391
والإكثار من لحم الشواء ، ودخول الحمام ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ، ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء... » .
    « (تشرين الأول) : واحد وثلاثون يوماً ، فيه تهب الرياح المختلفة ، ويتنفس فيه ريح الصبا ، ويجتنب فيه الفصد ، وشرب الدواء ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع فيه أكل اللحم بالتوابل ، ويقلل فيه شرب الماء ، وتحمد فيه الرياضة... » .
    « (تشرين الثاني) : ثلاثون يوماً فيه يقع المطر الموسمي ، ونُهي فيه عن شرب الماء بالليل ، ويقلل من دخول الحمام والجماع ، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار ، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعنع والجرجير... ».
    « (كانون الأول) : واحد و ثلاثون يوماً تقوي فيه العواصف ويشتد فيه البرد ، وينفع فيه كل ما ذكر في (تشرين الثاني) ويحذر فيه من أكل الطعام البارد ، ويتقى فيه الحجامة والفصد ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل » .
    « (كانون الثاني) : واحد وثلاثون يوماً يقوى فيه غلبة بلغم ينبغي


392
أن يتجرع فيه الماء بالريق ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع الاحساء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس ، والجرجير ، والكراث ، وينفع فيه دخول الحمام ، والتمريخ بدن الخيري وما ناسبه ويحذر فيه الحلو ، وأكل السمك الطري واللبن... » .
    « (شباط) : ثمانية وعشرون يوماً تختلف فيه الرياح ، وتكثر الأمطار ويظهر العشب ، ويجري فيه الماء في الغور ، وينفع فيه أكل الثوم ، ولحم الطير والصيود والفاكهة ، ويقلل من أكل الحلاوات ويحمد فيه كثرة الحركة والرياضة... » .
    « اعلم يا أمير المؤمنين إن قوة النفس تابعة لأمزجة الأبدان ، وان الأمزجة تابعة للهواء ، وتتغير بحسب الهواء ، في الأمكنة... » .
    صفة الشراب الذي يحل شربه ، واستعماله بعد الطعام ، وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة ، وما يعتمد فيها من حفظ الصحة ، وصفته هو أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال 1 فيغسل وينقع في ماء صاف في غمرة ، وزيادة عليه أربع أصابع ويترك في انائه ،
1. الرطل : وزنه قرابة 340 غراما .


393
ذلك ثلاثة في الشتاء ، وفي الصيف يوم وليلة ثم يجعل في قدر نظيف ، وليكن الماء ماء السماء إن قدر عليه ، والا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقاً ، أيضاً خفيفاً ، وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة وتلك دلالة على صفاء الماء ، ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد ، ثم يرد الى القدر ثانياً ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار ليّنة غلياناً ليناً رقيقاً حتى يمضي ثلثاه ، ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل فيلقى عليه ، ويؤخذ مقداره مقدار الماء الى اين كان من القدر ويغلى حتى يذهب قدر العسل ، ويعود الى حده ، ويؤخذ خرقة صفيقة 1فيجعل فيها زنجبيل وزن درهما 2 ومن القرنفل نصف درهم ، ومن الدارجين نصف درهم ومن الزعفران درهم ، ومن سنبل الطيب نصف درهم ومن الهندباء مثله ، بعد أن يسحق الجميع كل واحد على حدة ويجعل في الخرقة ويشد بخيط شداً جيداً ، وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها ولا يزال يعاهدها بالتحريك على نار ليّنة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل ويرفع القدر ، ويبرد ، ويؤخذ 3 مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض ، وحينئذ يستعمل ، ومقدار ما
1. صفيقة : أي خفيفة .
2. وزن الدرهم : 2/5 غراما .
3. يؤخذ : أي يترك .



394
يشرب منه أوقية الى أوقيتين من الماء القراح فاذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك ، فاذا فعلت ذلك فقد أمنت باذن الله يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس ، والرياح ، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ ، والمعدة ، وبعض أوجاع الكبد والطحال والامعاء ، والأحشاء فإن صادفت بعد ذلك بشهوة الماء فلتشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله ، فانه أصلح لبدن أمير المؤمنين ، وأكثر وأشد لضبطه وحفظه .
    فان صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب ، وفساده يكون بهما ، فان اصلحتهما صلح البدن ، وان افسدتهما فُسد البدن... » .
    « واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ ، وقوام الجسد وقوته ، فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعاً أولاً على شقك الأيمن ، ثم انقلب على الأيسر ، وكذلك فقم من مضجعك ، ونم على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك ، وعود نفسك القعود من الليل ، وادخل الخلاء لحاجة الانسان ، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك ، ولا تطل فيه ، فان ذلك يورث داء الفيل » .


395
    « واعلم يا أمير المؤمنين إن أجود ما استكت به ليف الاراك 1 فانه يجلو الأسنان ، ويطيب النكهة ، ويشد اللثة ، وهو نافع من الحفر 2 اذا كان ذلك باعتدال ، والاكثار منه يرق الاسنان ، ويزعزعها ويضعف أصولها .
    فمن أراد حفظ الاسنان فليأخذ قرن الأيل 3 محرقاً وكزمازجار 4 وسعداً وورداً ، وسنبل الطيب ، وحب الأثل 5 جزاء سواء ، وملحاً اندرانيا 6 ربع جزء ، فيدق الجميع ناعماً ويستن به ، فانه يمسك الاسنان ، ويحفظ أصولها من الآفات العارضة ، ومن أراد أن تبيض أسنانه فليأخذ جزءاً من ملح اندراني ، ومثله زبد البحر فيسحقها ناعما ، ويستن به... » .
    « واعلم يا أمير المؤمنين إنّ أحوال الانسان التي بناها الله تعالى عليها ، وجعله متصرفاً بها أربعة أحوال : الحالة الأولى : خمس عشرة سنة ، وفيها شبابه ، وحسنه وبهاؤه ، وسلطان الدم في جسمه ، ثم الحالة الثانية من خمس عشرة سنة الى خمس وثلاثين سنة ، وفيها سلطان المرة الصفراء ، وقوة غلبتها على الشخص وهي أقوى ما يكون ولا يزال
1. ليف الأراك : غصن شجرة الأراك .
2. الحفر : داء يصيب الاسنان .
3. الأيل : الوعل .
4. الكزمارج : ثمرة شجرة الطرفاء .
5. حب الأثل : ثمرة شجرة الطرفاء .
6. الملح الاندراني : يشبه البلور .



396
كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة وهي خمس وثلاثون سنة ، ثم يدخل في الحالة الثالثة الى ان تتكامل مدة العمر ستون سنة ، فيكون في سلطان المرة السوداء وهي سن الحكمة والمعرفة ، والدراية ، وانتظام الأمور وصحة في العواقب ، وصدق الرأي ، وثبات الجأش في التصرفات ، ثم يدخل في الحالة الرابعة وهي سلطان البلغم وهي الحالة التي يتحول عنها ما بقي الى الهرم ونكد العيش ، وذبول ونقص في القوة ، وفساد في تكونه ، واستنكار كل شيء كان يعرف من نفسه حتى صار ينام عند القوم ، ويسهر عند النوم ، ويتذكر ما تقدم ، وينسى ما يحدث في الأوقات ، ويذبل عوده ، ويتغير معهوده ، ويجف ماء رونقه وبهاؤه ، ويقل نبت شعره وأظفاره ، ولا يزال جسمه في انعكاس وادبار ما عاش لأنه في سلطان البلغم ، وهو بارد وجامد ، فجموده وبرده يكون فناء كل جسم تستولي عليه في الأخير القوة البلغمية... » .
    « وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج اليه في سياسة المزاج ، وأحوال جسمه ، وعلاجه ، وأنا أذكر ما يحتاج الى تناوله من الأغذية والأدوية وما يجب ان يفعله في أوقاته .
    فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشر ليلة من الهلال الى خمس عشرة ، فانه أصلح لبدنك ، فاذا نقص الشهر فلا تحتجم الا تكون مضطراً الى ذلك ، وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال ، ويزيد في


397
زيادته ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين ، فابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوماً ، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوماً مرة واحدة ، وكذا من بلغ من العمر اربعين سنة يحتجم في كل اربعين يوماً مرة ، وما زاد فبحسب ذلك .
    واعلم يا أمير المؤمنين ان الحجامة انما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ، ومصداق ذلك ما ذكرته أنها لا تضعف القوة ، كما يوجد من الضعف عند الفصد ، وحجامة النقر 1 تنفع من ثقل الرأس ، وحجامة الأخدعين 2 تخفف عن الرأس والوجه والعينين ، وهي نافعة لوجه الاضراس ، وبما ناب الفصد عن جميع ذلك ، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع 3 في الفم ، ومن فساد اللثة ، وغير ذلك من أوجاع الفم ، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة ، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصاناً بيناً ، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام ، ويدرّ الطمث ، غير انها تنهك الجسد وقد يعرض منها الغشي الشديد الا أنها تنفع ذوي الثبور والدماميل .
    والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع
1. نقرة : حفرة في القفا فوق فقرات العنق باربع أصابع .
2. الاخدعان ، عرقان خلف العنق من يمينه وشماله في صفحتي العنق .
3. القلاع : قرحة في جلد الفم واللسان .



398
المحاجم ثم يدرج المص قليلاً ، والثواني أزيد في المص من الأوايل ، وكذلك الثوالث فصاعداً ، ويتوقف عن الشرط حتى يحمّر الموضع جيداً بتكرير المحاجم عليه ، ويلين المشراط على جلود لينة ، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن وكذلك الفصد فانه يقلل الألم ، وكذلك يلين المشرط والمبضع عند الحجامة ، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن ، ويقطر على العروق إذا فصد شيئاً من الدهن لكيلا يحتجب فيضرّ ذلك بالمفصود ، وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لأن في قلة الحم من فوق العروق قلة الألم ، واكثر العروق الماً إذا فصد حبل الذراع 1 والقيفال 2 لاتصالها بالعضد 3وصلابة الجلد فأما الباسليق 4 والأكحل فإنهما في الفصد أقل ألماً ، إذا لم يكن فوقها لحم ، والواجب تكميد 5 موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم ، وخاصة في الشتاء ، فانه يلين الجلد ، ويقلل الألم ، ويسهل الفصد ، ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة .
1. حبل الذراع : الوريد الذي يعتد من الساعد الى الأعلى .
2. القيفال : الوريد الذي يظهر عند المرفق .
3. في نسخة (بالعضل) والصحيح العضد .
4. الباسليق : الوريد الظاهر من المرفق الى الساعد .
5. التكميد : هو لف العضو بلفاف ونحوه .



399
    ويحتجم في يوم صاح ، صاف لا غيم فيه ، ولا ريح شديدة ، ويخرج من الدم قدر ما يُرى من تغيره ، ولا تدخل يومك ذلك الحمام ، فانه يورث الداء ، وصب على رأسك وجسدك الماء الحار ، ولا تفعل ذلك من ساعتك .
    وإياك والحمام إذا احتجمت فإن الحمى الدائمة تكون فيه ، فاذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغزي 1 فالقها على محاجمك أو ثوباً ليناً من قز أو غيره ، وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر 2 واشربه ان كان شتاء ، وان كان صيفاً فاشرب السكنجبين العنصلي 3 ، وامزجه بالشراب المفرح المعتدل ، وتناوله ، او بشراب الفاكهة ، وان تعذر ذلك فشراب الأترج ، فان لم تجد شيئاً فتناوله ـ أي الأترج ـ بعد علكه ناعماً تحت الأسنان ، واشرب عليه جرع الماء الفاتر . وان كان ذلك في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين العسلي فانك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام باذن الله تعالى ، وامتص من الرمان فإنّه يقوي النفس ، ويحيي الدم ، ولا تأكل طعاماً مالحاً بعد ذلك بثلاث ساعات فانه يخاف ان يعرض من ذلك الجرب ، وإن شئت فكل من
1. المرغزي : هو الزغب الذي تحت شعر العنز .
2. الترياق الأكبر : هو من الأدوية القديمة .
3. العنصلي : هو البصل البري ، ولعل الصحيح العسلي .



400
الطياهيج 1 اذا احتجمت ، واشرب عليه من الشراب المزكى الذي ذكرته أولاً ، وادهن بدهن الخيري أوشيء من المسك وماء الورد ، وصبّ منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة .
    وأما في الصيف فاذا احتجمت فكل السكباج 2 والهلام 3 والمصوص 4 والحامض ، وصب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد ، وشيئاً من الكافور ، واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك ، وإياك وكثرة الحركة والغضب ، ومجامعة النساء ليومك... » .
    « واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فانهما متى اجتمعا في جوف الانسان ولد عليه النقرس والقولنج والبواسير ، ووجع الأضراس .
    واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس والبرص ، ومداومة أكل البصل 5 يعرض من الكلف 6 في الوجه واكل
1. الطبياهيج : نوع من الطيور .
2. السكباج : حساء مع الخل .
3. الهلام : هو السكباج المصفى من الدهن ، أو لحم البقر والعجل والمعز يسلق بماء المح ، ثم يؤخذ اللحم المسلوق ، ويوضع على البقول المسلوقة مع الخل .
4. المصوص : لحم يطبخ ويوضع في الخل أو لحم الطير خاصة .
5. في نسخة البيض .