فلن اكون ظهيرا للمجرمين
هدى من الآيات يذكرنا هذا الدرس بجانب مهم من سيرة الانبياء (ع) حيث الصراع المستمر بين الرسالة الإلهية و اتباعها من طرف ، و الجاهلية المادية و مؤيديها من طرف آخر ، و الذي تحسمه الإرادة الالهية لصالح جبهة الحق ، الا أن ذلك لا يعني ان الغيب يحرك مراحل الصراع مباشرة، بل انه قد يمضي سننه عبر إرادة الانسان و نشاطه ، ومن هذا المنطلق يتعرض السياق في هذه الآيات لدور الانسان ، المرأة و الرجل .
و الدور الهام الذي قامت به أم موسى (ع) يؤكد دور المراة في الصراع الرسالي الجاهلي ، كأم ، و كزوجة ، و كشحنة عاطفيــة ، و هـذه قضية أساسية و هامة .
فمن جهة نقرأ عما قامت به أم موسى في تأسيس هذا الصراع و انطلاقه ، و ما قامت به أخته من تتبع مصيره ، و من جهة أخرى تحدثنا الآيات عما قامت به زوجة فرعون من عمل حافظت به على حياة هذا القائد . اذ اشارت على زوجها بالابقاءعلى موسى (ع) حيا ، و بالرغم من اختلاف الأدوار ، إلا أنها تلتقي في نقطة واحدة هي مساهمة المرأة في الصراع .
وهذه المساهمة لا تقتصر على الأدوار الجانبية ، بل نجدها في صميم المسؤوليات الخطيرة ، فأم موسى (ع) وان كانت مؤمنة و ملتزمة بالأمر الإلهي إلا أنها كأم كانت لها عواطف الأمومة ، فكيف تقبل ان تلقي بولدها - الذي عملت المستحيل حتى لا تصل اليه يد السلطة - في اليم لتبتلعه أمواجه الغاضبة ، خاصة وان المرأة مهيأة نفسيا و جسديا للإهتمام برضيعها بعد الولادة ، فكل اهتماماتها الفطرية و جوانب تفكيرها مركزة نحو ذلك الوليد !
و في البين يذكرنا الذكر بأحد العوامل الأساسية لانتصار الحركات الرسالية في الصراع ، وهو عامل الكتمان و السرية في العمل الرسالي و الذي يبدو بعض الأحيان الأهم في العمل ، فلو أن أم موسى أبدت عواطفها وباحت بسرها ، لتسببت في القضاء على الحضارة التي أسسهاو ليدها المبارك ، و لهذا قال الامام الصادق (ع) :
" كتمان سرنا جهاد في سبيل الله " (1)
ثم تذكر الآيات بدور عامل آخر في الانتصار ، و هو عامل البحث و التحقيق ، و حسب التعبير الحديث التجسس ، فالحركة الاسلامية و ان كانت حركة إلهية إلا أن عليها التسلح بكل العوامل المشروعة التي تقرب اليها النصر ، كعامل التجسس لمعرفة خطط النظام الفاسد و الواقع المحيط ، ثم تستفيد من ذلك في تحركها ، ومن هذا المنطلق أمرت أم موسى (ع) اخته ان تقص أثره ، و تتعرف على مصيره ، فمشت خلفه حتى رسى على مقربة من قصر فرعون ، فالتقطه آل فرعون ، و اجتمعوا حوله(1) بحار الانوار / ج 75 / ص 70 .
يتشاورون ، وهنا تدخل الغيب لإنقاذ موسى (ع) ولكن بعد أن هيأت أمه الظروف المناسبة ، و بذلت قصارى جهدها ، إذا استجابت لنداء الوحي ، و صبرت على فراق وليدها ، كما أرسلت اخته خلفه ، فأعاده الله إليها ، و لكن كيف ؟
لما حرم الله على موسى المراضع ، و ألقى محبته في قلبي فرعون و زوجه ، و جعلهم يستجيبون لاقتراح أخته بان تدلهم على مرضعة يقبلها هي أمه .
و فعلا تحركت اخته لتخبر أمها بالامر ، وجاءت أم موسى (ع) صابرة متجلدة ، و ملتزمة بكامل السرية ، فارتضع موسى منها ، و عاد إليها سالماكما وعد الله ، و الدرس الذي نستفيده من هذا الحدث هو : ان الرساليين لو صبروا و التزموا بالمنهج السليم ، الذي يرسمه لهمالله عبر آياته و وحيه ، و هدى عقولهم فان الله سينصرهم كما وعد ، و من أصدق من الله قيلا ؟!
و في آخر الدرس نجد صورة من الصراع بين المستضعفين و المستكبرين .
|