الرضا :
   بسم الله الرحمن الرحيم « قد الزم علي بن موسى الرضا نفسه بجميع ما في هذا الكتاب ، على ما أكد فيه ، في يومه وغده ما دام حيا ، وجعل الله تعالى عليه داعياً وكفيلاً ، وكفى بالله شهيداً » .
   وكتب بخطه في هذا الشهر ـ أي صفر ـ من هذه السنة ـ أي سنة (202) والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيل .

المصادر :عيون أخبار الرضا /154 ، حياة الامام الرضا 2/344ـ349 .
1. هناك مؤشرات تؤكد تزوير الكتاب من قبل ذي الرئاستين ، يدلّ على ذلك انشائه بالرغم من المهارة الفائقة في صياغته ويصطدم الكتاب مع طبيعة الامام اضافة الى تناقضه مع مبادئه وخلقه السامي .
كما أن الفترة الزمنية بين اعداده 7 رمضان 201 هـ وتوقيعه المزعوم صفر 202 ترسم علامة استفهام مثيرة .
كما لا يوجد دليل يمنع الباحث من اتهام المأمون بتلفيق هذه الوثيقة .



385
الملحق رقم 6
نص الرسالة الذهبية في الطب والصحّة العامة
    نص الرسالة الذهبية التي كتبها الامام الرضا إثر حوار دار بين كل من الخليفة المأمون ، يوحنا بن ماسويه ، جبريل بن يخشوع ، صالح بن بهله الهندي وقد خاض هؤلاء في البحوث الطبيّة والصحة العامة والامام الرضا ساكت لا يتكلم فقال المأمون :
    فأجاب الامام :
    ـ عندي ما جرّبته ، وعرفته صحته بالاختبار ومرور الايام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف ، مما لا يسع الانسان جهله ، ولا يعذر في تركه ، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته :


386
« اعلم يا أمير المؤمنين ان الله تعالى لم يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ، لكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير نعت ذلك.. » .
    « إن الأجسام الانسانية جعلت في مثال الملك ، فملك الجسد هو القلب ، والعمال العروق والأوصال ، والدماغ . وبيت الملك قلبه ، وأرضه الجسد ، والأعوان يداه ، ورجلاه وعيناه ، وشفتاه ولسانه وأذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، حجابه صدره ، فاليدان عونان يقربان ، ويبعدان ويعملان على ما يوحي اليهما الملك ، والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء ، والعينان تدلان على ما يغيب عنه ، لأن الملك وراء حجاب لا يوصل إليه الا بهما ، وهما سراجاه أيضاً ، وحصن الجسد وحرزه ، والأذنان لا تدخلان على الملك الا ما يوافقه لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئاً حتى يوحي الملك اليهما ، فإذا أوحى إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما ، ثم يجيب بما يريد فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد ، وبخار المعدة ، ومعونة الشفتين ، وليس للشفتين قوة الا بالانسان ، وليس يستغني بعضها عن بعض.. » .
    « والكلام لا يحسن الا بترجيعه في الأنف لأن الأنف يزين الكلام كما يزين النفخ المزمار ، وكذلك المنخران هما ثقبا الأنف


387
يدخلان على الملك بما يحب من الريح الطيّبة فاذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى الى اليدين ، فحجبتا بين الملك وتلك الريح ، وللملك على هذا ثواب وعقاب ، فعذابه أشد من عذاب الملوك الناظرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم ، فأما عذابه فالحزن ، وأما ثوابه فالفرح وأصل الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الترب والكليتين ومنهما يوصلان الى الوجه ، فمن هناك يظهر الفرح والحزن فيرى علامتها في الوجه ، وهذه العروق كلها طرق من العمال الى الملك ، ومن الملك الى العمال . ومصداق ذلك انه إذا تناولت الدواء أدّته العروق الى موضع الداء بإعانتها.. » .
    « واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها ، وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ، وتزكو العافية .
    فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدتك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمر به من الطعام ، فقدره لنفسك ، واجعله غذاءك .
    واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذا الطبايع تحت ما يشالكها فاغتذ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ،


388
ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ، ولا نقص في غذائه نفعه ، وارفع يديك منه ، وبك اليه بعض القرم 1 ، وعندك اليه ميل فانه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك ، وأخف لجسمك.. » .
    « واعلم يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف ، والحار في الشتاء المعتدل في الفصلين على قدر قوتّك وشهوتك ، وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك بقدر مادتك ، وبحسب طاقتك ونشاطك ، وزمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة ، أو ثلاث أكلات في يومين ، تتغذى باكراً في أول يوم ، ثم تتعشى ، فاذا كان في اليوم الثاني عند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة ، ولم تحتج الى العشاء ، كذا أمر جدي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً عليه السّلام في كل يوم وجبة وفي غده وجبتين ، وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص ، وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه ، وليكن شرابك على أثر طعامك.. » .
    « ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة ، وشهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حدة وما يستعمل من الأطعمة
1. الاشتهاء والميل .


389
والأشربة ، وما يجتنب منه ، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء.. » .
    « اما فصل الربيع فانه من روح الزمان ، وأوله :
    (آذار) وعدة أيامه ثلاثون يوماً ، وفيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ، وتذهب سلطان البلغم ، ويهيج الدم ، ويستعمل من الغذاء اللطيف واللحوم ، ويتقى فيه أكل البصل والثوم والحامض ، ويستعمل فيه شرب المسهل ، ويستعمل فيه الفصد والحجامة.. » .
    (نيسان) ثلاثون يوماً يطول فيه النهار ، ويقوى مزاج الفصل ويتحرك الدم ، وتهب فيه الرياح الشرقية ، يستعمل فيه من المآكل المشوية ، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد ، وتالج بالجماع والتمريغ بالدهن في الحمام ، ويشرب الماء على الريق ، ويشم الرياحين والطيب.. » .
    (آيار) واحد وثلاثون يوماً ، تصفو فيه الرياح ، وهو آخر فصل الربيع ، وقد نهي فيه عن الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحوم البقر ، واللبن ، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار وتكره فيه الرياضة قبل الغداء... » .
    « (حزيران) ثلاثون يوماً يذهب فيه سلطان الدم ، ويقبل زمان


390
المرة الصفراء ، وينهى فيه عن التعب ، وأكل اللحم دائماً ، والاكثار منه ، وشم المسك والعنبر ، وينفع فيه أكل البقول الباردة ، كالهندباء ، والبقلة الحمقا ، وأكل الخضر كالخيار والشيرخشت ، والفاكهة الرطبة ، واستعمال المحمضات ، ومن اللحوم المعز الثني ، والجدي ومن الطيور الدجاج ، والطيهوج ، والدراج ، والألبان والسمك الطري... » .
    « (تموز) : واحد وثلاثون يوماً فيه شدة الحرارة ، وتغور المياه ، ويستعمل في شرب الماء البارد على الريق ، وتؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة ، وتؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم ـ كما ذكر في حزيران ـ ويستعمل فيه من الشموم والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.. » .
    « (آب) : واحد وثلاثون يوماً ، وفيه تشتد السموم ، ويهيج الزكام بالليل ، ويهب الشمال ، ويصلح المزاج بالتربيد ، والترطيب ، وينفع فيه شرب اللبن الرائب ، ويجتنب في الجماع والمسهل ويقل من الرياضة ، ويشم الرياحين الباردة.. » .
    « (ايلول) : ثلاثون يوماً فيه يطيب الهواء ، ويقوى سلطان المرة السوداء ، ويصلح شرب المسهل ، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة ، كالجداوي ، والحوالي من الضأن ويجتنب لحم البقر ،