فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 65] لو عاد الإنسان إلى وجدانه لرفض الخضوع للأنداد . ومن أبرز ما يخشاه البشر المستقبل وما يخبئه له من مفاجئات قد لا تكون سارة .

ومــن الــذي يعلــم الغيب إلا الله ، و هل يقدر أحد أن يتحكم في المستقبل إلا الله ؟!

فهل كان كارتر يعلم بأن زوبعة سوف تدمر طائراته في طبس ، و هل المخابرات تعلم أن مركبة القضاء ( تشالنجر ) سوف تتحطم بعد لحظات من إطلاقها ؟! لو كانوا يعلمون لما أقدموا على كل ذلك .

و كلمة أخيرة :

إن علم الغيب ليس كل ما يعلم الإنسان عن المستقبل ، بل معرفة الأشياء بصورة ذاتية ، فقد ذكر الامام أمير المؤمنين أنباء عن المستقبل ، فزعم البعض أنه علم الغيب ، فأوضح لهم الفارق بين علم الغيب و معرفة حوادث المستقبل ، فقال متحدثالرجل كلبي زعم ذلك :

" يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب ، وإنما هو تعلم من ذي علم ، وإنما علم الغيب علم الساعة ، وما عدده الله سبحانه بقوله : " إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ... الآية" فيعلم سبحانه مافي الارحام من ذكر أو انثى ، و قبيح أو جميل ، و سخي أو بخيل ، و شقي أو سعيد ، ومن يكون للنار حطبا ، وفي الجنان للنبيين مرافقا ، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، و دعا لي أن يعيه صدري ، و تضطم عليه جوانحي " (1)

[ قــل لا يعلــم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ]إن هؤلاء لا يشعرون حتى مجرد شعور متى يكون بعثهم .

[ 66] [ بل ادارك علمهم في الأخرة ]

لقد توقف علمهم و انتهى عند حدود الدنيا لنظرتهم المادية ، و كفرهم بالله تعالى ، و المؤمن يسأل الله أن يتجاوز علمه وإدراكه الدنيا إلى الآخرة ، ففي الدعاء :

" ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا " (2)ولا ريب أن الذي يفكر في الدنيا فقط فإن مصيبته ستكون في دينه .


(1) نهج البلاغة / خ 128 / ص 186 .

(2) مفاتيج الجنان / في أعمال ليلة نصف من شعبان .


و السبب من اقتصار علمهم على الدنيا هو شكهم في الآخرة .

[ بل هم في شك منها ]

بل أكثر من ذلك :

[ بل هم منها عمون ]

فلا يذكرون الآخرة ، كالأعمى الذي لا يعرف النور ولا اللون . و يبدو أن في السياق تدرجا في مراحل جهلهم ، توقف علمهم فلا يعرفون أي شيء من شؤون الآخرة ، و هذا وحده سبب كاف لنبذهم من قبل اتباعهم ، ثم بين ربنا أنهم أساسا يشكون في الآخرة ، فكيف ينفعون أحدافي دار يشكون في وجودها ، ثم بين أنهم فقدوا ما كان يمكنهم معرفة الآخرة به و هو عين البصيرة ، و من لا يملك جهازا للإدراك فهل يتصدر إدراكه لشيء .

[ 67] [ وقال الذين كفروا أءذا كنا ترابا و ءاباؤنا أئنا لمخرجون ]إنهم يشكون في البعث و الجزاء لجهلهم بالله و قدرته ، و أيضا لجهلهم بالخلق .

[ 68] [ لقد و عدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ]و الأساطير هي الخرافات التي تشيع داخل المجتمع ، ولا واقع لها . ولو أن هؤلاء تعمقوا قليلا لعرفوا أن الحكمة تقف وراء كل شيء في هذه الحياة ، ثم لعرفوا من خلال ذلك حقيقة المسؤولية ، و أن هناك دارا للجزاء هي الآخرة ، و لعل هذه الآية تفسر الآية السابقة وتبين أن سبب عمه هؤلاء الأنداد ، و من يشرك بهم من الجاهلين هو استبعادهم البعث و زعمهم بأنه لا يكون ، لأنهم لا يعرفون كيف يمكن أنيكون ، وهل يجوز أن تنكر وجود شيء لمجرد أنك لا تعرف كيف وجد ، و ما هي عوامل وجوده أو تفاصيله ؟!

[ 69] [ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ]و ماذا نشاهد حينما نسير في الارض و ننظر إلى التاريخ ؟

إننا نشاهد آثار تلك الحضارات التي بادت بسبب انحراف أهلها ، و رفضهم لرســالات اللـه ، و بالتالي نشاهد آثار الجزاء الدنيوي الذي يدلنا على الجزاء في الآخرة .

[ 70] و أنت الذي تؤمن بالآخرة لا تحزن عندما ترى العاقبة التي حلت بالمجرمين ، و لاتفكر فيهم :

[ ولا تحزن عليهم ]

ولا تغتم على المجرمين الذين ينتظرهم نفس المصير .

ولا تخش مكرهم ، لأن مكرهم عند الله ، و في إطار سلطانه سبحانه ، و أن الذين سبقوهم كانوا أمكر منهم ، فلم يغنهم مكرهم شيئا حين قضى الله بتدميرهم .

[ ولا تكن في ضيق مما يمكرون ]

و يوحي التعبير القرآني بان علينا ألا نأبه أبدا بمكرهم ، بل حتى لا يؤثر خوف مكرهم في خططنا الرامية لتبليغ الرسالة .

[ 71] [ و يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ]


دليل هؤلاء على عدم وجود الآخرة انها قد تأخرت ، و لكن هل إن عدم وقوع شيء بالأمس أو اليوم دليل على أنه لن يقع في المستقبل ؟

[ 72] [ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ]إنكم تستبعدون يوم الجزاء ، و لكن ما يدريكم ربما يحل بكم قريبا ، و كلمة " ردف " تدل على القرب ، إذ ليس ثمة مسافة بين المترادفين على دابة و احدة ، ثم إن العذاب الآشد هو عذاب القيامة ، و من الغباء استعجال مثل هذا العذاب !

[ 73] و تسأل : لماذا يؤخر الله العذاب ؟

[ و إن ربك لذو فضل على الناس و لكن أكثرهم لا يشكرون ]إن التأخيــر تفضل من الله ، و لكن الناس لا يستفيدون من هذه الفرصة بالتوبة ، بل لا يزالون يزدادون كفرا على كفر حتى يحل بهم الأجل ، و إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس