بينات من الآيات
جمع السحرة [ 34] لابد ان يكون صاحب الرسالة مستعدا أبدا لتطورات الصراع ، و مضاعفة التحديات ، حتى تبلغ الذروة ، فهذا النبي العظيم موسى افتتح دعوته بقول لين ، و استمر على ذلك النهج بالرغم من استفزاز فرعون بسخريته اللاذعة ، و لكن فرعون توعده بالسجن فجاءه موسى بشيء مبين ، و مضى فرعون في طريق العناد فاتهم موسى بالسحر .
[ قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم ]
و يبدو ان السحر كان منفورا منه بالرغم من انتشاره بين الناس يومئذ ، وقد الصق تهمة السحر بموسى و لكنه ما لبث ان استعان بالسحرة و وعدهم بان يجعلهم من المقربين اليه ، ثم لما آمنوا عاد و اتهم موسى بأنه كبيرهم .
و هكذا يتقلب الطغاة حسب مصالحهم ، و هذا التقلب - بذاته - دليل زيفهم .
[ 35] جبل الانسان على حب أرضه التي نبت منها ، و يستغل الطغاة هذاالحب بصورة قذرة ، و يدعون أبدا أنهم حماة الأرض ، و دعاة الأمن من الخطر الخارجي أو الداخلي .
و هكذا اتهم فرعون موسى بأنه مخل بالأمن ، و أن هدفه النهائي طرد الأقباط من أرضهم ، فقال :
[ يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ]
و لم يكن فرعون يأبه باراء الناس لأنه كان يزعم أنه الأهم ، و ربهم الأعلى ، و كيف يجوز للرب ان يستشير المربوبين ؟!
و لكنه حين خاف أنهيار عرشه بادر الى المشورة ، لا لكي ينتفع بعقولهم و تجاربهم ، أولا ترى كيف كان يبادر بالجواب قبلئذ دون استشارة ؟ وانما يستميلهم ، و يمنع من تأثير حجج موسى البالغة فيهم ، و أيضا لكي يشاركوه في جريمته التي نوى ارتكابها بحق النبي موسىفلا تأخذهم به رأفة من بعد تنفيذها .
هكذا خاطب من حوله قائلا :
[ فماذا تأمرون ]
و هكذا الطاغوت أبدا لا يريد آراء الناخبين ليخضع لها ، بل بحثا عن الأهداف التالية :
أ - الإيحاء إلى الناس بأنهم يضعون القرار لأنفسهم حقا ، و ليس هو وحده .
ب - جس نبض الشعب ، و معرفة مدى تأثير اعلامه فيهم ، و مدى قوة معارضيه ، و مكامن نفوذهم ليقوضهم .
ج - لإضفاء الشرعية الكاذبة على حكمه ، كذلك تراهم يبادرون الى الانتخابات اذا بلغ بهم الخوف مداه ، و على الرساليين ان يعوا هذه اللعبة ، و ان يقوموا بتوعية الناس سلفا بما يقوم به الطغاة لخداعهم ، و الاستمرار في التسلط عليهم .
[ 36] كانت الثقافة الفاسدة ، و الاعلام المضلل ولا زالت أعظم ركيزة لسيطرة الطغاة ، و لقد كانت آثار الإغواء و الفتنة و التضليل أبلغ بكثير من آثار السجن و القتل و التعذيب .
و يبدو ان نظام فرعون كان يستخدم السحر و سيلة لتكريس سلطته ، و قد كان السحر منتشرا بين الاقباط يومئذ ، و السحر نهاية مطاف الحضارة ، و انتشاره يدل على وصول الناس الى أدنى مستوى من العلم و المعرفة ، أنه ليس إلا اثارة للخيال عبر مجموعة حركات و أصوات والعاب خادعة ، ولا يتأثر به إلا من سلم نفسه لتأثيراته .
و يبدو ان مركز تاثير السحر هو أعصاب الناس عبر منبهات صوتية ، و حركات متناغمة ، و حركات بهلوانية .
هكذا أشار الملأ من حول فرعون عليه ان يستغل السحرة لمواجهة آية موسى بعد اعتقاله و أخاه .
[ قالوا أرجه و أخاه ]
اي ابقهما رهن الاعتقال ، و بالرغم من أن مستشاري فرعون لم ينصفوا رسولهم ، و لكنهم كانوا أقرب رشدا من مستشاري نمرود حيث أمروه رأسا بحرق نبيهم إبراهيم - عليه السلام - و في الحديث : أن أولئك كانوا أولاد زنا بينما كان هؤلاء رشدة .
وفي رواية أخرى عن ابي عبد الله الصادق (ع) قال :
" كان فرعون إبراهيم و أصحابه لغير رشدة ، فإنهم قالوا لنمرود : " حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين " و كان فرعون موسى و أصحابه لرشدة ، فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالوا : " أرجه و أخاه و ارسل في المدائن حاشرين * ياتوك بكل سحار عليم " (1)
[ و ابعث في المدائن حاشرين ]
أرسل إلى أطراف البلاد من يجمع السحرة ، و هكذا اعلن فرعون - حسب هذا الرأي - حالة الاستنفار القصوى لجهازه الثقافي و الاعلامي لإحساسه بمدى خطورة التحدي .
[ 37] و هكذا أمروه بتعبئة كل المهرة من السحرة .
[ يأتوك بكل سحار عليم ]
|