ص 151
الأمر بعث إلى أشراف الأجناد (1)، فقدموا عليه وقدم خالد فيمن قدم، فلم يأذن لواحد
منهم، وكان مشتغلا بلهوه ولعبه، ومرض خالد، فاستؤذن له في الانصراف فأذن له، فانصرف
إلى دمشق، فأقام بها شهرا. ثم كتب إليه الوليد: إن أمير المؤمنين قد علم الخمسين
ألف ألف التي تعلم (2)، فأقدم بها على أمير المؤمنين مع رسوله، فقد أمره أن لا
يعجلك عن جهازك، فبعث خالد إلى عدة من ثقاته، فيهم عمارة بن أبي كلثوم، فأقرأهم
كتاب الوليد وقال: أشيروا علي برأيكم. فقالوا: إن الوليد ليس بمأمون، فالرأي أن
تدخل مدينة دمشق، فتأخذ بيوت الأموال، وتدعو إلى من أحببت، والناس قومك، ولم يختلف
منا عليك اثنان. فقال لهم: وماذا؟ قالوا: تأخذ بيوت الأموال، وتجمع إليك قومك حتى
تتوثق لنفسك. قال: وماذا؟ قالوا: نتوارى. فقال: أما قولكم أن أدعو إلي من أحببت،
فإني أكره أن تكون الفرقة على يدي، وأما قولكم أن آخذ بيوت الأموال حتى أتوثق
لنفسي، فأنتم لا تأمنونني عليها ولا ذنب لي، فكيف لي ترجون وفاء بما يعطيني. وقد
فعلت ما فعلت، وأما قولكم في التواري، فوالله ما قنعت رأسي خوفا من أحد قط، فالآن
وقد بلغت من السن ما بلغت؟، ولكني أمضي، وأستعين بالله تعالى.
قتل خالد بن عبد الله القسري
قال: وذكروا أن خالد بن عبد الله القسري، شخص إلى الوليد بن يزيد حتى قدم
على معسكره، فلم يدع به الوليد ولم يكلمه، وهو يختلف إليه غدوة وعشية، حتى قدم برأس
يحيى بن زيد بن علي بن الحسين من خراسان، فجمع الناس الإذن، فحضر الأشراف، وجلس
الوليد، وجاء خالد إلى الحاجب فقال: إن حالي كما ترى، لا أقدر على المشي، وإنما
أحمل في الكرسي. قال الحاجب: ما يدخل أحد على أمير المؤمنين على هذه الحال، ثم أذن
له فحمله على كرسيه، ثم دخل على الوليد وهو جالس في سريره، والمائدة موضوعة.
(هامش)
(1) يفهم من اليعقوبي 2 / 331 أن الوليد عزل عمال هشام وعذبهم أنواع العذاب خلا
يوسف بن عمر الثقفي عامل العراق، وذلك أنه وجد في ديوان هشام كتبا من العمال يقومون
عزمه في خلع الوليد (وكان هشام قد هم بعزل الوليد) إلا يوسف فإنه أشار عليه ألا
يفعل، فأقره على عمله. (2) وهي من بقايا خراج العراقين (الأخبار الطوال ص 347). (*)
ص 152
فلما دخل عليه قال له الوليد: أين ولدك يزيد بن خالد؟ فقال: قد أصابه من هشام ظفر،
فخلى سبيله، ثم طلب فهرب، فكنا نراه عند أمير المؤمنين حتى استخلفه الله. فقال له
الوليد: لكنك خلفته طلبا للفتنة. فقال خالد: قد علم أمير المؤمنين أنا أهل بيت طاعة
أنا وأبي وجدي. فقال له الوليد: لتأتيني بابنك أو لأزهقن نفسك، فقال له خالد: هذا
الذي تدور عليه، وهو الذي تريد؟ والله لو أن ابني تحت قدمي ما رفعتهما لك، فاصنع ما
بدا لك (1). فأمر الوليد غيلان (2) صاحب حرسه بالبسط (3) عليه والأخذ له، وقال له:
أسمعني صوته، فذهب به غيلان إلى رحله، فعذبه بالسلاسل والحديد، فلم يتكلم بكلمة،
فرجع غيلان إلى الوليد فقال له: والله لا أعذب إنسانا لا يتكلم. فقال له: كف عنه
واحتبسه، ففعل، فقام يوسف بن عمر فقال: أنا أشتريه بخمسين ألف ألف، فأرسل الوليد
إلى خالد أن يوسف بن عمر قد سأل أن يشتريك بخمسين ألف ألف، فإن ضمنتها لأمير
لمؤمنين، وإلا دفعتك إليه. قال خالد: ما عهدنا العرب تباع، فدفعه إلى يوسف بن عمر،
فنزع ثيابه، وألبسه عباءة وألحفه أخرى، وحمله على محمل ليس تحته وطاء، فبسط عليه
وعذبه، وخالد لا يكلمه بكلمة، ثم ارتحل، حتى إذا كان ببعض الطريق عذبه يوما، ثم وضع
المضرسة (4) على صدره، فقتله
(هامش)
(1) في موقف الوليد من خالد بن عبد الله ثمة أسباب منها: - استرداد أموال كان خالد
- فيما يظن الوليد - استصفاها لنفسه من خراج العراق. - الدسائس التي حيكت ضد خالد
من المقربين من الوليد والتي اتجهت إلى: - استعداد خالد لخلع الوليد وتعاونه مع
مناوئين للوليد في هذا الأمر. - استعمال خالد للأموال التي أحرزها في دعم العلويين
وبني هاشم وحركة بني العباس. - اتهام خالد في أنه وراء خروج زيد بن علي ثم في خروج
ابنه يحيى. وكان على رأس المحرضين ضد خالد يوسف بن عمر الثقفي. - وذكر - من جملة
الأسباب - أن الوليد كان قد عزم على الحج ومن نيته أن يشرب الخمر على ظهر الكعبة،
فلما بلغ ذلك جماعة من الأمراء اجتمعوا على قتله وتولية غيره من الجماعة، فحذر خالد
الوليد منهم، فسأله أن يسميهم فأبى عليه فعاقبه عقابا شديدا. - وفيما ذكر - أنه كان
متهما في دينه وقد بنى لأمه كنيسة في داره (قاله ابن خلكان، وانظر ابن الأثير 3 /
404). - وثمة من يقول أنه غضب عليه وأساء معاملته إرضاء ليوسف بن عمر واليه عليه
العراق. (2) في الأخبار الطوال ص 347 سعيد بن غيلان. (3) البسط عليه: التسلط عليه
والإضرار به وإليه. (4) المضرسة: حجر غليظ جدا خشن الوطئ. وفي البداية والنهاية 10
/ 20 أنه كسر قدميه ثم ساقيه ثم فخذيه ثم صدره فمات وانظر ابن الأثير 3 / 403
والأخبار الطوال ص 347. (*)
ص 153
في الليل، فدفن في الحيرة (1)، وذلك في المحرم سنة سبع وعشرين ومئة (2).
وثوب أهل
دمشق على الوليد بن يزيد وقتله
قال: وذكروا أن يزيد (3) بن خالد دب في أهله، وتحمل
في عشائره، فاجتمع أمرهم على الوليد بن يزيد، فبينما هم يدبرون أمرهم، إذ انطلق ساع
إلى الوليد قاله له: أدلك على يزيد بن خالد؟ قال: نعم. فبعث الوليد مولى له، وأمره
أن يكمن النهار، ويسير الليل، حتى أتى دمشق ليلا، ويزيد مختف بدمشق، في منزل رجل
عند باب السوق، فاقتحم عليه المنزل فأخذه، وشخص به من ساعته حتى قدم على الوليد،
فأمر بالبعث به إلى يوسف بن عمر بالعراق، قال له يزيد: يا أمير المؤمنين، أنا أدفع
لك الخمسين ألف ألف التي طلبت من خالد في ثلاث سنين، على أن تكتب إلى الآفاق، بأمان
من كانت لي عنده وديعة، وأمان فيه ذمتي وموالي، فقبل منه الوليد ذلك، فأمر بالكتب
إلى العراق والحجاز وكور الشام في ذلك، واحتبس يزيد عنده، وجعل عليه القيود والحرس،
ثم ارتحل الوليد ومعه خدمته وشرطته، وتواعد أهل اليمن أن يثوروا إذا صلوا العتمة
(4) في المسجد (5)، وكانت العلامة بينهم أن يلتمس أحدهم صاحبه، فلما تفرق أهل
المسجد، خرجوا، فاستخرجوا يزيد بن الوليد من
(هامش)
(1) في الأخبار الطوال: في واسط. (2) في ابن الأثير: المحرم سنة 126. (3) في
الأخبار الطوال: محمد بن خالد. (في شتى مواضع الخبر). (4) العتمة بفتح العين
والتاء: العشاء. (5) تعتبر حركة اليمانية، وهم الجناح الأساس في السلطة الأموية،
أول حركة تمرد ضد خليفة أموي، وتعود ظروف هذا التحرك إلى: - انحرف الخلفاء الأمويين
عن اليمانية منذ يزيد وتقريبهم للقيسية. - قتل الوليد لخالد بن عبد الله، زعيمهم،
والأكثر طاعة وولاء للأمويين. وفي قتله قال الوليد شعرا يحرض على اليمانية (وقيل
لغيره) ومما قاله: (ابن الأثير 3 / 406 الأخبار الطوال ص 348):.. وطئنا الأشعرين
بعز قيس * فيالك وطأة لن تستقالا وهذا خالد فينا أسير * ألا منعوه إن كانوا رجالا
عظيمهم وسيدهم قديما * جعلنا المخزيات له ظلالا فلو كانت قبائل ذات عز * لما ذهبت
صنائعه ضلالا فبعد سماعهم ذلك عظم عليهم وازدادوا حنقا عليه. (*)
ص 154
منزله، ثم أتوا به القصر، وعلى دمشق يومئذ رجل من بنى الحجاج، وكان قد خرج من
الطاعون، واستخلف رجلا من قيس، فدخلوا عليه، فأوثقوه كتافا، وأوثقوا كل من خافوا
خلافه، فتسلل رجل حتى أتى الوليد بن يزيد، فأخبره الخبر، فلما أصبحوا غدوا إلى
الوليد، فبعث الوليد في طلب يزيد بن خالد، وهو عنده في الحديد. فقال له: إن قومك قد
خرجوا بين يدي الوليد، فارددهم عن أمير المؤمنين، ولك الله أن أوليك العراق، وأدفع
إليك يوسف تقتله بأبيك، فقال له يزيد بن خالد: وتوثقني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم،
فتوثق له وحلف، قال: فأرسلني إليهم حتى أدرهم عنك. فقال له الوليد: بل اكتب إليهم.
قال: إن كتابي لا يغني شيئا، وقد علموا أني في يديك، وأني سأكتب بما تريد، فأمر
بإطلاقه من الحديد، ورده إلى حبسه، وأمر الحرس يتحفظون به، ثم ارتحل الوليد بيزيد
بن خالد معه، فلما كان الفجر، صبحته أوائل الخيل، خيل أهل اليمن، فأرسل الوليد إلى
يزيد بن خالد، فقال له يزيد: خل عني حتى أردهم عنك، فبينما هم على ذلك، إذ التقى
القوم، فشدت الميمنة، وقد طلعت الشمس، واختلط الناس وكثر القتل، وتخلص يزيد بن خالد
من الحرس، فأتوه ببرذون من براذين الوليد، وأتى بسيف فتقلده، ثم نادى مناديه: من
جاء برأس الوليد، فله مئة ألف دينار، ونودي في العسكر: من دخل رحله فهو آمن. فنادى
الوليد: يا أهل الشام، ألم أحسن إليكم، ألم أفعل كذا، فعدد إحسانه، فقال عبد السلام
(1): بلى قد فعلت، ولكنك عمدت إلى شيخنا وسيدنا خالد بن عبد الله قد عزله الخليفة
قبلك، وأخذ أمواله، ثم خلى عنه، فدفعه إلى يوسف بن عمر بالبيع فأدرعه (2)، ثم حمله
على محمل بلا وطاء، ثم انطلق به فعذبه، حتى قتل شر قتل يكون. فقال لهم الوليد:
فاخلعوني في قميصي هذا، وولوا من شئتم، فانصرفوا إلى قومهم، فأعلموهم بما رضي من
الخلع. فقالوا: لا إلا رأسه، فتدلى القوم إلى القصر (3)، وانتهى يزيد بن خالد إلى
الباب، وعليه سلسلة، فأمر بها فكسرت، وكسر الباب، وخرج الوليد يسعى، حتى دخل بيتا
من بيوت القصر، ودخل عليه
(هامش)
(1) في البداية والنهاية: يزيد بن عنبسة السكسكي (أنظر ابن الأثير 4 / 410). (2) أي
ألبسه الدراعة، يعني القميص فقط. (3) وكانوا عشرة - على ما ذكره ابن الأثير 3 / 410
ومنهم: منصور بن جمهور، عبد السلام اللخمي، السندي (السري) بن زياد بن أبي كبشة.
(*)
ص 155
نحو من ثلاثين رجلا، وهو قائم بيده السيف، منكسا رأسه لا ينظر إليهم، وهو يذب عن
نفسه، فضربه رجل (1)، ضربة، ثم صرعه، ثم أكب عليه فاحتز رأسه، فخرج به وانصرف الناس
إلى دمشق فبايع الناس ليزيد بن الوليد بن عبد الملك. وذلك في ذي الحجة من سبع
وعشرين ومئة (2)، فكان خليفة ستة أشهر، ثم مات في جمادى الأولى، ثم ولى إبراهيم بن
الوليد فبويع له في جمادى الأولى، فمكث ثلاثة أشهر (3)، ثم خلع وهرب.
ولاية مروان
بن محمد بن مروان بن الحكم
قال: وذكروا أنه لما خلع إبراهيم بن الوليد، خرج مروان
بن محمد في صفر، سنة سبع وعشرين ومئة، ومعه أهل الجزيرة، وأهل حمص (4)، فدعا إلى
نفسه بالبيعة، ووعد الناس خيرا فرضي به أكثر الناس لشجاعة كانت فيه، وسخاء يوصف به،
فملك الشام، واستقل له الأمر، وغلظ شأنه، واستعلى سلطانه، وبايع له أهل العراق
والحجاز، وهابه الناس وخافوه، واستعمل العمال في الآفاق والأمصار، وكانت الشيعة
تتكاتب على الكتمان لذلك، وتتلاقى على السر. قال: فلما كانت سنة ثمان وعشرين ومائة
اجتمعت الشيعة.
(هامش)
(1) في ابن الأثير: ضربه عبد السلام على رأسه، وضربه السندي في وجهه، ثم احتزوا
رأسه. وينفرد صاحب الأخبار الطوال في أنهم لم يقتلوه بل خلعوه فلبث مخلوعا أياما
كثيرة، وهو خليع بني أمية (ص 349). (2) قتل الوليد لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة
سنة 126 وبويع يزيد، وتوفي لعشر بقين من ذي الحجة وكانت خلافته ستة أشهر وليلتين.
وقيل غير ذلك. أنظر في ذلك ثبت بمصادر ترجمته (ابن الأثير 3 / 424 من تحقيقنا دار
إحياء التراث العربي - لبنان). (3) في مروج الذهب 3 / 268 أربعة أشهر، وقيل: شهرين.
وفي ابن الأثير 3 / 425: وقيل سبعين يوما. (4) قام مروان بن محمد بحجة الثأر لمقتل
الوليد بن يزيد (الخليفة المظلوم كما سماه) إنما حقيقة حركته هي اشتداد الصراع
الدموي بين اليمانية والقيسية (جناحا السلطة الأموية) وقد غلبت القيسية المضرية
وتلاوموا فيما بينهم لغلبة اليمانية عليهم وتكاتبوا وتداعوا وبايعوا مروان بن محمد
وكان يومئذ شيخ بني أمية ورجلهم الكبير. وكانت معركة مروان، عملية تصفية حسابات
خطيرة بين اليمانية والقيسية حيث جرت بينهما تصفيات وعمليات قتل من الطرفين وبينهما
وانتقل الصراع وامتد إلى خراسان ثم إلى مناطق تواجدهما في جميع مناطق الدولة
الإسلامية (الطبري - ابن الأثير - الأخبار الطوال). (*)
ص 156
خروج أبي مسلم الخراساني قال: وذكروا أن الشيعة لما اجتمعت، وغلظ أمرهم بخراسان،
قدم منهم سليمان بن كثير، وقحطبة بن شبيب، فلقوا إبراهيم بمكة (1). فقالوا: قد
قدمنا بمال. قال: وكم هو؟ قالوا عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم وبمسك ومتاع قال:
ادفعوه إلى عروة مولى محمد بن علي، ففعلوا، فكان يحيى بن محمد يتبعهم ويسألهم،
فيقول: ما قصتكم وفي أي شيء جئتم؟ فلا يخبرونه، فذكروا ذلك لإبراهيم. فقال: احذروه،
فإنه قليل العقل، ضعيف الرأي. فجاء إلى إبراهيم فقال له: إن علي دينا، والله لئن لم
تعطني قضاء ديني، لأرفعن أمرك إلى عبد العزيز بن عمر، وهم يومئذ على الموسم، فأعطاه
خمسة آلاف درهم، وقدموا بأبي مسلم معهم، وقد خرج أصحابه من السجن، فأعلموا إبراهيم
أنه مولاه. فقال لسليمان: قد ربا (2) أمركم، فأنت على الناس، فاخرج إلى خراسان، وقد
كان أبو مسلم قدم على إبراهيم قبل أن ينصرف أصحابه، فرأى عقله وظرفه. فكتب إلى
أصحابه: إني قد أمرته على خراسان، وما غلب عليها، فأتاهم فلم يقبلوا قوله، وخرجوا
من قابل، فالتقوا بمكة، فأعلمهم أبو مسلم أنهم لم ينفذوا كتابه. قال إبراهيم: إنه
قد يجمع رأيه على هذا، فاسمعوا له وأطيعوا. ثم قال لأبي مسلم: يا أبا عبد الرحمن
إنك رجل منا أهل البيت، فاحفظ (3) وصيتي، انظر هذا الحي من اليمن فأكرمهم (4)، فإن
الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم، وانظر هذا الحي من ربيعة، فإنهم معهم (5)، وانظر
هذا الحي من مضر، فإنهم العدو القريب الدار، فاقتل من شككت في أمره، ومن وقع في
نفسك منه تهمة. فقال: أيها الإمام، فإن وقع في أنفسنا من رجل هو على غير ذلك، أحبسه
حتى تستبينه؟ قال: لا، السيف السيف، لا تتقي العدو بطرف. ثم قال للشيعة: من أطاعني
فليطع هذا، يعني أبا مسلم؟ ومن عصاه فقد عصاني. ثم قال له: إن استطعت أن لا تدع
بخراسان (6) أرضا فيها عربي فافعل، وأيما غلام
(هامش)
(1) وكان محمد بن علي قد مات سنة 125 واستخلف ابنه إبراهيم الإمام ودعا دعاته إلى
تأييده. (2) أي زاد وارتفع شأنكم. (3) في الطبري 7 / 344 فاحتفظ . (4) في ابن
الأثير 3 / 448 فالزمهم واسكن بين أظهرهم. (وحل: في الطبري). (5) في الطبري:
فأتهمهم في أمرهم. (6) في الطبري: لسانا عربيا فافعل. وفي ابن الأثير: من يتكلم
بالعربية فافعل. (*)
ص 157
بلغ خمسة أشبار، فاتهمته فاقتله، ولا تخالف هذا الشيخ، يعني سليمان بن كثير، ولا
تعصه، فشخصوا إلى خراسان. ووقعت العصبية بخراسان، بين نصر بن سيار، وكان عامل مروان
عليها، وبين الكرماني (1). فدخل على نصر بن سيار رجل فقال له: إن مروان بن محمد قد
خالف ما ظن به الناس، وقد كان رجي وأمل، وما أرى أمره إلا وقد انتقض، واجترأت عليه
الخوارج، وانتقضت عليه البلاد، وخرج عليه ثابت بن نعيم، ورأى الاشتغال بلذاته أهم
عليه، فلو اجتمعت كلمتك مع الكرماني فإني خائف أن يوقعك هذا الخلاف فيما نكره وأنت
شيخ العرب وسيدها، وأرى والله في هذه الكور شيئا، وأسمع أمورا أخاف أن تذهب، أو
تذهل منها العقول. فقال نصر بن سيار: والله ما أتهم عقلك ولا نصيحتك، ولكن اكفف عن
هذا القول، فلا يسمعن منك، فالتحم ما بين الرجلين (2)، وهاجت الحرب وتقاتلوا، وجعلت
رجال الشيعة تجتمع في الكور الألف والألفان، فيجتمعون في المساجد، ويتعلمون: أي
يتعارفون بينهم، فبلغ ذلك نصرا، واغتم لذلك، وخاف إن وجه إليهم من يقاتلهم أن
يتجاوزوا إلى الكرماني، فلما استفحل أمر القوم، وقام بأمرهم أبو مسلم الخراساني، ثم
اجتمعوا وأظهروا أمرهم. كتب نصر بن سيار إلى مروان بن محمد: أرى خلل (3) الرماد
وميض نار (4)* ويوشك (5) أن تكون له ضرام فإن النار بالعودين تذكى * وإن الحرب
أولها الكلام (6) أقول من التعجب: ليت شعري * أأيقاظ أمية أم نيام فإن كانوا لحينهم
نياما (7)* فقل قوموا فقد حان القيام
(هامش)
(1) هو جديع بن علي المعروف بالكرماني، كان سيد من بأرض خراسان من اليمانية. (2) أي
بين نصر بن سيار والكرماني (تفاصيل ذلك انظرها في الطبري 7 / 330) وما بعدها وابن
الأثير 3 / 444 وما بعدها، والأخبار الطوال ص 351 وما بعدها. (3) في الطبري 7 /
369: بين، وفي الأخبار الطوال: تحت. (4) في الطبري والأخبار الطوال: جمر. (5) في
ابن الأثير: وأخشى وفي الطبري: فأحج بأن.. وفي الأغاني 6 / 12 بولاق: وأحر أن.
(6) في الأخبار الطوال: وأن الشر مبدأه كلام. (7) في مروج الذهب 3 / 291 فإن يك
قومنا أضحوا نياما. وفي الأخبار الطوال: فإن بك أصبحوا وثووا نياما. (*)
ص 158
ففري عن رحالك ثم قولي * على الإسلام والعرب السلام فكتب إليه مروان (1): إن الشاهد
يرى ما لا يرى الغائب. فقال نصر لما قرأ الكتاب: أما صاحبكم فقد أعملكم أن لا نصر
عنده، وجعل أبو مسلم يكتب الكتب، ثم يقول للرسل: مروا بها على اليمانية، فإنهم
يتعرضون لكم، ويأخذون كتبكم، فإذا رأوا فيها أني رأيت المضرية لا وفاء لهم، ولا خير
فيهم، فلا تثق بهم، ولا تطمئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب،
ويرسل رسولا آخر بمثل ذلك على اليمانية. فيقول: مر على المضرية، فكان الفريقان
جميعا معه، وجعل يكتب إلى نصر بن سيار، وإلى الكرماني: أن الإمام قد أوصاني بكم،
ولست أعدو رأيه فيكم، فجعل نصر يقول: يا عباد الله، هذه والله الذلة، رجل بين
أظهرنا يكتب إلينا بمثل هذا، لا نقدر له على ضر ولا نفع، فلما تبين القوم أن لا
نصير لهم كتب أبو مسلم إلى أصحابه في الكور، أن أظهروا أمركم، فكان أول الناس من
سود (2) أسيد (3) بن عبد الله، فنادى: يا محمد، يا منصور، فسود معه العكي، ومقاتل
بن حكم (4)، وعمر بن غزوان، وأقبل أبو مسلم حتى نزل الخندقين فهابه الفريقان جميعا.
فقال: لست أعرض لواحد منكم، إنما ندعو إلى آل محمد، فمن تبعنا فهو منا، ومن عصانا
فالله حسيبه. فلما جعل أصحابه يكثرون عنده. وهو يطمع الفريقين جميعا في نفسه. كتب
نصر بن سيار: إلى مروان بن محمد، يذكر استعلاء أمر أبي مسلم، ويعلمه بحاله وخروجه،
وكثرة شيعته، وأنه قد خاف أن يستولي على خراسان، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد،
فأتى مروان الكتاب، وقد أتاه رسول أبي مسلم بجواب إبراهيم (5)، فأخذ جواب إبراهيم،
وفيه لعن إبراهيم لأبي مسلم، حين
(هامش)
(1) في العقد 4 / 478 هذه الأبيات كتبها نصر إلى هشام بن عبد الملك، وفي الأغاني 6
/ 128 ذكر أنه أرسلها إلى الوليد بن يزيد وفي بقية المصادر فكالأصل. (2) أي رفع
شعار السواد، شعار العباسيين. (3) في ابن الأثير: أسد. (4) في الطبري وابن الأثير:
حكيم. (5) كان أبو مسلم قد أرسل إلى إبراهيم الإمام كتابا يخبره فيه خبره، وما آل
إليه أمره. وكان مروان بن محمد قد وكل بالطرق أشخاصا يراقبون رسل أبي مسلم، فجئ
برسول أبي مسلم إلى مروان وبعد أن قرأ كتابه رشا الرسول على أن يذهب إلى إبراهيم
ويأخذ جواب كتاب أبي مسلم ويأتيه به ففعل. (مروج الذهب 3 / 295 الطبري 7 / 370 ابن
الأثير 3 / 462 الأخبار الطوال ص 357). (*)
ص 159
ظفر بالرجلين، ألا يدع بخراسان عربيا إلا قتله، فانطلق الرسول بالكتاب إلى مروان،
فوضعه في يده. فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية (1)، وهو على دمشق: أن أكتب إلى
عاملك بالبلقاء (2)، فليأخذ إبراهيم بن محمد فليشده وثاقا، ثم يبعث به إليك، ثم وجه
به إلي، فأتى إليه وهو جالس في مسجد القربة، فأخذ إلى دمشق، ودخل على مروان، فأنبه
وشتمه، فاشتد لسان إبراهيم عليه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، ما أظن ما يروي الناس
عنك إلا حقا في بعض بني هاشم. فقال: أدركك الله بأعمالك، اذهب به، فإن الله لا يأخذ
عبدا عند أول ذنب، اذهب به إلى السجن. فقال أبو عبيدة: فكنت آتيه في السجن، ومعه
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فوالله إني ذات ليلة في سقيفة السجن، بين النائم
واليقظان، إذ مولى لمروان قد استفتح، ومعه عشرون رجلا من موالي مروان، من الأعاجم،
ومعه صاحب السجن، ففتح لهم فدخلوا، وأصبحنا فإذا عبد الله بن عمر، وإبراهيم بن محمد
ميتان (3)، فانكسر لذلك مسلم بخراسان، إذا بلغه موت إبراهيم، وانكسرت الشيعة،
واستعلى أمر الكرماني، فلما رأى أبو مسلم ذلك قال له: إنا معك، ثم دارت الأحوال بين
نصر والكرماني، حتى غدر نصر بالكرماني فقتله وصلبه (4)، فخاف نصر على نفسه من أبي
مسلم.
ذكر ما أمال أصحاب الكرماني إلى أبي مسلم
قال: وذكروا أن أبا مسلم كتب إلى
نصر: إنه قد جاءنا من الإمام كتاب فهلم نعرضه عليك، فإن فيه بعض ما تحب. فدخل عليه
رجل (5) فقال: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين) [القصص:
20]. فقال نصر: ادخل فالبس ثيابي، فدخل بستانا له، وقد تقدم إلى صاحب دوابه،
(هامش)
(1) كذا بالأصل والطبري، وفي الأخبار الطوال ص 357: معاوية بن الوليد بن عبد الملك.
(2) البلقاء: بلد من أعمال عمان في أطراف الشام. (3) زيد في الأخبار الطوال عن أبي
عبيدة: فظننت أنهما خنقا. وفي مروج الذهب 3 / 296 أما العباس (هو العباس بن الوليد
بن عبد الملك) وعبد الله فجعل على وجوههما مخاد وقعد فوقهما فاضطربا حتى بردا، وأما
إبراهيم فإنهم جعلوا رأسه في جراب كان معهم فيه نورة مسحوقة فاضطرب ساعة ثم خمد.
(4) أنظر في ذلك الطبري 7 / 370 ابن الأثير 3 / 459. (5) هو لاهز بن قريظ (ابن
الأثير 3 / 469 الطبري 7 / 381). (*)
ص 160
فأتاه بدواب، فركب وهرب، معه داود بن أبي داود (1)، وهرب معه بنوه، وتفرق أصحابه،
وجاء القوم إلى أبي مسلم فأعلموه أنه قد خرج، ولا يدرون أين توجه، فاستولى أبو مسلم
على خراسان، فاستعمل عليها عماله، ثم وجه أبا عون (2) في ثلاثين ألفا إلى مروان،
فلما بلغ مروان الخبر خرج حتى أتى حران، فتخمل بعياله وبناته وأهله، وقد كان يتعصب
قبل، فجفا أهل اليمن وأهل الشام وغيرهم، وقتل ثابت بن نعيم، والسمط بن ثابت، وهدم
مدائن الشام، وتحول إلى الجزيرة. قال إسماعيل بن عبد الله القسري: دعاني مروان
فقال: يا أبا هاشم وما كان يكنيني قبلها، قد ترى ما حل من الأمر وأنت الموثوق به،
ولا مخبأ بعد بؤس (3)، ما الرأي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين على ما أجمعت؟ قال: على أن
أرتحل بموالي وعيالي وأموالي، ومن تبعني من الناس حتى أقطع الدرب، ثم أميل إلى
مدينة من مدائن الروم، فأنزلها، وأكاتب صاحب الروم، وأستوثق منه (4)، فما يزال
يأتيني الخائف والهارب حتى يلتف أمري. قال إسماعيل: وذلك والله الرأي. فلما رأيت ما
أجمع عليه، ورأيت سوء آثاره في قومي [من قحطان]، وبلائه القبيح عندهم، قلت له:
أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الرأي، أن تحكم فيك أهل الشرك، وفي بناتك
وحرمك، وهم الروم لا وفاء لهم، ولا تدري ما تأتي به الأيام، فإنه أنت حدث عليك حادث
بالروم، ولا يحدث إلا خير، ضاع أهلك من بعدك، ولكن اقطع الفرات، ثم استدع (5) الشام
جندا جندا، فإنك في كنف وجماعة وعزة، ولك في كل جند صارم (6) يسيرون معك، حتى تأتي
مصر، فإنها أكثر أرض الله مالا [وخيلا] ورجالا، ثم الشام أمامك، وأفريقية خلفك، فإن
رأيت ما تحب انصرفت إلى الشام، وإن كانت الأخرى مضيت إلى أفريقية. قال: صدقت، ثم
استخار الله وقطع الفرات، فمر بكور من كور الشام،
(هامش)
(1) في ابن الأثير ومعه: ابنه تميم والحكم بن تميلة النميري وامرأته المرزبانة. (2)
هو عبد الملك بن يزيد الخراساني، أبو عون. (3) في مروج الذهب 3 / 301: ولا مخبأ
لعطر بعد عروس. (4) زيد في مروج الذهب: فقد فعل ذلك جماعة من الأعاجم، وليس هذا
عارا بالملوك. (5) مروج الذهب: استنفر. (6) مروج الذهب: صنائع. (*)
ص 161
فوثبوا عليه، فأخذوا مؤخر عسكره فانتهبوه ثم مر بحمص فصنعوا له مثل ذلك، ثم مر بأهل
دمشق فوثبوا عليه، ووثب به الوليد بن معاوية (1)، وكان عامل مروان على دمشق، ثم مضى
إلى الأردن، فوثب بن هاشم بن عمر (2)، ثم مر بفلسطين فوثب به الحكم (3)، ثم مضى إلى
مصر فاتبعه الحجاج بن زمل السكسكي. فقيل له: أتتبعه وقد عرفت بغضه لقومك؟ فقال:
ويحكم إنه أكرمني لمثل هذا اليوم لآخذ له، وتبعه أيضا أبو سلمة الخلال وثعلبه بن
سلامة، وكان عامله على الأردن، وتبعه أيضا الرحس فقال: إني لأسير مع مروان حيث جزنا
فلسطين. فقال: يا رماحس انفرجت عني قيس انفراج الرأس ما تبعني منهم أحد (4)، وذلك
أنا وضعنا الأمر في غير موضعه، وأخرجناه من قوم أيدنا بهم، وخصصنا به قوما، والله
ما رأينا لهم وفاء ولا شكرا.
تولية أبي مسلم قحطبة بن شبيب قتال مروان
قال: وذكروا
أن الهيثم بن عدي أخبرهم عن رجال أدركوا الدولة وصحبوا أهلها. قالوا: لما استولى
أبو مسلم على خراسان، وولى قحطبة الطائي قتال مروان بن محمد، وبعث معه ثلاثين ألفا
من رجال اليمن وأهل الشيعة، وفرسان خراسان، وخرج مروان وهو يريد أبا مسلم بخراسان،
ومعه مئة ألف فارس سوى أصحاب الحمولة، فهرب من بين يديه أبو العباس، وأبو جعفر،
وعيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، فلحقوا بالكوفة، فبعث أبو العباس إلى أبي سلمة
الخلال، واسمه حفص بن سليمان، وكان واليا لإبراهيم بن محمد على الشيعة بالكوفة
فأمره إن بلغه أمر فيه قوة لأبي مسلم بخراسان أن يظهر أمره بالكوفة، ويدعو إليه،
ويناهض صاحب الكوفة، ففعل ذلك أبو سلمة، فلما غلظ أمر أبي مسلم بخراسان، واستولى
عليها، وبعث الجيوش إلى مروان أظهر أمره بالكوفة، وطرد عامل الكوفة، فخرج هاربا.
(هامش)
(1) في مروج الذهب: فوثب به الحارث به عبد الرحمن الجرشي. (2) في مروج الذهب: هاشم
بن عمرو القيسي والمذحجيون جميعا. (3) الحكم بن صنعان بن روح بن زنباع (مروج
الذهب). (4) قال المسعودي: معه من قيس رجلان ابن حمزة السلمي وكان أخاه من الرضاعة،
والكوثر بن الأسود الغنوي. (*)
ص 162
ذكر البيعة لأبي العباس بالكوفة
قال: وذكروا أن أبا مسلم لما بلغه أن أبا سلمة قد
أظهر أمره بالكوفة، ودعا إلى محمد، وجه رجلا من قواده إلى الكوفة في ألفي فارس،
وأمره أن يسرع السير حتى يأتيها، فأقبل ذلك القائد حتى دخل الكوفة، فلقي غلاما أسود
لأبي العباس، فقال له: أين مولاك؟ قال: هو في دار هاهنا. قال: دلني عليه، فدله على
الدار، فاستفتح الباب، ثم دخل عليه، فسلم عليه بالخلافة، وكان أبو سلمة يريد صرف
الخلافة إلى ولد علي بن أبي طالب، وكان ينهى أبا العباس عن الخروج، ويقول له: إن
الأمر لم يتم، وإن موالي بني أمية قائمون بالحرب، والأمر أشد مما كان. فقال أبو
العباس: إن أبا سلمة منعني عن الخروج حتى يولي العمال، ويعمل الخراج. فقال القائد:
لعن الله أبا سلمة، والله لا أجلس حتى تخرج إلى الناس فخرج له مع رجاله إلى المسجد،
ونودي الصلاة جامعة، فصعد أبو العباس المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه،
ثم ذكر بني أمية وسوء آثارهم، وذكر العدل فحض عليه، ووعد الناس خيرا، ورجالهم
الاصلاح وقسمة الفئ على وجهه، ثم دخل الإمارة، وجلس الناس، فلما بلغ أبا سلمة خروجه
أتاه يعتذر إليه، فقبل ذلك منه، وأراه المكانة منه، والخاصة به، وقد كان علم أبو
العباس الذي أراد أبو سلمة من صرف الخلافة إلى ولد علي بن أبي طالب.
حرب مروان بن
محمد وقتله 
قال: وذكروا أن قحطبة بن شبيب، لما انتهى إلى بعض كور الشام، التقى
بمروان فقاتله، فانهزم مروان، فأقحم قحطبة في طلب مروان (1) فرسه في الفرات، فحمله
الماء، فمات فيه (2)، وقد أصاب أهل عسكر قحطبة من أموال
(هامش)
(1) كذا بالأصل وفي الطبري وابن الأثير أن قحطبة أمر بالتوجه إلى العراق وفيه ابن
هبيرة من قبل مروان. وأن القتال دار بينهما، وقد قطع قحطبة الفرات حتى صار إلى
غربيه، ومروان يمد ابن هبيرة حيث التقيا على الفرات - في أرض الفلوجة العليا - على
رأس 23 فرسخا من الكوفة. (2) وجد في جدول هو وسلم (سالم) بن أحوز قتيلين. وقيل في
موته أن رجلا ممن كان معه قتله آخذ بثأر بني نصر بن سيار (البداية والنهاية 10 /
38). وفي الأخبار الطوال ص 369 فقد قحطبة ولم يدر أين ذهب. وانظر تاريخ اليعقوبي 2
/ 344. (*)
ص 163
مروان، وأمتعة عسكره ما لا يحصى كثرة، فتناول اللواء حميد بن قحطبة (1)، وعبر
الفرات حتى أتى الشام، فقيل له: إن مروان ترك الطريق إلى دمشق وذهب صالح بن علي بن
عبد الله بن عباس (2)، وكان بناحية من الشام، وقد اجتمع إليه الناس لما علموا من
قرابته لأمير المؤمنين، فلما اجتمع مع حميد بن قحطبة سلم إليه الأمر، وقال الناس:
إنه خرج بإظهار الدعوة لأبي العباس من غير أمره، فما سلم الأمر إلى صالح بن علي،
أتاه كتاب أبي مسلم، أن يرجع ابن قحطبة ببعض عساكره إلى العراق، فيكون فيها حتى
يأتيه أمره، فأتى صالح بن علي كتابه بأنه قد صير إليه الشام، وما وراءها إلى
المغرب، ويأمره فيه ببعثه الجيوش في طلب مروان، فولى صالح بن علي رجلا من الأزد،
يقال له أبو عون على مصر، وأمره بطلب مروان في أرض المغرب، وبعثه في عشرين ألفا،
وكان سليمان بن هشام بن عبد الملك قد نافر مروان بن محمد (3)، وقاتله مرارا قبل أن
يشتد أمر أبي مسلم، فسار إليه في أربعة آلاف، وذلك بعد خروج قحطبة من عند أبي مسلم،
فنزل به سليمان، وكانت بينه وبين أبي العباس مودة قديمة، فبايع أبا مسلم على طاعة
أبي العباس، فسر به أبو مسلم وشيعته، ثم سيره في طلب قحطبة ممدا له، وقد قاتل مروان
قحطبة قبل قدوم سليمان بيومين، فلما نظر مروان إلى دخول سليمان بن هشام في عسكر
قحطبة، وكثرة من جاء معه انهزم، فمضى سليمان مع حميد بن قحطبة في طلبه، ولم يكن
مروان انهزم عنه غلبة، ولكنه كان نظر في كتب الحدثان، فوجد فيها أن طاعة المسودة لا
تجاوز الزاب (4)، فقال ذلك لوزرائه. فقيل له: إن بمصر زابا آخر. قال: فإليها نذهب
(هامش)
(1) في الطبري وابن الأثير: بويع حميد بن قحطبة لأخيه الحسن. وكان قحطبة قد أرسله
في سرية فأرسلوا فأحضروه وسلموا إليه الأمر. (2) كذا، وفي الطبري وابن الأثير ومروج
الذهب: صالح بن علي، وسيرد بعد صحيحا. (3) كان سليمان بن هشام بن عبد الملك قد خلع
مروان سنة 127 وعسكر مع أصحابه بقنسرين واجتمع إليه هناك سبعون ألفا من أهل الشام
والذكوانية وغيرهم، والتقى مع مروان في خساف من أرض قنسرين فانهزم سليمان وهرب إلى
العراق (ابن الأثير 3 / 438). ثم التحق بالضحاك، ثم بشيبان الحروري، وبعد هزيمة
شيبان هرب سليمان إلى السند. ولم يرد في أي من المصادر اشتراكه في هذه المعركة.
والخبر هنا فيه اضطراب كبير مع ما ذكر في الطبري وابن الأثير اللذين يذكران أن
مطاردة مروان كانت من قبل عبد الله بن علي على الزاب وأن صالح بن علي تولى مطاردة
مروان بعد اجتيازه نهر أبي فطرس بفلسطين إلى مقتله قرب ذات الساحل (ذات السلاسل).
(4) الزاب: نهر بالموصل، والزاب أيضا عدة مواضع (معجم البلدان). (*)
ص 164
إذا، والزاب الذي أراد علمه هو بأرض المغرب، فأقبل مروان وهو يريد مصر، فالتقت
الخيل، فانهزمت خيل أبي عون، وأسر جماعتهم وصاحب أمرهم (1)، فأتى مروان بالأسارى،
فقال مروان لجماعته: شدوا أيديكم بالأسرى، فقد أجننا الليل، وبات مسرورا. فلما أصبح
جعل يهنئ أصحابه للقاء القوم، فأقبل سليمان بن هشام، وأبو عون وكان مروان قد أرخى
حبال الجسر، وتوسط أصحابه فيما هنالك وهم آمنون فقال أبو عون للقبط: هل لهذا النهر
من مخاضة، فقالوا له: ما علمنا ذلك، ولا بلغنا أن أحدا خاضه قط، فقطع عما قصد
وأراد. فكتب إلى صالح بن علي بذلك، ويسأله أن يبعث إليه بمراكب ساحل البحر عاجلا،
فبينما هو في ذلك، إذ أتاه رجل من القبط فقال له: إن أبي كان يقرأ الكتاب، وكان
يحدثنا بأمور تكون بعده، ويصف لنا موضعا يجعله الله لكم تخوض فيه الخيل عند تلك
الأمور، وقد اختبرت ذلك الليلة، فسر بذلك أبو عون، ثم بعث معه الخيل إلى ذلك
الموضع، بعد أن وصله ووعده خيرا وكان مروان نظر إلى الرايات السود بناحية مصر، ونظر
إلى الخيل تعدو النهر، ولا يشكك أنهم لا يجدون سبيلا إلى عبوره، فلم ينشب أهل عسكر
مروان أن نظروا إلى خيل أبي عون قد جاوزت النيل، فعبأ مروان أصحابه وأهل بيته، ثم
خطبهم وحضهم على الصبر. وقال لهم: إن الجزع لا يزيد في الأجل، وإن الصبر لا ينقص
الأجل وأقبل القوم فاقتتلوا من وقت صلاة الصبح إلى أن مالت الشمس، فأصيب عبد الله
ومحمد ابنا مروان وبنو أبيه أكثرهم، وولد عبد العزيز، وصابر القوم، فلما لم يبق
حوله إلا قدر الثلاثين، حمل على القوم فأكردهم (2) ورجع، فجعل أصحابه يفترقون عنه.
فلما رأى ذلك نزل عن فرسه وأنشأ يقول متمثلا (3): ذل الحياة وهول (3) الممات * وكلا
أراه وخيما وبيلا فإن كان لا بد من ميتة (5)* فسيري إلى الموت سيرا جميلا
(هامش)
(1) واسمه المخارق. (2) أكردهم: طردهم وجعلوا يجرون أمامه. (3) في ابن الأثير 3 /
496 القائل هو مسلمة بن عبد الملك. (4) في ابن الأثير: وكره. (5) في ابن الأثير:
فإن لم يكن غير إحداهما. (*)
ص 165
فوثب رجل إلى فرسه فأخذه. فقال له مروان: أكرمه فإنه أشقر مروان. ثم كسر غمد سيفه،
وقاتل قتالا شديدا، ثم أصيب (1)، فنزل أبو عون، فأمر بضرب قبابه، وأمر سليمان بن
هشام بطلب المنهزمين، حتى أصيب عامتهم واستأسر منهم من استأسر، وكان فيمن أسر منهم
عبد الحميد كاتبه، وحكم المكي مؤذنه، فاستبقاهما أبو عون، وبعث بهما إلى صالح بن
علي، ثم أمر أبو عون بطلب جثة مروان على شاطئ النيل. فلما كان من الغد، ركب أبو عون
وسليمان بن هشام لينظرا مروان، فنظرا إليه، ثم تحول أبو عونه إلى سليمان. فقال:
الحمد لله الذي شفى صدرك قبل الموت من مروان، فهل لك يا أبا أيوب أن تذهب إلى أمير
المؤمنين بكتابي وبما هيأ الله على يديك وشفا به صدرك، فيفعل بك خيرا، ويعرف من
قرابتك ونصحك ما أنت أهله؟ فرضي بذلك سليمان، فكتب وسار. فلما قدم سليمان بن هشام
على أبي العباس أمير المؤمنين، رحب به وقربه واستلطفه، وأنزله بعض دور الكوفة، وفعل
به ما لم يفعل بأحد سواه، من البر والإكرام، وكان سليمان يختلف إلى مائدة أبي
العباس في كل يوم، فيتغدى معه، ويتعشى، وكان كأحد وزرائه وفوقهم، وكان يجلس أبا
جعفر عن يمينه، وسليمان عن يساره.
قتل أبي سلمة الخلال
قال: وذكروا أن أبا العباس
لما تمت له الأمور واستوثقت، استشار وزراءه في قتل أبي سلمة، فأدار القوم الرأي
فيه، وكان أبو سلمة يظهر الإدلال والقدرة على أمير المؤمنين، وكان يقيم عنده في كل
ليلة إلى حين من الليل، فإذا أراد الخروج والرجوع إلى منزله، قربت إليه دابته إلى
المجلس، فيركب منه دون غيره، ثم يخرج إلى داره. فقالوا له: إنك إن قتلته ارتاب أبو
مسلم، ولم تأمن أن يحدث لذلك حدثا، ولكن الرأي أن تكتب إليه بالذي رابك منه، والذي
يريده من فسخ ما أنت فيه، فكتب إلى أبي مسلم بذلك (2)، وكان أبو العباس وأبو
(هامش)
(1) الذي قتله محمد بن شهاب المازني، وفي الطبري اسمه المغود، وفي الأخبار الطوال
ومروج الذهب: عامر بن إسماعيل. وكان قتله لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 32. (2) في
مروج الذهب 3 / 328 أن أبا مسلم هو الذي كتب إلى السفاح يشير عليه بقتله. ثم كتب
إلى المنصور وداود بن علي يسألهما أن يشيرا على السفاح بقتله لأنه نكث وبدل وغير.
(وانظر = (*)
ص 166
جعفر لا يسميان عبد الرحمن (يعني أبا مسلم إلا عما). فلما قدم الكتاب إلى أبي مسلم،
كتب إلى أبي العباس: إن كان رابك منه ريب فاضرب عنقه. فلما أتاه الكتاب قال له
وزراؤه: إنك لا تأمن من أن يكون ذلك غدرا من أبي مسلم، وأن يكون إنما يريد أن يجد
السبيل إلى ما تتخوف منه، ولكن اكتب إليه أن يبعث إليك برجل من قواده يضرب عنقه.
فكتب إليه بذلك، وذكر في كتابه: إني لا أقدم ولا أؤخر إلا برأيك. فبعث إليه برجل
يقال له مرار الضبي (1). فلما قدم على أبي العباس أمر ذلك الضبي أن يقعد له في
الظلمة، في داخل الإمارة بالكوفة، فإذا خرج ضربه بالسيف برأسه، فقتله، ثم أمر
بصلبه، فلما أصبح الناس إذا هم بأبي سلمة مصلوبا على دار الإمارة.
قتل رجال بني
أمية بالشام
قال: وذكروا أن أبا العباس ولى عمه عبد الله بن علي، الذي يقال له
السفاح (2): الشام، وأمره أن يسكن فلسطين، وأن يجد السير نحوها، وهنأه بما
(هامش)
= اليعقوبي 2 / 352). وأشار في الأخبار الطوال إلى أنه بمجرد بلوغه خبر أن أبا
العباس أسند أموره إلى أبي سلمة أرسل مروان الضبي فقتله ص 370. (1) في الأخبار
الطوال: مروان ابن الأثير والطبري: مرار بن أنس الضبي. وفي تاريخ اليعقوبي:
مراد بن أنس الضبي. (2) ثمة أقوال فيمن لقب بالسفاح عبد الله بن علي أم أخوه
أبو العباس الخليفة الأول. ناقش الأستاذ نيكلسون في كتابه (253. the preaching of
Islam) p. Note I لفظ السفاح فقال: لقد ذهب بعض المؤرخين إلى القول بأن السفاح
معناه الرجل الكثير العطايا أو المناح. ومع كل فإنه مما يهمنا ملاحظته أن هذا الاسم
قد أطلق على بعص شيوخ القبائل في الجاهلية. ويقال إن سلمة بن خالد الذي قاد بني
تغلب في معركة يوم الكلاب الأول سمي السفاح، لأنه أفرغ مزاد جيشه قبل الوقعة. وفي
اللسان: رجل سفاح للدماء: سفاك. ورجل سفاح: معطاء، من ذلك، وهو أيضا الفصيح..
والسفاح لقب عبد الله بن محمد أول خليفة من بني العباس . والذين أيدوا أن الخليفة
أبي العباس هو من لقب استندوا إلى أول خطبة له والذي يقول فيها: أنا السفاح
المبيح والثائر المبير . أما الذين اعتمدوا لقب السفاح إلى عبد الله بن علي
فاستندوا إلى: - غلظته وانتقامه من بني أمية، ويظهر من سيرته الجور. - أن المؤرخين
المتقدمين أمثال الطبري وخليفة واليعقوبي والدينوري لم يأتوا على تلقيبه بالسفاح،
إنما جاء اللقب من المؤرخين المتأخرين. (*)
ص 167
أصاب من أموال بني أمية، وكتب إلى صالح بن علي أن يلحق بمصر واليا عليها (1). فقدم
السفاح فلسطين، وتقدم صالح إلى مصر، فأتاها بعد قتل مروان بيومين، وأن السفاح بعث
إلى بني أمية، وأظهر للناس أن أمير المؤمنين وصاه بهم، وأمره بصلتهم، وإلحاقهم في
ديوانه، ورد أموالهم عليهم، فقدم عليه من أكابر بني أمية وخيارهم، ثلاثة وثمانون
رجلا، وكان فيهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وأبان بن معاوية بن هشام، وعبد
الرحمن بن معاوية، وغيرهم من صناديد بني أمية. فأما عبد الرحمن بن معاوية، فلقيه
رجل كان صنع به برا، وأسداه خيرا، وأولاه جميلا. فقال له: أطعني اليوم في كلمة، ثم
اعصني إلى يوم القيامة. فقال له عبد الرحمن: وما أطيعك فيه اليوم؟ فقال له الرجل:
أدرك موضع سلطانك، وقاعدتك المغرب، النجاء النجاء، فإن هذا غدر من السفاح، ويريد
قتل من بقي من بني أمية. فقال له عبد الرحمن: ويحك إنه كتاب أبي العباس، قدم عليه،
يأمره فيه بصلتنا، ورد أموالنا إلينا، وإلحاقنا بالعطاء الكامل، والرزق الوافر.
فقال له الرجل: ويحك أتغفل؟ والله لا يستقر ملك بني العباس، ولا يستولون على سلطان،
ومنكم عين تطرف. فقال له عبد الرحمن: ما أنا بالذي يطيعك في هذا. فقال الرجل:
أفتأذن لي أن أنظر إلى ما تحت ظهرك مكشوفا؟ فقال له: وما تريد بهذا؟ فقال له: أنت
والله صاحب الأمر بالأندلس، فاكشف لي، فكشف عبد الرحمن عن ظهره، فنظر الرجل فإذا
العلامة التي كانت في ظهره قد وجدت في كتب الحدثان (2)، وكانت العلامة خالا أسود
عظيما مرتفعا على الظهر هابطا، فلما نظر إليه الرجل قال له: النجاء النجاء، والهرب
الهرب، فإنك والله صاحب الأمر، فاخرج فإنا معك، ومالي لك، ولي عشرون ألف دينار
مصرورة، كنت أعددتها لهذا الوقت. فقال له عبد الرحمن: وعمن أخذت هذا العلم؟ فقال
الرجل: من عمك مسلمة بن
(هامش)
= - إن سيرته لم تتسم بالجور والظلم، إذا استثنينا بعض الحوادث التي اعتبرها ضرورية
- بل وقائية - لتدعيم سلطته وإبعاد الخطر عنه (أنظر سيرته في الأغاني 4 / 92 النزاع
والتخاصم ص 55) (أنظر تاريخ الإسلام السياسي 2 / 22 حاشية 1، ومقالة للعبادي: صور
وبحوث من التاريخ الإسلامي عصر الدولة العباسية ص 1 - 5). (1) في الطبري وابن
الأثير: عبد الملك بن يزيد، أبو عون. وأقره على مصر سنة 133. وعلى أجناد الشام عبد
الله بن علي وصالح بن علي. (2) كتب الحدثان: أي كتب التنجيم والإخبار بالمستقبل.
(*)
ص 168
عبد الملك. فقال له عبد الرحمن: ذكرت والله عالما بهذا الأمر، أما لئن قلت ذلك لقد
وقفت بين يديه وأنا غلام، يوم توفي أبي معاوية، وهشام يومئذ خليفة، فكشفت عن ظهري،
فنظر إلى ما نظرت إليه. فقال لهشام جدي وهو يبكي: هذا اليتيم يا أمير المؤمنين صاحب
ملك المغرب. فقال له هشام: وما الذي أبكاك يا أبا سعيد؟ ألهذا تبكي؟ فقال: أبكي
والله على نساء بني أمية وصبيانهم، كأني بهم والله قد أبدلوا بعد أساورة الذهب
والفضة الأغلال والحديد، وبعد الطيب والدهن البقل والعقار، وبعد العز الذل والصغار.
فقال هشام: أحان زوال ملك بني أمية يا أبا سعيد؟ فقال مسلمة: إي والله حان، وإن هذا
الغلام يعمر منهم، ثم يصير إلى المغرب فيملكها. فقال له الرجل: فاقبض مني هذا
المال، واخرج بمن تثق به من غلمانك. فقال عبد الرحمن: والله إن هذا الوقت ما يوثق
فيه بأحد، فولى ذاهبا، وخرج لا يدري متى خرج، فلحق بالمغرب، وأقبل القوم من بني
أمية، وقد أعد لهم السفاح مجلسا فيه أضعافهم من الرجال، ومعهم السيوف والأجرزة (1)،
فأخرجهم عليهم، فقتلهم وأخذ أموالهم (2)، واستعفى (3) عبد الواحد بن سليمان بن عبد
الملك، وكان عبد الواحد قد بذ العابدين في زمانه، وسبق المجتهدين في عصره، فركب
السفاح إلى أموال عبد الواحد، وكان عبد الواحد قد اتخذ أموالا معجبة، تطرد فيها
المياه والعيون، فأمره السفاح أن يصيرها إليه، فأبى عليه، واختفى منه، فأخذ رجالا
من أهله، فتواعدهم السفاح، وأمر بحبسهم حتى دلوه عليه. فلما قبضه أمر بقتله، ثم
استقصى ماله، فبلغ ذلك أبا العباس أمير المؤمنين، وكان أبو العباس يعرفه قبل ذلك،
وكان عبد الواحد أفضل قرشي كان في زمانه عبادة وفضلا. فقال أبو العباس: رحم الله
عبد الواحد، ما كان والله ممن يقتل لغائلة (4)، ولا ممن يشار إليه بفاحشة، وما
قتلته إلا أمواله، ولولا أن السفاح عمي، وذمامه ورعاية حقه علي واجب، لأقدت منه
(5)، ولكن الله طالبه، وقد كنت أعرف عبد الواحد برا
(هامش)
(1) الأجرزة جمع جرز، وهو عمود حديد. (2) وكانوا ثلاثة وسبعين (الطبري)، بضعة
وثمانين (مروج الذهب) اثنين وثمانين (العقد). نحو تسعين رجلا (ابن الأثير)، ثمانون
(تاريخ اليعقوبي). (3) استعفى: أي تركه ولم يقتله. (4) يريد أنه قتل غدرا. (5) أي
اقتصصت منه، وقتلته قودا بعبد الواحد. (*)
ص 169
تقيا، صواما قواما. ثم كتب إلى عمه السفاح ألا يقتل أحدا من بني أمية، حتى يعلم به
أمير المؤمنين، فكان هذا أول ما نقم أبو العباس على عمه السفاح.
ذكر قتل سليمان بن
هشام
قال: وذكروا أن عيسى بن عبد البر أخبرهم قال: كان سليمان بن هشام أكرم الناس
على أبي العباس أمير المؤمنين (1)، لحسن بلائه مع قحطبة، وقيامه معه على مروان ابن
عمه، وكان هو الذي تولى كبره، وقتل على يديه، فكان لذلك أخص الناس بأبي العباس،
فبينما هما يوما وقد تضاحكا وتداعبا، إذ أتى رجل من موالي أبي العباس يقال له سديف
(2)، فناول أبا العباس كتابا فيه (3): أصبح الملك ثابت الأساس * بالبهاليل (4) من
بني العباس طلبوا وتر هاشم فشفوها * بعد ميل من الزمان وياس لا تقيلن عبد شمس عثارا
* واقطعن كل نخلة وغراس ذلها أظهر التودد منها * وبها منكم كحز المواسي ولقد غاظني
وغاظ سوائي (5)* قربهم من منابر وكراسي واذكرن مقتل الحسين وزيدا * وقتيلا بجانب
المهراس (6)
(هامش)
(1) مر أن سليمان بن هشام قد فر بعد هزيمته أمام مروان بن محمد أيام شيبان - ولم
تأت على ذكره المصادر - إلى أن جاء واستأمن مع ابنين له أبا العباس فأكرمه أبو
العباس وأبره (تاريخ اليعقوبي 2 / 358). (2) يفهم من رواية العقد 4 / 486 أن شبل بن
عبد الله مولى بني هاشم هو الذي دخل على أبي العباس، (ابن الأثير: دخل على عبد الله
بن علي) وكان عنده جماعة من بني أمية فيهم الغمر بن يزيد بن عبد الملك. (أنظر
الكامل للمبرد 3 / 1367). (3) الأبيات في الأغاني 4 / 93 بولاق، والكامل للمبرد 3 /
1367 والعقد الفريد 4 / 486 وابن الأثير 3 / 502 وتاريخ اليعقوبي 2 / 359 وعيون
الأخبار 1 / 102 وأنساب الأشراف 3 / 161 طبقات الشعراء لابن المعتز ص 38 - 39.
باختلاف بعض الكلمات والشطور، قارن الأصل مع هذه المصادر. (4) البهاليل جمع بهلول،
قال المبرد: والبهلول: الضحاك. (5) السواء: قال المبرد: الوسط. والسواء: العدل
والاستواء، والسواء: التمام. (6) يعني بزيد، زيد بن علي بن الحسين بن علي (رض) وكان
قد خرج على هشام بن عبد الملك فقتله وصلبه. وقتيلا بجانب المهراس: يريد حمزة بن عبد
المطلب (رض) والمهراس: ماء بأحد. وإنما نسب الشاعر قتل حمزة إلى بني أمية، لأن أبا
سفيان كان قائد الناس يوم أحد (قاله المبرد في الكامل). (*)
ص 170
فقرأها أبو العباس، ثم قال له: نعم، ونعما عين وكرامة، سننظر في حاجتك، ثم ناول
الكتاب أبا جعفر، ثم سلم سليمان بن هشام، ثم قام وخرج، فتطلع رجل من موالي بني
أمية. كانت له خاصة خدمة في بني العباس، فعرف بعض ما في الكتاب، فلما خرج من عند
أمير المؤمنين مر بسليمان بن هشام في غرفة له بالكوفة فسلم، ثم قال لسليمان: من
عندك يا أبا أيوب، فقال له: ما عندي غير ولدي. فقال له: إن الملأ يأتمرون بك
ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين. فخرج سليمان من ليلته هاربا، فلحق ببعض نواحي
الجزيرة وكتب إلى مواليه وصنائعه، فاجتمع إليه منهم خلق كثير، فبعث إليه أبو العباس
بعثا يقاتله، فانهزم ذلك البعث، ثم بعث إليه بعثا آخر، فهزمه أيضا. قال: فتنقل
سليمان عن ذلك الموضع إلى غيره، ثم بعث إليه بعثا آخر، فأسر سليمان وولده، فأتى
بهما أسيرين إلى أبي العباس، فأمر، فقطعت لهما خشبتان، رقمتا إليهما، فأمر بضرب
رقابهما، وصلبهما، فقال سليمان لولده: لمقدم يا بني على مصيبتي بك، فتقهقر الغلام،
ثم تقدم فقتل، ثم قتل سليمان، وصلبا على باب دار الإمارة بالكوفة (1).
خروج السفاح
على أبي العباس وخلعه (2).
قال: وذكروا أن الهيثم بن عدي أخبرهم قال: لما ولي
السفاح الشام، واستصفى أموال بني أمية لنفسه، أعجبته نفسه، وحسد ابن أخيه على
الخلافة فأظهر الطعن على أبي العباس، والتنقص له. فلما بلغ ذلك أبا العباس، كتب
إليه يعاتبه على ما كان منه، فزاده ذلك عجبا وحسدا بما فيه، فحبس الخراج، ودعا إلى
نفسه، وخلع طاعته، ثم قرب موالي بني أمية وأطمعهم، وسد ثغورهم (3)، وأبدى العزم،
وأظهره على محاربة أبي العباس، فلما انتهت أخباره
(هامش)
(1) في تاريخ اليعقوبي 2 / 359 - 360 أخرجهم أبو الجهم، بعد الانتهاء من الأبيات،
فضرب أعناقهم وأتي برؤوسهم. (سليمان وابنين له) وانظر الفتوح لابن الأعثم 8 / 196
و201. (2) كذا بالأصل. وثمة اتفاق أن عبد الله بن علي خرج على ابن أخيه أبي جعفر
المنصور سنة 136 وذلك فور تبلغه موت أبي العباس السفاح، زاعما أن السفاح جعل
الخلافة من بعده لمن انتدب لقتل مروان بن محمد. (أنظر خليفة ص 415). الطبري ج 7 /
474 مروج الذهب 3 / 354 تاريخ اليعقوبي 2 / 364 ابن الأثير 3 / 523 الأخبار الطوال
ص 378. وقد ورد في الخبر اسم أبي العباس بدل أبي جعفر، وهو خطأ على ما قرر. (3) سد
ثغورهم: دافع عنهم ولم يترك أبوابا مفتوحة لإخراجهم. (*)
ص 171
إلى أبي العباس، كتب إلى أبي مسلم يستغيثه، ويذكر عظيم يده عنده، ويسأله القدوم
عليه لأمر السفاح، فقدم أبو مسلم، فأقام عنده أياما، ثم خرج إلى السفاح ومعه أجناده
وقواده، فلقي السفاح على الفرات فهزمه (1)، واستباح عسكره، وأخذ أسيرا (2)، فقدم به
على أبي العباس. فلما قدم إليه، وأدخل عليه قال: يا عمي أحسنا وواسينا فحسدت وبغيت،
وقد رأيت تعطفا عليك، وصلة لرحمك، أن أحبسك حبسا رفيقا، حتى تؤدب نفسك، ويبدو ندمك
ثم أمر فبنى له بيت. جعل أساسه قطع الملح، فحبسه فيه. فلما كان بعد أيام أرسل الماء
حول البيت، فذاب الملح، وسقط البيت عليه، فمات فيه (3)، ورد أبا مسلم إلى عمله
بخراسان، فأقام فيها بقية عامه، ثم أخرج أبو العباس أبا جعفر واليا على الموسم،
وخرج أبو مسلم أيضا حاجا من خراسان.
اختلاف أبي مسلم على أبي العباس
قال: وذكروا أن
أبا العباس وجه أبا جعفر في ثلاثين رجلا إلى أبي مسلم، وكان فيهم الحجاج بن أرطأة
الفقيه، والحسن بن الفضل الهاشمي (4)، وعبد الله بن الحسين (5)، فلما توجه أبو جعفر
إلى أبي مسلم بخراسان، وقدم عليه، استخف به بعض الاستخفاف، ولم يزد الاجلال له،
وجعل يعظم في كلامه وفعله الخليفة، ولم يزل أبو مسلم يتخوف أن يصنع به مثل ما صنع
بأبي سلمة الخلال، وكان لا يظهر ذلك لأحد. فلما قدم أبو جعفر عليه، ومعه الثلاثون
رجلا، وفيهم عبد الله (6) بن الحسين، قام إليه سليمان بن كثير، فقال: يا هذا إنا
كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعوا إلى ما تريدون. فظن أنه
(هامش)
(1) في مروج الذهب: ببلاد نصيبين في الموضع المعروف بدير الأعور. (2) في مروج
الذهب: انسحب عبد الله بن علي في نفر من خواصه إلى البصرة وعليها أخوه سليمان بن
علي عم المنصور. وفي الأخبار الطوال: عفا عنه أبو مسلم ولم يؤاخذه بما كان منه. وقد
بقي عبد الله عند سليمان بن علي مدة ثم أتي به إلى المنصور فحبسه عنده إلى سنة 147
(كما في الطبري وابن الأثير) وقيل إلى سنة 149 كما في مروج الذهب حيث قتله. (3) في
مروج الذهب 3 / 373 خنقه حتى مات ثم مده على الفراش. ثم أمر بالبيت فهدم عليهما (مع
جارية خنقها معه). (4) في الطبري 7 / 450 إسحاق بن الفضل الهاشمي. (5) في الطبري:
عبيد الله بن الحسين الأعرج، في ابن الأثير: عبيد الله بن الحسن الأعرج. (6) أنظر
الحاشية السابقة. (*)
ص 172
دسيس من أبي مسلم، فخاف ذلك، فبلغ أبا مسلم أن سليمان بن كثير سامر عبد الله بن
الحسين بن علي. فقال لسليمان: بلغني أنك سامرت هذا الفتى. قال: أجل، له قرابة وحق
علينا وحرمة، فسكت. فأتى عبد الله بن الحسين أبا مسلم فذكر له ذلك، وظن أنه إن لم
يفعل اغتاله أبو مسلم. فبعث أبو. مسلم إلى سليمان بن كثير، فقال له: أتحفظ قول
الإمام: من اتهمته فاقتله؟ قال نعم. قال الإمام: قد اتهمتك فقال: ناشدتك الله، قال:
لا تناشدني وأنت منطو على غش فأمر فضربت عنقه، وكتب أبو مسلم إلى محمد بن الأشعث،
أن يأخذ عمال أبي سلمة فيضرب أعناقهم. واستعمل أبو العباس عيسى بن علي على فارس،
فأخذه محمد [بن الأشعث] فهم بقتله. فقيل لمحمد: إن هذا لا يسوغ لك. قال: أمرني أبو
مسلم أن لا يقدم علي أحد (1) إلا ضربت عنقه. فقال: ما كان أبو مسلم ليفعل شيئا إلا
بأمر الإمام (2). فلما قدم أبو جعفر من عند أبي مسلم قال لأبي العباس: لست بخليفة،
ولا أمرك بشيء، إن لم تقتل أبا مسلم. فقال أبو العباس: وكيف ذلك؟ قال: لا والله ما
يعبأ بنا، ولا يصنع إلا ما يريد. فقال له أبو العباس: اسكت واكتمها.
قتال ابن هبيرة
وأخذه
قال: وذكروا أن أبا العباس وجه أبا جعفر إلى مدينة واسط، فقدم على الحسين بن قحطبة وهو على الناس، وكتب أبو العباس إلى الحسين (3) بن قحطبة: إن العسكر عسكرك،
والقواد قوادك، فإن أحببت أن يكون أخي حاضرا، فأحسن موازرته ومكانفته وكتب إلى أبي
نصر مالك بن الهيثم بمثل ذلك، وذكروا أن ابن هبيرة كان قد نصب الجسور بين
المدينتين، فقالت اليمانية الذين مع ابن هبيرة: لا والله لا نقاتل على دعوة بني
أمية أبدا، لسوء رأيهم فينا، وبغضهم لنا، وقالت القيسية: لا والله لا نقاتل حتى
يقاتل اليمانية، فلما يكن
(هامش)
(1) زيد في الطبري: يدعي الولاية من غيره. (2) زيد في الطبري: ثم ارتدع عن ذلك لما
تخوف من عاقبته. (3) في الطبري 7 / 450 وابن الأثير 3 / 507 وتاريخ اليعقوبي 2 /
353: الحسن بن قحطبة. (*)
ص 173
يقاتل مع ابن هبيرة إلا صعاليك الناس، وأهل العطاء. وكان كثيرا ما يتمثل ويقول:
الثوب إن أنهج فيه البلى * أعيا على ذي الحيلة الصانع كنا نرقعها إذا مزقت (1)*
فانسع الخرق على الراقع (2) وكان من رأي ابن هبيرة أن لا يعطى طاعة لبني العباس،
وكان رأيه أن يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسين (3)، فاطلع على ذلك أبو العباس،
وخاف أن يثور اليمانية مع ابن هبيرة في ذلك. فكاتبهم أبو جعفر، وقال في كتابه لهم:
السلطان سلطانكم، والدولة دولتكم، وكتب إلى زياد بن صالح الحارثي بذلك وكان عامل
ابن هبيرة في المدينة، مكان عامله قبل ذلك على الكوفة، فأجاب زياد بن صالح، وذلك
لما خاف أن يدخل المدينة فيقتل بها. فلما كان مغيب الشمس قاموا إليه. فلما صلى
المغرب، ركب فطاف في مسالحه (4) وأبوابه، فرجع عتمة، فتعشى، ثم صلى. فأقبل علي بن
الهيثم فقال: والله ما أخلف غصة أعظم ولا أهم إلي منك، لأنك مع هؤلاء، ولست أدري ما
يكون بعد اليوم، وأرى الأمر قد استتب لهؤلاء القوم في المشرق والمغرب، ولكن إن لقيت
أبا العباس أعلمته من أمرك مثل الذي أعلمته من أمري. قال: ما أخاف تقصيرك، ثم قال:
لست أثق بولد ولا بغيره، ثقتي بك فيما أريد أن أوطده، تأخذ مفاتيح هذه المدينة، حتى
تصبح فتأتي بها ابن هبيرة. فقلت: انظر ما تصنع في خروجك، أتثق بالقوم؟ قال: نعم، قد
جرى بيني وبينهم ما أثق به، وأتاني كتاب أبي العباس بكل ما أحب (5)، وكتاب أبي
جعفر. فقلت: يا أبا الربيع، أخاف أن لا يوفى لك. فلما أدهم الليل وانتصف قام فصلى
ركعات، ثم أمر غلمانه فحملوا متاعه على أربعة بغال، ثم أخرج أربعة غلمان له، وابنه
ثابت على برذون له، ثم خرج وأغلق الباب. فلما انتهى الخبر إلى ابن هبيرة
(هامش)
(1) في الكامل للمبرد 2 / 978: كنا نداريها وقد مزقت. (2) قال محقق الكامل (ص 977 ح
رقم 5) شعر أورده الآمدي في المؤتلف والمختلف لابن حمام الأزدي الجاهلي... إنما هما
لابن حارثة السلمي: (أنظر تفاصيل أوردها هناك). (3) في الطبري: محمد بن عبد الله بن
حسن بن حسن. (4) المسالح جمع مسلحة، يعني أطراف معسكره خوفا من تسلل العدو إليها.
(5) في الأخبار الطوال ص 371 وأعلم في كتابه أنه راع للخؤولة - وكانت أم أبي العباس
حارثية. (*)
ص 174
بكى وقال: ما يوثق بأحد بعد زياد بن صالح، بعد إيثاري إياه، وإكرامي وتفضيلي له،
وما صنعت به. قلت: هو هنالك، والله خير لك منه هاهنا. قال: وترى ذلك؟ قلت: نعم.
قال: ثم مشت الكتب والرسل بينهم إي بين أبي جعفر وابن هبيرة حتى صار أمرهم إلى أن
يلقاه، ونهض ابن هبيرة إليهم، وتخلى مما بيده لهم.
كتاب الأمان
قال: وذكروا أن رجلا
من قيس يقال له أبو بكر بن مصعب العقيلي، سعى في كتاب الصلح والأمان عند أبي جعفر،
حتى تم له، فأتى ابن هبيرة، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله بن
محمد بن علي أبي جعفر، ولي أمر المسلمين، ليزيد بن هبيرة ومن معه من أهل الشام
والعراق، غيرهم في مدينة واسط وأرضها، من المسلمين والمعاهدين، ومن معهم من
وزرائهم: إني أمنتكم بأمان الله الذي لا إله إلا هو، الذي يعلم سرائر العباد وضمائر
قلوبهم، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإليه الأمر كله، أمانا صادقا لا
يشوبه غش، ولا يخالطه باطل، على أنفسكم وذراريكم وأموالكم، وأعطيت يزيد بن عمر بن
هبيرة، ومن أمنته في أعلى كتابي هذا بالوفاء، بما جعلت لهم من عهد الله وميثاقه،
الذي واثق به الأمم الماضية من خلقه، وأخذ عليهم به أمره عهدا خالصا مؤكدا، وذمة
الله، وذمة محمد ومن مضى من خلفائه الصالحين، وأسلافه الطيبين التي لا يسع العباد
تقضها، ولا تعطيل شيء منها، ولا الاحتقار بها، وبها قامت السماوات والأرض والجبال،
فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، تعظيما لها، بها حقنت الدماء، وذمة روح الله وكلمته
عيسى ابن مريم، وذمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وذمة جبريل وميكائيل
وإسرافيل، وأعطيتك ما جعلت له من هذه العهود والمواثيق، ولمن معك من المسلمين، وأهل
الذمة بعد استثماري فيما جعلت لك منه عبد الله بن محمد أمير المؤمنين أعز الله
نصره، وأمر بإنفاذه لكم، ورضي به، وجعله لكم وعلى نفسه، وتسليم ذلك من قبله من
وزرائه وقواده، وأنصار الحق من شيعته، من أهل خراسان، فأنت وهم آمنون بأمان الله،
ليس عليك حد، ولا تؤاخذ بذنب أتيته، وكنت عليه في خلاف أو مناوأة، أو قتل أو زلة،
أو جرم أو جناية،
ص 175
أو سفك دماء خطأ أو عمدا، أو أمر سلف منك أو منهم، صغيرا أو كبيرا في سر أو علانية،
ولا ناقض عليك ما جعلت لك من أماني هذا، ولم أخنك فيه، ولا ناكث عنه، وأدنت لك في
المقام في المدينة الشرقية إلى الأجل الذي سألت، ثم أسلك حيث بدا لك من الأرض آمنا
مطمئنا، مكلوءا أنت ومن سألته أن يؤذن له في المسير معك. ومن تبعك، وأهل بيتك.
والخمس مئة رجل على ما سألت من دوابهم وسلاحهم، ولباس البياض لا يخافون غدرا، ولا
إخفارا بك حيث أحببت، من بر أو بحر، وأنزل حيث شئت من الأرض إلى أن تنتهي إلى منزلك
من أرض الشام، فأنت آمن بأمان الله، ممن مررت بهم من عمالنا ومسالحنا ومراصدنا، ليس
عليك شيء تكرهه في سر ولا علانية، ولك الله الذي لا إله إلا هو، لا ينالك من أمر
تكرهه في ساعة من ساعات الليل والنهار، ولا أدخل لك في أماني الذي ذكرت لك غشا ولا
خديعة ولا مكرا. ولا يكون مني في ذلك دسيس بشيء مما تخافه على نفسك؟ ولا خديعة في
مشرب، ولا مطعم ولا لباس، ولا أضمر لك عليه نفسي إلى ارتحالك من مدينة واسط إلى
دخولك على عسكري، والغدو والرواح إذا بدا لك، والدخول أي ساعات من ساعات الليل
والنهار أحببت، فاطمئن إلى ما جعلت لك من الأمان، والعهود والمواثيق، وثق بالله
وبأمير المؤمنين فيما سلم منه، ورضي به، وجعلته لك ولمن معك على نفسي، ولك علي
الوفاء بهذه العهود والمواثيق والذمم، أشد ما أخذه الله وحرمه. وما أنزل الله تبارك
وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه جعله كتابا مبينا لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، ونورا وحجة على العباد، حتى ألقى الله وأنا عليه، وأنا
أشهد الله وملائكته ورسله، ومنه قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين والمعاهدين بقبول
هذه العهود والمواثيق، وإقراري بها على نفسي وتوكيدي فيها، وعلى تسليمي لك ما سألت
ولا يغادر منها شيء، ولا ينكث عليك فيها، وأدخلت في أمانك هذا جميع من قبلي من شيعة
أمير المؤمنين من أهل خراسان، ومن لأمير المؤمنين عليه طاعة من أهل الشام والحرب
وأهل الذمة، وجعلت لك أن لا ترى مني انقباضا ولا مجانبة ولا ازورارا، ولا شيئا
تكرهه في دخولك علي إلى مفارقتك إياي، ولا ينال أحدا معك أمر يكرهه، وأذنت لك ولهم
في المسير والمقام، وجعلت لهم أمانا صحيحا، وعهدا وثيقا، وإن عبد الله بن محمد إن
نقض ما جعل لكم في أمانكم
ص 176
هذا، فنكث أو غدر بكم أو خالف إلى أمر تكرهه، أو تابع على خلافه أحدا من المخلوقين
في سر أو علانية، أو أضمر لك في نفسه غير ما أظهر لك، أو أدخل عليك شيئا في أمانه،
وما ذكر لك من تسليم أمير المؤمنين أو التماس الخديعة والمكر بك، وإدخال المكروه
عليك، أو نوى غير ما جعل لك من الوفاء لك به، فلا قبل الله منه صرفا ولا عدلا، وهو
برئ من محمد بن علي وهو يخلع أمير المؤمنين، ويتبرأ من طاعته، وعليه ثلاثون حجة
يمشيها من موضعه الذي هو به من مدينة واسط إلى بيت الله الحرام الذي بمكة حافيا
راجلا وكل مملوك يملكه من اليوم إلى ثلاثين حجة بشراء أو هبة أحرار لوجه الله، وكل
امرأة له طالق ثلاثا، وكل ما يملكه من ذهب أو فضة أو متاع أو دابة أو غير ذلك، فهو
صدقة على المساكين، وهو يكفر بالله وبكتابه المنزل على نبيه، والله عليه بما وكد،
وجعل على نفسه في هذه الأيمان راع وكفيل، وكفى بالله شهيدا. قالوا: وكان من رأي أبي
جعفر الوفاء لابن هبيرة وأصحابه.
قدوم ابن هبيرة على أبي العباس
قال: وذكروا أن ابن هبيرة وأصحابه لما جاءهم الكتاب بالأمان، ترددوا فيه أربعين يوما يتدبرونه،
ويستخيرون الله في الخروج إليهم، ثم عزم الله له في القدوم على أبي العباس وأبي
جعفر، وكان أبو مسلم كثيرا ما كتب لأبي العباس أنه قل طريق سهل يلقى فيه حجارة إلا
أضر ذلك بأهله، ولا والله يصلح طريق في ابن هبيرة وأصحابه، وكان أبو الجهم بن عطية
عين أبي مسلم على أبي العباس فكان يكتب إليه بالأخبار، وكان أبو العباس لا يقطع
أمرا دون رأي أبي مسلم، وقد كان ابن هبيرة في تلك الأربعين ليلة يجمع لذلك الكتاب
ممن يعبر الكلام والفقه طرفي النهار، فيترددون فيه، حتى بلغوا فيه الغاية التي
يريدون، ثم خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاث مئة. فلما قدم أراد أن يدخل
دار الإمارة على دابته. فقام الآذن (1) فقال: مرحبا بك أبا خالد، أنزل راشدا، وقد
طاف بالدار (2) يومئذ نحو من عشرة آلاف رجل من أهل خراسان، مستلئمين
(هامش)
(1) هو الحاجب سلام بن سليم (الطبري 7 / 454). (2) في الطبري: بالحجرة. وفي الأخبار
الطوال ص 373: وحول السرادق. (*)
ص 177
في السلاح، أعينهم تزهو من تحت المغافر (1)، على عواتقهم السيوف مشهورة، وعمد
الحديد بأيديهم. فأتى ابن هبيرة بوسادة، فطرحت له، فجلس عليها، ثم دعا الحاجب
بالقواد، فدخلوا على أبي جعفر، ثم خرج سلام بن سلام فقال: ادخل يا أبا خالد. قال:
ومن معي؟ قال: إنما استأذنت لك، فدخل، فوضعت له وسادة فجلس، فحدثه أبو جعفر طويلا
(2) ثم نهض فركب، فأتبعه أبو جعفر بصره حتى انصرف.
قتل ابن هبيرة
قال: وذكروا أن
أبا العباس كتب إلى أبي جعفر: أن اقتل ابن هبيرة، فراده أبو جعفر بالكتاب. فكتب
إليه أبو العباس: والله لتقتلنه أو لأبعثن إليك من يخرجه من عندك (3)، ويتولى ذلك
عليك. وكان ابن هبيرة إذا ركب إلى أبي جعفر، ركب في ثلاث مئة فارس، وخمس مئة راجل،
فقدم يزيد بن حاتم على أبي جعفر، فقال: أصلح الله الأمير، ما ذهب من سلطان ابن
هبيرة شيء، يأتينا فيتضعضع (4) به العسكر. فقال أبو جعفر: يا سلام قل لابن هبيرة لا
يركب في مثل تلك الجماعة، وليأتينا في حاشيته. قال عدي: فأصبحنا، فخرج ابن هبيرة
أيضا في مثل تلك الجماعة الذين كانوا يركبون معه، فخرج إليه سلام فقال: يقول لك
الأمير ما هذه الجماعة؟ لا تسيرن إلا في حاشيتك، فتغير وجه ابن هبيرة. فلما أصبح
أتى في نحو من ثلاثين رجلا قال له سلام: كأنك إنما تأتينا مباهيا. فقال ابن هبيرة:
إن أحببتم أن نمشي إليكم فعلنا. فقال سلام: ما نريد بذلك استخفافا بك، ولكن أهل
العسكر إذا رأوا جماعة من معك غمهم ذلك، فكان هذا من الأمير نظرا لك (5)، فمكث
طويلا جالسا في الرواق. فقيل له: إن الأمير يحتجم، فانصرف راشدا، فلم يزل يركب يوما
ويقيم آخر، لا يجئ إلا في رجلين أو غلامه، وقد ختموا على الخزائن وبيوت الأموال،
وجعل القواد
(هامش)
(1) المغافر: جمع مغفر بكسر الميم وسكون الغين، زرد من حديد منسوج على هيئة حلقات
يلبسه المحارب تحت القلنسوة على رأسه ووجهه. (2) في الطبري: ساعة. وفي الأخبار
الطوال: فجلس عليها قليلا، ثم نهض. (3) في الطبري: من حجرتك. (4) يتضعضع العسكر: أي
يضعف، ويفقد ثقته بقدرته. (5) زيد في الطبري: فكان بعد ذلك يأتي في ثلاثة. (*)
ص 178
يدخلون على أبي جعفر فيقولون: ما تنتظر به؟ فيقول: ما أريد إلا الوفاء له حتى إذا
اجتمع أمرهم على قتله، بعث إلى الحسين (1) بن قحطبة فأتاه. فقال: لو سرت إلى هذا
الرجل فأرحتنا منه. فقال: لا نريد ذلك (2)، ولكن ابعث إليه رجلا من قومه من مضر حتى
يقتله، فتتفرق كلمتهم عند ذلك، فدعا خازم (3) بن خزيمة، والهيثم بن شعبة. قال لهم
أبو جعفر: ائتوا إلى ابن هبيرة فجددوا على بيوت المال الختم، وعلى الخزائن، وبعث
معهما من المضرية والقيسية أن يحضروا الآذن، وأريحونا من الرجل، ففعلوا، ثم دخلوا
رحبة القصر في مئة رجل، فأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنا نريد حمل ما بقي في الخزائن.
فقال: ادخلوا، فدخلوا الخزائن فطافوا بها ساعة، وجعلوا يخلفون عند كل باب عدة حتى
دخلوا عليه. فقالوا: أرسل معنا من يدلنا على المواضع وبيوت الأموال. فقال: يا عثمان
أرسل معهم من يريدون، فطاف خازم وأصحابه في القصر ساعة، وابن هبيرة عليه قميص له
مصري، وملاءة موردة، وهو مسند ظهره إلى حائط المسجد في رحبة القصر، ومعه ابنه داود،
وحاجبه، وكاتبه عمر (4) بن أيوب، وعدة من مواليه وبنيه، وفي حجر ابن هبيرة ولد
صغير. فلما توثقوا من كل شيء أقبلوا نحوه، فلما رآهم قد أقبلوا إليه قال: والله إن
في وجوه القوم لشرا. فلما دنوا منه قام أبو عثمان فقال: ما وراءكم؟ فنضحه (5)
الهيثم بالسيف، فأصاب حبل عاتقه، فصرعه، وقام ابنه داود فقاتل، فتفرقوا عليه فقتلوه
ومواليه، ثم مضوا نحو ابن هبيرة فخر ساجدا، وقال: يحكم! نحوا عني هذا الصبي لا يرى
مصرعي. قال: فضرب حتى مات ساجدا، ثم أخذوا رؤوسهم فأتوا بها أبا جعفر، ونادى
المنادي بواسط: أمن الأمير خلق الله جميعا إلا الحكم بن بشر (6)،
(هامش)
(1) الحسن وقد مر. (2) قال اليعقوبي في تاريخه 2 / 354 أن الحسن بن قحطبة قال
للمنصور: إن قتلته كانت العصبية بين قومي وقومه، والعداوة، واضطرب عليك من بعسكرك
من هؤلاء وهؤلاء. (3) بالأصل حازم وما أثبتناه يوافق الطبري واليعقوبي والأخبار
الطوال وقد صحح في شتى مواضع الخبر. (4) في الطبري والأخبار الطوال: عمرو . (5)
في الطبري: فضربه . (6) في الطبري 7 / 456 الحكم بن عبد الملك بن بشر، وفي
البداية والنهاية: 10 / 55 عبد الملك بن بشر. وفي تاريخ خليفة ص 402: بشر بن عبد
الملك بن بشر بن مروان. (*)
ص 179
وعمرو (1) بن ذر (2). قال: فضاقت علي والله الأرض بما رحبت حتى خرجت، على دابتي ما
لي هجير إلا آية الكرسي أتلوها، والله ما عرض لي أحد حتى تواريت، فلم أزل خائفا حتى
استأمن لي زياد بن عبد الله ابن العباس فأمنه، وهرب الحكم بن عبد الله بن بشر إلى
عسكره (3)، وضاقت بخالد بن سلمة (4) الأرض حتى أتى أبا جعفر، فاستأذن عليه فأمنه.
وبلغ ذلك أبا العباس. فكتب إلى أبي جعفر: والله لو كانت له ألف نفس لأتيت عليها،
اضرب عنقه، فهرب أبو علافة الفزاري، وهشام بن هبيرة، وصفوان بن يزيد، فلحقهم سعد بن
شعيب فقتلهم، وقبض على أصحاب ابن هبيرة، فقتل من وجوههم نحوا من خمسين، ثم أمن
الناس جميعا، ونادى منادي أبي جعفر: من أراد أن يقيم فليقم بالجابية، ومن أحب أن
يشخص فليشخص، وهرب القعقاع بن ضرار وحميد وعدة، حتى أتوا زياد بن عبد الله، فاستأمن
لهم، فأمنوا جميعا، وقوي ملك بني العباس، واستقرت قواعده. فلما قتل ابن هبيرة، نودي
في أهل الشام: الحقوا شامكم، فلا حاجة لنا بكم، فسار أهل الشام حتى قدموا الكوفة،
منهم من قدم، ومنهم من أخذ على عين التمر (5)، ومنهم من أخذ على طريق المدائن (6)،
ثم لحقوا بالشام على طريق الفرات. واستعمل أبو جعفر على واسط ومن فيها الهيثم بن
زياد وخلف معه خيلا، ثم انصرف أبو جعفر إلى أبي العباس، وهو يومئذ بالحيرة (7)، ثم
وجه داود بن علي إلى الحجاز، فقتل مكن ظفر به من بني أمية وغيرهم، فتوجه إلى المثنى
بن زياد بن عمر بن هبيرة باليمامة (8)، فقتله وأصحابه، ثم تبعهم محمد بن عمارة،
وكان على الطائف فقتلهم، وتحول أبو العباس من الحيرة إلى الأنبار، فأمر أبو العباس
برأس ابن هبيرة فوضع بالحيرة على خشبة، ومعه غيره من عمال مروان، وبها رفع رأس
مروان بن محمد، وعن
(هامش)
(1) في الأخبار الطوال ص 375: محمد بن ذر. (2) زيد في الطبري والأخبار الطوال:
وخالد بن سلمة المخزومي. (3) في الأخبار الطوال: كسكر. (4) بالأصل: مسلمة
تحريف. (أنظر حاشية رقم 2). (5) عين التمر: موضع قرب الكوفة. (6) المدائن: بلد قرب
بغداد. (7) الحيرة بلد قرب الكوفة. (8) في الطبري (حوادث سنة 133) وجه زياد بن عبيد
الله (وكان ولي مكة والمدينة والطائف بعد موت داود بن علي) إبراهيم بن حسان السلمي
إلى المثنى باليمامة فقتله وقتل أصحابه. (*)
ص 180
يمينه رأسي ثعلبة بن سلامة، ورأس عثمان بن أبي شعيب عن يساره، وانقطعت شيعة بني
أمية، وطلبوا تحت كل حجر ومدر. اختلاف أبي مسلم على أبي العباس قال: وذكروا أن أبا
مسلم كتب (1) إلى أبي العباس بستأذنه في القدوم عليه فقدم عليه، فتلقاه الناس
جميعا، ومعه القواد والجماعة، والخيل والنجائب، ثم استأذن أبا العباس في الحج،
فقال: لو لا أن أبا جعفر يحج لاستعملتك على الموسم. واستعمل أبا جعفر على الموسم،
فقال أبو جعفر لأبي العباس (2): أطعني واقتل أبا مسلم، فوالله إن في رأسه لغدرة.
فقال له: أي أخي، قد عرفت بلاءه. وما كان منه. فقال أبو جعفر: هو أخطأ بذلك، والله
لو بعثت سنورا مكانه لبلغ ما بلغ في ميل الدولة. قال أبو العباس: كيف تقتله؟ قال:
إذا دخل عليك فحادثه، فإذا أقبل عليك دخلت فأتيت من خلفه، فضربته ضربة آتي منها على
نفسه. فقال أبو العباس: أي أخي، فكيف تصنع بأصحابه الذي يؤثرونه على أنفسهم ودينهم؟
(3) قال: يؤول ذلك إلى خير، وإلى ما تريد. قال: يا أخي، إني أريد أن تكف عن هذا.
فقال أبو جعفر: أخاف إن لم تتغده يتعشاك. فقال أبو العباس: فدونكه يا أخي. قال:
وكان مع أبي مسلم من أهل خراسان عشرة آلاف، قد قدم بهم، يأخذون العطاء عند غرة كل
شهر، أوفر ما يكون من الأرزاق سوى الأعاجم. فلما دخل أبو مسلم على أبي العباس، دعا
أبو العباس خصيا له. فقال: إذهب فاعرف ما يصنع أبو جعفر، فأتاه فوجده محتفيا (4)
بسيفه. فقال أبو جعفر: أجالس أمير المؤمنين، فقال الوصيف: قد تهيأ للجلوس، ثم رجع
الوصيف فذكر ذلك لأبي العباس، فرده أيضا إلى أبي جعفر، وقال: قل له: عزمت عليك أن
لا تنفذ
(هامش)
(1) وذلك في سنة 136 ه (الطبري). (2) وكان قول أبي جعفر لأبي العباس لما كان
بينهما من جفاء يعود إلى زمن قدوم أبي جعفر عليه بخراسان واستخفافه به، ولم يبالغ
في بره وإكرامه ولم يظهر السرور التام بقدومه. (الطبري 7 / 468 - الأخبار الطوال ص
376). (3) في الطبري: يؤثرونه على دينهم ودنياهم، وفي الأخبار الطوال: وقد أشربت
قلوبهم حبه، واتباع أمره، وإيثار طاعته. (4) في الطبري: محتبيا. (*)
|