فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 71] لا ينكر أحد بأن الذي أضاء بنوره الارض و ما فيها هو الله ، و يعرف الكل أنه الأحق بالطاعة ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ، و لا ضياء ولا هدى من جبابرة الارض و مترفيها .

بلى .. يعرف الناس جميعا هذه الحقيقة ، و لكنهم لا يعقلونها ، فتراهم يركضون وراء الطغاة و المفسدين طمعا في بعض الثروة ، أو خشية من اذاهم .

[ قل أرئيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ]

دائما و مستمرا .

[ إلى يوم القيامة ]

و هذا هين على الله ، فهو يستطيع ان يحجب نور الشمس لتتحول الأرض ظلاما دامسا ، و لو فعل ذلك لما استطاع أحد ان يعيد النور مرة أخرى .

[ من إله غير الله يأتيك بضياء إفلا تسمعون ]

[ 72] ثم لو جعل الله ابدا سرمدا ، هل يقدر من نعبدهم من دونه على المجيء بالليل لتسكن فيه ، و ننعم بهدوئه الذي ينفذ حتى في عظامنا . ، و أنسجة أعصابنا .


[ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ]و بالمقارنة بين الإيتين نستفيد فكرتين مهمتين :

الاولى : ان الله قال في الآية (71) : " يأتيكم بضياء أفلا تسمعون " من دون ان يبين فائدة الضياء ، بينما قال في الآية (72) : " يأتيكم بليل " و بين إحدى فوائده " تــسكــنون فيه " و لعل ذلك لان الانسان ينام بالليل ، فلا يتفكر في أهميته فاقتضى التنبيه .

الثانية : انه عز وجل قال في حديثه عن الليل : " أفلا تسمعون " بينما قال في حديثه عن النهار : " أفلا تبصرون " لأن الحاسة التي يمكن للإنسان الإستفادة منها في الظلام هي السمع ، لأنه لا يرى فيه ، بينما يعتمد أكبر شيء في النهار علىحاسة البصر .

و يبدو ان معنى الآية : أفلا تسمعون عن نعمة الليل ، أفلا تبصرون نعمة النهار .

[ 73] [ و من رحمته جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه ]أي في الليل .

[ و لتبتغوا من فضله ]

في النهار ، كأمر طبيعي بالنسبة للإنسان ، و الليل و النهار يبعثان حالة الشكر و الرضى في البشر .


[ و لعلكم تشكرون ]

و ذلك لـ :

1 - لان نفس الانسان لا ترتاح على نمط واحد ، بينما التنوع يرضيها و يبعثها على الشكر .

2 - الذي يعمل بالنهار و ينام بالليل يحصل على وقت للتفكير في إنجازاته فيرتاح ، و للتفكير في مستقبله فيخطط له ، و حينما يأتي لعمله في النهار يكون قد أخذ قسطا من الراحة والاستعداد لبذل جهد و نشاط أفضل .

3 - ثم ان هدف المؤمن من الحياة أسمى من الماديات ، فهو من وراء النعم يسعى للشكر ، لذلك تراه في حالة من الرضى و الاطمئنان مهما كانت الظروف معاكسة للطموحات المادية المغروزة فيه ، لانه ينظر الى الجوانب الايجابية في الحياة .

و في الحديث عن ابن عباس :

" ان امرأة ايوب قالت له يوما : لو دعوت الله ان يشفيك ، فقال : و يحك ! كنا في النعماء سبعين عاما ، فهلم بضر في الضراء مثلها " (1)فعلموا ان الحق لله :

[ 74] الله هو الخالق و صاحب الفضل و النعمة على البشر ، وله وحده يصرف الشكر ، الا ان البعض بدل ان يفعل ذلك تراه يشرك بالله ، فيعتقد ان السلطة أو أصحاب القوى المختلفة هم مصدر النعم و الفضل عليه ، فيعبدهم من دونه تعالى ، و حساب هؤلاء عسير عند الله .



(1) بح / ج 12 / ص 348 .


[ و يوم يناديهم فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون ]فلا يجيبون ، و قدسبقت آية مشابهة تماما لهذه الآية وهي آية ( 62 ) مما يدل بان النداء الالهي مرة يكون أمام قادة المشركين من أئمة الضلال ، و مرة في حضور الرسل و خلفائهم من ائمة الهدى .

[ 75] و يتم الحجة عليهم عندما يستدعي الشهود على كل امة منها :

[ و نزعنا من كل أمة شهيدا ]

و هم الانبياء و الأئمة . جاء في آية كريمة : " فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا " (1)و جاء في حديث شريف في تفسير هذه الآية :

" و من هذه الامة امامها " (1)

[ فقلنا ]

للمشركين :

[ هاتوا برهانكم ]

ان كانت لديكم حجة على طاعتكم للأنداد ، و اتباعكم لذوي الثروة و السطوة ، و لكنهم لا يجدون جوابا . إذن علينا ان نفكر مرتين قبل ان نتبع قائدا ، لننظر هل نملك على طاعته برهانا يوم القيامة ، حيث لا ينفع الجدل و التظني(1) النساء / 41

(2) عن تفسير الميزان / ج 16 / ص 20


و التبرير .

[ فعلموا أن الحق لله و ضل عنهم ما كانوا يفترون ]

يوم القيامة تبلى السرائر ، و تظهر الحقائق ، و يتلاشى الباطل و الكذب ، كما تتبدد الأعمال المنافقة ، و لعل فاتحة الآية تشير الى ضلال وضياع عبادتهم للأنداد ، و أيضا أعمالهم التي مارسوها في الإطار الشركي .

[ 76] و من جمـــلة ما يفــتري الانسان على الله هو اتباع مالكي المال و الثروة .

[ إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ]

انحرف عنهم ، و صار يظلمهم .

[ و ءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة ]و العصبة كما في تفسير علي بن ابراهيم :

" ما بين العشرة الى خمسة عشر " (1)

لقد رزقه الله كنوزا ذات مفاتيح ( صناديق و خزائن ) لو حملتها العصبة أولوا القوة لأرهقتها ، و كان الهدف من اعطائه الثروة امتحانه . ذلك ان المؤمن الحقيقي تزيده الثروة قربا الى الله ، و تواضعا في خدمة الناس ، و لهذا جاء في الحديث :

" الغني الشاكر خير من الفقير الصابر "

أما ضعيف الايمان أو المنافق فانها لا تزيده من الله إلا بعدا ، وفي الناس إلا(1) بح / ج 13 / ص 249 .


تكبرا و غرورا ، و لم يكن قارون من النوع الاول ، فبادر المؤمنون لنصحيته :

[ إذ قال له قومه لا تفرح ]

و الفرح في هذه الآية بمعنى الغرور ، و هو أنعدام الهدف ، و أحساس الانسان بحالة الاشباع ( أنعدام المسؤولية ) و كثير هم الذين يصابون بهذا الداء بسبب الجاه و الثروة ، قال تعالى : " كلا ان الانسان ليطغى ان رأه استغنى " (1)[ إن الله لا يحب الفرحين ]

لانهم ينسون الله فينساهم ، بل كثير ما يجرهم الفرح لمبارزة الله .

[ 77] الدنيا سلاح ذو حدين فإما تؤدي بصاحبها الى النار و ذلك حين يتصورها هدفا بذاتها ، و أما ان تؤدي به الى الجنة و ذلك حينما يتخذها مطية لعمل الصالحات ، فالغنى يصير فضيلة اذا استخدمه صاحبه في سبيل الله .

هكذا يقول الامام أمير المؤمنين عن الدنيا :

" من أبصر بها بصرته ، و من أبصر إليها أعمته " (2)[ و ابتغ فيما ءاتاك الله الدار الأخرة ]

باخراج حق الله و حق المحتاجين ، و صرف المال في عمل الصالحات كبناء المساجد ، و مساعدة الحركات الاسلامية ، و الاسلام لا يطالب الانسان بإعطاء كل ماله في سبيل الله ثم يجلس خالي اليد ، بل يطالبه بالإعتدال في الانفاق بقوله(1) العلق / 6 - 7 .

(2) عن نهج البلاغة / خ 82 .


تعالى في سورة الفرقان : " و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما " (1)[ و لا تنس نصيبك من الدنيا ]

و هذه الآية دليل على هذا التفسير ، و على خطأ النظرة القائلة بفصل الدين عن الدنيا . إذ بإمكان الإنسان ان يبني مسجدا الى جانب بيت فخم . الا ان للامام علي (ع) تفسيرا آخر ينسجم - مع سياق الآيات - و نفسية شحيحة ، كما كانت عند قارون أمثولة الترف و الفساد، يقول الامام (ع) :

" لا تنس صحتك ، و قدرتك ، و فراغك ، و شبابك ، و نشاطك ان تطلب بها الآخرة " (2)ذلك ان ما يبقى من الدنيا ليس سوى ما يبعثه الانسان الى الآخرة .

ثم أكد السياق ضرورة الإحسان إلى الناس ، و الإحسان هو بذل المزيد من الأموال مضافة الى الحقوق المالية المفروضة ، ولا ريب ان الثروة المكدسة لا تهنىء لصاحبها من دون الإحسان ، و ان لذة روح الانسان من الاحسان أعظم بكثير من لذة بدنه بالترف ، كما أن الإحسان يمتص نقمة المحرومين على صاحب الثروة ، و يحولها الى ذكر حسن ، و ثواب عند الله عظيم ، بينما الشح يؤدي الى الفساد و الاستكبار في الارض .

[ و أحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله( 1) الفرقان / 67 .

(2) تفسير نمونة / ج 16 / ص 156 .


لا يحب المفسدين ]

و لعل نهاية الآية ( 76 ) " ان الله لا يحب الفرحين " تلتقي مع هذه الآية في ان الغرور ( الفرح ) يؤدي للفساد في الارض .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس