بينات من الآيات [ 52] الرسالة هي تجسيد لصفات الله ، و هذا ما نلاحظه من خلال تجلي أسماء الله في الرسالة ، فهي آية من آيات الرحمة ، و الحكمة ، و العظمة و غيرها ، و بنظرة في الرسالة نعرف أن ربنا رحيم ، حكيم ، عظيم ، و الى غيرها من أسمائه الحسنى .
و من جهة أخرى فإن الرسالة هي تحقيق لتطلعات العقل و الفطرة ، فقد دخل اعرابي ذات يوم على رسول الله (ًص) طالبا منه النصيحة ، التي لا يحتاج بعدها إلى نصيحة أخرى ، فكان أن وضع رسول الله يده على قلب الرجل و قال : " ما قال لك هذا فافعل ، و ما قال لكهذا لا تفعل فلا تفعل " فالرسالة هي تلبية لنداء الفطرة ، و ارواء لعطش الوجدان ، و ليس بين الرســالة والعقل تناقض ، و لذلك جاء في بعض الروايات : " إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة ، و حجة باطنه ،فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة - عليهم السلام - و أما الباطنة فالعقول " (1) و شهادة العقل دليل على صحة الرسالات .
و من دلائل صدق الرسالة تلك الانتصارات الهائلة التي يمن بها الرب على عباده المؤمنين ، بالرغم من قلة عددهم ، و ضعف عدتهم ، حيث يقول سبحانه : " و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون " (2) و المعاجز الخارقة و غيرها نتيجةاستجابته لدعائهم ، و حينما نقف مع الرسالة ، و نؤمن بالله ، فان الحياة ستسخر لنا ، و في الحديث القدسي : " عبدي أطعني أجعلك مثلي ، أنا حي لا أموت ، أجعلك حيا لا تموت ، أنا غني لا أفتقر ، أجعلك غنيا لا تفتقر ، أنا مهما أِشاء يكن ، أجعلك مهما تشاء يكن " (3) و هذه شهادة أخرى .
و شهادة الله تتجسد أيضا في الحقيقة الفطرية التي يؤمن بها جميع الناس ، و هي حقيقة الخالق و المخلوق ، فلابد للكون من إله ، و لكن هذه المعرفة إجمالية ، و إذا أردنا المعرفة التفصيلية ، فان ذلك لا يأتي إلا من خلال الايمان بالله ، و معرفة آياته ، و هذا لا يأتي أيضا إلا من خلال التزامنا بتعاليم الرسالة ، و تطبيق أحكام الشريعة الغراء .
[ قل كفى بالله بيني و بينكم شهيدا يعلم مافي السموات و الأرض ]إن الله يعلم ما تسرون و تعلنون ، و يعلم خفاياكم ، و هو الشاهد على ما تعملون من خير أو شر ، من حق أو باطل ، و ليس الله بظلام للعبيد .
(1) بحار الأنوار / ج 1 / ص 137 ( من وصية الامام الكاظم (ع) لهشــام بــن الحكم ) .
(2) آل عمران / 123 .
(3) كلمة الله / ص 141 / نقلا عن آمالي الصدوق .
[ و الذين ءامنوا بالباطل و كفروا بالله أولئك هم الخاسرون ]و هناك علاقة حتمية بين الإيمان بالباطل و الكفر بالله ، فبمقدار إيمانك بالباطل يكون ابتعادك عن الله و كذلك العكس .
[ 53] [ و يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب و ليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ]إن مشكلة السواد الأعظم من الناس هي انهم لا يفهمون أن الزمن هو سبيل الامتحان الذي رست عليه قواعد الحياة ، حيث يفصل بين العمل و الجزاء و لذلك يطالب البعض بتعجيل العذاب ، و لكن الله يعدهم بالعذاب حيث لا يتمكنون من التوبة أو العودة .
[ 54] [ يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ]إن الحقائق موجودة ولكنا لا نراها ، و هي أشبه ما تكون بالطاقة الكامنة في الأشياء ، فعندما تأكل مال اليتيم فانما تأكل في بطنك نارا ، و الكذب رائحة نتنة تخرج من فمك ، و لكن جميع هذه المظاهر لا ترى الآن ، إلا إذا تغيرت طبيعة الكون ، وحينها يصبح المالنارا ، و الكذب نتنا ، و هذا هو العذاب الذي به يكذبون ، و هكذا تكون جهنم محيطة بالكافرين .
[ 55] [ يوم يغشاهم العذاب من فوقهم و من تحت أرجلهم و يقول ذوقوا ما كنتم تعملون ]في ذلك اليوم سيغشاكم العذاب من كل حدب و صوب ـ و جزاؤكم من عين أفعالكم ، و ستذوقون ما كنتم تعملون .
[ 56] بعد أن ذكرنا القرآن بشهادة الله التي تكفي عن كل شهادة على صدق رسالاته ، و بين أن الكافرين هم الخاسرون وليس المؤمنون ، و ان تأخير العذاب عنهم لا يعني انه يمكن التخلص منه . كلا .. بل هو موجود فعلا و محيط بهم ، إذ أن أعمالهم هي التي يذوقونها عذابا حين يغشاهم من أطرافهم ، و بالتالي بعد أن هز السياق ضمائرهم أخذ يعالج العقبات التي تعترض طريق الايمان ، و من أبرزها : هيمنة الجبارين ، فأمر بالهجرة عن بلاد الكفر قائلا :
[ يا عبادي الذين ءامنوا ان أرضي واسعة فإياي فاعبدون ]أنت عبدي و الأرض أرضي ، فاسع فيها واعبدني ، و لاتخضع لسلطة الطغاة ، لانهم يرهبون الناس من الموت ، و على الانسان أن يتحرر من خوف الموت بمعرفة أنه لا ريب ذائقه ، حتى يخرج من عبادة الطغاة إلى عبادة الله .
[ 57] [ كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون ]
[ و الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ]الغرفة هي : الغرف المرتفعة ، و هي قصر المؤمن ، حيث ينعمون بالخلود ، و الشباب ، و الحور العين ، و خدمة الولدان جزاء عملهم وإيمانهم ، و هكذا يكون جزاء العاملين .
[ 59] [ الذين صبروا و على ربهم يتوكلون ]
و لكن هذا الجزاء ليس بلا ثمن ، فثمنه الصبر و التوكل ، و هي من صفات المؤمنين . الصبر يعني تحمل الصعاب من أجل مستقبل أفضل ، و التوكل يعنياستخراج كنوز الذات من أجل العمل .
[ 60] [ و كأيــن مــن دابــة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ]من الآيات الأربع الماضية يبين الله حجابان يعيقان فهم الانسان للوصول إلى الحقائق و هما :
|