ص 61
الرسول، فلما نظر إليه الرسول قال: إنما أمرت بأخذك، وأتيت لأذهب بك إليه، وأعوذ
بالله من ذلك، فالحق بأي بلد شئت، وأنا معك. قال له سعيد بن جبير: ألك هاهنا أهل
وولد؟ قال: نعم. قال: إنهم يؤخذون وينالهم من المكروه مثل الذي كان ينالني. قال
الرسول: فإني أكلهم إلى الله. فقال سعيد: لا يكون هذا. فأتى به إلى خالد فشده
وثاقا، وبعث به إلى الحجاج. فقال له رجل من أهل الشام: إن الحجاج قد أنذر بك وأشعر
قبلك، فما عرض له، فلو جعلته فيما بينك وبين الله لكان أزكى من كل عمل يتقرب به إلى
الله. فقال خالد، وقد كان ظهره إلى الكعبة قد استند إليها: والله لو علمت أن عبد
الملك لا يرضى عني إلا ينقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته في مرضاته. فلما قدم سعيد
على الحجاج قال له: ما اسمك؟ قال: سعيد. قال: ابن من؟ قال: ابن جبير. قال: بل أنت
شقي بن كسير؟ قال سعيد: أمي (1) أعلم باسمي واسم أبي. قال الحجاج: شقيت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه غيرك. قال الحجاج: لأوردنك حياض الموت، قال سعيد: أصابت إذا
أمي اسمي. فقال الحجاج: لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى. قال سعيد: لو أني أعلم أن ذلك
بيدك لاتخذتك إلها. قال الحجاج: فما قولك في محمد؟ قال سعيد: نبي الرحمة، ورسول رب
العالمين إلى الناس كافة بالموعظة الحسنة. فقال الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟ قال
سعيد: لست عليهم بوكيل، كل امرئ بما كسب رهين. قال الحجاج: أشتمهم أم أمدحهم؟ قال
سعيد: لا أقول ما لا أعلم، إنما استحفظت أمر نفسي. وقال الحجاج: أيهم أعجب إليك؟
قال: حالاتهم يفضل بعضهم على بعض. قال الحجاج: صف لي قولك في علي. أفي الجنة هو، أم
في النار؟ قال سعيد: لو دخلت الجنة فرأيت أهلها علمت، ولو رأيت من في النار علمت،
فما سؤالك عن غيب قد حفظ بالحجاب؟ قال الحجاج: فأي رجل أنا يوم القيامة؟ فقال سعيد:
أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب. قال الحجاج: أبيت أن تصدقني؟ قال سعيد
(2): بل لم أرد أن أكذبك. فقال الحجاج فدع عنك هذا كله، أخبرني ما لك لم تضحك قط؟
قال: لم أر شيئا يضحكني، وكيف يضحك مخلوق من طين، والطين تأكله النار، ومنقلبه إلى
الجزاء، واليوم
(هامش)
(1) في مروج الذهب: أبي كان أعلم باسمي منك. قال: شقيت وشقي أبوك. (2) في حلية
الأولياء 4 / 291: لا أحب أن أكذب (أنظر فتوح ابن الأعثم 7 / 162). (*)
ص 62
يصبح ويمسي في الابتلاء. قال الحجاج: فأنا أضحك. فقال سعيد: كذلك خلقنا الله
أطوارا. قال الحجاج: هل رأيت شيئا من اللهو؟ قال: لا أعلمه. فدعا الحجاج بالعود
والناي. قال: فلما ضرب العود، ونفخ في الناي بكى سعيد. قال الحجاج: ما يبكيك؟ قال:
يا حجاج ذكرتني أمرا عظيما، والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت، ولا زلت حزينا لما
رأيت. قال الحجاج: وما كنت رأيت هذا اللهو؟ فقال سعيد: بل هذا والله الحزن يا حجاج،
أما هذه النفخة، فذكرتني يوم النفخ في الصور (1)، وأما هذا المصران (2) فمن نفس
ستحشر معك إلى الحساب، وأما هذا العود فنبت بحق، وقطع لغير حق. فقال الحجاج: أنا
قاتلك. قال سعيد: قد فرغ من تسبب في موتي. قال الحجاج: أنا أحب إلى الله منك؟ قال
سعيد: لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه، والله بالغيب أعلم. قال الحجاج:
كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا، وأنا مع إمام الجماعة، وأنت مع إمام الفرقة
والفتنة؟ قال سعيد: ما أنا بخارج عن الجماعة، ولا أنا براض عن الفتنة، ولكن قضاء
الرب نافذ لا مرد له. قال الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟ قال سعيد: لم
أر، فدعا الحجاج بالذهب والفضة، والكسوة والجوهر، فوضع بين يديه. قال سعيد: هذا حسن
إن قمت بشرطه. قال الحجاج: وما شرطه؟ قال: أن تشتري له بما تجمع الأمن من الفزع
الأكبر يوم القيامة، وإلا فإن كل مرضعة تذهل عما أرضعت (3)، ويضع كل ذي حمل حمله،
ولا ينفعه إلا ما طاب منه. قال الحجاج: فترى طيبا؟ قال: برأيك جمعته، وأنت أعلم
بطيبه. قال الحجاج: أتحب أن لك شيئا منه؟ قال: لا أحب ما لا يحب الله. قال الحجاج:
ويلك. قال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة فأدخل النار. قال الحجاج: اذهبوا به
فاقتلوه. قال: إني أشهدك يا حجاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا
عبده ورسوله، أستحفظكهن يا حجاج حتى ألقاك. فلما أدبر ضحك. قال الحجاج (4): ما
يضحكك يا سعيد؟
(هامش)
(1) إشارة إلى الآية الكريمة: (ويوم ينفخ في الصور... وكل أتوه داخرين) من سورة
النمل آية 87. (2) يريد: أوتار العود. وهي تتخذ من مصارين الحيوان. (3) إشارة إلى
قوله تعالى: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) الحج: 2. (4) في ابن الأعثم 8 /
163: ردوه! وهو يضحك (مروج الذهب 3 / 201). (*)
ص 63
قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله عليك (1) قال الحجاج: إنما أقتل من شق عصا
الجماعة ومال إلى الفرقة التي نهى الله عنها، اضربوا عنقه. قال سعيد: حتى أصلي
ركعتين، فاستقبل القبلة وهو يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما
وما أنا من المشركين (2). قال الحجاج: اصرفوه عن القبلة إلى قبلة النصارى، الذين
تفرقوا واختلفوا بغيا بينهم، فإنه من حزبهم، فصرف عن القبلة. قال سعيد: (فأينما
تولوا فثم وجه الله) (3) الكافي بالسرائر.. قال الحجاج: لم نوكل بالسرائر، وإنما
وكلنا بالظواهر. قال سعيد: اللهم لا تترك له ظلمي، واطلبه بدمي، واجعلني آخر قتيل
يقتل من أمة محمد فضربت عنقه، ثم قال الحجاج: هاتوا من بقي من الخوارج، فقرب إليه
جماعة فأمر بضرب أعناقهم، وقال: ما أخاف إلا دعاء من هو في ذمة الجماعة من
المظلومين، فأما أمثال هؤلاء فإنهم ظالمون حين خرجوا عن جمهور المسلمين، وقائد سبيل
المتوسمين. وقال قائل: إن الحجاج لم يفرغ من قتله حتى خولط في عقله، وجعل يصيح
قيودنا، يعني القيود التي كانت في رجل سعيد بن جبير (1)، ويقول: متى كان الحجاج
يسأل عن القيود أو يعبأ بها؟ وهذا يمكن القول فيه لأهل الأهواء في الفتح والإغلاق.
ذكر بيعة الوليد وسليمان ابني عبد الملك
قال: وذكروا أنه لما فرغ الحجاج من قتل
الخوارج، وتم له أمر العراق، فاستقر ملك عبد الملك، كتب إليه الحجاج أن يبايع
للوليد ابنه (5)، ويكتب له عهده للناس؟ فأبى ذلك عبد الملك، لأن أخاه عبد العزيز
كان حيا، وكان قد استعمله عبد الملك على مصر، وكتب إلى الحجاج يوبخه، ويقول له ما
لك أنت
(هامش)
(1) في مروج الذهب: عنك. (2) الآية 79 من سورة الأنعام، وليس فيها مسلما . (3)
سورة البقرة آية 115. (4) في البداية والنهاية 9 / 115 فظنوا ذلك، فقطعوا رجليه من
أنصاف ساقيه وأخذوا القيود. (5) زيد في الطبري 6 / 85 وأوفد وفدا في ذلك سألوا عبد
الملك إتمام الأمر وقام عمران بن عصام العنزي وأنشد: ومما قاله: فلو أن الوليد أطاع
فيه * جعلت له الخلافة والذماما شبيهك حول قبته قريش * به يستمطر الناس الغماما (*)
ص 64
والتكلم بهذه؟ وكانت البيعة بالشام لهما جميعا، إذ مات مروان، وكان عبد العزيز نظير
عبد الملك في الحزم والرأي والعقل والذكاء، وكان عبد الملك لا يفضل عبد العزيز في
شيء إلا باسم الخلافة، حتى لربما كان عبد الملك يأمر بالشئ، فيريد عبد العزيز غيره،
ويرى خلافه، فيرده إلى رأيه ولا يمضيه، وكان لا ينكر ذلك عبد الملك. فلما كانت سنة
إحدى وثمانين عقد عبد الملك لموسى بن نصير على إفريقية وما حولها، ووجهه إلى من بها
من البربر يقاتلهم، وضم إليه برقة، فلما قدم موسى بن نصير متوجها، انتهى ذلك إلى
عبد العزيز، فرده من مصر إلى الشام، وبعث قرة بن حسان الثعلبي، فانصرف موسى بن نصير
إلى الشام لعبد الملك، وذكر امتهانا ناله من عبد العزيز وما استقبله به (1) إلى
كلام كثير، فقال له عبد الملك: إن عبد العزيز صنو أمير المؤمنين، وقد أمضينا فعله،
فتوجه قرة بن حسان إلى أفريقية، فهزم بها، وقتل غالب أصحابه. فلما كانت سنة أربع
وثمانين (2)، توفي عبد العزيز بن مروان بمصر، ثم ولي (3) محمد بن مروان إلى سنة ست
وثمانين، فلما توفي عبد العزيز، أجمع عبد الملك على بيعة الوليد، ثم من
(هامش)
(1) كذا ورد هذا الخبر بالأصل.. نرى في هذا الخبر ثغرات أهمها: - لم يرد اسم قرة بن
حسان الثعلبي، فيمن ولي المغرب أو أفريقيا. - العلاقة الوطيدة بين عبد العزيز وموسى
بن نصير، وقد وردت روايات في تولية موسى بن نصير أفريقيا من قبل عبد العزيز بن
مروان. قال الكندي في ولاة مصر ص 74 وقدم حسان بن النعماني الغساني من الشام إلى
مصر، بعهد إلى المغرب في سنة 78 فسأله عبد العزيز أن لا يعرض لأطرابلس فأبى حسان
ذلك فعزله عبد العزيز وولى موسى بن نصير مولى لخم أمر المغرب كله (أنظر الحلة
السيراء 2 / 322 والبيان المغرب 1 / 39). - يفهم من المصادر أن الذي رده عبد العزيز
بن مروان هو حسان بن النعمان وليس العكس، وهو الذي ولى موسى بن نصير دون رأي عبد
الملك ودونه مشورته، وقد أقر عبد الملك عمل عبد العزيز. - الذي قدم على عبد الملك
هو حسان بن النعمان وقد شكى له أخاه عبد العزيز وما أساء إليه به (الحلة السيراء 2
/ 332). (2) في الطبري وابن الأثير والبداية والنهاية ذكرت وفاته سنة 85. وعند
الكندي في ولاة مصر: سنة 86. قال الطبري: أن عبد الملك أراد خلع أخيه عبد العزيز
(وذلك سنة 84) فنهاه قبيصة بن ذؤيب وقال: لا تفعل هذا، فإنك باعث على نفسك صوت
نعار، ولعل ال
يأتيه، فتستريح منه. قال الطبري وكان موته بمصر في جمادى الأولى.
(أنظر ابن سعد). (3) في الطبري ضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك،
وولاه مصر. (*)
ص 65
بعد الوليد سليمان، فكتب إلى الحجاج ببيعة الوليد وسليمان، فبايع الحجاج لهما
بالعراق، فلم يختلف عليه أحد، وبويع لهما بالشام ومصر واليمن، وكتب عبد الملك إلى
هشام بن إسماعيل، وهو عامله على المدينة، أن يأخذ بيعة أهل المدينة، فلما أتت
البيعة لهما، كره ذلك سعيد بن المسيب، وقال: لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام بعد
حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كانت بيعتان في الإسلام
فاقتلوا الأحدث منهما فأتاه عبد الرحمن بن عبد القاري، فقال: إني مشير عليك بثلاث
خصال، اختر أيها شئت. قال: وما هي؟ قال له: إنك تقوم حيث يراك هشام بن إسماعيل، فلو
غيرت مقامك؟ قال: ما كنت لأغير مقاما قمته منذ أربعين سنة لهشام بن إسماعيل. قال:
فثانية. قال: وما هي؟ قال: أخرج معتمرا، قال سعيد: ما كنت لأجهد نفسي، وأنفق مالي
في شيء ليس لي فيه نية. قال له: فثالثة، قال: وما هي؟ قال: تبايع للوليد، ثم
لسليمان، قال سعيد: أرأيت إن كان الله قد أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي؟ قال:
وكان عبد الرحمن هذا أعمى. قال: فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة، وكان ابن عم
سعيد بن المسيب، فلما علم بذلك القرشيون، أتوا هشاما فقالوا له: لا تعجل على ابن
عمك حتى نكلمه ونخوفه القتل، فعسى به أن يبايع ويجيب. قال: فاجتمع القرشيون،
فأرسلوا إلى سعيد مولى له كان في الحرس. فقالوا له: اذهب إليه، فخوفه القتل، وأخبره
أنه مقتول، فلعله يدخل فيما دخل فيه الناس. فجاءه مولاه، فوجده قائما يصلي في
مسجده، فبكى مولاه بكاء شديدا، قال له سعيد: ما يبكيك ويحك! قال: أبكي مما يراد بك.
قال له سعيد: وما يراد بي، ويحك. قال: جاء كتبا من عبد الملك بن مروان، إلى هشام بن
إسماعيل، إن لم تبايع وإلا قتلت، فجئتك لتطهر وتلبس ثيابا طاهرة وتفرغ من عهدك إن
كنت لا تريد أن تبايع. فقال له سعيد: لا أم لك قد وجدتني أصلي في مسجدي، أفتراني
كنت أصلي ولست بطاهر، وثيابي غير طاهرة! وأما ما ذكرت من أن أفرغ من عهدي، فما كنت
لأوخر عهدي بعد ما حدثني به عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال: ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة (1)، فإذا
شاؤوا فليفعلوا، فإني لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام. قال:
(هامش)
(1) الحديث رواه البخاري في الوصايا (1) ومسلم في الوصية (1) وأبو داود في الوصايا
(1) = (*)
ص 66
فرجع إليهم المولى فأخبرهم بما ذكر، فكتب صاحب المدينة هشام بن إسماعيل إلى عبد
الملك يخبره أن سعيد بن المسيب كره أن يبايع لهما (للوليد وسليمان) فكتب عبد الملك
إليه: ما لك ولسعيد، وما كان علينا منه أمر نكرهه، وما كان حاجتك أن تكشف عن سعيد،
أو تأخذه ببيعة، ما كنا نخاف من سعيد؟ فأما إذ قد ظهر ذلك وانتشر أمره في الناس،
فادعه إلى البيعة، فإن أبى فاجلده مئة سوط، أو أحلق رأسه ولحيته وألبسه ثيابا من
شعر وأوقفه في السوق على الناس لكيما لا يجترئ علينا أحد غيره. قال: فلما وصل
الكتاب أرسل إليه هشام، فانطلق سعيد إليه، فلما أتاه دعاه إلى البيعة، فأبى أن
يجيبه، فألبسه ثيابا من شعر (1)، وجرده وجلده مئة سوط (2)، وحلق رأسه ولحيته،
وأوقفه في السوق، وقال: لو أعلم أنه ليس إلا هذا ما نزعت ثيابي طائعا ولا أجبت إلى
ذلك قال بعض الأيليين (3) الذين كانوا في الشرطة بالمدينة: لما علمنا أنه لا يلبس
الثياب طائعا قلنا له: يا أبا محمد إنه القتل فاستر بها عورتك، قال: فلبس فلما تبين
له أنا خدعناه قال: يا معلجة أهل أيلة، لولا أني ظننت أنه القتل ما لبسته. قال:
فكان هشام بن إسماعيل بعد ذلك إذا خطب الناس يوم الجمعة تحول إليه سعيد بن المسيب،
أي يقبل عليه بوجهه ما دام يذكر الله، حتى إذا وقع في مدح عبد الملك وغيره أعرض
سعيد عنه بوجهه فلما فطن هشام لذلك، أمر حرسيا يحصب وجه سعيد إذا تحول عنه ففعل ذلك
به، فقال سعيد: إنما هي ثلاث، وأشار بيده. قال: فما مر به إلا ثلاثة أشهر حتى عزل
هشام.
موت عبد الملك وبيعة الوليد
قال: وذكروا أن عبد الملك بن مروان لما حضرته
الوفاة، جمع بنيه وقال لهم: اتقوا الله ربكم، وأصلحوا ذات بينكم، وليجل صغيركم
كبيركم، وكبيركم صغيركم، انظروا أخاكم مسلمة، فاستوصوا به خيرا، فإنه شيخكم ومجنكم
(هامش)
= والترمذي في الجنائز (5) والوصايا (3) والنسائي في الوصايا (1) وابن ماجة في
الوصايا (2) وأحمد في المسند 2 / 4، 10، 50، 57، 80. (1) في الطبري: طاف به في تبان
(سراويل صغير يستر العورة) وفي العقد الفريد 4 / 421 ألبسه المسوح. وانظر حلية
الأولياء 2 / 171 - 172. (2) في الطبري وابن الأثير: ستين سوطا. (3) نسبة إلى أيلة
بلد بين ينبع ومصر. (*)
ص 67
الذي به تستجنون، وسيفكم (1) الذي به تضربون، أوصيكم به خيرا، وانظروا ابن عمكم عمر
بن عبد العزيز، فاصدروا عن رأيه، ولا تخلوا عن مشورته اتخذوه صاحبا لا تجفوه،
ووزيرا لا تعصوه، فإنه من علمتم فضله ودينه، وذكاء عقله، فاستعينوا به على كل مهم،
وشاوروه في كل حادث (2). قال: ثم دخل عليه خالد وعبد الرحمن ابنا يزيد بن معاوية بن
أبي سفيان. فقال لهما: أتحبان أن أسألكما بيعة الوليد وسليمان؟ فقالا: يا أمير
المؤمنين، معاذ الله من ذلك. قال: فأومأ بيده إلى مصلى كان مضطجعا عليه، فأخرج من
تحته سيفا مصلتا. فقال لهما: والله لو قلتما غير ذلك لضربت أعناقكما بهذا السيف، ثم
خرجا من عنده ودخل عليه عمر بن عبد العزيز. فقال عبد الملك: يا أبا حفص استوص خيرا
بأخويك الوليد وسليمان، إن زلا فشلهما وإن مالا فأقمهما، وإن غفلا فذكرهما، وإن
ناما فأيقظهما، وقد أوصيتهما بك، وعهدت إليهما أن لا يقطعا شيئا دونك. فقال عمر بن
عبد العزيز: يا أمير المؤمنين أوصيتهما بكتاب الله فليقيماه في عباده وبلاده، وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فليحيياها، ويحملا الناس عليها؟ فقال عبد الملك: قد
فعلت ووليي فيكم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. ثم قال: وقد علمت يا عمر
مكان فاطمة مني، ومحلها من قلبي، وإني آثرتك بها على جميع آل مروان، لفضلك وورعك،
فكن عند ظني بك، ورجائي فيك، وقد علمت أنك غير مقصر، ولا مضيع حقها (3)، ولكن الله
قد قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين، قوموا عصمكم الله وكفاكم. ثم خرجوا من عنده. قال:
ثم دعا عبد الملك بالوليد وسليمان، فدخلا عليه. فقال للوليد: اسمع يا وليد، قد حضر
الوداع، وذهب الخداع، وحل القضاء. قال: فبكى الوليد. فقال له عبد الملك: لا تعصر
عينيك علي كما
(هامش)
(1) في ابن الأثير: ونابكم الذي عنه تفترون. (2) أنظر وصيته إلى أولاده: ابن الأثير
3 / 181، مروج الذهب 3 / 197، ابن الأعثم 7 / 201 - 202 الأخبار الطوال ص 325.
البداية والنهاية 9 / 81. قال ابن الأعثم إن الوليد بن عبد الملك أجاب أباه بعدما
أوصاه: إني لما أوصيتنيه لحافظ * أرعاه غير مقصر في المحتد وأكون للأعداء سما ناقعا
* ولذي القرابة كالحميد الآبد ولكل أخواني وجل عشيرتي * أرعى المغيب في حفظهم في
المشهد وأقوم بعدك في الرعية بالذي * أوصيتني بهم بحسن تودد (3) تزوجها عمر بن عبد
العزيز، وهو ابن عمها (*)
ص 68
تعصر الأمة الوكساء (1)، إذا أنا مت فاغسلني، وكفني، وصل علي وأسلمني إلى عمر بن
عبد العزيز يدليني في حفرتي، وأخرج أنت إلى الناس، والبس لهم جلد نمر، واقعد على
المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه عنك كذا، فقل له بالسيف كذا (2)، تنكر
للصديق والقريب، واسمع للبعيد، وأوصيك بالحجاج خيرا، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر،
وكفاكم تقحم تلك الجرائم. قال: فلما توفي عبد الملك، ومات من يومه ذلك، خرج الوليد
إلى الناس، وقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نعمة ما أجلها، ومصيبة
ما أعظمها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. نقل الخلافة، وفقد الخليفة (3)، ثم دعا
الناس إلى البيعة، فلم يختلف عليه أحد، ثم كان أول ما ظهر من أمره، وتبين من حكمه،
أن أمر بهدم كل دار ومنزل، من دار عبد الملك إلى قبره، فهدمت من ساعتها، وسويت
بالأرض، لئلا يعرج بسرير عبد الملك يمينا وشمالا، وليكون النهوض به إلى حفرته تلقاء
منزله، ثم كتب ببيعته إلى الآفاق والأمصار، وإلى الحجاج بالعراق فبايع له الناس ولم
يختلف عليه أحد. فدخل عليه سليمان بن عبد الملك. فقال له: يا أمير المؤمنين، اعزل
الحجاج بن يوسف عن العراقين فإن الذي أفسد الله به أكثر مما أصلح. فقال له الوليد:
إن عبد الملك قد أوصاني به خيرا. فقال سليمان: عزل الحجاج والانتقام منه من طاعة
الله، وتركه من معصية الله. فقال الوليد: سنرى في هذا الأمر، وترون إن شاء الله، ثم
كتب الحجاج إلى الوليد: أما بعد، فإن الله تعالى استقبلك يا أمير المؤمنين في حداثة
سنك بما لا أعلمه استقبل به خليفة قبلك من التمكين في البلاد، والملك للعباد،
والنصر على الأعداء، فعليك بالإسلام، فقوم أوده، وشرائعه وحدوده، ودع عنك محبة
الناس وبغضهم وسخطهم، فإنه قل ما يؤتى الناس من خير أو شر، إلا أفشوه في ثلاثة
أيام، والسلام.
(هامش)
(1) في الأخبار الطوال ص 325: الأمة الورهاء (يعني الجارية الحمقاء) وفي البداية
والنهاية 9 / 81: أتحن حنين الجارية والأمة. والوكساء: الخسيسة. (2) في مروج الذهب:
وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسك لك فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه. (3) قارن
مع الطبري 6 / 423 وابن الأثير 3 / 183 البداية والنهاية 9 / 84. مروج الذهب 3 /
197. وفي هذه المصادر ذكرت له على المنبر خطبة أخرى وذلك بعد عودته من دفن والده
عبد الملك. (*)
ص 69
تولية موسى بن نصير (1) البصرة
قال: وحدثنا يزيد بن سعيد مولى مسلم، أن عبد الملك
بن مروان لما أراد أن يولي أخاه بشر بن مروان على العراق، كتب إلى أخيه عبد العزيز
بن مروان وهو بمصر، وبشر معه يقود الجنود، وكان يومئذ حديث السن: إني قد وليت أخاك
بشرا البصرة، فاشخص معه موسى بن نصير، وزيرا ومشيرا، وقد بعثت إليك بديوان العراق،
فادفعه إلى موسى، وأعلمه أنه المأخوذ بكل خلل وتقصير، فشخص بشر من مصر إلى العراق،
ومعه موسى بن نصير، حتى نزل البصرة، فلما نزلها دفع إلى موسى بن نصير خاتمه، وتخلى
عن جميع العمل، فلبث موسى مع بشر ما لبث، ثم إن رجلا من أهل العراق دخل على بشر بن
مروان فقال له: هل لك أن أسقيك شرابا لا تشيب معه أبدا، بعد أن أشترط عليك شروطا؟
قال بشر: وما هي؟ قال: لا تغضب ولا تركب، ولا تجامع امرأة في أربعين ليلة، ولا تدخل
حماما، فقبل ذلك بشر وأجابه، وشرب ما أسقاه، واحتجب عن قريب الناس وبعيدهم، وخلا مع
جواريه وخدامه، فكان كذلك حتى أتته ولاية الكوفة وقد ضمت إليه مع البصرة، فأتاه من
ذلك ما لم يحمل فرحه، ولا السرور به، فدعا بركاب ليركبها، فأتاه الرجل، فناشده لا
يخرج ولا يركب، وأن لا يتحرك بحركة من مكانه، فلم يلتفت بشر إلى كلامه، ولم يقبل ما
أمره به، فلما رأى الرجل عزمه قال له: فاشهد لي على نفسك بأنك قد عصيتني ففعل بشر
ذلك، وأشهد أنه قد أبرأه، فركب وهو يريد الكوفة، فلم يسر إلا أميالا، حتى وضع يده
على لحيته، فإذا هي في كفه قد سقطت من وجهه، فلما رأى ذلك انصرف إلى البصرة، فلم
يلبث إلا قليلا حتى هلك (2)، فلما بلغ عبد الملك موته، وجه الحجاج بن يوسف واليا
عليها. فقال موسى بن نصير: ما فاتك فلا يفوتك، وكان عبد الملك قد أراده لأمر عتب
عليه منه (3). فكتب
(هامش)
(1) هو أبو عبد الرحمن موسى بن نصير، اللخمي بالولاء، كان من التابعين كان والده
نصير على حرس معاوية. وقال ابن بشكوال في الصلة: أنه موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن
زيد. (2) ذكر ابن كثير وفاته سنة 74 بالبصرة. وقال ابن الأعثم في الفتوح 4 / 319
أنه اعتل علة شديدة واستسقى بطنه فمات. (3) ذكر ابن عذاري في البيان المغرب 1 / 39
أن موسى كان على خراج البصرة فاحتجن الأموال لنفسه، فأوصى (عبد الملك) الحجاج به
ألا يفوته. فلعل هذا الأمر هو ما عتب به عليه فيه خاصة بعد أن قدمه وولاه. (*)
ص 70
خالد بن أبان، من الشام إلى موسى بن نصير: إنك معزول، وقد وجه إليك الحجاج بن يوسف،
وقد أمر فيك بأغلظ أمر، فالنجاة، والوحى الوحى (1)، فإما إن تلحق بالفرس فتأمن وإما
أن تلحق بعبد العزيز بن مروان مستجيرا به، ولا تمكن ملعون ثقيف من نفسك فيحكم فيك.
فلما أتاه الكتاب: ركب النجائب ولحق بالشام، وبها يومئذ عبد العزيز بن مروان قد وفد
بأموال مصر. فكتب الحجاج من العراق: يا أمير المؤمنين، إنه لا قدر لما اقتطعه موسى
بن نصير من أموال العراق، وليس بالعراق، فابعث به إلي.
دخول موسى بن نصير على عبد
الملك بن مروان
قال: وذكروا أن عبد الرحمن بن سالم حدثهم عن أبيه، أنه حضر يومئذ
شأن موسى، ودخوله على عبد الملك. قال: وكانت لموسى يد عظيمة عند عبد العزيز بن
مروان يطول ذكرها قال سالم، قال لي موسى: لما قدمت الشام لقيت بها عبد العزيز، وكان
ذلك من صنع الله، فأدخلني على عبد الملك (2)، فلما رآني عبد الملك قلت: موسى. قال:
ما تزال تعرض لحيتك علينا؟ قال: قلت: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لجرأتك علي
واقتطاعك الفئ. قال: فقلت: ما فعلت يا أمير المؤمنين، وما ألوتك نصحا واجتهادا
وإصلاحا، قال: أقسم لتؤدين دينك خمسين مرة. قال: قلت لم يا أمير المؤمنين؟ قال: فما
تركني أتمها حتى قال: قم لتؤدينها مئة مرة، فذهبت لأتكلم، فأشار علي عبد العزيز أن
قل نعم. فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ثم خرجت فأعانني عبد العزيز بخمسين ألفا،
وأديت خمسين ألفا في ثلاثة أشهر نجمها علي.
تولية موسى بن نصير على إفريقية
قال:
وذكروا أن عبد العزيز لما رجع إلى مصر، سار موسى معه. فكان من أشرف الناس عنده،
فأقام بها ما أقام حتى قدم حسان بن النعمان (3) من إفريقية
(هامش)
(1) الوحى الوحى: يعني النجاة النجاة. (2) في البيان المغرب 1 / 40 أنه ذهب إلى عبد
العزيز في مصر ثم وفد معه إلى الشام. (3) وهو حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن
مغيث بن عمرو بن مزيقيا بن عامر بن الأزد وكان عبد الملك قد ولاه أفريقيا سنة 74
بعد زهير بن قيس، وكان قد قتل سنة 69 وقد شغل = (*)
ص 71
يريد الشام إلى عبد الملك وقد فتح له بها فتحا، وقتل الكاهنة (1)، فأجازه عبد الملك
(2) وزاده برقة، ورده إليها، أي إلى إفريقية واليا، فأقبل حتى نزل مصر، وبعث معه
بعثا من هناك، فأخذوا أعطياتهم منه، ثم ساروا حتى نزلوا ذات الجماجم. قال: فبلغ ذلك
عبد العزيز وأن حسان بن النعمان يطلب برقة من عند عبد الملك، وأنه قد ولاه أياما،
فبعث إليه فقال له: أولاك أمير المؤمنين برقة؟ قال: نعم. فقال له عبد العزيز: لا
تعرض، وكان عليها مولى لعبد العزيز. فقال حسان: ما أنا فاعل. فغضب عبد العزيز وقال
له: ائت بعهدك عليها إن كنت صادقا. قال: فأتى به حسان، فلما أقرأه عبد العزيز وجدها
فيه، فالتفت إلى حسان فقال: ما أنت بتاركها؟ قال: والله لا أنعزل عما ولانيه أمير
المؤمنين. قال: فاقعد في بيتك، فسيولى هذا الأمر من هو خير منك وأولى به منك، في
تجربته وسياسته، ويغني الله أمير المؤمنين عنك. ثم أخذ عبد العزيز عهده ومزقه، ودعا
بموسى بن نصير فعقد له على أفريقية يوم الخميس في صفر سنة تسع وسبعين (3)، فتجهز
موسى بن نصير، وحمل الأموال إلى ذات الجماجم، وبها الجيوش ينتظرون واليهم فقدم
عليهم موسى بن نصير، فلما صار على الجيش الأول أتى عصفور حتى وقع على صدره، فأخذه
موسى، فدعا بسكين، فذبحه موسى، ولطخ بدمه صدره من فوق الثياب، ونتف ريشه وطرحه على
صدره وعلى نفسه، ثم قال: الفتح ورب الكعبة، والظفر إن شاء الله.
(هامش)
= عبد الملك عن أفريقيا ما كان بينه وبين عمرو بن سعيد وابن الزبير. (ابن الأثير 3
/ 81 - 82). (1) الكاهنة كانت بجبل أوراس وقد اجتمع إليها البربر فخافها الروم
وجميع أفريقيا. فالتقى معها بوادي مسكيانه فهزم ثم عبأ جنده وتتالت الامداد له
فهزمها وقتلها (تفاصيل انظرها في ابن الأثير 3 / 82 - 83 والبيان المغرب 1 / 37 -
38). (2) في البيان المغرب وابن الأثير: الوليد بن عبد الملك وفيهما ثمة ذكر لعبد
العزيز، والمعروف أن عبد العزيز مات قبل عبد الملك وقبل ولاية الوليد وقد مر ذلك.
(3) في ولاة مصر للكندي ص 74: سنة 78. وقال ابن الأثير 3 / 83 أن الوليد ولى
أفريقيا عمه عبد الله بن مروان فعزل عنها حسانا واستعمل موسى بن نصير سنة 89. وأن
حسان أقام في القيروان لا ينازعه أحد إلى أن توفي عبد الملك. في حين يؤكد ابن عذاري
أن الذي عزل حسان هو عبد العزيز بن مروان. وقال ابن القطان: أن عزل حسان وولاية
موسى بن نصير كان من قبل عبد العزيز بن مروان دون أمر أخيه عبد الملك ومشورته وذلك
لأن أمر والي أفريقيا كان منوطا بالوالي على مصر ويعني ذلك من تدبير عبد العزيز..
ولما حاول الوليد بعد ذلك إعادته إلى عمله رفض حسان وحلف: لا أولى لبني أمية أبدا.
وانظر الحلة السيراء 2 / 332. (*)
ص 72
خطبة موسى بن نصير رحمه الله
قال: وذكروا أن موسى لما قدم ذات الجماجم، وقد توافت
الجيوش بها، جمع الناس فقام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن
أمير المؤمنين أصلحه الله رأى رأيا في حسان بن النعمان، فولاه ثغركم، ووجهه أميرا
عليكم، وإنما الرجل في الناس بما أظهر، والرأي فيما أقبل، وليس فيما أدبر، فلما قدم
حسان بن النعمان على عبد العزيز أكرمه الله كفر النعمة، وضيع الشكر، ونازع الأمر
أهله، فغير الله ما به، وإنما الأمير (1) أصلحه الله صنو أمير المؤمنين وشريكه، ومن
لا يتهم في عزمه ورأيه، وقد عزل حسان عنكم، وولاني مكانه عليكم، ولم يأل أن أجهد
نفسه في الاختبار لكم، وإنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة، فليحمد الله، وليحض
على مثلها، ومن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون،
وقد أمر الأمير أكرمه الله لكم بعطاياكم وتضعيفها أثلاثا، فخذوها هنيئا مريئا، ومن
كانت له حاجة فليرفعها إلينا، وله عندنا قضاؤها على ما عز وهان، مع المواساة إن شاء
الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. دخول موسى بن نصير أفريقية قال: وذكروا أن موسى
لما سار متوجها إلى المغرب، بقية صفر، ثم ربيع وربيع، ودخل في جمادى الأولى، يوم
الاثنين، لخمس خلون منه، سنة تسع وسبعين، فأخذ سفيان بن مالك الفهري وأبا صالح
الفهري، فغرم كل واحد منهما عشرة آلاف دينار، ووجههما إلى عبد الملك في الحديد.
قال: وكان قدوم موسى أفريقية وما حولها مخوفا، بحيث لا يقدر المسلمون أن يبرزوا في
العيدين، لقرب العدو منهم، وإن عامة بيوتها الخصوص (2) وأفضلها القباب، وبناء
المسجد يومئذ شبيه بالحظير، غير أنه قد سقف ببعض الخشب، وقد كان ابن النعمان بنى
القبلة وما يليها بالمدر، بنيانا ضعيفا، وكانت جبالها كلها محاربة لا ترام، وعامة
السهل.
(هامش)
(2) يشير إلى عبد العزيز بن مروان. (1 (الخصوص جمع خص، وهو البيت من البوص ونحوه.
(*)
ص 73
خطبة موسى بأفريقية قال: وذكروا أن موسى لما قدم أفريقية، ونظر إلى جبالها، وإلى ما
حولها، جمع الناس ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما
كان قبلي على أفريقية أحد رجلين: مسالم يحب العافية، ويرضى بالدون من العطية، ويكره
أن يكلم (1)، ويحب أن يسلم، أو رجل ضعيف العقيدة، قليل المعرفة، راض بالهوينى، وليس
أخو الحرب إلا من اكتحل السهر، وأحسن النظر، وخاض الغمر، وسمت به همته، ولم يرض
بالدون من المغنم لينجو، ويسلم دون أن يكلم أو يكلم، ويبلغ النفس عذرها في غير خرق
يريده، ولا عنف يقاسيه، متوكلا في حزمه، جازما في عزمه، مستزيدا في علمه، مستشيرا
لأهل الرأي في إحكام رأيه، متحنكا بتجاربه، ليس بالمتجابن إقحاما، ولا بالمتخاذل
إحجاما، إن ظفر لم يزده الظفر إلا حذرا، وإن نكب أظهر جلادة وصبرا، راجيا من الله
حسن العاقبة، فذكر بها المؤمنين، ورجاهم إياها لقول الله تعالى: (إن العاقبة
للمتقين) [هود: 49] أي الحذرين. وبعد: فإن كل من كان قبلي كان يعمد إلى العدو
الأقصى، ويترك عدوا منه أدنى، ينتهز منه الفرصة، ويدل منه على العورة، ويكون عونا
عليه عند النكبة، وأيم الله لا أريم (2) هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله
أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جمعها، أو يحكم الله لي وهو
خير الحاكمين.
فتح زعوان (3)
قال: وذكروا أنه كان بزعوان (3) قوم من البربر، يقال
لهم عبدوه، عليهم عظيم من عظمائهم يقال له: ورقطان، فكانوا يغيرون على سرح
المسلمين، ويرصدون غرتهم، والذي بين زعوان (3) وبين القيروان يوم إلى الليل، فوجه
إليهم موسى خمس مئة فارس، عليهم رجل من خشين يقال له: عبد الملك فقاتلهم فهزمهم
الله، وقتل صاحبهم ورقطان، وفتحها الله على يد موسى، فبلغ سبيهم
(هامش)
(1) يكلم: يجرح. (2) أي لن أتركها وأغادرها. (3) في البيان المغرب 1 / 40 زغوان.
(*)
ص 74
يومئذ عشرة آلاف رأس، وأنه كان أول سبي دخل القيروان في ولاية موسى، ثم وجه ابنا له
يقال له عبد الرحمن (1) بن موسى، إلى بعض نواحيها فأتاه بمئة ألف رأس ثم وجه ابنا
له يقال له مروان (2)، فأتاه بمثلها فكان الخمس يومئذ ستين ألف رأس.
قدوم كتاب
الفتح على عبد العزيز بن مروان
قال: وذكروا أن موسى بن نصير كتب إلى عبد العزيز بن
مروان بمصر يخبره بالذي فتح الله عليه، وأمكن له، ويعلمه أن الخمس بلغ ثلاثين ألفا،
وكان ذلك وهما من الكاتب. فلما قرأ عبد العزيز الكتاب، دعا الكاتب وقال له: ويحك!
اقرأ هذا الكتاب. فلما قرأه قال: هذا وهم من الكاتب فراجعه. فكتب إليه عبد العزيز:
إنه بلغني كتابك، وتذكر فيه أنه قد بلغ خمس ما أفاء الله عليك ثلاثين ألف رأس،
فاستكثرت ذلك، وظننت أن ذلك وهم من الكاتب (3)، فاكتب إلي بعد ذلك على حقيقة، واحذر
الوهم. فلما قدم الكتاب على موسى كتب إليه: بلغني أن الأمير أبقاه الله، يذكر أنه
استكثر ما جاءه من العدة، التي أفاء الله علي، وأنه ظن أن ذلك وهم من الكاتب، فقد
كان ذلك وهما على ما ظنه الأمير، والخمس أيها الأمير ستون ألفا حقا ثابتا بلا وهم.
قال: فلما أتى الكتاب إلى عبد العزيز وقرأه ملأه سرورا.
إنكار عبد الملك تولية موسى
بن نصير
قال: وذكروا أن عبد العزيز لما ولى موسى وعزل حسان كما تقدم، وفتح الله
لموسى بلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكره ذلك وأنكره، ثم كره رد رأي عبد العزيز، ثم
هم بعزل موسى لسوء رأيه فيه، ثم رأى أن لا يرد ما صنع عبد العزيز. فكتب عبد الملك
إلى عبد العزيز: أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين ما كان من رأيك في عزل حسان،
وتوليتك موسى مكانه، وعلم الأمر الذي له عزلته، وقد كنت أنتظر منك مثلها في موسى،
وقد أمضى لك أمير المؤمنين من
(هامش)
(1) في البيان المغرب: عبد الله. (أنظر ابن الأثير 3 / 194 وجذوة المقتبس للحميدي ص
317). (2) في ابن الأثير 3 / 194: هارون. (3) قارن مع البيان المغرب 1 / 40 كتاب
العزيز إلى موسى بن نصير، وجواب موسى عليه. (*)
ص 75
رأيك ما أمضيت، وولايتك من وليت، فاستوص بحسان خيرا فإنه ميمون الطائر، والسلام.
جوابه فلما قدم الكتاب على العزيز كتب إلى أخيه عبد الملك
: أما بعد، فقد بلغني كتاب
أمير المؤمنين في عزل حسان، وتوليتي موسى بن نصير، وقد كان لمثلها مني منتظرا في
موسى، ويعلمني أنه قد أمضى لي من رأيي فيما أمضيت، وولايتي من وليت، وقد علمت أن
أمير المؤمنين يتفاءل بحسان للذي فتح الله على يديه، ولم أعد مع نظري لأمير
المؤمنين، بأن عزلت حسان، ووليت موسى في يمن طائره، وحسن أثره. فأما قول أمير
المؤمنين: قد كنت أنتظرها منك في موسى، فلعمري لقد كنت لها فيه مرصدا، ولأمير
المؤمنين أن يسبق بها إليه منتظرا، حتى حضر أمر جهدت فيه نفسي لأمير المؤمنين.
ولنفسي الرأي والنصيحة، والسلام
كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك
قال: وذكروا
أن عبد العزيز كتب إلى عبد الملك، أما بعد: فإني كنت وأنت يا أمير المؤمنين في موسى
وحسان كالمتراهنين، أرسلا فرسيهما إلى غايتهما فأتيا معا، وقد مدت الغاية (1) لأحدهما، ولك عنده مزيد إن شاء الله (2)، وقد جاءني يا أمير المؤمنين كتاب من موسى،
وقد وجهته إليك لتقرأه، وتحمد الله عليه، والسلام. (3) جوابه فكتب إليه عبد الملك:
أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك، وفهم المثل الذي مثلته في حسان وموسى، ويقول
لك عند أحدهما مزيد، وكل قد
(هامش)
(1) الغاية: هي النهاية أي المكان الذي ينتهي عنده السباق. (2) يشير إلى نشاط موسى
بن نصير في الغزو والفتوحات وما يأمل عبد العزيز منه من نجاح. (3) وكان عبد العزيز
قد أرفق كتابه إلى عبد الملك يعلمه فيه بالفتح بكتاب موسى (البيان المغرب 1 / 40).
(*)
ص 76
عرف الله على يده خيرا ونصرا (1)، وقد أجريت وحدك، وكل مجر بالخلاء مسرور (2)،
والسلام. ثم وجه عبد الملك رجلا إلى موسى ليقبض ذلك منه على ما ذكر موسى، وعلى ما
كتب به. فلما قدم الرسول على موسى: دفع عليه ما ذكر، وزاده ألفا للوفاء.
فتح هوارة
(3)، وزناتة، وكتامة (4)
قال: وذكروا أن موسى أرسل عياش بن أخيل إلى هوارة وزناتة
في ألف فارس، فأغار عليهم وقتلهم وسباهم، فبلغ سبيهم خمسة آلاف رأس، وكان عليهم رجل
منهم يقال له كمامون (5)، فبعث به موسى إلى عبد العزيز في وجوه الأسرى، فقتله عند
البركة التي عند قرية عقبة، فسميت بركة كمامون (5)، فلما أوجع عياش فيهم دعوا إلى
الصلح، فقدم على موسى بوجوههم، فصالحوهم وأخرجوهم، وكانت كتامة قد قدمت على موسى
فصالحته، وولى عليهم رجلا منهم، وأخذ منهم رهونهم (6)، وكتب أحدهم إلى موسى، إنما
نحن عبدانك، قتل أحدنا صاحبه، وأنا خير لك منه، فلم يشك موسى أن ذلك إنما كان عن
ممالاة من كتامة، وقد كانت رهون كتامة استأذنوا موسى قبل ذلك بيوم ليتصيدوا، فأذن
لهم، فلما أتاه ما أتاه تحقق ظنه فيهم، وأنهم إنما هربوا، فوجه الخيول في طلبهم،
فأتي بهم، فأراد صلبهم. فقالوا: لا تعجل أيها الأمير بقتلنا حتى يتبين أمرنا، فإن
آباءنا وقومنا لم يكونوا ليدخلوا في خلاف أبدا، ونحن في يدك وأنت
(هامش)
(1) يشر إلى ما كان من حسان بن النعمان وفتوحاته وانتصاراته في أفريقيا والمغرب.
(2) أي أنه من يجري فرسه لوحده دون منافس ينافسه السباق، يسر من جريه وسرعته لأن
وحده لا يستطيع المفاضلة بينه وبين غيره وهذا ما ينطبق على موسى إذ أنك أرسلته وحده
وأنت تترقب ما يأتي به، ولا تستطيع مفاضلته لأنه وحده. (3) هوارة هؤلاء من بطون
البرانس باتفاق من نسابة العرب والبربر ولد هوارة بن أوريغ بن برنس إلا ما يزعم
بعضهم أنهم من عرب اليمن وبعضهم يقولون من عاملة وبعضهم يقول من حمير. (العبر 6 /
139). (4) كتامة يقال إنهم من حمير، ونسابة البربر يقولون أنهم من ولد كتام بن برنس
وهم أشد قبائل البربر بأسا وقوة وأطولهم باعا في الملك (العبر 6 / 148). (5) في
البيان المغرب 1 / 41 طامون. (6) في البيان المغرب: أخذ منهم رهائن من خيارهم. (*)
ص 77
على البيان أقدر منك على استحيائنا بعد القتل، فأوقرهم حديدا، وأخرجهم معه إلى
كتامة، وخرج هو بنفسه. فلما بلغهم خروج موسى، تلقاه وجوه كتامة معتذرين، فقبل منهم،
وتبينت له برأتهم، واستحيا رهونهم. فتح صنهاجة (1) قال: وذكروا أن الجواسيس أتوا
موسى، فقالوا له: إن صنهاجة بغرة منهم وغفلة، وإن إبلهم تنتج، ولا يستطيعون براحا،
فأغار عليهم موسى بأربعة آلاف من أهل الديوان، وألفين من المتطوعة، ومن قبائل
البربر، وخلف عياشا على أثقال المسلمين وعيالهم بظبية في ألفي فارس، وعلى مقدمة
موسى عياض بن عقبة، وعلى ميمنته المغيرة بن أبي بردة، وعلى ميسرته زرعة بن أبي
مدرك، فسار موسى حتى غشي صنهاجة، ومن كان معها من قبائل البربر، وهم لا يشعرون،
فقتلهم قتل الفناء، فبلغ سبيهم يومئذ مئة ألف رأس، ومن الإبل والبقر والغنم والخيل
والحرث والثياب ما لا يحصى، ثم انصرف قافلا إلى القيروان، وهذا كله في سنة ثمانين
فلما سمعت الأجناد بما فتح الله على موسى وما أصاب معه المسلمون من الغنائم رغبوا
في الخروج إلى الغرب، فخرج نحو مما كان معه، فالتقى المغيرة وصنهاجة، فاقتتلوا
قتالا شديدا، ثم إن الله منحه أكتافهم وهزمهم، فبلغ سبيهم ستين ألف رأس ثم انصرف
قافلا.
فتح سجوما
قال: وذكروا أنه لما كان سنة ثلاث وثمانين، قدم على موسى نجدة عبد
الله بن موسى في طالعة أهل مصر. فلما قدم عليه، أمر الناس بالجهاد والتأهب، ثم غزا
يريد سجوما وما حولها، واستخلف عبد الله بن موسى على القيروان، ثم خرج وهو في عشر
آلاف من المسلمين، وعلى مقدمته عياض بن عقبة، وعلى ميمنته زرعة بن أبي مدرك، وعلى
ميسرته المغيرة بن أبي بردة القرشي، وعلى ساقته نجدة بن مقسم، فأعطى اللواء ابنه
مروان، فسار حتى إذا
(هامش)
(1) صنهاجة هذا القبيل من أوفر قبائل البربر، يرجعون إلى صنهاج وهو عند نسابة
البربر من بطون البرانس من ولد برانس بن بر، وذكر ابن الكلبي والطبري أنهم وكتامة
جميعا من حمير (العبر 6 / 152). (*)
ص 78
كان بمكان يقال له سجن الملوك، خلف به الأثقال، وتجرد في الخيول، وخلف على الأثقال
عمرو بن أوس في ألف، وسار بمن معه حتى انتهى إلى نهر يقال له ملوية، فوجده خاملا،
فكره طول المقام عليه، خوفا من نفاد الزاد، وأن يبلغ العدو مخرجه ومكانه، فأحدث
مخاضة غير مخاضة عقبة بن نافع، وكره أن يجوز عليها. فلما أجاز وانتهى إليهم، وجدهم
قد أنذروا به وتأهبوا، وأعدوا للحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا في جبل منيع، لا يوصل
إليهم إلا من أبواب معلومة، فاقتتلوا يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت إلى العصر،
فخرج إليهم رجل من ملوكهم، فوقف والناس مصطفون، فنادى بالمبارزة، فلم يجبه أحد،
فالتفت موسى إلى مروان ابنه، فقال له: اخرج إليه أي بني، فخرج إليه مروان، ودفع
اللواء إلى أخيه عبد العزيز بن موسى. فلما رآه البربري ضحك، ثم قال له: ارجع، فإني
أكره أن أعدم منك أباك. وكان حديث السن. قال: فحمل عليه مروان فرده، حتى ألجأه إلى
جبله، ثم إنه زرق مروان بالمزراق، فتلقاه مروان بيده وأخذه، ثم حمل مروان عليه
وزرقه به زرقة وقعت في جنبه، ثم لحقت حتى وصلت إلى جوف برذونه، فمال فوقع به
البرذون ثم التقى الناس عليه فاقتتلوا قتالا شديدا أنساهم ما كان قبله، ثم إن الله
هزمهم، وفتح للمسلمين عليهم، وقتل ملكهم كسيلة بن لمزم (1) وبلغ سبيهم مئتي ألف
رأس، فيهم بنات كسيلة، وبنات ملوكهم، وما لا يحصى من النساء السلسات، اللاتي ليس
لهن ثمن ولا قيمة. قال: فلما وقفت بنات الملوك بين يدي موسى، قال: علي بمروان ابني.
قال: فأتي به قال له: أي بني اختر. قال: فاختار ابنة كسيلة فاستسرها (2)، فهي أم
عبد الملك بن مروان هذا. قال: قاتل يومئذ زرعة بن أبي مدرك قتالا شديدا أبلى فيه
حتى اندقت ساقه قال: فآلى موسى أن لا يحمل إلا على رقاب الرجال، حتى يدخل القيروان،
وأن يحمله خمسون رجلا، كل يوم يتعاقبون بينهم، ثم انصرف موسى وقد دانت له البلاد
كلها، وجعل يكتب إلى عبد العزيز بفتح بعد فتح، وملأت سباياه الأجناد، وتمايل الناس
إليه، ورغبوا فيما هنالك
(هامش)
(1) في البيان المغرب 1 / 32 أن كسيلة بن لمزم قتله زهير بن قيس البلوي سنة 69 في
نواحي نهر ملوية بعد معركة التحم فيها الفريقان. وقيل سنة 64 (الحلة السيراء 2 /
330 وفيه: كسيل). (2) استسرها أي اتخذها سرية، أي مملوكة تزوج بها فولدت له. (*)
ص 79
لديه، فكان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يقول إذا جاءه فتوح موسى: لتهنئك الغلبة
أبا الإصبع. ثم يقول: عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. قال: وبعث
موسى إلى عياض وعثمان وإلى عبيدة (1) بني عقبة، فقال: اشتفوا، وضعوا أسيافكم في
قتلة أبيكم عقبة. قال: فقتل منهم عياض ست مئة رجل صبرا من خيارهم وكبارهم، فأرسل
إليه موسى أن أمسك. فقال: أما والله لو تركني ما أمسكت عنهم، ومنهم عين تطرف.
قدوم
الفتح على عبد الملك بن مروان
قال: وذكروا أن موسى لما قدم، وجه بذلك الفتح إلى عبد
العزيز بن مروان، مع علي بن رباح، فسار حتى قدم على عبد العزيز بمصر، فأجازه ووصله،
ووجهه إلى عبد الملك بن مروان أخيه، فلما قدم عليه أجازه أيضا، وزاد في عطائه
عشرين. فلما انصرف، قال له عبد العزيز: كم زادك أمير المؤمنين؟ قال: عشرين. قال:
لولا كره أن أفعل مثل ما فعل لزدتك مثلها، ولكن تعدلها زيادة عشرة. وكتب عبد الملك
إلى موسى يعلمه أنه قد فرض لجميع ولده فئ مئة (2). وبلغ به هو إلى المئتين، وفرض في
مواليه، وأهل الجزاء والبلاء ممن معه خمس مئة رجلا ثلاثين ثلاثين، وكتب إليه إن
أمير المؤمنين قد أمر لك بمئة ألف التي أغرمها لك (3)، فخذها من قبلك من الأخماس.
قال: فلما قدم على موسى كتاب عبد الملك بن مروان، يأمره بأخذ المئة الألف مما قبله.
قال: فإني أشهدكم أنه رد على المسلمين، ومعونة لهم، وفي الرقاب (4). وكان موسى إذا
أفاء الله عليه شيئا، اشترى من ظن منهم أنه يقبل الإسلام وينجب فيعرض عليه الإسلام،
فإن رضي قبله من بعد أن يمحص عقله، ويجرب فطنة فهمه، فإن وجده ماهرا أمضى عتقه
وتولاه، وإن لم يجد فيه مهارة رده في الخمس
(هامش)
(1) في البيان المغرب 1 / 41 أبا عبدة . (2) الفئ: قال المبرد: يقال فاء يفئ إذا
رجع. وأفاء الله: إذا رده. قال الأزهري: الفئ ما رده الله على أهل دينه من أموال من
خالف أهل دينه بلا قتال. والغنيمة هي ما يحصل بعد تعب النفس في تحصيلها بخلاف الفئ
الذي لا يتحمل في تحصيله تعبا. (التفسير الكبير للرازي تفسير سورة الحشر). (3) تقدم
أن عبد الملك كان قد أغرم موسى بن نصير، بعد فراره بخراج العراق، بمئة ألف. (4) أي
في عتق الرقاب، يريد إعطاء العبيد المملوكين لكي يعطوا أصحابكم لكي يعتقوهم. (*)
ص 80
والسهام. قال وكتب موسى إلى عبد العزيز ببلاء زرعة بن أبي مدرك وما أوصله، وأنه
لولا ذلك أوفده إلى أمير المؤمنين، ففرض له عبد العزيز في مئة، وفرض لثلاثين رجلا
من قومه، وانصرف موسى قافلا، وذلك في سنة أربع وثمانين.
غزوة موسى في البحر
قال:
وذكروا أن موسى أقام بالقيروان بعد قفله شهر رمضان وشوال، فأمر بدار صناعة بتونس
(1) وجر البحر إليها، فعظم عليه الناس ذلك، وقالوا له: هذا أمر لا نطيقه، فقام إلى
موسى رجل من مسالمة البربر، ممن حسن إسلامه، فقال له: أيها الأمير، قد مر علي مئة
وعشرون سنة، وإن أبي حدثني أن صاحب قرطاجنة لما أراد بناء قناتها، أتاه الناس
يعظمون عليه ذلك فقام إليه رجل فقال له: أيها الملك، إنك إن وضعت يدك بلغت منها
حاجتك، فإن الملوك لا يعجزها شيء بقوتها وقدرتها، فضع يدك أيها الأمير، فإن الله
تعالى سيعينك على ما نويت، ويأجرك فيما توليت. فسر بذلك موسى، وأعجبه قول هذا
الشيخ. فوضع يده، فبنى دار صناعة بتونس، وجر البحر إليها مسيرة اثني عشرة ميلا، حتى
أقحمه دار الصناعة، فصارت مشتى للمراكب إذا هبت الأنواء والأرياح. ثم أمر بصناعة
مئة مركب، فأقام بذلك بقية سنة أربع وثمانين، وقدم عطاء بن أبي نافع الهذلي في
مراكب أهل مصر، وكان قد بعثه عبد العزيز يريد سردانية، فأرسى بسوسة، فأخرج إليه
موسى الأسواق، وكتب إليه أن ركوب البحر قد فات في هذا الوقت وفي هذا العام، فأقم لا
تغرر بنفسك، فإنك في تشرين الآخر، فأقم بمكانك حتى يطيب ركوب البحر قال: فلم يرفع
عطاء لكتاب موسى
(هامش)
(1) دار الصناعة: يعني ترسانة بناء السفن وميناء تأوي إليه. قال العريني: أدرك عبد
الملك أهمية القوة البحرية في فتح أفريقيا، فطلب إلى والي أفريقيا موسى بن نصير بأن
يقيم بها قاعدة بحرية وبعث إليه من مصر ألفا من صناع السفن، بأسراتهم ليسهموا في
عمارة البحرية.. على أن موسى لم يشيد دار الصناعة والقاعدة البحرية في قرطاجنة بل
اتخذ لذلك موضعا يقع إلى الداخل، على بحيرة وأمر بحفر قناة تتصل بين البحيرة
والخليج، وبذلك أهمل قرطاجنة ونهضت مدينة تونس، وأصبحت تونس مرفأ مأمونا للسفن
الإسلامية، بفضل موقعها في الداخل، وبعدها عن خطر الغارة البحرية المفاجئة. وبادر
موسى إلى تشييد سفنه في دار الصناعة التي أنشأها حديثا (الدولة البيزنطية ص 169).
(*)
ص 81
رأسا (1)، وشحن مراكبه، ثم رفع فسار حتى أتى جزيرة يقال لها سلسلة، وافتتحها، وأصاب
فيها مغانم كثيرة، وأشياء عظيمة من الذهب والفضة والجواهر، ثم انصرف قافلا، فأصابته
ريح عاصف، فغرق عطاء وأصحابه، وأصيب الناس، ووقعوا بسواحل أفريقية. فلما بلغ ذلك
موسى، وجه يزيد بن مسروق في خيل إلى سواحل البحر، يفتش على ما يلقي البحر من سفن
عطاء وأصحابه فأصاب تابوتا منحوتا قال: فمنه كان أصل غناء يزيد بن مسروق. قال: ولقد
لقيت شيخا متوكئا على قصبة، فذهبت لأفتشه فنازعني، فأخذت القصبة من يده فضربت بها
عنقه فانكسرت، فتناثر منها اللؤلؤ والجوهر والدنانير، ثم إن موسى أمر بتلك المراكب
ومن نجا من النواتية، فأدخلهم دار الصناعة بتونس، ثم لما كانت سنة خمس وثمانين أمر
الناس بالتأهب لركوب البحر، وأعلمهم أنه راكب فيه بنفسه، فرغب الناس وتسارعوا، ثم
شحن فلم يبق شريف ممن كان معه إلا وقد ركب حتى إذا ركبوا في الفلك، ولم يبق إلا أن
يرفع هو، دعا برمح فعقده لعبد الله بن موسى بن نصير، وولاه عليهم وأمره، ثم أمره أن
يرفع من ساعته، وإنما أراد موسى بما أشار من مسيره، أن يركب أهل الجلد والنكاية
والشرف، فسميت غزوة الأشراف، ثم سار عبد الله بن موسى في مراكبه، وكانت تلك أول
غزوة غزيت في بحر أفريقية (2). قال: فأصاب في غزوته تلك صقلية، فافتتح مدينة فيها،
فأصاب ما لا يدري، فبلغ سهم الرجل مئة دينار ذهبا، وكان المسلمون ما بين الألف إلى
التسع مئة، ثم انصرف قافلا سالما. فأتت موسى وفاة عبد العزيز بن مروان (3)،
واستخلاف الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين، فبعث إليه بالبيعة، وبفتح عبد الله
بن موسى، وما أفاء الله على يده، ثم إن موسى بعث زرعة بن أبي مدرك إلى قبائل من
البربر، فلم يلق حربا منهم ورغبوا في
(هامش)
(1) يريد أنه لم يعره اهتماما، ولم يصغ لنصيحة موسى. (2) بعد بناء القاعدة البحرية
في تونس، يقول العريني معبرا عن أهميتها: وأصبحت القوى البحرية الإسلامية موزعة بين
ثلاثة مراكز: شمال أفريقيا، ومصر والشام (الدولة البيزنطية ص 169). (3) كانت وفاة
عبد العزيز بن مروان سنة 85 وقد مرت الإشارة إلى ذلك. وولى عبد الملك فيما قيل ابنه
عبد الله، وقيل عبد الله بن مروان أخي عبد الملك (الطبري - ابن الأثير - ولاة مصر
للكندي). أما وفاة عبد الملك فكانت سنة 86، فخلفه أخوه الوليد. (*)
ص 82
الصلح، فوجه رؤسهم إلى موسى، فأعطاهم الأمان، وقبض رهونهم، وعقد لعياش بن أخيل على
مراكب أهل أفريقية، فشتا في البحر (1)، وأصاب مدينة يقال لها سرقوسة (2)، ثم قفل في
سنة ست وثمانين، ثم إن عبد الله بن مرة قام بطالعة أهل مصر على موسى في سنة تسع
وثمانين فعقد له موسى على بحر أفريقية، فأصاب سردانية، وافتتح مدائنها، فبلغ سبيها
ثلاثة آلاف رأس، سوى الذهب والفضة والحرث وغيره (3)
غزوة السوس الأقصى
قال: وذكروا
أن موسى وجه مروان ابنه إلى السوس الأقصى، وملك السوس يومئذ مزدانة الاسواري، فسار
في خمسة آلاف من أهل الديوان (4) فلما اجتمعوا، ورأى مروان أن الناس قد تعجلوا إلى
قتال العدو، وأن في يده اليمنى القناة، وفي يده اليسرى الترس، وإنه ليشير بيده إلى
الناس أن كما أنتم. فلما التقى مروان ومزدانة، اقتتل الناس إذ ذاك قتالا شديدا، ثم
انهزم مزدانة ومنح الله مروان أكتافهم، فقتلوا قتلة الفناء، فكانت تلك الغزوة
استئصال أهل السوس (5) على أيدي مروان، فبلغ السبي أربعين ألفا، وعقد موسى على بحر
أفريقية حتى نزل بميورقة فافتتحها.
(هامش)
(1) في البيان المغرب 1 / 42 فمشى في البحر إلى صقلية. (2) زيد في البيان المغرب:
فغنمها وجميع ما بها، وقفل سالما غانما. (3) هذه الغارات التي شنها موسى بن نصير لم
يكن هدفها استعراض قوة بل جرت - كما يقول العريني: - وفقا لخطة موضوعة، وذلك أن
موسى بن نصير كان منصرفا إلى فتح شمال أفريقيا إلى المحيط الأطلنطي واستخدام
القوة البحرية يعود لثلاثة أسباب: - حماية مؤخرة الجيش الإسلامي من أي تهديد بيزنطي
ينطلق من قواعد البحرية البيزنطية في صقلية وسردينية وجزائر البليار. - إخضاع
الشاطئ الإفريقي من تونس إلى سبتة. - حماية مواصلات الجيش، وملاحظة ومراقبة تحركات
الجيوش البيزنطية. (4) يريد: الجنود النظاميون المقيدون في ديوان الدولة، أصحاب
الأعطيات. (5) السوس: بلد بالمغرب كانت الروم تسميها قمونية. والسوس الأقصى: كورة
أخرى مدينتها طرقلة. وبين السوس الأدنى إلى السوس الأقصى مسيرة شهرين وبعده بحر
الرمل وليس وراء ذلك شيء يعرف. ومن السوس الأقصى إلى القيروان ثلاثة آلاف فرسخ
(معجم البلدان). وكان موسى على ما ذكره ابن الأثير 4 / 195 قد خرج غازيا إلى طنجة
يريد من بقي من البربر، وقد هربوا منه، فتبعهم وقتلهم قتلا ذريعا حتى بلغ السوس
الأدنى لا يدافعه أحد. (وانظر البيان المغرب 1 / 42 والحلة السيراء 2 / 333). (*)
ص 83
قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك
قال: وذكروا أن خادما للوليد بن عبد الملك
بن مروان أخبرهم قال: إني لقريب من الوليد بن عبد الملك، وبين يديه طشت من ذهب، وهو
يتوضأ منه، إذ أتى رسول من قبل قتيبة بن مسلم من خراسان بفتح من فتوحاتها، فأعلمته
قال: خذ الكتاب منه، فأخذه فقرأه، فما أتى على آخره، حتى أتى رسول آخر من قبل موسى
بن نصير (1)، بفتح السوس من قبل مروان بن موسى، فأعلمته. قال: هاته، فقرأه، فحمد
الله، وخر ساجدا لله حامدا، ثم التفت إلي قال: أمسك الباب لا يدخل أحد. قال: وكان
عنده ابن له يحبو بين يديه، فلما خر الوليد ساجدا لله شاكرا، جاء الصبي إلى الطشت
فاضطرب فيه وصاح، فما التفت إليه، قال: وصرت لا أستطيع أن أغيثه لما أمرني به من
إمساك الباب،
(هامش)
(1) كان الوليد، بعد وفاة عبد الملك قد كتب بولاية موسى بن نصير إفريقيا والمغرب،
وقطعها عن عمه عبد الله بن مروان (على قول من قال بولاية عبد الله بن مروان على
مصر: البيان المغرب 1 / 41 وقد ذكرنا أنه بعد وفاة عبد العزيز بن مروان ولى عبد
الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك). وكان موسى بن نصير وبعد وفاة عبد العزيز بن
مروان، قد بدأ بمراسلة عبد الملك مباشرة دون الرجوع إلى والي مصر - عبد الله ابنه
مما أسخطه عليه فكتب له: أما بعد: فإنك كنت من عبد العزيز وبشر بين مهادين، تعلو عن
الحضيض مهودهما، ويدفئك دثارهما حتى عفا مخبرك وسمت بك نفسي فلا تحسبني كمن كنت
تخلبه وأعداء بيته، ونقول: أكفياني أكفكما، ولا كأصبغ كنت تمنيه بكهانتك، وأيم الله
لأضعن منك ما رفعا، ولأقلن منك ما كثرا. فضح رويدا، فكأن قد أصبحت سادما، تعض
أناملك نادما. والسلام. فكتب إليه موسى بن نصير: أما بعد. لقد قرأت كتابك، وفهمت ما
وصفت فيه من إركاني إلى أبويك وعمك ولعمري إن كنت لذلك أهلا، ولو خبرت مني ما خبرا،
لما صغرت مني ما عظما، ولا جهلت من أمرنا ما علما، فكيف أتاه الله لك؟ وأما انتقاصك
لهما، فهما لك وأنت منهما، ولهما منك ناصر لو قال وجد عليك مقالا، وكفاك جزاء
العاق. فأما ما نلت من عرضي، فذلك موهوب لحق أمير المؤمنين لا لك. وأما تهددك إياي
بأنك واضع مني ما رفعا، فليس ذلك بيدي ولا إليك، فارعد وابرق لغيري وأما ما ذكرت
مما كنت آتي به عمك عبد العزيز، فلعمري إني مما نسبتني إليه من الكهانة لبعيد، وإني
من غيرها من العلم لقريب. فعلى رسلك، فكأنك قد أظلك البدر الطالع، والسيف القاطع
والشهاب الساطع، فقد تم لها، وتمت له، ثم بعث إليك الأعرابي الجلف الجافي، فلم تشعر
به حتى يحل بعقوتك فيسلبك سلطانك، فلا يعود إليك ولا تعود إليه، فيومئذ تعلم أكاهن
أم عالم وتوقن أينا النادم، والسلام. قرأ عبد الله الكتاب ثم أرسله إلى عبد الملك،
فوصل وعبد الملك قد قبض (ولاة مصر للكندي ص 81 - 82). (*)
ص 84
وأطال السجود حتى خفي صوت الصبي، ثم رفع رأسه فصاح بي، فدخلت وأخذت الصبي، وإنه لما
به روح. فتح قلعة أرساف قال: ثم إن صاحب قلعة أرساف، أغار على بعض سواحل أفريقية،
فنال منهم، وبلغ موسى خبره، فخرج إليه بنفسه فلم يدركه، فاشتد ذلك على موسى. قال:
قتلني الله إن لم أقتله وأنا مقيم هنا. قال: فأقام موسى ما أقام، ثم إنه دعا رجلا
من أصحابه، فقال له: إني موجهك في أمر وليس عليك فيه بأس ولك عندي فيه حسن الثواب،
خذ هذين الأذنين فسر فيهما بمن معك، حتى تأتي موضع كذا وكذا، في مكان كذا، فإنك تجد
كنيسة، وتجد الروم قد جعلوها لعيدهم، فإذا كان الليل فادن من ساحلها، ودع إحدى هذين
الأذنين (1) بما فيها ثم انصرف إلي بالأذن الأخرى، وبعث معه موسى قبة من الخز
والوشي، ومن طرائف أرض العرب شيئا مليحا، وكتب كتابا بالرومية جوابا لكتاب، كأنه
كان كتب به إلى موسى يسأله الأمان، على أن يدله على عورة الروم، وكتاب فيه أمان من
موسى مطبوع، فسار حتى انتهى إلى الموضع الذي وصف له موسى، فترك الأذن بما فيها،
وانصرف راجعا في الأذن الأخرى حتى قدم على موسى، وأن الروم لما عثروا على أذن موسى
استنكروها، فارتفع أمرها إلى بطريق تلك الناحية، فأخذ ما فيها. فلما رأى ما فيها من
الكتب والهدية هاب ذلك، فبعث بها كما هي إلى الملك الأعظم. فلما أفضت إليه، وقرأ
الكتب تحقق ذلك عنده، فبعث إلى أرساف رجلا وملكه عليها، وأمر أن يضرب عنق صاحبها
الذي أغار على سواحل أفريقية، ففعل، فقتله الله بحيلة موسى.
(هامش)
(1) الأذنان: تثنية أذن، وهي العروة التي يمسك منها الخرج ونحوه. ويريد الأذنين
هنا: الخرج نفسه، وفي كل من الخرجين هدايا وغيرها. (*)
ص 85
فتح الأندلس (1)
قال: وذكروا أن موسى (2) وجه طارقا (3) مولاه إلى طنجة وما هنالك،
فافتتح مدائن البربر وقلاعها، ثم كتب إلى موسى: إني قد أصبت ست سفن، فكتب إليه
موسى. أتممها سبعا، ثم سر بها إلى شاطئ البحر، واستعد لشحنها، واطلب قبلك رجلا يعرف
شهور السريانيين، فإذا كان يوم أحد وعشرين من شهر آذار بالسرياني، فاشحن على بركة
الله ونصره في ذلك اليوم، فإن لم يكن عندك من يعرف شهور السريان، فشهور العجم،
فإنها موافقة لشهور السريان، وهو شهر يقال له بالأعجمية مارس، فإذا كان يوم أحد
وعشرين منه، فاشحن على بركة الله كما أمرتك إن شاء الله، فإذا أجريت فسر حتى يلقاك
جبل أحمر، وتخرج منه عين شرقية، إلى جانبها صنم فيه تمثال ثور، فاكسر ذلك التمثال،
وانظر فيمن معك إلى رجل طويل أشعر، بعينيه قبل (4)، وبيده شلل، فاعقد له على
مقدمتك، ثم أقم مكانك حتى يغشاك إن شاء الله. فلما انتهى الكتاب إلى طارق كتب إلى
موسى: إني منته إلى ما أمر الأمير ووصف، غير أني لم أجد صفة الرجل الذي أمرتني به
إلا في نفسي، فسار طارق في ألف رجل وسبع مئة، وذلك في شهر رجب سنة ثلاث وتسعين (5)،
وقد كان
(هامش)
(1) الأندلس: كانت قديما تعرف باسم إبارية ولعله على اسم شعب قوقازي كان يسكنها
وعرفها النصارى باسم اشبانيا باسم رجل يقال له اشبانس، ويقول ابن الأثير باسم أحد
ملوكها اشبان (3 / 205). وقيل باسم قوم سكنها يعرفون بالأندلس، وهم الوندال الذين
غزوها في أوائل القرن الخامس الميلادي، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليها اسم فاندلوسيا
(معجم البلدان - ابن الأثير). (2) كذا بالأصل وابن الأثير والبيان المغرب وفيهما
أنه استعمل طارق على طنجة وما والاها (إشارة إلى أن موسى قد وصل إليها) ومعه جيشا
17 ألف من العرب واثني عشر ألفا من البربر، وأن موسى قفل إلى أفريقيا. وفي الحلة
السيراء 2 / 333 أن مروان بن موسى قد توجه إلى طنجة، ثم انصرف وخلف على جيشه طارق
بن زياد. (وانظر تاريخ خليفة ص 304 وفتوح البلدان للبلاذري ص 232). (3) هو طارق بن
زياد، اختلفوا في نسبه. قال ابن بشكوال: هو طارق بن عمرو. وقال ابن عذاري: هو طارق
بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نبرغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو. فهو
نفزي. ذكر أنه من سبي البربر. (4) القبل: له معان كثيرة، المعنى الأقرب هنا لعله:
شبه الحول في العين. (5) في البيان المغرب وابن الأثير: رجب سنة 92. لم يكن حدث
عبور طارق بن زياد إلى الأندلس حدثا عاديا أو وليد صدفة أو قرارا مفاجئا = (*)
ص 86
لذريق (1) ملك الأندلس، قد غزا عدوا يقال له البشكنس، واستخلف ملكا من ملوكهم
(هامش)
= ارتجاليا من موسى بن نصير بل يعتبر تصميما من العرب المسلمين على فتح بلاد
الأندلس وفق خطة أعدها الوليد بن عبد الملك ونفذها موسى بن نصير وقد جاء فتح
الأندلس بعد سلسلة من الإجراءات الناجحة والاختبارات التي قام بها موسى بن نصير
منها: - تعزيز القوة البحرية الإسلامية في غرب البحر المتوسط ثم إنشاء دار الصناعة
في تونس. - احتلال شواطئ المغرب الطويلة المقابلة للأندلس. - احتلال جزيرتي منيورقة
وميورقة قبالة الساحل الأندلسي الشرقي. - قيام الأسطول العربي بعمليات رصد ومراقبة
شبه دائمة. - سنة 90 يبعث موسى طريف بن مالك أحد مواليه في 400 رجل وغزا مدينة في
جنوب الأندلس فسميت باسمه جزيرة طريف. - سنة 91 أغار على الجزيرة الخضراء وأصاب
غنائم كثيرة. - سنة 92 استولى موسى على جزيرة سردانية. وفي أسباب غزو العرب
للأندلس: ذكر ابن الأثير أن يوليان صاحب الجزيرة الخضراء وسبتة كان عنده ابنة
استحسنها روذريق فافتضها فكتبت إلى أبيها فأغضبه ذلك فكتب إلى موسى بن نصير بالطاعة
ودعاه إليه وحسن له غزو الأندلس. (الكامل 3 / 208 - أخبار مجموعة ص 5 - 6). هذا ما
تقدمه النصوص وتجعله السبب المباشر لغزو الأندلس. ولا يمكن القبول به ونعده سببا
مباشرا للغزو لتناقض الروايات بشأن يوليان وابنته. فابن القوطية يروي أن يوليان
تاجر من الروم كان يدخل قصر الملك لتاجر (تاريخ افتتاح الأندلس ص 7 - 8) وفولتير
مثلا يشك في أن الملك انتهك عرض ابنة يوليان. ونرى أن الأسباب الحقيقية لغزو العرب
بلاد الأندلس ربما عادت إلى وضع الأندلس من جهة: وتردي الحالة السياسية والفوضى
الداخلية - ومنها طبعا الخلاف الناشب بين يوليان وروذريق بغض النظر عن مسبباته -
وتردي الأوضاع الاجتماعية - المجاعة والطاعون والأمراض - تلك الأوضاع التي أفقدت
البلاد أكثر من نصف سكانها من جهة، وأفقدتهم المناعة على القتال. ومن جهة أخرى -
وهي ظروف مساعدة للعرب - شعور العرب بضعفها، وتوثبهم لمزيد من الفتح والاندفاع خاصة
بعد وصولهم إلى أقاصي غرب أفريقيا، فالبحر يمنع اندفاعهم غربا والصحراء تمنع
اندفاعهم جنوبا فكان الشمال - طبعا - المتنفس الطبيعي لهم. يضاف إلى ذلك أمران
هامان: العلاقة المتوترة التي كانت تسود بين العرب والقوط. والأمر الثاني: محاولة
العرب إشغال البربر - المسلمون الجدد - بتوجيههم لحرب القوط ونحو الفتوح. (1)
اختلفت الروايات بشأن اسمه: قيل لذريق (الحلة السيراء - نفح الطيب) وقيل الأدريق
(تاريخ اليعقوبي)، وقيل: ادرينوق (الطبري). وروذريق هذا لم يكن من أسرة الملك، بل
كان من النبلاء وقد جاء تعيينه ملكا بعد موت الملك غيطشة الذي حاول قبل موته أن
يجعل الحكم وراثيا وقد حاول جاهدا إقناع الكنيسة بتأييده على إقامة دولة وراثية،
لأن مبدأ الحكم كان عن طريق الانتخاب من قبل النبلاء والأشراف الذين عارضوا غيطشة
وأصروا على إبقاء مبدأ الانتخاب. (انظر صفة الأندلس = (*)
ص 87
يقال له تدمير. فلما بلغ تدمير مكان طارق، ومن معه من المسلمين. كتب إلى لذريق: إنه
قد وقع بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء نزلوا أم من الأرض نبعوا. فلما بلغ لذريق ذلك
أقبل راجعا إلى طارق في سبعين ألف عنان (1)، ومعه العجل تحمل الأموال والزخرف، وهو
على سرير بين دابتين، وعليه قبة مكللة باللؤلؤ وبالياقوت والزبرجد، ومعه الحبال،
ولا يشك في أسرهم. فلما بلغ طارقا دنوه منهم. قام في أصحابه، فحمد الله، ثم حض
الناس على الجهاد، ورغبهم في الشهادة، وبسط لهم في آمالهم. ثم قال: أيها الناس، أين
المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس ثم والله إلا الصدق والصبر، فإنهما لا
يغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضر معهما قلة، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل
والاختلاف والعجب كثرة. أيها الناس، ما فعلت من شيء فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا،
وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، ألا وإني عامد إلى طاغيتهم،
بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا
تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر لعدوكم، فتبددوا بين قتيل وأسير.
وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من
الكرامة، والراحة من المهانة والذلة، وما قد أجل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن
تفعلوا، والله معكم ومعيذكم، تبوؤوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدا بين من عرفكم
من المسلمين (2). وها أنا ذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي، فحمل وحملوا. فلما
غشيهم اقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن الطاغية قتل، وانهزم جميع العدو (3)، فاحتز طارق
رأس لذريق (4)،
(هامش)
= ص 10 وإسبانيا الإسلامية لبروفنسان ص 7 وفجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس ص 12 -
13). (1) في ابن الأثير 3 / 210 يقال مئة ألف. (2) قارن مع نفح الطيب 1 / 241 - 242
وفيات الأعيان 5 / 321 - 322. (3) أنظر في أخبار فتح طارق وانتصاره على لذريق
روايات ذكرها المقري في نفح الطيب 1 / 242 وما بعدها. وابن عبد الحكم ص 92 وأخبار
مجموعة ص 7. وفي الحلة السيراء 2 / 333 أن لذريق زحف إلى طارق من طليطلة فالتقوا
على نهر لكة من كورة شذونه يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة 92 واتصلت
الحرب بينهم إلى يوم الخميس لخمس خلون من شوال - تتمة ثمانية أيام، ثم هزم الله
المشركين، فقتل منهم خلق عظيم وخفي أثر لذريق... وغاب شخصه فما وجد حيا ولا ميتا.
(أنظر البيان المغرب 2 / 12 ابن الأثير 3 / 210 غرق روذيق في النهر). (4) أنظر
الحاشية السابقة. (*)
ص 88
وبعث به إلى موسى بن نصير، وبعث به موسى مع ابنه، وجهز معه رجالا من أهل أفريقية،
فقدم به على الوليد بن عبد الملك، ففرض له في الشرف، وأجاز كل من كان معه، ورده إلى
أبيه موسى، وأن المسلمين قد أصابوا مما كان مع لذريق ما لا يدرى ما هو ولا ما
قيمته. قال: وكتب طارق إلى مولاه موسى (1): إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية،
فالغوث الغوث، فلما أتاه الكتاب نادى في الناس وعسكر، وذلك في صفر سنة ثلاث وتسعين،
وكان أحب الخروج إليه يوم الخميس أول النهار، فاستخلف عبد الله بن موسى على أفريقية
وطنجة والسوس، وكتب ساعة قدم عليه كتاب طارق إلى مروان، يأمره بالمسير، فسار مروان
بمن معه، حتى أجاز إلى طارق، قبل دخول أبيه موسى، وخرج موسى بن نصير والناس معه حتى
أتى المجاز، فأجاز بمن زحف معه في جموعه، وعلى مقدمته طارق مولاه، فوجد الجموع قد
شردت إليه من كل مكان، فسار حتى افتتح قرطبة وما يليها، من حصونها وقلاعها
ومدائنها، فغل الناس يومئذ غلولا لم يسمع بمثله (2)، ولم يسلم من الغلول يومئذ إلا
أبو عبد الرحمن الجبلي (3). ثم إن موسى سار لا يرفع له شيء إلا هذه، يفتتح له
المدائن يمينا وشمالا، حتى انتهى إلى مدينة الملوك، وهي طليطلة، فوجد فيها بيتا
يقال له بيت الملوك، وجد فيه أربعة وعشرين تاجا، تاج كل ملك ولي الأندلس، كان كلما
هلك ملك جعل تاجه في ذلك البيت، وكتب على التاج اسم صاحبه، وابن كم هو، ويوم مات،
ويوم ولي، ووجد في ذلك البيت أيضا مائدة عليها اسم سليمان بن داود عليه السلام،
ومائدة من جزع، فعمد موسى إلى التيجان والآنية والموائد، فقطع عليها الأغشية،
(هامش)
(1) يمكن أن تكون رسالة طارق إلى موسى فور لقائه مع لذريق. والأرجح أنها كانت بعد
معركته مع لذريق خاصة أن طارق قوبل بمقاومة عنيفة خلال تعقبه القوط إلى طليطلة
وتدمير وأستجة. ثم تمادى طارق في افتتاح البلاد دون خطة ثابتة مرسومة مما أدى به
إلى ابتعاده عن قواعده مما هدد المسلمين بكارثة لأنه ترك في مؤخرته بلادا كثيرة لم
يتم فتحها فكتب إلى موسى يعلمه بفتوحاته ويطلب منه يستمده. (أخبار مجموعة ص 15 -
ماجد الدولة العربية 2 / 205) فكتب إليه موسى ألا يجاوز قرطبة حتى يقدم عليه (الحلة
السيراء 2 / 334). (2) الغلول: هو ما احتجزه المحارب لنفسه من الغنيمة، دون وضعه في
غنائم المحاربين. (3) كذا بالأصل خطأ: والصواب: الحبلي وهو عبد الله بن يزيد (نفح
الطيب). (*)
ص 89
وجعل عليها الأمناء ليس منها شيء يدرى ما قيمته. فأما الذهب والفضة والمتاع، فلم
يكن يحصيه أحد (1).
اتهام الوليد موسى بالخلع
قال: وذكروا أن الوليد بن عبد الملك
بن مروان لما بلغه مسير موسى بن نصير إلى الأندلس ووصفت له، ظن أنه يريد أن يخلع،
ويقيم فيها، ويمتنع بها، وقيل ذلك له، وأبطأت كتب موسى عليه، لاشتغاله بما هنالك من
العدو، وتوطيئه لفتح البلاد. فأمر الوليد القاضي أن يدعو على موسى إذا قضى صلاته،
وأن موسى لما دخل طليطلة، بعث علي بن رباح (2) بفتحها، وأوفد معه وفدا، فسار حتى
قدم دمشق صلاة العصر، فدخل المسجد فألفى القاضي يدعو على موسى. فقال: أيها الناس،
الله الله في موسى، والدعاء عليه، والله ما نزع يدا من طاعة، ولا فارق جماعة، وإنه
لفي طاعة أمير المؤمنين، والذب عن حرمات المسلمين، والجهاد للمشركين، وإني لأحدثكم
عهدا به، وما قدمت الآن إلا من عنده، وإن عندي خبره، وما أفاء الله على يده لأمير
المؤمنين، وما أمد به المسلمين، ما تقر به أعينكم، ويسر به خليفتكم (3).
دخول وفد
موسى على الوليد بن عبد الملك 
قال: وذكروا أن الوليد لما بلغه خبر هذا المتكلم
الوافد من عند موسى، أرسل إليه، فأدخل عليه، ثم قال له: ما وراءك؟ فقال: كل ما تحب
يا أمير المؤمنين، تركت موسى بن نصير في الأندلس، وقد أظهره الله ونصره، وفتح على
يديه ما لم يفتح على يد أحد، وقد أوفدني إلى أمير المؤمنين في نفر من وجوه من معه،
بفتح من فتوحه، فدفع إليه الكتاب من عند موسى، فقرأه الوليد. فلما أتى على آخره خر
ساجدا، فلما رفع رأسه أتاه فتح آخر، فخر أيضا
(هامش)
(1) أنظر نفح الطيب 1 / 265 و271 و272 و280 وابن الأثير 3 / 211 فتوح البلدان
للبلاذري ص 232. تاريخ اليعقوبي 2 / 285. (2) علي بن رباح، بصري تابعي، يكنى أبا
عبد الله، لخمي، ولد عام اليرموك سنة 15، كانت له مكانة عند عبد العزيز بن مروان
(نفح الطيب 1 / 278). (3) وكان موسى بن نصير قد أرسل إلى الوليد بعد فتح الأندلس:
إنها ليست بالفتوح، ولكنه الحشر وفي رواية: ولكنها الجنة (الحلة السيراء 2 / 334
وفيات الأعيان 5 / 329). (*)
ص 90
ساجدا، ثم رفع رأسه، فأتاه آخر بفتح آخر، وخر ساجدا، حتى ظننت أنه لا يرفع رأسه
(1).
ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب
قال: وذكروا أن
هرم بن عياض حدثهم عن رجل من أهل العلم، أنه كان مع موسى بالأندلس حين فتح البيت
الذي كانت فيه المائدة، التي ذكروا أنها كانت لسليمان بن داود عليه السلام. فقال:
كان بيتا عليه أربعة (2) وعشرون قفلا، كان كلما تولى ملك، جعل عليه قفلا اقتداء منه
بفعل من كان قبله، حتى إذا كانت ولاية لذريق القرطبي، الذي افتتحت الأندلس على يديه
وفي ملكه قال: والله لا أموت بغم هذا البيت، ولافتحنه حتى أعلم ما فيه، فاجتمعت
إليه النصرانية والأساقفة والشمامسة، وكل منهم معظم له. فقالوا له: ما تريد بفتح
هذا البيت؟ فقال: والله لا أموت بغمه، ولأعلمن ما فيه. فقالوا: أصلحك الله، إنه لا
خير في مخالفة السلف الصالح، وترك الاقتداء بالأولية، فاقتد بمن كان قبلك، وضع عليه
قفلا كما صنع غيرك، ولا يحملك الحرص على ما لم يحملهم عليه، فإنهم أولى بالصواب منا
ومنك، فأبى إلا فتحه. فقالوا له: انظر ما ظننت أن فيه من المال والجواهر، وما خطر
على قلبك، فإنا ندفعه إليك، ولا تحدث علينا حدثا لم يحدثه فيه من كان قبلك من
ملوكنا، فإنهم كانوا أهل معرفة وعلم. فأبى إلا فتحه، ففتحه، فوجد فيه تصاوير العرب،
ووجد كتابا فيه: إذا فتح هذا البيت دخل هؤلاء الذين هيئاتهم هكذا، هذه البلاد
فملكوها. فكان دخول المسلمين من العرب إليه في ذلك العام (3).
(هامش)
(1) ذكر ابن الأثير أن الوليد أرسل رسولا إلى موسى يأمره بالخروج من الأندلس
والقفول إليه، فساءه ذلك ومطل الرسول... فقدم عليه رسول آخر للوليد يستحثه... 3 /
212 أخبار مجموعة ص 19 وفي الحلة السيراء 2 / 335 فلما قدم إفريقيا كتب إليه الوليد
بالخروج إليه. فالوليد وبعد أخبار الفتح الهائلة كان ينتظر موسى بفروغ صبر ليطلع
منه شخصيا على نتائج عملية الغزو الناجحة، ولعله أرسل إليه الدراسة الخطوات اللاحقة
بعد دراسة الظروف المستجدة. (2) في وفيات الأعيان: ستة. (وانظر نفح الطيب 1 / 247).
(3) أنظر ما ذكره المقري 1 / 247 وما بعدها وابن خلكان 5 / 327 من تفاصيل حول هذا
الخبر. ومختصر كتاب البلدان لابن الفقيه ص 79 - 80. (*)
|