فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 44] قد يعرف الفرد حقيقة واحدة تفتح له ابواب المعرفة و قد يجهلها فتصبح كل معلوماته لغزا ، و الوحي الالهي يذكرنا أبدا بتلك المعارف التي هي كالمفتاح تفك رموز الخليقة . منها : ان بناء الارض و السمــوات قائــم على أساس الحق .

[ خلق الله السموات و الأرض بالحق ]

فهي ليست تصورات ، ولا تمنيات ، ولا تمشي حسب اهواء هذا و ذاك ، ولا هي مخلوقة عبثا وبلا هدف .

ارايت لطف الخلق و دقته ؟! أو رأيت فيه ثغرة أو فطورا ؟! هل رأى فيه احد لعبا و لهوا وعبثية ؟!

الا تنظر الى اتقان صنع المجرات التي تكاد لا تحد ؟! واتقان صنع البعوضة ؟! افلا ترى حالة التكامل بين ابعد مجرة ، و اصغر دابة بل احقر جرثومة ؟!

الله اكبر . انه محور الحق الذي لا يحيد عنه شيء ، و لكن لماذا لا نعي نحن هذا المحور العظيم الذي تهدي اليه كل الشواهد و الآيات . اتدري لماذا ؟

القرآن الكريم يجيب قائلا :


[ إن في ذلك لأية للمؤمنين ]

هل تستقبل الصخرة الصلدة بركات الغيث ، و هل تنبت زرعا ، أو تحفظ ماءا ؟ كلا .. لانها ليست بذات قابلية ، كذلك القلب الصخري المعاند الذي يخلق في ذاته صنما فيعبده و يزعم بانه الحق ، و يغلق على نفسه منافذ المعرفة .

الايمان هو التسليم ، و التسليم هو التصديق ، و القلب الذي يرفض سلفا قبول اي فكرة كيف ينتفع بآيات العلم ؟!

[ 45] لماذا يتحجر قلب البشر ، و كيف نزيل قسوته و نجعله لينا ، أولا اقل كيف نحافظ على القلوب الخاشعة الا تقسوا ؟

الجهل ، و الغفلة ، و اتباع الهوى ، و طول الامل ، و العادات السيئة ، و الافكار الباطلة ، و وساوس الشيطان ، و ظنون النفس ، و تمنيات القلب كل أولئك يمكن ان تكون حجبا سميكة على القلب ، أو مغاليق لا تفك على ابوابه ، و على الانسان ان يقوم بجهد مكثف و دائم لتطهير قلبه ، و فك اقفاله ، و فتح منافذه و لكن بماذا ؟

بالكتاب ، بالصلاة ، بذكر الله .

[ اتل ما أوحى إليك من الكتاب ]

القرآن شفاء لما في الصدور ، كل آية منه تفتح سبيلا للهداية الى القلب ، و تطهر جانبا منه ، وعلينا ان نتلوه في آناء الليل و أطراف النهار ، و نتدبر فيه ، و نلين قلوبنا القاسية بآياته .

[ و أقم الصلاة ]


= دعنا نصلي صلاة الخاشعين لا صلاة الساهين ، و عندئذ نعرف مدى الفائدة العاجلة التي نستفيدها منها . و لعل كلمة ( الاقامة ) تعني اتيانها بشروطها ، و من شروطها السكينة و الخشوع . و الفائدة العاجلة التي نرجوها بإقامة الصلاة تركيز التقوى في القلب ، مما تبعدنا عن الذنوب الكبيرة و الصغيرة .

[ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ]

و لعل الفحشاء هي الخطايا الكبيرة التي لا يمكن تبريرها كالقتل ، و الزنا ، و النهب ، و السرقة ، و الاعتداء على حقوق الناس علنا .

أما المنكر فلعله الذنوب التي ينكرها القلب ، و قد لا يعرف عنها المجتمع كالمساهمة في قتل الناس عبر اسقاط شخصياته بالغيبة و التهمة ، و كذلك الغش و الرشوة و هكذا الرياء و النفاق و .. و ..

[ و لذكر الله أكبر ]

ان من عظمة الصلاة انها ترسخ في القلب عقيدة التوحيد و التي هي الينبوع الصافي لسائر العقائد السليمة .

و لعل الآية تشير الى ان جوهر الصلاة هو ذكر الله ، و لذلك كان علينا ان نهتم به سواء في الصلاة أو في حالات أخرى ، ذلك ان ذكر الله يحصن القلب من وساوس الشيطان ، و يحفظه من همزاته ، و يقاوم الغفلة و الاسترسال .

و من المعروف ان ذكر الله ليس مجرد التلفظ بـ " الله اكبر - لا إله الا الله " و انما هو تذكر الله عند المعصية فيصبر عنها ، و عند الطاعة فيندفع اليها ، و عند المصيبة فيتسلى عنها ، و عند الزحف فلا يولي الدبر .


[ 46] الآيات التي مضت كانت تبين قصص الانبياء مع الأمم ، و لعل ذلك كان مناسبة للحديث عن موقف الاسلام من الرسالات السابقة ، و جاء الجواب : ان الموقف ايجابي و يتلخص في :

الف : الجدال بالتي هي أحسن ، دون خشونة أو عنف .

باء : توجيه العنف الى الظالمين منهم كما يوجه العنف ضد الظالمين من ابناء الامة الاسلامية .

جيم : بيان أسس الوحدة بينهم و بين المسلمين .

[ و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ]

جاء في بعض الروايات ان معنى هذا الجدال : ان تستدل بالادلة الواقعية ، و ألا تنكر حقا يستشهد به صاحبك ، و لاتدعي باطلا لإثبات حقك .

[ إلا الذين ظلموا منهم ]

ومن هذه الآية نستوحي : ان الاســلام لا يهــتم فقــظ بالمسلمين - كطائفة بشرية - انما ايضا بابناء الطوائف الاخرى ، فيقاوم الظلم انى كان و على أي شخص وقع ، مسلما كان أو نصرانيا أو يهوديا وحتى لو كان مشركا .

الاسلام رسالة الله لانقاذ الانسان كانسان ، و على المسلم أن يكون نصيرا للمظلوم انى كان ، و جاء في حديث :

" من سمع رجل ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم "[ و قولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم و إلهنا و إلهكمواحد و نحن له مسلمون ]

و الواقع : ان وجود محور توحيدي واحد يؤمن به الجميع هو امتن أساس للتعايش السلمي بين الديانات .

[ 47] قد تشتبه الامور على بعض اهل الكتاب ، بينما البعض الآخر يسارع للايمان بالرسالة التي ختم بها الله رسالاته لمعرفته بجوهر الرسالات الآلهية ، الذي يتجلى بافضل صوره في هذه الرسالة .

[ و كذلك أنزلنا إليك الكتاب ]

لعل معناه : كما أنزلنا على الرسل من قبلك .

[ فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به ]

لانهم يجدونه مكتوبا عندهم ، و لأنهم يجدون فيه شواهد الصدق التي كانت في الكتب السابقة .

[ و من هؤلاء من يؤمن به ]

لعل المراد بهم الموجودون في الجزيرة من غير أهل الكتاب .

[ و ما يجحد باياتنا إلا الكافرون ]

الذين يكفرون بنعم الله ، و تنطوي قلوبهم على مرض ، و إلا فان هذه الآيات واضحة لا ريب فيها .

[ 48] و مــن شــواهد صدق الرسول تفجر ينابيع الوحــي علــى لسانــه مــرة واحدة ، دون تكامل ذلك عبر التعلم أو بالتدريج ، و دون ان يتصل بالوسط الاجتماعي الذيهو فيه ، بل و من دون ان يكون لذلك الوسط اثر عليه ، بل يأتي ابدا تحديا لمفاسد الوسط ، و فتحا لآفاق جديدة من المعارف عليه .

[ و ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لأرتاب المبطلون ][ 49] و من شواهد الصدق على رسالة الاسلام يقين اهل العلم و الحكمة و الفضيلة في الامة بها ، ففي الناس - في كل عصر و مكان - طيبون و آخرون فاسدون ، و من خلال تمسك الطيبين بفكرة نستشهد على صحتها ، كما ان في الناس علماء و جهال و ايمان العلماء بخط يزيدنايقينا بصدقه .

[ بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ]

و هم في هذه الامة أئمة الحق من آل بيت الرسول - صلى الله عليه و آله و سلم - و العلــماء بالله ، الامناء على حلاله و حرامه ، و هم اهل الذكر الذين أمرنا بالسؤال منهم .

[ و ما يجحد باياتنا إلا الظالمون ]

أما الفئة الكافرة بالكتاب فهم اولئك المنبوذون عند العرف ، الذين يظلمون الناس ، اذا من خلال طبيعة المؤمن و الكافر بالرسالة نعرف مدى صدقها .

[ 50] و يطالب الكفار - جدلا - بالمزيد من الآيات و الآيات الخارقة ، بينما لا تجديهم الآيات نفعا ، لانها لو نزلت فكفروا بها لنزل بهم العذاب .

[ و قالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه قل إنما الايات عند الله ]فهو الذي ينزلها متىما شاء بحكمته و بعد ان تنتهي فرصة القوم .

[ و إنما أنا نذير مبين ]

ان الثقافة الجاهلية تلعب دورا هاما في تبرير اخطاء الكفار المنهجية ، و لعل الآيات التي كانوا يطالبون بها كانت تدور حول موضوعات لا غنى فيها كالجدليات البيزنطية ، بينما مهمة الرسول الاولى الانذار لا لكي يكرههم على الايمان ، بل لكي تستضاء قلوبهم فيؤمنواطوعا لينتفعوا بالايمان ، و هذا - فيما يبدو - هو المنهج السليم للدعوة و به يتحقق الجدال باللتي هي أحسن .

[ 51] [ أو لم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة و ذكرى لقوم يؤمنون ]أوليس دليلا كافيا على عظمة هذا الكتاب الذي نستكشف منه رؤى الحياة و بصائر العمل انه رحمة للعالمين ، حيث يقدم لهم برامج الحياة السليمة ، و الرؤى الواضحة الصحيحة ، و حيث يقوم بتذكير المؤمنين الذي رفعوا عن أنفسهم حجاب الجهل ، و التكبر ، فأثار فيهم دفائن عقولهم ، و استحث هممهم الناشطة من اجل السير قدما في مسيرة تحرير الأرض و الانسان من عبودية الأوثان الى عبادة الله الواهب المنان .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس