رب نجني من القوم الظالمين
هدى من الآيات تحدثنا آيات هذا الدرس عن صفات القائد الرسالي الذي يصنع الثورة ، و يقاوم الجاهلية المادية بالرسالة الآلهية ، و موسى (ع) الذي قرر ان لا يكون ظهيرا للمجرمين ، بل يكون الى جانب الحق - لم تكن حركته نابعة من عواطف مؤقتة ، ولا من شهوات سلبية ، أو ردود فعل مرتجلة تجاه الأحداث ، و إنما كان ينطلق من مبادىء ثابتة ، و يتحرك عبر مسيرة واضحة المعالم ، فهو يريد أن يحقق العدالة في المجتمع ، بادءا بنفسه أولا .
فبعد أن قتل موسى (ع) القبطي ، صار مطلوبا عند السلطة ، فكان ينبغي أن يكون حذرا في مدينة تطالها سيطرة فرعون ، و قد أشار القرآن لهذا الأمر في حديثه عن موسى (ع) و هو يدخل المدينة تارة و يخرج منها تارة أخرى ، أو يمشي فيها فقال : " و دخل المدينة علىحين غفلة من أهلها " " فأصبح في المدينة خائفا يترقب " " فخرج منها خائفا يترقب " .
و هكذا ينبغي للرسالي أن لا يأخذ الأمور بسذاجة عندما يدخل بلاد الطغاة لأداء مهمة ما . ان موسى دخل المدينة ، و خرج منها ، و عاش فيها حذرا ، وبالتالي مستعدا و مخططا لتصرفاته في شتى الظروف و الإحتمالات .
و بينما كان موسى يمشي في المدينة ، و في هذه الظروف الصعبة ، فإذا بالذي استغاثه بالأمس يستصرخه اليوم ، يريد منه ان يعينه على رجل قبطي آخر ، لكنه هذه المرة تفجر غضبا على الأثنين ، على الاسرائيلي باعتباره يورط الحركة الرسالية في صراعات غير مخطط لها ،قد تنعكس سلبيا على خطط الحركة في التغيير ، و يبدو أن الرجل كان ممن تثيره عداواته الشخصية ، فتجره الى مواقف مرتجلة هذا من جهة ، و لكن ذلك لم يمنع موسى من نصرته فلقد هم بالبطش بالقبطي باعتباره ظالما من جهة أخرى .
ان خطأ الإسرائيلي الذي استحق عليه اللوم لا يكمن في استراتيجيته ، فهو مظلوم يتعرض للإهانة ، و ربما للقتل و من حقه الدفاع عن نفسه و كرامته ، انما يكمن خطأه في اسلوبه ، اذ فجر الصراع في ظرف و وقت غير مناسبين ، و هنا لابد أن نعرف ان من اسباب فشل أي حركة هو اللاانضباط الذي من صوره و شواهده دخول أفراد الحركة في صراعات غير مخططة و بعيدة عن قرار القيادة .
لهذا نهر موسى (ع) الاسرائيلي و قال له :
" قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأأدبنك ، و أراد ان يبطش به ، و هو من شيعته " (1)فزعم ان موسى (ع) يريد قتله ، فاتهم النبي (ع) بانه لا يصلح للقيادة ، و أن(1) نور الثقلين / ج 4 / ص 119 .
هدفه ليس إلا الافساد في الارض ، و التجبر ، و في البين فضح سرا من أسرار الحركة حين أعلن أمام الناس ، ان الذي قتل القبطي بالأمس هو موسى (ع) فانتشر الخبر في المجتمع ، و قررت السلطة ان تنتقم منه (ع) و تجعله عبرة للآخرين .
و يبدو ان الحركة الرسالية كانت ناضجة ، مما جعلها تخترق خاصة فرعون ، و تتعرف على خطط السلطة ، و هذا من اسباب النجاح في العمل ، إذ يمكن الإختراق الحركات من اتخاذ خطط وقائية و مضادة لخطط الحكومات ، و كانت الخطوة الوقائية لموسى (ع) هو قرار الهجرة في سبيل الله .
وهكــذا دخلــت الحركة الرسالية مرحلة جديدة ، و أسلوبا آخر في العمل الرسالي ، و الهجرة مرحلة أساسية لدى الحركات الرسالية عبر التأريخ ، وهي ذات معطيات هامة على مستوى الفرد و الحركة ، فهي مثلا تزكي الفرد من جهة و تحفظ القيادة و التحرك من جهة أخرى .
و لم تكن الهجرة بالنسبة الى موسى (ع) تعني الهروب من ساحة الصراع و العمل في سبيل الله ، بل كانت فرصة للإعداد الأفضل للصراع و العمل ، حيث كان مستضعفا و محروما ، فكان يبحث هنا و هناك عن مستضعف ليعينه ، كما لم ينقطع عن التفكير في جماهيره المغلوب على أمرها .
لهذا نجد القرآن أول ما يحدثنا عن موسى (ع) في دار الهجرة يشير الى انه اول ما قام به هناك هو خدمة الناس ، و الاحسان اليهم . انه لم يقل : يجب اولا ان انتصر على الطاغوت ، ثم أفكر بعدها في خدمة المستضعفين ، كلا .. فأنت أيها المؤمن ، و أنت في مسيرة بناءالدولة الاسلامية عليك ان تسعى بما أتاك الله من قوة لخدمة الناس ، لأن ذلك يربي الانسان ، و ينمي فيه المواهب الخيرة ، و بالتالي يجعله أهلا لتحمل المسؤولية الرسالية .
و في الآية الأخيرة نجد صورة نموذجية لأسلوب الفرد المؤمن في الدعاء .
|