فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بورك من في النار ومن حولها
هدى من الآيات

جاء موسى (ع) في تلك الليلة الشاتية ليقتبس شهابا من تلك النار التي آنسها من بعيد ، و ليهتدي على أثرها ، و يحمل الدفء و الهدى الى اهله ، فاذا به يسمع نداء يبتدىء بالبركة ، و لعلها تعبير عن التكامل و النمو .

إن لدى الانسان صفات فطرية متنوعة وهي بحاجة الى التنمية و التزكية لتنتهي الى البركة ، فهو يملك العلم و الإرادة و الصحة بالقوة - يعني انه يملك امكانية كل ذلك - و التربية هي التي تتعهد هذه الصفات بالتنمية و ا لتزكية ، فاذا بامكانية العلم تتــحول الى علم ، و امكانية التعقل تتحول الى عقل ، و امكانية الصحة الى سلامة ، و حسب التعبير الفلسفي يتحول الشيء من القوة الى الفعل ، و ذلك بحاجة الى منهج متكامل هو رسالات الله التي تفجر طاقات الانسان و تنميها و توجهها ، لذلك تتكرر كلمة البركة في القرآن ، فالقرآنبركة ، و الرسول بركة ، و البيت الحرام مبارك ، و هكذا .


وأول ما تلقى موسى (ع) من الوحي هو الاشارة بالبركة : " ان بورك من في النار و من حولها " و ربما يقصد بمن في النار الله تعالى ، و من حولها موسى .

أما عن منطلق البركة في حياة الانسان فهو الايمان بالله سبحانه و تعالى ، لذلك يأتي النداء الآخر بعد ذكر البركة - و فيه تعبير عن التوحيد - فالله هو منشأ كل خير في عالم الطبيعة ، و الايمان بالله هو منشأ كل خير في عالم التشريع .

و بعد ان يشير السياق الى الآيات التي تجلت على يد موسى (ع) يتناول قصة سليمان (ع) الذي ورث العلم و الملك من داود ، فأصبح ملكا نبيا ، و ذلك ليبين لنا فكرة هامة هي : ان الالتزام بالرسالة لا يعني تحمل المشاق و المتاعب الا انها بالطبع تؤدي باصحابها الىالنصر و الملك .

و القرآن الحكيم كثير ما يبين لنا أحكامه و افكاره عبر الامثلة التاريخية و القصص ، فبقصة يعقوب مع ولده يوسف (ع) يثير فينا عاطفة الابوة ، و بقصة ابراهيم مع ابنه اسماعيل (ع) - حين أراد ذبحه - يبين تحدي الانسان لهذه العاطفة ، أما من قصة سليمان (ع) فاننانستوحي ان الدنيا و الأخرة يمكن ان يجتمعا على صعيد واحد ، فبإمكان الرسالي صياغة حياة ملؤها الفضيلة و التقوى ، ويجمع اليها القوة و النعم الدنيوية ، و القصة تفيد أيضا ان التفكير السليم يمكن من جمع الدنيا والآخرة ، حسب مستوى الانسان و طموحه و قدراته ، ويستشف من القصة معنى البركة الذي جاء ذكره في أول الآيات ، فانسان ما قد يصبح كسليمان نبيا ، يتلقى الوحي من الله سبحانه مباشرة ، و في الوقت ذاته يكون ملكا بملك لا ينبغي لاحد من قبله ولا لاحد من بعده .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس