بينات من الآيات [ 18] [ و إن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم و ما على الرسـول إلا البــلاغ المبين ]
لستم اول من كذب ، فقبلكم امم قد كذبت ، و حاق بها العذاب ، فاعتبروا ! و ليس على الرسول الا ان يبلغكم ، و قد سبق القول : ان من مشاكل الانسان النفسية انه يعتقد بان الهداية ليست من مسؤوليته ، و لكن القرآن الكريم يؤكد على ان السعي وراء الهداية من مسؤولية البشر نفسه ، و ليست مسؤولية الانبياء ، فمسؤولية الانبياء تنتهي بمجرد التبليغ ، وعلى الانسان ان يسلك بقية الطريق .
[ 19] [ أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده ]ان بعض انواع المخلوقات لها اعمار مديدة جدا ، و العرب يضربون المثل في طول العمر بالغراب ، يقال : ( عندما يشيب الغراب ) لأن الاباء و الابناء يرون الغراب نفسه رغم تعاقب الاجيال ، و هذه الانواع لا يمكن للفرد مراقبة اطوار حياتها ، و هناك انواع أخرى قصيرة الاجل كالذبابة أو البعوضة التي لا تعيش أكثر من ثلاثة ايام ، و كذلك هناك بعض الحشرات التي لا تلبث سوى ساعتين هما كل عمرها ، و يمكن للانسان ان يراقب ولادته و نهايته ببساطة ليعرف كيف يولد بيسر ، و كيف ينتهي بلا ضوضاء ، و ليعتبر ان عودته كما بدايته سهلة ولا يعجز الله شيء ، ولا يصعب عليه فعل سبحانه .
[ إن ذلك على الله يسير ]
فإرادته سبحانه بين الكاف و النون .
[ 20] [ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ]ان قضية السير في الارض لا يمكن ان تدرس في الغرفة المغلقة ، و انما على الطبيعة . ينقب الانسان عن الاثار ، و يبحث في الطبقات ، و يدرس الحفريات ، حتى يفهم كيف ابتدع الله الخلق ابتداعا .
و كل واحد قادر على ان يلاحظ تطورات الحياة ، من خلال سيره في الارض ، بأعين مفتوحة ، و قلب واع ، و ضمير يقظ .
[ ثم الله ينشىء النشأة الأخرة ]
اذا عرفنا ان الخليقة لم تكن ثم كانت ، و ان تحريكها يتم بصورة غيبية ( أي بتدخل قوة خارجية في الكون ) نعرف بان الله هو الذي خلقها ، و نعرف ان الذي خلقها قادر على ان يعيدها بعد ان يميتها وآنئذ نؤمن .
[ إن الله على كل شيء قدير ]
لأنه يقلب الحياة خلقا بعد خلق ، و نشأة بعد نشأة .
[ 21] [ يعذب من يشاء و يرحم من يشاء ]
لأنه المالك المتصرف ، ولا احد يستطيع الاعتراض على مالكيته - شاء أم أبى - فهو الذي خلق ، و وهب الحياة ، و اهدى الوجود ، و رزق الكائنات ، فان عذب فبعدله ، و ان رحم فبعفوه و تجاوزه .
[ و إليه تقلبون ]
الى الله المآب و المرجع .
[ 22] [ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ]فلا تمنى نفسك بالتهرب من الجزاء ، كما يمني المجرم نفسه بالفرار ، فان عرف المرء منذ البداية انه لا فرار من العقوبة فسوف يرتدع عن الجريمة .
[ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ُ]
و هذا رد لمن يمني نفسه بالشفاعات ، و يظن مثلا ان عيسى (ع) سيفديه بنفسه ، و يدرء عنه العذاب ، الا ان الحق تبارك و تعالى يقول : لا عيسى ولا سائر الانبياء ولا الاولياء يستطيعون ان ينقذوكم من عذابه الا باذن منه .
و ينذر ربنا الكفار الذين لا يؤمنون بيوم القيامة ، بانهم يائسون من رحمته ، فلا ينتظروا منه رحمة - و هو الذي و سعت رحمته كل شيء - فلا يتمنوا عليه ان يدخلهم جنات النعيم ، الا بعد الايمان و اصلاح أنفسهم .
[ 23] [ و الذين كفروا بآيات الله و لقائه أولئك يئسوا من رحمتي ]و لعل الآية تشمل فيمن تشملهم اولئك الذين يدعون الإيمان بالآخرة ، و لكنهم يبنون عملهم و سلوكهم على أساس عدم وجود النشور .
[ و أولئك لهم عذاب أليم ]
و أحد انواع العذاب اليأس .
ان المؤمن على العكس من ذلك ، فهو يعيش الرجاء ، فالرجاء يعطي فرصة التفكير في المستقبل ، و التخطيط للنجاح ، و بلوغ الأهداف ، و قد صدق الشاعر حين قال :
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأملفالعيش ضيق ، و العمر كئيب ، و الحياة مظلمة لولا فسحة الامل ، و لكن الكافر لا يملك فسحة الأمل ، ولا روح الرجاء ، لانه لا يثق بالله سبحانه ، لذلك يعيش الألم .
[ 24] تلك كانت خلاصة ما قاله النبي إبراهيم (ع) لقومه : اذ أمرهم بالفتح أعينهم ، و السير في الأرض ، و النظر في سير الآخرين ، و الاستخدام لعقولهم .
[ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ]طلب ابراهيم (ع) من قومه التعقل و التروي قبل الحكم السريع ، و مناقشة واقعهم الفاسد على ضوء الادلة ، و مع ذلك لم يبدو منهم الا العناد و الرد القبيح بالقتل أو الحرق .
[ فانجاه الله من النار ]
وما أوسع رحمة الله اذ لم ياخذهم بالعذاب بغتة ، فنحن لم نقرأ في التأريخ أو في القرآن : ان الله عذب قوم نمرود أو دمرهم ، أو انزل عليهم رجزا من السماء ، و انما قرأنا ان الله سبحانه انجى نبيه من نارهم ، فخرج مهاجرا عن القوم الظالمين .
[ إن في ذلك لأيات لقوم يؤمنون ]
أجل . ينبغي ان يكون أملنا بالله تعالى قويا ، فرحمته و سعت كل شيء ، و قد سبقت رحمته غضبه ، فهو مولانا . عليه توكلنا ، و اليه انبنا ، و اليه المصير .
|